جميلة أوتزنيت
بدأت السلطات العمومية التفكير في إنشاء وكالة خاصة بتقنين قطاع التدبير المفوض في المغرب على غرار وكالة تقنين الاتصالات ، بعد أن أصبح هذا النظام يستقطب اهتمام مجموعة من الشركات الخاصة والمستثمرين الذين يسعون الى التوسع في قطاعات عمومية أخرى غير الماء والكهرباء وتطهير السائل والنظافة وغيرها. والهدف من إنشاء هذه الوكالة هو إعداد مقتضيات قانونية أكثر وضوحا تتضمن مصالح مختلف المتدخلين في هذا القطاع والعمل على تفادي المشاكل التي تحدث بين المجالس والشركات، خصوصا أن بعضها لا يلتزم بدفتر التحملات وبنود العقود والاستثمارات التي من المفروض على الجهة المفوض لها إنجازها. والحديث عن التدبير المفوض يختلف فيه مجموعة من المتتبعين...
بين اعتباره نظاما نجح في تجاوز عجز مجموعة من الجماعات والوكالات المستقلة المكلفة بتدبير القطاعات العمومية، في حين ذهبت اغلب الآراء إلى اعتبار هذا النظام نظاما فاشلا يقوم على سياسة الاستغلال وأن العقود التي يتم إبرامها لا تواكب مستجدات العصر كالمبادرات الوطنية للتمنية البشرية ومشاريع تهييئ المدن المغربية.
التدبير المفوض نظام غير ناجح تشوبه الاختلالات
يعتبر نظام التدبير المفوض شكلا من أشكال خوصصة القطاع العام وذلك بتفويته لصالح قطاع خاص تسند إليه عبر اتفاق خدمة عمومية وصلاحية استغلال مرافق عمومية حسب الشروط المنصوص عليها في دفتر التحملات كل ذلك بمقابل مادي، كما تتكلف بموجبه الجهة المفوض لها بإنجاز مجوعة من المشاريع والاستثمارات المرتبطة بالقطاع. وفي وقت تقول فيه الدولة إن الهدف من هذا التفويت هو توسيع وتحسين الخدمات وتمويل البنيات التحتية وتوفير مناصب الشغل، يرى البعض أن هذا النظام، وهو أحد أوجه استغلال ونهب المال العام، جاء نتيجة لتفشي الفساد داخل المرافق العمومية.
وقد شرع في تطبيق نظام التدبير المفوض في المغرب نهاية الثمانينيات استجابة لمتطلبات الرأسمال العالمي من خلال تطبيق ما اتفق عليه في جولة الأوروغواي، حيث نصت على ضرورة تحرر الدول من سوق الخدمات العمومية وتفويته لصالح القطاع الخاص، ومنذ سنة 1993 حرص المغرب على الخوصصة، ثم سنة 1997 عقب التوقيع على اتفاقية مع الاتحاد الأوروبي، تسلم المغرب بموجبها دعما ماليا قيمته 51 مليون درهم في إطار برنامج "ميدا " الداعم لتسريع هيكلة القطاع العام وخوصصته.
لقد استطاعت مجموعة من الشركات عقد اتفاقيات التدبير المفوض لمجموعة من القطاعات، ومن هذه الشركات التي دخلت المغرب نجد شركة ليديك التي تنتمي إلى المجموعة الدولية "سويز للبيئة"، وقد استطاعت التوسع في العديد من المدن المغربية. وفي سنة 1997 نالت صفقة تفويت "لاراد" من خلال التدبير المفوض في البيضاء شرط مراجعة العقدة كل خمس سنوات في إطار الاتفاقيات السياسية بين المغرب وفرنسا. ثم هناك شركة فيفاندي يونيفيرسايل، وهي مجموعة فرنسية استفادت من خوصصة قطاع اتصالات المغرب اعتبرها البعض "صفقة القرن" في حين ذهب البعض إلى اعتبارها إعلانا رسميا عن إفلاس الدولة المغربية وفشلها في تسيير هذا القطاع. وهناك شركات أخرى منها شركة سيجيديما فرع المغرب التابعة لمجموعة بيزورنو – البيئة المكلفة بقطاع النظافة في مجموعة من المدن المغربية. أما شركة فيوليا وهي تابعة لشركة فيوليا البيئية العالمية، فقد دخلت المغرب منذ سنة 2002 بناء على عقود التسيير المفوض في مجالات توزيع الماء والكهرباء والتطهير من خلال أحد فروعها أمانديس والتي غيرت اسمها إلى فيوليا في كل من طنجة وتطوان ثم ريضال التابعة لها والمكلفة بقطاعات الماء والكهرباء وتطهير السائل في كل من الرباط وسلا. كما تضم فيوليا الأم فيوليا النظافة المكلفة بقطاع النظافة في كل من الرباط ووجدة وأسفي، كما استفادت في مدينة الرباط من تفويت قطاع النقل بنسبة 51.04 %. إلى جانب شركتين أخريين.
