أزمة عمال ليديك سابقا: سنستمر في الاحتجاجات إلى حين محاسبة المتورطين في إفلاس التعاضدية

مستجدات الأشغال بمركب محمد الخامس.. انطلاق أشغال الواجهة الخارجية وبطء في باقي المرافق

حواجز إسمنتية تشعل غضب ساكنة السانية بطنجة

طنجة تحتضن بطولة منصة الأبطال في نسختها 11 لكأس أوياما

أخنوش: تمكن الاقتصاد الوطني من خلق 338.000 منصب شغل خلال الفصل الثالث من سنة 2024

أخنوش يعدد نجاحات عدة قطاعات صناعية ويؤكد أن 2023 كانت سنة استثنائية لصناعة السيارات

حصيلة الهجوم على صندوق الموازنة

حصيلة الهجوم على صندوق الموازنة

حمزة - أخبارنا المغربية

      توحي الدعاية الرسمية حول إصلاح صندوق الموازنة خلال السنة الجارية بأن الأمر يتعلق ببرنامج جديد، في حين أن الحكومة شرعت في تطبيق الهجوم مند عقدين ونصف بحيث يمكن القول إن نظام الدعم قد جرى تصفيته بكامله تقريبا، ولم يتبق منه إلا الهيكل. فبعدما كان عدد المواد المدعمة في بداية السبعينات يبلغ سبعة، هي الحليب و الزبدة و الزيت و السكر و غاز البوتان و الدقيق الوطني فارينا و الدقيق الممتاز المستخرج من القمح الصلب، لم يتبق منه حاليا إلا ثلاثة هي السكر و الدقيق الوطني و غاز البوتان. و هذه المواد نفسها جرى تحريرها جزئيا مند مدة طويلة. غاية تجديد الكلام عن الإصلاح، إذن، هي استكمال الهجوم بالقضاء على مبدأ الحق في الدعم عن طريق إقناع الفقراء بعدم جدوى التشبث به. 

دور صندوق الموازنة

يشكل نظام دعم المواد الغذائية الأساسية المعروف بصندوق الموازنةء او المقاصةء جزأ من سياسة السدود التي طبقتها الدولة ابتداء من أواسط الستينات إلى بداية الثمانينات، لذلك يبدو ضروريا التطرق لمضمون هذه السياسة كي يسهل التعريف بصندوق الدعم. كان هدف سياسة السدود تشجيع الاستثمارات الرأسمالية في الزراعة، لذلك تركز أغلب المجهود الاستثماري المالي للدولة على المحاور السقوية التي تتركز بها الأراضي بين أيدي الملاكين الكبار. و قد استفاد هؤلاء من خدمات بنيات تأطير و دعم تقني تابعة للدولة كالخدمات التي كانت تقدمها المكاتب الجهوية للاستثمار الفلاحي و الشركات التابعة للدولة كفيرتيما التي كانت تقدم مخصبات بأقل تكلفة ... بالإضافة إلى الدور الذي لعبه البحث الزراعي وتكوين الأطر في إمدادهم بأطر تقنية فلاحية. قامت الدولة أيضا بتقديم حوافز مالية مغرية للمستثمرين شملت إعفائهم من جزء هام من تكاليف التجهيزات المائية وإعفاأت على استهلاكه و دعم مالي لصالح عوامل الإنتاج و تقديم قروض بشروط تحفيزية و إعفاء استثماراتهم من الضريبة الفلاحية.

كانت الدولة، أخيرا، تتوفر على مخطط لتنمية إنتاج المواد الغذائية الأساسية كالحليب و الزبدة والقمح الصلب و القمح الطري و الشعير و الدرة و المنتجات الزيتية و السكرية و القطاني. و فضلا عن تقديم الدعم التقني لتطوير إنتاجية هذه المواد كتقديم البدور المنتقاة، عملت الدولة من خلال هذا المخطط على تقوية الحماية الجمركية للسوق الداخلي. وكانت تنهج سياسة للتسويق تشمل الإشراف على واردات هذه المواد و تحديد رسمي لأسعارها لدى الإنتاج بحيث تضمن بموجبها أرباح المنتجين الكبار. و استكملت سياستها بإرساء دعم لأسعار استهلاك أغلب هذه المواد من خلال صندوق الموازنة.

