أذ عبد الهادي وهبي
لقد أعاد الحراك الاجتماعي العربي من المحيط إلى الخليج الذي اتخذ أشكالا مختلفة أفقيا و عموديا النقاش حول مفهوم الوطن و الدولة و المواطنة ،و هذه المفاهيم الابستمولوجية يصعب استيعابها حتى لدى فقهاء الحقوق و العلوم السياسية و الاجتماعية ، قلت ان جدلية الوطن و الدولة و المواطنة قد تتنافر ولا يمكن إطلاقا أن تتساوى أي لا يمكن الحديث عن الدولة في معنى الوطن و العكس صحيح ؟، قد تتكامل هذه المفاهيم فيما بينها في إطار ما يسمى بالآمة العادلة في المشروع الإسلامي و الديني عامة ، و ما يسمى بالدولة الديمقراطية في المفهوم الغربي , وقبل الخوض في هذا الموضوع الشائك لابد من طرح تساؤلين اثنين هما : الأول لماذا اخترت هذا الموضوع الفلسفي و الابستمولوجي السياسي بالذات و في هذه الطرفية تحديدا ؟ التفاعلات التي تربط بين هذه المفاهيم الثلاثة أي بين التكامل و التنافر ؟
فيما يتعلق بالسؤال الأول ، تعود أسباب اختيار هذا الموضوع بالذات و في هذا الوقت تحديدا ، فبالطبع شكلت هذه المفاهيم وعاء و أساس كل الحقوق و الحريات و الشعارات التي رفعت في شوارع الحراك العربي فيما سمي " بالربيع العربي " ثم تواترت المقالات و التحليلات عبر وسائل الإعلام المقروءة و المسموعة و المرئية و غيرها في خلط تام بين الدولة و الوطن و المواطنة بشكل مقصود او غير مقصود ، وغالبا غير مقصود ، لان ذلك ناتج عن قصر في النظر أو سوء فهم . أما السؤال الثاني ، فسوف أحاول رصد التفاعلات الايجابية و السلبية بين هذه المفاهيم من خلال وقفة ابستمولوجية عند كل مفهوم على حده
1 – الوطن ، هو تصغير غير مباشر لمعنى الإقليم ، وبالتالي فالوطن هو ذلك الحيز الجغرافي الذي يقطن فيه الفرد و الجماعة ، بغض النظر هل ولد فيه او لا ،و هنا يمكن الحديث تجاوزا عن وطنين " وطن اصلي " " و "وطن جديد " ومن قبيل ذلك ( مثال ) فالمغاربة المقيمين بفرنسا حتى أبناءهم الذين ولدوا هناك ، لهم وطنان " وطن اصلي " و وطن جديد " هو فرنسا ، لان حب الوطن الأصلي لا تنفيه حقوق وواجبات " الوطن الجديد " في إطار مفهوم الدولة ، حلم العودة إلى وطنه الأصلي لا يغيب عن باله ،بل لا يتهاون في غرسه في أبناءه حتى وان كان هذا الوطن قد أرغمه على الهجرة نحو فرنسا ،لان هذا الإكراه نابع من الدولة وليس الوطن ،و بالتالي فهؤلاء الذين يحرضون المواطنين لتخريب الوطن تحت ذريعة البطالة أو الفساد او غير ذلك فهم مخطئون او انتهازيون او استغلاليون او خونة الوطن . فهذا الوطن يكفيني انه حقق الأمن و الاستقرار ، وبقية الحقوق الاقتصادية و الاجتماعية و الثقافية فهي مرهونة بالدولة و مؤسساتها و إمكانياتها ، فلا يمكن التحريض على تخريب الوطن باسم الدولة ، لان الدولة قد تخرب الوطن إذا وجدت من الأفراد من لا يسع فكره للتمييز بين الوطن و الدولة ،ومن ينصاع للمخربين من أمثال حركة 20 فبراير او الحركات النسوية و الحقوقية التي لا تمتلك ملكة و فطرة التمييز بين الوطن و الدولة
2- الدولة : المعروف لدى العارفين بأمور تطور المجتمعات البشرية ، أن الدولة ككيان سياسي و اجتماعي أخر تجمع حداثي وصل إليه التطور الاجتماعي ،فمن " العظم " إلى " العشيرة " إلى "القبيلة" إلى " الإمارة " ثم انتقلنا اليوم وبدأنا نتحدث عن مقومات الدولة الحديثة مقارنة مع الدولة القديمة و الوسطى ، فالدولة الحديثة تقوم على مقومات أساسية يعتبر الوطن أي الإقليم أي الحدود السياسية و الطبيعية أهم هذه المقومات ، فالدولة المغربية الحديثة مثلا ، وطنها وحدودها الطبيعة المعترف بها عالميا هي : البحر الأبيض المتوسط شمالا ، و المحيط الأطلسي غربا ، أما السياسية الجمهورية الجزائية شرقا ، و الجمهورية الموريتانية جنوبا ، بالإضافة إلى المقومات الأخرى وهي الشعب المغربي المكون من عرب و امازيغ و أفارقة و أجانب، و المقوم الأخير وهو الهوية – المؤسسات السياسية ... ، فالدولة تتسع للجميع في إطار تعاقدي أساسه الحقوق و الواجبات المتبادلة بين الطرفين الأساسين وهما المواطن و الدولة .
3 - أما المواطنة فهي أخر وثيقة تعاقد بين المواطن و الدولة ، فالدولة فبل المواطنة كانت ينظر إليها كبقرة حلوب لا تنضب ، ولا تحتاج إلى مأكل ولا مشرب و النتيجة (الجفاف و انقطاع الحليب ) هي خلل في العلاقة بين المواطن و الدولة أي حالة تنافر يدفع ثمنها الوطن، فجاءت المواطنة لتعدل الكفتين ،من خلال إبرام تعاقد بين الدولة و المواطنة ، أي على المواطن حقوق من قبيل الالتزام بالواجبات، و على الدولة توفير الحقوق قدر المستطاع ووفق الإمكانيات المتاحة
و بالتالي لا يمكن ربط حب الوطن و الانتماء بمدى توفر الحقوق و الحريات داخل المجتمع ، لان الوطن تابت و اكبر حجم من الدولة و المواطن ، ولا يمكن ان نخرب الوطن و ممتلكاته باسم الأوهام التي لا ترى إلا في الأحلام