هشام ترابي
بسم الله الرحمان الرحيم
(بين سَوْطِ الواقع وهاتف العاطفة تمّ اغتيال رُشْدِ العقل).
انتحار المعرفة، إسفاف بالعقل ...
لا أحد يُماري فيما يعرفه "المعطل" المثقف، صاحب الشواهد العليا، في الاقتصاد والقانون، والرياضيات والفيزياء، والأدب، والجغرافيا والتاريخ وهلم جرا، من محن وآلام مستدامة مُنَمَّاة على وجه هاته "الأرض المديدة السعيدة". ولا يختلف اثنان، ولا يتناطح عَنزان، حول ما آلت إليه ملفاتهم من التلاعب، والمماطلة، والتسويف، وبَذْلِ الوعود الكاذبة المَمْجُوجَة.
والحالة هذه أمسى الحل عند الكثيرين من إخواننا هؤلاء - ولمّا ينقشعْ ليل الوعود الكالح - ملخصاً في إهْرَاق بعضٍ من البنزين على جسد المعرفة، ولعلهم يرُومُون تقليد طائر الفِينِيق، حيث يزداد هذا الأخير أَلَقَاً كلما أُحرق انبعاثا من عينِ رمادِ جثتهِ المحترقة.
هذا وقد تضاربت الروايات حول المتسبب الحقيقي في فجيعة يوم الأربعاء الأسود، لكن تبقى الخلاصة هي هي، نُجملها قولا واحدا فيما يلي: "بين سَوْطِ الواقع وهاتف العاطفة تمّ اغتيال رُشْدِ العقل".
ومتى كانت العاطفة لسوط الواقع مانعة؟ ومتى كان إزهاق روح المعرفة شكلا من أشكال الاحتجاج والمدافعة والممانعة؟ أُعذرونَا إخوتنا تَألّمنا ونَتَألم لحالكم، لكن مصباح الشريعة، ورشد العقل بالتبع، يُحتمان الرفض الباتّ لِمَا بِتُّمْ تُقدِمُون عليه من أفاعيل تأباها العقول، وتردها النُّقُول، فنحن أحق بكم منكم، أنتم الحاملون لمشعل العِلْم الوهاج.
وإنه لا يَسعُني في هذا المقام أمام هذه الخَرْبَقَة في التعامل مع الأزمة بخلق أزمة أعمق منها إلا أن أقول لكل من جعل هاته النهاية المأسوية مآلَه فكرا، عفوا أخي: " إنه لا ينبغي أن يُعذِّب بالنار إلا رب النار"1. أما المسؤولون اللامسؤولون فإني أحذرهم من مغبّة ما آلت إليه الأمور من جراء التماطل الممنهج إزاء هذا الملف الحساس، وسلوك مسلك الزجر و سياسة القمع المقيتة، عوض المعالجة الفورية / الموضوعية، وإنه لعجب عجاب أن يتحجج مسؤُولُونَا - كلما وُاجِهُوا بالحقيقة المرة تلك - بالعبارة المستهلكة النّفاذة: " عفوا أيه المعطلون، ميزانية الدولة لا تسمح بمزيد من التوظيفات؟!؟" وما لنا لا نعجب؟ فبين "هزّة" شكيرا و"رَكْزَة" لوبيز و"تنَطُط" الشاذ إلتون أغدقت عشرات الملايين بسخاء تام؟!؟
فماذا عساي أن أقول؟ أقول: "إذا لم تستحي، فاصنع ما شئت"2.
"الأومليط" بنكهة التخلف ...
هذا وفي الوقت الذي تسعى الأمم وأفرادها بالتبع إلى نيل شرف تحقيق السبق في ميادين علمية وأخرى ثقافية من شأنها تخليد الذكر ورفع الشأن، وتبذل قُصارى الجهد لبلوغ المأمول منها والمرجو حين يرفع مواطنيها هاماتهم على الهامات، نتسابق نحن "عْرِيبّانْ" إلى أشياء تافهة، لا تكاد تسمن أو تغني من جوع، لا هي في الميزان إبداع ثقافي، ولا هي سبق علمي، فبثنا أضحوكة بين الأمم بعد أن كنا يوما سادات العالم.
وآخر نتاج هاته المهزلة احتفاء ثلة غير قليلة من أبناء مراكش الحمراء بأكبر طبق "أومليط" على مستوى إفريقيا، والحجة المُدّعَاة / المَلْهَاة "تحسيس المغاربة بأهمية البيض؟". إضافة هامة: " البيض يحتوي على كمّية مهمة من الفيتامينات؟ ".
عجبا، وكأني باكتشاف جديد تفتّق عن ذهنية فذّة، بعد سلسة أبحاث مُضنية؟
فماذا عساي أن أقول؟ أقول: "إذا لم تستحي، فاصنع ما شئت".
" نفض بعض من الغبار" / من وحي برنامج أخطر المجرمين ...