كان دور صندوق الموازنة متمثلا في الحفاظ على أسعار استهلاك منخفضة مقارنة بسعر إنتاجها و تحويلها العالي، لذا يقدم الدعم لتعويض الفارق مباشرة إلى معامل التحويل. و قد كانت هذه الأخيرة تقتني هذه المواد لدى المزارعين بالأسعار الرسمية لدى الإنتاج العالية و المتضمنة لهامش ربح مضمون. كما كانت تحصل على واردات المواد المذكورة مضاف إليها رسوم الحماية الجمركية العالية. و فضلا عن تضمنه لجزء من سعر اقتناء هذه المواد، كان الدعم يشمل أيضا جزأ من تكلفة التحويل نفسها كالتخزين و التلفيف و النقل...إلخ. و بذلك كان صندوق الموازنة يحافظ أيضا لأرباب معامل التحويل على هامش ربح مضمون.

باختصار يتمثل الدور الطبقي لنظام الدعم في تدخل الدولة موجهة "بسياسة السدود" و ضمنها سياسة استقرار الأسعار في كل مراحل مسلسل الإنتاج لتحديد سعر البيع لكل طرف، أي في الأخير هامش ربح لكل من المزارعين و الوسطاء و شركات التحويل. و لا يتحدد حجم الدعم إلا عند نهاية هذا المسلسل عن طريق تحديد الفارق بين سعر التكلفة النهائي و سعر البيع العمومي، ويتم رصد الدعم ليغطي هذا الفارق. يتوقف حجم الدعم، إذن، على حجم التراكم الذي يحدث عند كل مرحلة من مراحل تشكل سعر التكلفة. أي أن كل درهم يثقل، بسبب أو لآخر، هذا السعر هو في النهاية درهم إضافي تتحمله الدولة. فبالنسبة لمنتجي المواد الغذائية الأساسية تخدم سياسة الأسعار الرسمية لدى الإنتاج مصالح ملاكي الأراضي من البرجوازيين، حيث استطاعوا بفضلها أن يجنوا أرباح هائلة لأنهم يوجهون معظم الإنتاج نحو السوق. لكنها غير ذات جدوى بالنسبة للفلاحين الصغار الذين يشكلون الغالبية الساحقة من سكان القرى لأن إنتاجهم يوجه فقط لتلبية استهلاكهم الذاتي. أما بالنسبة لشركات التحويل فقد ضمنت لها طريقة حساب حجم الدعم أرباحا مهمة. فهي من جهة تمكن المصانع المتوفرة على شروط الإنتاجية من مراكمة أرباح طائلة. فكلما تزايدت المبيعات تزايد حجم الدعم. لكنه يضمن من جهة أخرى حتى للشركات الغير المتوفرة على شروط الإنتاجية أرباح دائمة و مضمونة ما دام الدعم يحتسب على أساس عامل آخر هو حجم التكلفة. إذ كلما ارتفعت التكلفة لسبب من الأسباب إلا و ارتفع الدعم بشكل يضمن للمصانع الحصول على هامش الربح ذاته بغض النظر عن حجم تكلفة بضائعهم. لا يحتسب الدعم،إذن، على أساس سعر المواد الفلاحية المعنية، أي أسعارها لدى الإنتاج فقط، و لكن يبنى اعتمادا على كل ما يثقل حجم التكلفة في مختلف عمليات التحويل الجارية في المصانع. سواء تعلق الأمر بمصاريف الصيانة أو الطاقة أو أجور العمال أو التلفيف أو النقل ...إلخ كلها تتحملها الدولة عن طريق صندوق الموازنة حتى تحافظ لشركات السكر و الحليب و الزيت ... على أرباحها.

