صطفى بورشاشن
عرفت مصر تحولات عميقة عقب 4 سنوات من اللااستقرار و التغييرات المتوالية و المشاكل و الصراعات ُتوًِجت- بشكل من الأشكال - بانتخابات شهد العالم كله على نزاهتها و أتت بمرشح حزب'' الحرية و العدالة'' الذراع السيسي لجماعة '' الإخوان المسلمين ''إلى سدة الحكم .
عرفت السنة التي حكم فيها الدكتور'' محمد مرسي'' مجموعة من الإختلالات و الأخطاء على مختلف المستويات رغم محاولات الإصلاح و تجاوز تراكمات 60 سنة من حكم العسكر ، أخطاء أحسن استغلالها الإعلام - الذي عرف إزدهارا و حرية إلى أبعد الحدود في عهد الإخوان المسلمين - كما أحسنت القوى غير الثورية في تضخيمها و دفعت بمجموعة من شركاء الثورة إلى الدعوة إلى إنتخابات مبكرة.
لم تكن القوى'' التقدمية'' و حدها من دعت إلى إعادة النظر في سياسات د.مرسي بل حتى القوى'' الإسلامية'' فبين الواقعيين الذين نددوا بخطورة الإعلام و السياست اللاممنهجة و المرتبكة و كذا تقوية الخصوم كان حازم صلاح أبو إسماعيل الذي حذر مرسي باستمرار من انقلاب عسكري و شيك لم يأخذه مرسي بعين الإعتبار و رجح حسن الظن في'' إخوانه'' بالمجلس العسكري .
كل هذه الأحداث أدت في النهاية إلى إطلاق مبادرة ''تمرد'' التي قضت بخلع الحرية والعدالة من السلطة و القيام بانتخابات توافقية مما أدى بالإخوان المسلمين و المتعاطفين معهم إلى التظاهر في مجموعة من الميادين كان أشهرها ميدان رابعة العدوية و أبانوا عن ثبات و صبر كبيرين امتدا من 28 يوليو إلى 14 غشت-أغسطس ٢٠١٣ انتهى بفض الإعتصام و قتل أزيد من 2000 متظاهر عقب تفويض معارضي الإخوان لوزير الدفاع إبان حكم مرسي عبد الفتاح السيسي .
ثارت ثائرة المساندين لحكم الإخوان و الغيورين على الحرية و قالوا أن هذا إنقلاب عسكري مكتمل الأركان بينما فرح الكثيرون من من عارضوا الإخوان أو اختلفوا معهم أدلوجيا أو من كان حنينهم لفساد النظام السابق -مع الإشارة إلى أن الكثيرين ممن ساندوا الإنقلاب كانوا ضحايا إعلام فاسد احترف التعمية و القولبة و قلب الحقائق- .
دعمت جل الأنظمة العربية الإنقلاب المصري و أشادت الدول الغربية بما حدث و وسمته بإحترام الإرادة الشعبية بينما أكد المجلس العسكري على أن ما حدث كان في صالح المصريين و مستقبلهم
عُيًِن عدلي منصور -نائب رئيس المحكمة الدستورية العليا إبان حكم الرئيس المخلوع حسني مبارك و رئيس المحكمة الدستورية إبًَان حكم مرسي- رئيسا مؤقتا لمصر ، و اتخذ مساندوا الإنقلاب السيسي رمزا للثورة بينما أكد هو استمرارا عدم ترشحه للرئاسة و حُسن نيته و أمله في مصر الحريات و يقينه في مستقبلها الزاهر و حكم عدلي منصور مصر سنة إلا شهرا صوريا في مهزلة سيخلدها التاريخ بينها كان قائد مصر الفعلي هو الفريق أول عبد الفتاح السيسي آنذاك .
توالت الأحداث و المشاكل وبدأت حقيقة الإنقلاب تتبين إلا أن فئة عريضة من الشعب المصري أعماها العداء الأدلوجي و السياسات الإعلامية و الأحلام الوردية الآملة في غد أفضل إنتهت بانتخاب المشير عبد الفتاح السيسي رئيسا لمصر في مهزلة تاريخية أخرى و إنتخابات عرف الصغير قبل الكبير نتائجها و انتهت بترتيب المترشح الثاني حمدين صباحي في المركز الثالث بعد الأصوات الملغاة !
عرفت فترة حكم السيسي شططا و جهلا بالسياسات و البرتوكلات بينما حظيت بتدعيم عربي-خليجي و عداء لكل من والى الإخوان و عادا الكيان الصهيوني .
وصُدم الكثيرون ممن وَالوا السيسي إبان'' ثورته'' بالكم الهائل من الولاء للصهاينة إبان حرب غزة بينما رأى فيها آخرون فرصة سانحة لموالاة الصهاينة و إظهار قَناعاتهم الحقيقية .
كما أن قمع الحريات ليس فقط في صفوف مؤيدي الشرعية بل حتى في من فكر في انتقاد السيسي و سياساته من موالي الإنقلاب !
و عودة لموضوع الساعة ، عرفت المحاكم بأنواعها شططا و ولاءاََ منقطع النظير للنظام السابق و كالت التهم بالجملة لكل من عارضوا حكم السيسي ووالوا الإخوان أو تعاطفوا معهم و في المقابل توالت البراءات لأعضاء النظام السابق لتنتهي بالقاضية إبان الإعلان عن براءة الرئيس المخلوع حسني مبارك من الإختلالات المالية و قتل المتظاهرين بل و حتى وزير داخليته حبيب العدلي إضافة لمجموعة من الرؤوس المعروفة بفسادها حتى من طرف موالي النظام السابق .
قد يظن البعض أن هذا القرار كان آخر خيط في نعش الثورة و كان حصيلة عادية لمجموعة من الإختلالات و التنازلات كان أكبرها الإنقلاب العسكري لكن الدارس لتاريخ الثورات و لنفسية الجماهير يتأكد من أن براءة مبارك كان ضرورية ليقتنع المشككون بأن ماحدث إنقلاب جاء ليدعم الفساد لا ليدحضه و كان وكزة يحتاجها الشعب المصري ليثور من جديد ضد من ركبوا على ثورته و استغبوه و أبدلوه قمعا أكبر من ما كان فيه .
إن من يطلع على قصص المستبدين يدرك أن مثل هذه القرارات منذرة بالإنفجار فعندما ظن فرعون أن البحر انشق له ليقبض على موسى و من معه كانت نهايته ، و عندما يظن السيسي و من معه أن الإفراج عن مبارك جاء في وقت اندمل فيه جرح الثورة و نُسيت فيه دماء الشهداء سيثور شعب مصر الأبي من جديد فمن ذاق عذوبة الحرية لن يرضى بحنظل القمع . و لو ظهر للمتبع ضعف المظاهرات مقارنة بمليونيات ثورة 25 يناير فإن الطوفان قادم و لن يمهل أحدا ممن استباحوا الدماء و الأعراض .
فقط يبقى سؤال واحد يحتاج الإجابة عليه هل يستطيع المصريون الثورة في ظل نظام أثبت استهانته بالدماء و الأرواح و بعد كل التضحيات التي قدموها إبان 4 سنوات من
الثورات المستمرة ?