فيوليا واتهامات في جودة خدماتها واحترامها لدفتر التحملات:
يرى المتتبعون للشأن المحلي أن العقد المبرم بين السلطات العمومية وشركة فيوليا الفرنسية الأصل، أبان عن مجموعة من الاختلالات في تدبير قطاع الماء والكهرباء والتطهير والنظافة في كل من الرباط وسلا وطنجة وتطوان وآسفي ووجدة. ويتمثل الخلل ككل في كون العقود التي يتم إبرامها في هذا النظام تهم بالضرورة طرفين أساسيين هما الشركة المفوض لها والمستهلك، هذا الأخير الذي يؤدي واجبا شهريا مقابل الخدمات التي يتلقاها لا يستطيع تغطية مصاريف الشركة المخصصة لإنجاز مشاريع واستثمارات عدة حسب ما ينص عليه دفتر التحملات، على أساس أن يتم تعويض الربح من خلال الفواتير التي يدفعها المستهلك، وهو ما يضطر الشركة في كثير من الأحيان إلى الزيادة في التسعيرة، مما يكشف عن اختلال في الموازين خصوصا أن القدرة الشرائية للمواطن العادي لا تسمح بذلك، كما أن العقود المبرمة لا تتضمن مستجدات من قبيل المبادرة الوطنية للتنمية البشرية ومشاريع تهييء المدن، وهو ما يؤدي إلى صرف ميزانيات كانت مقررة لمشاريع أخرى على هذه المستجدات، فتضطر معها الشركة إلى البحث عن مصادر تمويل أخرى حسب تعبير مصدر من داخل شركة أمانديس- فيوليا بتطوان والذي يرى أن على الدولة التدخل كطرف ثالث في هذه العقود. إلا أن محمد ادعمار رئيس المجلس البلدي بتطوان، المرشح عن حزب العدالة والتنمية والذي تضمن برنامجه الانتخابي نقطة أساسية وهي تعزيز متابعة قطاعات التدبير المفوض، فيرى أن التدبير المفوض بصفة عامة تعتريه اختلالات وتجاوزات لا تتعلق أساسا بالنظام ككل بقدر ما تتعلق بمشكل الجهة المفوض لها التي عليها احترام دفتر التحملات وكذا الجهة المفوضة التي لا تسهر على مراقبة تطبيق بنود العقد ودفتر التحملات، مما يؤدي في نهاية المطاف إلى ضياع حقوق الساكنة واستغلال المستهلك سواء من ناحية جودة الخدمات والتكلفة أو حتى الربح لأن الجماعة شريك في مثل هذه العقود، وبالتالي عدم الحرص على تحقيق ربح يساهم في تنمية مداخيل الجماعة هو تقصير وجزء من هضم حقوق الساكنة. في حين ذهبت آراء المواطنين إلى أن أكثر ما يعانون منه هو ارتكاب الأخطاء في قراءة العدادت و الفواتير الموجهة إليهم حيث يتم إرغامهم على الأداء ثم تقديم الشكاية في ما بعد، وهو ما يعتبرونه حيفا في حقهم خصوصا أنهم يقعون في حيرة بين دفع الفاتورة الخاطئة أو حرمانه من الخدمات، وبالتالي يفضل الأداء وبعد ذلك يقدم شكاياته.
كما يشتكون من سوء الخدمات وعدم احترام حقوقهم حيث يتم قطع التيار الكهربائي عنهم دون سابق إنذار، مما يؤدي إلى تلف مجموعة من الأجهزة الكهربائية الخاصة بهم مع العلم بأن شركة فيوليا للبيئة هي شركة دولية تشتغل بمعايير محددة حيث يتم إخبار الزبناء قبل قطع الماء أو الكهرباء، وفي حال حدوث أي إزعاج أو مشاكل بالنسبة للزبناء فإنهم يقدمون شكايات إلى المصلحة التابعة للشركة التي تقوم بتقديم تعويضات لزبنائها، وهو ما يغيب في خدمات هذه الشركة حسب ادعمار الذي يعتبر هذه السلوكات نوعا من عدم التزام الشركة بتعهداتها وعدم احترامها لدفتر تحملاتها كما أنه عليها أن ترسل بإشعار وأن تتأكد من توصل الزبون به لا أن تفاجئه بالقرار.
وبخصوص الاستثمارات والبرامج الواجب إنجازها، فيعتقد رئيس المجلس الجديد أن أمانديس في تطوان قامت بانجاز قنوات غير صالحة لصرف المياه العادمة في البحر وتم صرف الأموال عليها دون فائدة مادامت ليست هناك أية محطة لمعالجة المياه العادمة في تطوان قبل رميها في البحر "وربما لو تركوا الحال على مكان عليه في السابق لتصرفت الطبيعة في هذه المياه، بدلا من أن تجمع كل قنوات الصرف الصحي تلك المياه العادمة وترميها في عرض البحر وهو ما يسمى بتركيز التلوث" يقول محمد ادعمار. ويؤكد ادعمار أنه تم الاجتماع بمسؤولي أمانديس من أجل مراجعة العقد الذي كان من المفروض أن تتم مراجعته سنة 2007، كما تمت مطالبتهم بالانكباب الفوري على مراجعة العقدة وإنجاز تقرير عام عن عمل أمانديس في تطوان خلال السنوات السبع الماضية وتدقيق حسابات الشركة.