هل دعم صندوق الموازنة لا يستفيد منه إلا الأغنياء؟

رغم أن نظام دعم مواد الاستهلاك الأساسية يشكل في جانب منه آلية بيد الدولة لتوطيد مصالح مصانع التحويل و الملاكين العقاريين الكبار و الشركات التجارية، إلا أنه يعد مكسب هام للجماهير الشعبية لأنه يشكل دخلا غير مباشر لاستهلاكهم. يبلغ حجم دعم السكر حوالي 50 في المائة من سعر البيع العمومي، و دعم الخبز يبلغ حوالي 40 في المائة، أما دعم غاز البوتان فيبلغ حاليا أكثر من 60 في المائة من السعر العمومي. و كان دعم الزيت يبلغ قبل إلغائه أكثر من 50 في المائة من السعر العمومي. يبدو إذن أن حجم الدعم يشكل جزأ هام من سعر بيع مواد الإستهلاك المدعمة حاليا أو تلك التي قامت الدولة بإلغائها سابقا. لكن يصبح حجم هذا الدعم تافها جدا إذا قارناه بالدخل الشهري لأسرة عامل تتكون من سبعة أفراد. كانت أسرة هذا العامل تحصل في عقد الثمانينات في المتوسط على دعم سنوي يبلغ حوالي 500 درهم، أي أن رب الأسرة يحصل كل شهر على مبلغ يقارب 40 درهم الذي يمثل نسبة هزيلة مقارنة مع الحد الأدنى للأجور.

روج البنك العالمي، في مسعاه لإلغاء نظام الدعم، أن صندوق الموازنة لا يستفيد منه إلا الأغنياء. و لدعم أطروحة البنك قدمت وزارة الشؤون العامة دراسة تفيد حصول الأغنياء على ضعف الدعم الموجه للفقراء، أي استفادتهم من دعم يبلغ 300 درهم للشخص في السنة، مقابل 150 درهم فقط للفقراء.

باستعمالهما لهذه الحجة يبدو كل من البنك العالمي و الحكومة كمدافعين عن المصالح الطبقية للفقراء، و الحقيقة هي عكس ذلك تماما. فالحجة التي يستند عليها البنك العالمي و الحكومة و المروجة بشكل كثيف في المنابر الصحفية الليبرالية غير صحيحة إلا بشكل جزئي: أولا، لأن مبلغ الدعم المذكور الذي تحصل عليه الأسرة الغنية لا يمثل شيئا بالنسبة لدخلها، في حين أن 150 درهم تمثل حوالي أجر يومان لأسرة عامل بالحد الأدنى للأجور. ثانيا إن جزء من الأغنياء فقط هم الذين استفادوا من نظام الدعم أكثر من بقية الشعب، وبالأخص فقراءه، وهم ملاكي الأراضي الكبار المنتجين للمواد الغذائية الأساسية، و أرباب المطاحن، و أرباب معامل الزيت و السكر و الحليب، خاصة المجموعة الرأسمالية الاحتكارية أونا التي احتكرت لعقود لوحدها تقريبا إنتاج هذه المواد الثلاثة.

حصيلة هجوم البنك العالمي على صندوق الموازنة

شرع كل من البنك العالمي و الحكومة في الهجوم على نظام دعم المواد الغذائية الأساسية بالموازاة مع تنفيذ سياسة التقويم الهيكلي في القطاع الفلاحي التي دخلت حيز التطبيق منذ 1985 وتجلت أهم مظاهرها في: إلغاء دعم عوامل الإنتاج بالتدريج وانسحاب الدولة من الأنشطة ذات الطابع التجاري خاصة تجارة المخصبات والخدمات البيطرية. وفي المحاور السقوية تخلت المكاتب الجهوية للاستثمار الفلاحي عن كل تقديم للخدمات والعمليات ذات الطابع التجاري التي أصبحت تباع بسعر السوق. كما جرت خوصصة عدة شركات ذات طابع فلاحي، بعضها كان يقدم خدمات التزود بالبذور والمخصبات...، ساهمت في الحد من تكلفة المواد الفلاحية. يضاف إلى ذلك تحرير واسع للتجارة الخارجية للمنتجات.