وأخرى لا يسعني إلا أن أقتسم مع من يقرأني الآن بعضا مما جال في خاطري وأنا أشاهد برنامج أخطر المجرمين المرة بعد المرة، وقبله أعترف أن النماذج التي ظل يقدمها طيلة حلقات بثه حتى آخر حلقة وصل إليها اليوم لهي من أشرس ما يمكن تقديمه وعرضه للمشاهد، كما أعترف اعترافا كاملا غير منقوص أن فكرة البرنامج فكرة رائعة، لكني - مستسمحا / بيني وبين نفسي - جعلت هذا رهينا بعدم استثناء كل المجرمين مهما علا شأنهم أو صغر، "ولفَاهمْ يفْهَم"، لكنني في الآن ذاته بِتّ أشك في تحقق هذا المطلب العزيز، حيث إن البرنامج لم يقدم لحد الآن ولو على سبيل التمثيل مجرما واحدا من بين المجرمين الأخطر على الإطلاق في هذا البلد العزيز، أنموذجا " لِدَّ لخبيزَة"، و"ليخلاّ غِيرْ الدَّس"، و"ليخْلَاهَا كَاعْ" فتركها بلْقعا، خواءً هواءً. وأنا لا ألوم هنا مُعد البرنامج أو مقدمه، ولا منتجه، ولا، ولا... فهم مجتهدون، ولكل مجتهد أجر، بقدر ما أود أن ألفت النظر إلى أن هناك ثَمَّةَ في بلدنا هذا مجرمون أخطر مما يُتصور، أخطر من "النينجا" أو "مُول الجرّارَة" أو ... أو ... "أو بيني وبينكم ريحتهم راها عْطَاتْ".
أقول مقاطعا هَادّا بعضا من جُدُر الصمت: إنهم الذين يبيعوننا الحلم بثمن الأوهام في سوق الكذب، بين الفينة والأخرى يعلنون عن مباريات "وهمية"، الناجحون فيها وضعت أسمائهم قبل وضع أتفه الأسئلة لأتفه المخلوقات التي هي نحن، أو بعبارتهم "البّيبل" في مقابل "علية القوم" ... إنهم الذين يقتلوننا قبل أن نولد، حين يحرموننا - بترك الحال على ما هو عليه - من فرصة الوجود أول خروجنا إلى هذا العالم ضمن مجتمع متقدم متطور، ملئه المحبة والإخاء ... إنهم هؤلاء الذين يُنكّلون بنا صباح مساء بإثقال كواهلنا بمزيد من ارتفاع الأسعار، والغلاء المفرط في كل شيء، أما الأجور إن لم تكن إلى انقراض فهي إلى انهيار يوما بعد يوم، ولا حسيب ولا رقيب، فمن يحاسب من؟ وإنها لسلسلة من السُّرّاق وخَوّانِي الأمانة، وآكلي أموال الناس بالباطل "وتفَرْكعْ انْتَ" ... إنهم هؤلاء الذين يضعون لنا القوانين ثم يكونون أول من يخرقها ... إنهم هؤلاء الذين يطعنونا في كل ثانية من الثواني بحز رأس الإحساس بالكرامة والحرية وغيرها من القيم الجميلة فينا من خلال برامج ومخططات هدامة، لا تروم إلا تكريس التبعية العمياء، وتعبيد القطيع للأسياد، والويل كل الويل لمن أراد أن يجاوز الخطوط الحمراء وينبس ببنت شفة ... إنهم هؤلاء الذين يخرج الشعب رافعا صورهم، هاتفا بأسمائهم، قصد الإطاحة بهم، فيُقرّبُون - عوض الإبعاد - من الأعزة ضدا على رغبة الجماهير، "أومُوتْ نْتَا شْكُون ليفَايقْ لِيكْ من النّعاس"...إنهم وإنهم ...
فماذا عساي أن أقول؟ أقول: "إذا لم تستحي، فاصنع ما شئت".
1 صحيح الترغيب / الشيخ الألباني.
2 رواه البخاري.
* ملحوظة: الانتحار كبيرة من الكبائر، لكن صاحبها غير مخلد في النار، وعليه فإنه يجوز الدعاء له بالرحمة والمغفرة، كما تجوز الصلاة عليه، خلافا لما يعتقده كثيرون، فعن جابر أن الطفيل بن عمرو الدوسي أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال:" يا رسول الله هل لك في حِصْن حَصِين ومَنَعة؟ قال: حصن كان لدوس في الجاهلية. فأبى ذلك النبي صلى الله عليه وسلم للذي ذَخَرَ الله للأنصار. فلما هاجر النبي صلى الله عليه وسلم إلى المدينة هاجر إليه الطفيل بن عمرو وهاجر معه رجل من قومه فاجْتَوَوا المدينة .فمرض، فجزع، فأخذ مَشَاقِصَ له فقطع بها برَاجِمَه فشخبت يداه حتى مات. فرآه الطفيل بن عمرو في منامه، فرآه وهيئته حسنة، ورآه مغطيا يديه فقال له: ما صنع بك ربك؟ فقال: (غفر لي بهجرتي إلى نبيه صلى الله عليه وسلم). فقال: ما لي أراك مغطيا يديك؟ قال: قيل لي لن نصلح منك ما أفسدت. فقصها الطفيل على رسول الله صلى الله عليه وسلم. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم (اللهم وليديه فاغفر)". رواه مسلم.
مغربي
وماذا تقول في قوله تعالى\" ومن يقتل مسلما متعمدا فجزاءه جهنم خالدا فيها ) هنا فالنفس اي الذات مسلمة لربها فامتالك مع الايف الشديد لا يفقهون منثال هذه الامور