كان من الطبيعي أن يستكمل كل ذلك بتحرير أسعار المنتجات الغذائية الأساسية (زيت، سكر، حبوب...) بتواز مع نزع التقنين عن قطاعات التحويل(مطاحن، معامل الزيوت، معامل السكر...) وإلغاء دعم الاستهلاك الذي يشرف عليه صندوق الدعم. كان في مقدمة المطالبين بإلغاء دعم المواد الغذائية الأساسية البنك الدولي في تقريره "كيفية توزيع الدعم الغذائي على فئات السكان ذات الدخل الضعيف" الصادر في أكتوبر1983. وبرر ذلك بثقل حجم مصاريف الدولة من الدعم حسب زعمه ، وأنه لم يؤد إلى تحسين استهلاك الساكنة الأكثر فقرا، وعلى العكس فإن الفئات الغنية هي التي تستفيد. مما حدى بالدولة إلى الاستجابة لتوصيته بإلغاء دعم مادتين أساسيتين لتغذية متوازنة هما الحليب والزبدة وذلك في نفس السنة، وبعدها تواصل الهجوم بالتدريج طوال الثمانينات ليبلغ أوجه في سنة 1996.

و باستثناء سنة 1983 التي قامت خلالها الدولة بإلغاء دعم مادتي الحليب و الزبدة دفعة واحدة، فإنها عملت منذ أواسط الثمانينات إلى حدود الآن على تمهيد الطريق نحو الإلغاء بإجراأت هجومية تدريجية شملت المحاور التالية: رفع أسعار الاستهلاك و التحرير التدريجي لواردات المواد الغذائية و تحديد سقف لتحمل مصاريف الدعم.

فبعد أن ألغت الدولة مادتي الحليب الزبدة من لائحة المواد المدعمة، قامت في سنة 1984 بإلغاء دعم الغازوال الفلاحي، و في السنة الموالية لم يبق الدعم ساريا إلا بنسبة 20 بالمائة فقط من إنتاج الدقيق الرفيع المستخرج من القمح الصلب، كما أصبح الدعم مقتصرا على 80 في المائة فقط من الدقيق الوطني المستخرج من القمح الطري فارينا. و في سنة 1986 حدد دعم الدقيق في حصة قدرها عشرة مليون قنطار فقط، أي أن كل استهلاك يتجاوز هذا السقف لن يخضع للدعم. و في سنة 1988 شنت الحكومة هجوم واسع النطاق شمل تحرير كامل لأسعار القمح الصلب و الشعير و الدرة لدى الإنتاج، بالإضافة إلى إلغاء 20 في المائة الباقية من دعم أسعار استهلاك القمح الصلب. و تقوم الحكومة في سنة 1991 بإلغاء دعم عوامل الإنتاج التي كانت موجهة للمخصبات و البذور. و في سنة 1995 جرت المصادقة على تحرير أسعار المحروقات وذلك بربطها بأسعار السوق العالمية لروتردام.

وصل الهجوم الليبرالي على صندوق الموازنة إلى مداه في 1996 ،مشكلا بذلك منعطفا هاما في اتجاه إلغاء الدعم، إذ شمل الهجوم تحرير واردات الزيت و تحرير أسعار النباتات السكرية لدى الإنتاج: فبالنسبة لقطاع الزيوت جرى في ماي تحرير واردات البذور الزيتية و الزيت بتقليص جدري للاقتطاعات الجمركية التي انتقلت من 25 في المائة إلى 2 ونصف في المائة، كما تم تحرير الزيت الصافي و المشتق في يونيو من السنة نفسها. و يؤدي هذا الهجوم إلى خرابا فعلي لإنتاج حوالي 34 ألف من مزارعي النباتات الزيتية، من نوار الشمس و غيرها. أما بالنسبة لقطاع السكر فقر تقرر في نفس السنة تحرير أسعار النباتات السكرية، أي الشمندر وقصب السكر، لدى الإنتاج. و أصبح التفاوض بشأن الأسعار يتم مباشرة بين المنتجين الممثلين في إطار جمعيات و معامل السكر بعدما كانت محددة بسعر رسمي و مضمون من قبل الدولة. إضافة إلى أن الفلاحين أصبحوا أحرارا في زراعة الشمندر بعدما كانوا ملزمين، في إطار عقود زراعية، بإنتاجه.

تسارع بعد ذلك هجوم البنك العالمي و الحكومة على نظام الدعم، ففي سنة 1998 أعلنت وزارة الشؤون العامة المكلفة بالإشراف على صندوق الموازنة عزمها تطبيق تدبير جديد للموارد المالية للصندوق يقتضي بأن يكون حجم الدعم المرصد مرتبطا بمستوى العجز أو عدمه في الميزانية و أن يستهدف الدعم الفئات الضعيفة. لم يدل الوزير هنا بأي جديد، و إنما كشف فقط البرنامج الذي تطبقه الحكومة منذ أواسط الثمانينات، مجددا التزامها بتطبيق تعاليم البنك بحذافيرها. و في سنة 2000 طبق التحرير الشامل لقطاع الزيوت الغذائية، بما فيها أسعار الاستهلاك و إلغاء دعم صندوق الموازنة. و بدأ في السنة الموالية العمل بمقتضيات قانون الأسعار و المنافسة. و في سنة 2005 خوصصة الدولة أربعة مصانع للسكر لصالح المجموعة الرأسمالية الاحتكارية أونا.

برنامج إصلاح صندوق الموازنة لسنة 2010

خلال السنة الحالية روجت الحكومة لشروعها في تطبيق إصلاح نظام الدعم مستندة على مبررات تكلفته الباهضة و عدم فعاليته مدعية أنه لا يخدم غير الأغنياء، في حين شنت الصحافة الموالية لها حملة دعائية للإصلاح عارضة سيلا من المعطيات لدعم حجج البنك العالمي و الحكومة. ففي بداية السنة شكلت الحكومة لجنة من الجامعيين كلفتها بإعداد برنامج لإصلاح صندوق الموازنة. يرأس اللجنة مستشار الملك مزيان بلفقيه وينسق أعمالها نور الدين العوفي و من بين أعضائها صلاح الذين مزوار و سعد حصار كاتب الدولة للداخلية. أعدت اللجنة برنامجا للإصلاح يتضمن: تحديد سقف لمستوى الدعم والذي لا ينبغي أن يتجاوز 3 في المائة من الناتج الداخلي الخام و إنشاء صندوق موجه للاستثمار الاجتماعي و دمج الولوج إلى الخدمات الأساسية بتوجيه إعانات مباشرة إلى الفقراء. ليس غاية هذه اللجنة إعداد برنامج للإصلاح، وإنما استعمالها كواجهة للدعاية عبر استثمار دور بعض الدارسين الذين يحضون ببعض "الصدقية العلمية" و الصيت في أوساط النخب المثقفة. وقد دأبت الحكومة على تشكيل مثل هذه اللجان الشكلية كإجراء وقائي لمرافقة الإصلاحات الجوهرية، خاصة التي تمس المكاسب الاجتماعية للفقراء. إن من يملك سلطة الإشراف على إعداد البرامج التي تطبقها الحكومة ببلادنا هو البنك العالمي الذي سبق و وضع الخطوط العامة لإصلاح صندوق الموازنة في برنامجه "كيفية توزيع الدعم الغذائي على فئات السكان ذات الدخل الضعيف" الصادر في أكتوبر1983. و الذي طبقته الحكومة منذئذ بالتدريج. و قد أعاد البنك العالمي التذكير بهذا البرنامج مع دمج تفاصيل لتطبيقه في وثيقته المتضمنة لتوصياته للحكومة حول "محاربة الفقر" الصادرة في مارس 2001 بعنوان "تحيين الفقر في المغرب".

يوصي البنك العالمي الحكومة في فقرة "إصلاح دعم مواد الاستهلاك الغذائية": أفضل طرق الإصلاح من ناحية التكلفة المنخفضة و الفعالية المتزايدة هي: أولا، تخفيض متوازي للحماية الجمركية و لدعم المواد الغذائية. ثانيا، إدراج مساعدة مالية مستهدفة للمجموعات ذات الدخل المنخفض. أما أموال الميزانية المحصل عليها نتيجة تقليص الدعم فيمكن توجيهها إلى برامج يستفيد منها الفقراء، مثلا برامج الأشغال العمومية كأشغال التجهيز بالقرى، و محاربة الأمية، و الخدمات الأساسية بالوسط القروي، و المساعدة و التكوين المستهدف بشكل خاص للفقراء. و هذه التوصيات هي التي تطبقها الحكومة بإخلاص بإشراف موجهها البنك العالمي الذي نظم خبراءه في أبريل 2008 ورشة تكوينية لأعضاء الحكومة لجعلهم يستفيدون من تجربة الهجوم على نظام دعم المواد الغذائية ببلدان المكسيك و أندونيسيا. واستقدم البنك لهذا الغرض وزراء هذين البلدين اللذان أشرفا على تطبيق الهجوم ليقدما تفاصيل الإصلاح ببلديهما: إلغاء تدريجي لدعم المواد الغذائية و استبداله ببرنامج دعم مالي مشروط بالنسبة لأفراد الأسر الفقيرة بزيارات إلزامية للمستشفى و بذهاب الأطفال إلى المدرسة، كما عرضت تقنيات إحصاء الساكنة المستفيدة، وتوزيع الدعم المستهدف للفقراء و تقييم آثاره...إلخ. و بعد ذلك أشرف البنك العالمي على تنظيم زيارات ميدانية لأعضاء الحكومة في يوليوز 2008 للبلدان التي شهدت إصلاح نظام الدعم، الزيارة الأولى لأندونيسيا، و الثانية للمكسيك، والثالثة للشيلي.

و قد كشفت الحكومة عزمها تطبيق هذا البرنامج في سنة 2008 التي شهدنا خلالها رواجا واسعا لخطوطه في المنابر الصحفية الليبرالية آنذاك، لكن اندلاع الأزمة الغذائية و موجة الارتفاع الحاد للأسعار الذي رافقها و ما نجم عنها من نضالات جماهيرية واسعة في عدد من البلدان التبعية الفقيرة، تم أخيرا نشوء اللجان المحلية لمناهضة ارتفاع الأسعار جعل الحكومة و البنك العالمي يتريثان إلى غاية 2010 حيث أعلن عن تطبيق البرنامج التالي:

   تقليص النفقات المخصصة لصندوق الموازنة لكي لا تتجاوز سقف 2 في المائة من الناتج الداخلي الخام

   برنامج توجيه الإعانات النقدية المشروطة لصالح الفقراء: و تشتمل توجيه إعانات للولوج إلى التعليم طبق في بداية هذه السنة بتوزيع مليون محفظة مدرسية في إطار "عملية تيسير" مولها صندوق الموازنة. كما قام صندوق الموازنة أيضا بتمويل إدراج لقاحين جديدين ضمن البرنامج الوطني للتلقيح للحد من الوفيات في صفوف الأطفال حديثي الولادة، ويعد هذا الإجراء تطبيقا لبرنامج وزارة الصحة في إطار أهداف الألفية للتنمية. و تشترط الحكومة على الأسر الفقيرة الراغبة في الحصول على الإعانات تمدرس الأطفال و تتبع الإشراف الطبي للحوامل و الأطفال. كما أقحمت الحكومة"نظام المساعدة الطبية للمعوزين" ضمن برنامج الإعانات المستهدفة للفقراء.

كيف سيؤدي إلغاء الدعم إلى احتداد فقدان السيادة الغذائية

يتجلى إذن من خلال سيرورة الهجوم على نظام الدعم المعروضة أعلاه أن البنك العالمي هو الموجه لبرنامج الإصلاح و المشرف على التنفيذ. أما دور الحكومة فينحصر في تنفيذ أوامره، بحيث تفتقد لحد أدنى من الاستقلالية السياسية اتجاهه. و لا يعد ذلك غير إحدى تجليات السيطرة الإمبريالية على بلادنا، فالبنك العالمي يمثل مصالح الشركات المتعددة الجنسيات المنتجة للغذاء الساعية لغزو الأسواق بإنتاجيتها المرتفعة.

إن الحقيقة التي يريد البنك إخفائها هي أن دور صندوق الموازنة لا يتوقف عند حدود تقديم دعم للاستهلاك، و إنما يتجاوزه ليشكل جزأ من سياسة حماية السوق الداخلي للمنتوجات الغذائية الأساسية الذي يرتبط به مصير عدة ملايين من الفلاحين الصغار، كما يشكل أيضا إحدى الأدوات للحفاظ على استقرار أسعار المواد المذكورة اتجاه التقلبات الحادة للأسعار العالمية. باختصار لا يجب تناسي أن نظام الدعم يعد أيضا إحدى آليات ممارسة السيادة الغذائية.

كان من العواقب المباشرة لتحرير التجارة الخارجية للمواد الفلاحية الأساسية تدمير جزء هام من الإنتاج المحلي. فبعدما كانت المساحات المزروعة بالشمندر السكري تبلغ 66 ألف هكتار مساهمة في ضمان حوالي 65 في المائة من الاكتفاء الذاتي تقلصت مباشرة بعد تخفيض الحواجز الجمركية و إلغاء الدعم الموجه للإنتاج إلى اقل من النصف، وهو ما سيؤدي بالفعل إلى تقلص نسبة الاكتفاء الذاتي بنفس الحجم. و نفس العواقب فرضت على الزراعات الزيتية. إن هذا الهجوم يؤدي الآن إلى تفقير المزارعين المقدر عددهم بحوالي 80 ألف مزارع بالزراعات السكرية و 34 ألف أسرة بالزراعات الزيتية. كما يفاقم من بطالة العمال الزراعيين المقدر عددهم ب500 ألف عامل بالزراعات السكرية. وقد اعترف البنك العالمي في تقريره المذكور آنفا بأن عواقب إلغاء صندوق الموازنة ستعصف بشكل مباشر بمصير مليون مزارع مرتبطين بزراعة المنتوجات الغذائية الأساسية.

و نتيجة لهذه السياسة تفاقمت التبعية الغذائية، خاصة بالنسبة للحبوب التي تضاعفت قيمة وارداتها بأكثر من ثلاثة مرات و نصف في ظرف 20 سنة ليحتد هذا الارتفاع مع بداية التسعينات موازاة مع سياسة التحرير. وتشكل الحبوب إحدى محاور الحرب التجارية بين القطبين الرئيسيين للإمبريالية الإتحاد الأوربي و الولايات المتحدة الأمريكية. و يمثل رهان الإستحواد على السوق المغربي إحدى أهداف الاتفاقات التي أبرماها مع المغرب. و نتساءل كيف يمكن الذهاب بعيدا في تطبيق سياسة التحرير في ظل حرب حقيقية تخوضها البلدان المصدرة للمواد الفلاحية مستعملة من جهة ترسانة كاملة من الإعانات لتخفيض أسعار منتجاتها لجعلها أكثر تنافسية، و من جهة أخرى فرض حواجز على نفس المواد لتحطيم منافسيها؟

رغم أن نظام دعم المواد الغذائية الأساسية يشكل في جانب منه آلية بيد الدولة لتوطيد مصالح مصانع التحويل والملاكين العقاريين الكبار والشركات التجارية، فإنه مكسب للجماهير الشعبية يجب صونه والدفاع عنه وتطويره ليشمل تغطية مواد غذائية أساسية بالفعل وغنية بالبروتينات كالحليب ومشتقاته والخضروات والفواكه واللحوم... ومن جهة أخرى وجب تدعيم ملايين من الفلاحين الفقراء المنتجين للمواد الغذائية الموجهة للسوق الداخلية. ولكي لا يبقى الصندوق مصدرا للنهب يجب فرض رقابة شعبية على تسييره المالي والإداري و توجيه أولوياته في انسجام مع سياسة فلاحية بديلة تتجه بالأساس نحو تلبية الحاجات الغذائية للساكنة وتحقيق الاكتفاء الذاتي.

إن الحركة النقابية معنية مباشرة بالنضال ضد الهجوم النيوليبرالي على هذا المكسب. كما أن الحركات الاجتماعية المناضلة من أجل الخدمات الاجتماعية والعمومية مدعوة لدمج مطلب الحفاظ على الصندوق وفرض رقابة شعبية على توجهاته وتسييره المالي والإداري ضمن مطالبها الأساسية، وتعبئة كل الطاقات لصد الهجوم النيوليبرالي. ذلك أن الإجهاز على الصندوق يعد هجوما مباشرا على جزء من أجر الطبقة العاملة وجزء من قوت باقي الجماهير الشعبية.




هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

*
*
*
ملحوظة
  • التعليقات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
  • من شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات