الشرق الأوسط
قال عبد الإله ابن كيران، رئيس الحكومة المغربية والأمين العام لحزب العدالة والتنمية ذي المرجعية الإسلامية، إن حزبه لم يأت ليحكم رغما عن الإرادة الملكية، بل جاء ليحكم معها، مشيرا إلى أن العاهل المغربي الملك محمد السادس هو رئيس الدولة المغربية «ولن نبني علاقتنا مع جلالته على التنازع.. فهذا غير وارد».
وشدد ابن كيران على القول، في حديث شامل خص به «الشرق الأوسط»، في الرباط، وهو الأول من نوعه منذ منح البرلمان الثقة لحكومته يوم الجمعة قبل الماضي «نحن جئنا لنعمل في إطار التوافق مع جلالة الملك وليس في إطار التنازع، فالتنازع أمرنا الله أن نتركه». وأشار ابن كيران إلى دور رئيس الحكومة، وقال إنه أصبح مهما وكبيرا بعد الدستور الجديد، بيد أنه يظل قائما في إطار المرجعية الدستورية ثم رئاسة الدولة.
ووصف ابن كيران مشاورات تشكيل الحكومة بأنها كانت ميسرة نسبيا، وقال إنه كانت هناك لحظة وحيدة صعبة قليلا مع حزب الاستقلال تعلقت بوزارة التجهيز والنقل «وفي النهاية وجدنا حلا، فقد أخذوا قطاع الطاقة والمعادن، واقتسمنا وزارة المالية في ما بيننا». وكشف ابن كيران أنه لا أحد طلب منه إبقاء إدريس الضحاك، الأمين العام لحكومة عباس الفاسي، في الحكومة الحالية، وأنه لم يكن موضوع نقاش إطلاقا لا داخل الحزب ولا داخل الأغلبية.
وكشف أيضا أنه هو من اتصل بعزيز اخنوش، وزير الفلاحة والصيد البحري في الحكومة السابقة والقيادي في حزب التجمع الوطني للأحرار، بعد الانتخابات بيومين حتى يهنئه بفوزه في الاقتراع، وعبر له عن رغبته في بقائه في الحكومة قبل أن يعين هو على رأسها. وذكر رئيس الحكومة المغربية أن مساندة الملك محمد السادس شيء رئيسي ومهم في الحياة السياسية بالمغرب، وقال إنه يتصل به «كلما كانت هناك حاجة إلى ذلك من جهته أو جهتي.. وهو غاية في اللطف»، وزاد قائلا إن الملك محمد السادس لديه مرتبة خاصة في قلبه مثله مثل باقي المواطنين المغاربة.
وقال ابن كيران إن الناس الذين يستهدفون حكومته «هم أولئك الذين كانوا يشتغلون بطريقة غير مشروعة في ما سبق، ولا يمكن أن نتصور أنهم سيستسلمون». ودعا العقلاء إلى أن يتعاونوا «للتغلب على هذه المرحلة الحرجة التي تمر بها بلادنا حتى يصبح المغرب دولة تنظر إلى المستقبل باطمئنان». ووجه ابن كيران رسائل إلى جماعة العدل والإحسان، وقال «أقول للإخوان في الجماعة إنه لا يجوز اللعب بالنار، ومن سيشعل النار سيكون أول من سيحترق بها». وأضاف «الإخوان في الجماعة يتكلمون عن الاستبداد منذ 30 سنة.. ونحن نؤمن بدخول المعترك والقيام تدريجيا بالإصلاح، فهل الانتظار سيزيل الاستبداد أم لا؟». وبشأن علاقته بربطة العنق، قال رئيس الحكومة المغربية إنها ترهقه، لكنه بدأ يتعود على ارتدائها. وكشف أن «الإخوان المكلفين بالبروتوكول» يوجهون له نصائح حول الكيفية التي ينبغي له أن يتصرف بها، ويقبل نصائحهم «على الرأس والعين». بيد أنه قال «عبد الإله ابن كيران هكذا خلقه الله.. فهل تعتقد أنني سأتغير في هذه المرحلة من عمري؟».
وفي ما يلي نص الحديث..
* كيف وجدتم مسؤولية رئاسة الحكومة بعد أقل من أسبوعين على منحكم الثقة البرلمانية؟
- على كل حال، وكما لا يخفى عليك، جلالة الملك عين الحكومة يوم 3 يناير (كانون الثاني)، ومنذ ذلك الوقت ونحن نمارس المسؤولية، ولكن بطبيعة الحال الممارسة بعد التنصيب لها طعم آخر غير الممارسة قبله، فحينما يحظى الإنسان بثقة البرلمان يشعر بأنه مر من مرحلة مهمة لها وزنها، بيد أنه في الوقت نفسه يعظم ثقل المسؤولية لكنني والحمد لله متفائل، والأمور تأتي تباعا. لم أشعر أن عندي منطق الإجراءات السريعة، التي ينبغي اتخاذها في المائة يوم الأولى، التي تتحدث عنها وسائل الإعلام كثيرا، لكن المسؤولية كمنهج في تصحيح وتقويم المسار ومعالجة القضايا والملفات بطريقة صائبة، هي عزيمة تتأكد عندي يوما بعد يوم.
* بعد حصول حكومتكم على ثقة البرلمان إلى أين أنتم ذاهبون بالمغرب؟
- المغرب كما لا يخفى دولة تحكم من خلال الدستور، ورئيس الدولة هو جلالة الملك، ومن صلاحياته التي لا تتدخل فيها الحكومة هناك الجانب العسكري، والجانب الديني، إلى جانب الأمور الاستراتيجية، وتمثيلية الدولة ويرأس المجلس الوزاري. ولكن رئيس الحكومة، دون شك، له دوره كذلك. وهو دور أصبح مهما وكبيرا بعد الدستور الجديد، ولكن لا بد أن أكون واضحا معك، فدوره يظل قائما في إطار هذه المرجعية أي المرجعية الدستورية ثم رئاسة الدولة.
وفي هذا الإطار الذي يبدو لي في الأفق، أرى أن هذا الفريق الحكومي يريد أن يحدث تحولا جوهريا بالنسبة لمنهجية الحكم في المغرب. أولا، يجب أن تتصرف هذه الحكومة بمنطق خدمة المواطن وليس التحكم فيه أو ضبطه، ليس لأن نوايانا حسنة فقط ولكن لأن ذلك أصبح واجبا في المرحلة التي تعيشها الأمة. فأي دولة تتصور أنها ستستمر في الحكم من خلال التحكم في المال والسلطة وضبط الشارع بأساليب أمنية أو ببعض العطاءات التي يكون المقصود منها بالدرجة الأولى التسويق الإعلامي كما جرى العمل بذلك في السنين الخمسين الماضية في الأمة بصفة عامة، هذا خطأ قاتل، هذا أمر انتهى في تقديري. إذن، الحكومة تسير في اتجاه تصحيح المعادلة، الدولة في خدمة المواطن، وفي الوقت نفسه تصحيح المفاهيم التي تنتظم المنطق الذي يتصرف به الناس، أي الشفافية والنزاهة والحكامة الجيدة، وكون الناس سواسية أمام القانون.
إن هذا المنطق رغم أن الجميع ينادي به فإنه كلما تعلق الأمر بمصلحة شخصية كلما تغيرت المواقع، والمواقف. هذا يحتاج إلى نوع من الصرامة بالنسبة للفريق الحكومي، وكذلك في تثبيته بالنسبة للمجتمع بمعنى أنها ليست مسألة مفروغا منها فقط لأن الجميع يطالب بالنزاهة والشفافية والحكامة الجيدة، وحين يتعلق الأمر بنفسه يطلب الامتياز. تقديرنا أن هذه الجرعة من الجدية ستطعم بمجموعة من الإجراءات يمكن أن نقول إنها ميسرة.
* مثل ماذا؟
- الآن، لا أريد أن أدخل في التفاصيل. لدي أمثلة قيد التفكير، لكن هذه الإجراءات سوف تحل مشاكل غير حقيقية. فقد كانت هناك مشاكل من هذا النوع، بعضها إداري وبعضها في مجال الاستثمار، إلى غير ذلك. ونحن نشتغل، وسوف نطلقها في الوقت المناسب. تقديري والله أعلم، أنه في بضع سنوات إن لم أقل في بضعة شهور ستبدأ بعض النتائج الإيجابية في الظهور جراء هذه الطريقة الجديدة في التدبير.
* لقد رأت أحزاب المعارضة في برنامج حكومتكم أنه لم يحمل ملامح التغيير المنتظر، وأنه برنامج يندرج في سياق استمرارية انتخابية مفتقرة للوضوح. بماذا تردون على المعارضة؟
- أنا رددت على المعارضة في البرلمان، وأظن أنك تابعت ردي ذاك، وأنا أشعر بالأسف بعض الشيء من المقاربة التي قاربت بها المعارضة بداية عمل هذه الحكومة. فهي تجمع على أنها تتمنى لهذه الحكومة التوفيق، وتقول بلسانها إن نجاح هذه الحكومة هو نجاح للمغرب، بيد أنها دخلت منذ البداية في منطق أقرب ما يكون إلى المزايدة. وهذا غير مقبول خصوصا من جهة معينة من المعارضة لا أريد أن أسميها فهي تعرف نفسها. كان مفروضا أن تكون مقاربة المعارضة التي تقارب بها عملها بعد الثقة التي أصبحت تحظى بها هذه الحكومة، أن تكون مقاربة فيها نوع من التأني، ونوع من التثمين لجهود هذه الأغلبية وهذه الحكومة. البرنامج الحالي انبنى على أن الإشكال الحالي في المغرب ليس عدد الكيلومترات من الطرق، التي نبني أو لا نبني، البرنامج الحكومي انبنى على أن الإشكال في المغرب هو إشكال سياسي بالأساس، وانبنت عليه إشكاليات مرتبطة بالعدل والحكامة الجيدة والشفافية، ومضى في هذا الاتجاه سواء تعلق الأمر بمشاريع قوانين أو بإجراءات. وتقديرنا، أننا نرث إرثا ثقيلا، وحتى هذه القضية لا أريد أن أفصل فيها لأنها تتضمن أمورا ليست سارة في إرثنا، ولكنني لا أريد أن أدخل في التفاصيل، فمعالجة هذه الإشكاليات ينبغي أن تكون مبنية على طريقة التعامل، وهي كل شيء. إذ لا تكمن المشكلة في كم عندك ولكنها تكمن في كيف تتصرف فيما عندك. فأنت إذا كان عندك مال كثير، وذهبت تبذره، آنذاك يكون بينك وبين الكارثة وقت قصير، ولكن إذا تصرف المرء أو الأسرة في مال قليل بطريقة جيدة، صحيح إنها قد تمر بمراحل صعبة، بيد أن مستقبلا زاهرا يظل أمامها. فهذا هو المنهج الذي نعتزم المضي فيه إن شاء الله الرحمن الرحيم.
* الملاحظ أن خصومكم بالأمس هم حلفاؤكم اليوم، وأقصد أحزاب الاستقلال، والتقدم والاشتراكية، والحركة الشعبية، فأي إرث ستحاكمون وأي سياسة ستتجاوزون. رغم أنكم لم تأتوا إلى الحكومة برغبة تصفية الحسابات؟
- أريد أن أكون واضحا معك، وأقول إن الأحزاب التي نتحالف معها اليوم لم تكن بيننا وبينها خصومة قط، على الأقل كبرى، خاصة مع حزب الاستقلال والحركة الشعبية. ومع حزب التقدم والاشتراكية، كنا في زمان سابق اختلفنا على إشكالية مدونة (قانون) الأسرة. صحيح كانت بيننا خلافات آيديولوجية. إلا أننا كنا معارضة حقيقية لجهة كانت متنفذة في الدولة وكانت تسير بنا في اتجاه الهاوية، واتجاه بسط التحكم على الحياة السياسية وعلى الحياة الاقتصادية، وهذه الجهة كان يمثلها حزب معين. هذا هو الإشكال المطروح. وبالنسبة لحزب الاستقلال، حافظنا على علاقة ودية معه، وكذلك الأمر مع حزب التقدم والاشتراكية، الذي يضم أناسا أفاضل. أما الحركة الشعبية، وكما قلت في البرلمان، فإنهم أبناء عمومتنا لأننا جميعا خرجنا من معطف حزب واحد هو الحركة الشعبية الأصلية التي كان فيها المحجوبي أحرضان، والدكتور عبد الكريم الخطيب رحمه الله. ثم إن هذه ليست أول تجربة حكومية في هذا السياق، فحتى في تجربة السيد عبد الرحمن اليوسفي، من الذي شارك في أغلبية حكومة التناوب التوافقي؟ كان هناك حزب الاستقلال، وهذا طبيعي، والحركة الشعبية، والتجمع الوطني للأحرار، وبعد ذلك جاءت حكومة إدريس جطو، ثم حكومة عباس الفاسي اللتان ظلتا محافظتين على نفس الأغلبية. والسبب بسيط يكمن في أن أي حزب لا يمكنه أن يحصل على الأغلبية المطلقة بسبب نمط الاقتراع المتبع، وهذا أمر جيد نسبيا. لماذا؟ لأن المغاربة يحرصون على التعددية والتنوع، وهذا يناسب ويلائم المزاج المغربي، وكما لاحظت أنه رغم بعض الصعوبات فإن مشاورات تشكيل الحكومة كانت ميسرة نسبيا. فبيني وبين الأحزاب كانت هناك لحظة وحيدة صعبة قليلا مع حزب الاستقلال تعلقت بوزارة التجهيز والنقل، وفي النهاية وجدنا حلا فقد أخذوا قطاع الطاقة والمعادن، واقتسمنا وزارة المالية فيما بيننا.
* لقد شكلت محاربة الفساد وتحقيق الحكامة والعدالة الاجتماعية الشعار المركزي الذي تصدر أولويات برنامجكم الحكومي، فهل من تدابير مستعجلة ستقدمون عليها في هذا الباب رغم أنكم لم تشيروا إليها في برنامجكم؟
- الفريق الذي يشتغل اليوم معي طالباناه بأن يعد إلى جانب البرنامج الحكومي برامج قطاعية في هذا الاتجاه، وحسب ما لاحظته بدا لي الجميع منخرطا في هذا المنطق، وأنا لا أخفي في هذا الباب مدى درجة الانسجام داخل الحكومة، وخصوصا بين أحزاب الأغلبية. ويجب أن لا تنسى أننا على بعد أقل من أسبوعين بعد التنصيب (الحصول على منح الثقة)، وأن برنامجنا يروم معالجة هذه الملفات، ولكن لا تنسى أن هذه الملفات تحتها مصالح، وتحتها إشكاليات اجتماعية كبرى، ولا يمكن المغامرة بالتجربة، فهذه التجربة حتى تتمكن من النجاح يجب أن تسير بطريقة مدروسة لكن لا تكون بطيئة، بمعنى دراسة كل إجراء وكل قرار، وتخصيص الوقت الكافي له قبل اتخاذه.
إن المواطنين يستوعبون حقيقة وضعية الحكومة، ويعرفون المجال الذي تتحرك فيه. وكما ترى فإن الثقة التي تحظى بها الحكومة تجاوزت بكثير نسبة الأصوات التي لديها في البرلمان، الناس يتحدثون الآن عن نسبة تتراوح بين 80 و90 في المائة من المواطنين عبروا عن ثقتهم في الحكومة وارتياحهم لها. والمهم الآن بالنسبة لنا هو أن نتصرف بطريقة صحيحة، وهذا ما نحن مقبلون عليه بإذن الله.
* سبق حصول حكومتكم على ثقة البرلمان الكثير من الهزات الاجتماعية والمظاهرات والاحتجاجات التي ما زالت تتوالد في بعض المدن ضمنها مدينة تازة التي شهدت تكرار اضطرابات في أقل من شهر، فماذا ستقدم حكومتكم من تدابير وإجراءات استعجالية للحد من هذا التوتر الاجتماعي؟
- أولا هناك أشياء فيها إرث ثقيل أذكر منها على سبيل المثال أزمة السكن، وهي أزمة خلقتها السياسات السابقة، والجميع يعرف هذا. الناس اليوم يتظاهرون ويحتجون ليس بسبب الحكومة الجديدة لكن بسبب الظروف السياسية الجديدة لأنه في بعض الأحيان يكون الإنسان في وضع صعب من ناحية السكن فيحاول أن يحل مشكلته بأي طريقة كأن يبني بيتا على أراضي الغير. نحن نتفهم جيدا الدوافع حينما تكون حقيقية، وكذلك لا يخلو الأمر من شعور بأن هنالك بعض محاولات تأجيج الأوضاع من طرف جهات إما معادية لحزب العدالة والتنمية أو للأغلبية الحكومية، أو لا تريد لهذه التجربة أن تنجح، بعضها فئات معارضة تقليدية معروفة.
نعم، هناك تأجيج، وهناك هذان العاملان، ولكن نحن لدينا مقاربة تكمن في ما يلي: أولا، تفهم الأسباب الحقيقية التي تكون وراء التوترات الاجتماعية ومحاولة معالجتها، وهذه أشياء موجودة وأسبابها حقيقية غير مفتعلة. ثانيا، أن هذا التأجيج يجب عدم تجاوز القانون في التعامل معه، وهذه مسألة لا نقاش فيها، وبطبيعة الحال تقع في بعض الأحيان بعض التجاوزات. ولكن أصحاب الكاميرات لا يظهرون تعرض رجال الأمن للرشق بالحجارة، ولكن إذا تعرض مواطن لمعاملة عنيفة، وهذا يقع في العالم كله، ترتفع أصوات الاحتجاج كثيرا، ولكننا حريصون على عدم تجاوز القانون وعلى معالجة القضايا في إطار عدم الزيارة في توتر المجتمع. هذه مرحلة صعبة تتطلب معالجة حكيمة وهادئة ولكن في الوقت نفسه يجب أن تتضمن ما يكفي من الصرامة لأن المواطن يريد أن يشعر بالأمن على ممتلكاته وعلى نفسه، فهذه حاجة سابقة على كل شيء. فبعد الجوع هناك الأمن، والآية الكريمة تقول: «أطعمهم من جوع وآمنهم من خوف»، والمواطن ينبغي له أن يعرف أن الدولة موجودة ولكنها موجودة بطريقة راعية وليس بطريقة عدائية، وهذا هو المهم عندنا. إذن هنالك المعالجة المستعجلة لبعض القضايا، وهنالك معالجة على المدى البعيد مثل قضايا الشغل، وقضية بعض المدن التي تعرف توترا اجتماعيا مثل تازة (شمال شرق)، وكذلك عدم السماح بإرباك استقرار وسكينة المواطنين، وفي الوقت نفسه نضمن حق الناس في الاحتجاج السلمي والحضاري. لقد كنا مؤخرا مجتمعين مع بعض الوزراء المعنيين وبلغتنا أخبار عن بعض الاحتجاجات التي خرج فيها مئات المواطنين ولكن بطريقة سلمية وهادئة.
* لقد اعتبر ضعف مشاركة المرأة في حكومتكم والاقتصار على وزيرة واحدة إشارة سلبية إلى المجتمع وإلى الخارج، ألم تنتبهوا خلال مشاورات تشكيل الحكومة إلى أنكم ستثيرون عليكم انتقادات واسعة تؤكد الطبيعة المحافظة لحكومتكم. فمن المسؤول عن هذا الخطأ السياسي أنتم أم أن جميع أحزاب الغالبية تتحمل المسؤولية، هذا مع العلم أن حزبكم وحده رشح امرأة لتولي الوزارة؟
- بالفعل، نحن الحزب الوحيد الذي وصلت امرأة واحدة منه إلى الوزارة. الترشيحات كانت أكثر من هذا. لكن ما أريد قوله هنا هو أن سبب هذه القضية ليس المحافظة سواء لدينا أو لدى الأحزاب الأخرى وخاصة ما نص عليه الدستور من السعي نحو المناصفة، ولكن مبدأ إشراك المرأة لم توضع له القوانين اللازمة الكافية في الأحزاب السياسية في المستويات الدنيا، وفي الانتخابات. فعدد النساء اللواتي ترشحن للبرلمان على رأس اللوائح لم يصل إلى 5 في المائة. فمن الذي منع الأحزاب الأخرى أن ترشح النساء؟ فعدد النساء اللواتي وصلن إلى البرلمان من خارج اللائحة الوطنية لم يتجاوز سبعة من 395. هناك 60 امرأة دخلن مجلس النواب عبر اللائحة الوطنية، وهذا إجراء قانوني. ولو لم تكن هناك لائحة وطنية كان سيكون عدد النساء في مجلس النواب سبعة فقط من أصل 395. طبعا ظروف تشكيل الحكومة كانت صعبة، وفي النهاية تكون هناك ترتيبات تروم بالأساس إخراج الحكومة إلى الوجود، وأحيانا لا يفكر المرء في ما سيخرج جراء الضغط، وهذا أمر شرحته للنساء. وهناك قضية أخرى أريد الإشارة إليها أنني لا أريد أن أحمل المسؤولية لأحزاب أخرى. لماذا؟ لأنني رئيس الحكومة. كان من الممكن أن أصر على عدد أكبر من النساء، ولهذا تحملت مسؤوليتي، واعتذرت علانية للنساء إذا اعتبرن أن هذه القضية لم يكن فيها إنصاف. إن هذه المسألة لها علاقة بالمجتمع. وسأقول لك حقيقة مفادها أن عموم نساء المجتمع لم يأخذن علي هذه القضية، وكتبت بعض وسائل الإعلام عن ذلك، وأن ما يهمهن الآن هو ما ستقوم به الحكومة.
إن هذا الاختلال سنعالجه في أي تعديل حكومي قد يقع في المستقبل، وتكون له مبررات معقولة، وسنعالجه سياسيا، وبمعنى آخر إننا مشينا في اتجاه مفاده أن تنخرط نسبة من النساء في التسيير سواء تعلق الأمر بالحكومة أو البرلمان أو المجالس الجماعية (البلديات)، وهذا شيء تم إنجازه بالفعل. فالمجالس البلدية فيها 12.5 في المائة من النساء، والبرلمان فيه 60 امرأة دخلن إليه باللائحة، إذن هذا هو التوجه، حتى تكون المرأة في المستقبل مؤهلة في المجتمع بشكل طبيعي.
* لقد طلب أحد شركائكم في الائتلاف الحكومي (حزب التقدم والاشتراكية) بتعديل وزاري لتصحيح خلل ضعف مشاركة المرأة حتى قبل أن تحصل حكومتكم على ثقة البرلمان.. كيف نظرت كرئيس للحكومة إلى هذه الدعوة؟
- هذا غير معقول. يجب أن لا ننسى أن المجتمع ينظر إلى المضمون ولكنه ينظر أيضا إلى الشكل. حكومة تعدل قبل أن تنصب هي حكومة مهزوزة. فنحن نذهب إلى البرلمان ولكن عيننا على المجتمع. وأنا سبق لي أن قلت لك إن استطلاعات الرأي التي جرت منذ الانتخابات حتى الآن أعطت للحكومة في الأول ثقة بنسبة 82 في المائة، وأعطتها لاحقا ثقة بنسبة 88 في المائة. فنحن هنا لسنا بصدد العبث.
* كنتم تعيبون أيام المعارضة على حكومة عباس الفاسي كون ثلث أعضائها وزراء غير منتمين سياسيا، وأن بعضهم فرض على الأحزاب فرضا، بيد أننا نجد أيضا أن حكومتكم تضم تكنوقراطا ووزراء محسوبين على القصر الملكي، فهل الأمر يتعلق برسالة تطمينات إلى من يهمه الأمر؟
- المهم في الوزراء هو كفاءتهم، وماذا سيقدمون في مجال اختصاصاتهم.الحكومة معظم وزرائها ينتمون لأحزاب سياسية. فمن بين 31 عضوا في الحكومة هناك خمسة وزراء غير منتمين لأحزاب سياسية، وبالتالي فإن 5 من مجموع 31 لا يمثل رقما كبيرا، فالتكنوقراط فيهم أناس أكفاء. وسأعطي مثالا على ذلك بالسيد إدريس الضحاك، الأمين العام للحكومة، الذي احتفظنا به في الحكومة الحالية. في داخل حزبنا، كان الرأي السائد، أن هذا الرجل لا يوجد شخص، وربما نكون مخطئين، في مستواه لتحمل هذه المسؤولية، ولم يطلب مني أي أحد إبقاءه في الحكومة، ولم يكن موضوع نقاش إطلاقا لا داخل الحزب ولا داخل الأغلبية، ولم يطلب منصبه أحد، وهنا أعود للتنويه به من جديد فمن قبل كنت أعرفه معرفة شخصية ولكن لما اشتغلت معه عرفت والحمد لله أن موقفي كان صائبا، وأسأل الله أن يبارك في عمره ويمتعه بالصحة والعافية ليواصل دوره، ولذلك لماذا أغير شخصا مثل السيد الضحاك بشخص آخر. وإذا كان يتمتع بعطف جلالة الملك فهذا شيء إيجابي. ونحن لم نأت لنحكم رغما عن الإرادة الملكية. فهذا غير صحيح البتة، نحن جئنا لنحكم مع هذه الإرادة، حتى تكون الأمور واضحة في ذهن المغاربة، لما فيه المصلحة والخير والتشاور وكل من موقعه. فجلالة الملك هو رئيس الدولة المغربية، ونحن لن نبني علاقتنا مع جلالته على التنازع، هذا غير وارد وغير صحيح. وبالعودة إلى الوزراء غير المتحزبين، أود الإشارة أيضا إلى أن الوزير المنتدب المكلف بإدارة الدفاع الوطني لم يطلبه مني أحد، فهو شخص يتمتع باحترام الأطراف كلها وناجح في عمله. وسأفشي لك سرا آخر يتعلق بعزيز اخنوش، وزير الفلاحة والصيد البحري (قيادي سابق في التجمع الوطني للأحرار)، أنا من اتصلت به بعد الانتخابات بيومين حتى أهنئه بفوزه في الاقتراع، وعبرت له عن رغبتي في بقائه في الحكومة قبل أن أعين على رأسها، فلا أعرف لماذا يتضايق البعض من ذلك.
* وما السبب وراء هذه الرغبة المسبقة التي عبرتم عنها للسيد أخنوش؟
- لأنه كان يظهر لي رجلا نظيفا وعنده مشروع كبير بدأه للتو، والله شاهد على ما أقول، وبإمكانك سؤاله عن ذلك.
* ألم يطلب منك أحد إبقاءه في الوزارة؟
- حينما اتصلت بأخنوش عقب ظهور نتائج الانتخابات لم يكن هناك أحد قد تكلم معي بشأنه. طبعا حينما يكون المرء بصدد تشكيل حكومة يكون هناك حوار فالحكومة يقترحها رئيس الحكومة ويصادق عليها جلالة الملك، ولو لم يصادق جلالة الملك عليها لما عينها. هذا كل ما في الأمر. نحن جئنا لنعمل في إطار التوافق مع جلالة الملك وليس في إطار التنازع، فالتنازع أمرنا الله أن نتركه، وجلالة الملك هو رئيس الدولة، وأريد أن أقول شيئا آخر هو أن مساندة جلالة الملك شيء رئيسي ومهم في الحياة السياسية بالمغرب.
* لقد أغفلتم في برنامجكم الحكومي الحديث عن الحداثة والانفتاح والتطوير. فهل الأمر يتعلق بسهو أم أن الحداثة في نظركم تتعارض مع الهوية الوطنية الموحدة والمرجعية الدينية للمملكة؟
- لا يوجد أي سبب لذلك. فالبرنامج الحكومي ساهمت في إنجازه أربعة أحزاب، ولا يوجد أي حزب فيهم ضد الحداثة وهناك في صفوف الحكومة حزب هو الداعي الأول للحداثة أي حزب التقدم والاشتراكية. العبارات لا تفيد شيئا، ويجب النظر إلى مضمون البرنامج، وهل سيمضي في طريق النزاهة والشفافية؟. ثانيا، ما هي الحداثة؟ هل الحداثة أن تأتي إلى مؤتمر الحزب وأنت مرتب من سيكون رئيس الحزب؟ هل الحداثة هي أن ترشح ابنك أو زوجتك ليكونا نائبين في البرلمان؟ هذا كلام ممسوخ. بالنسبة لنا الحداثة كمفهوم إيجابي في إطار مرجعية الدولة الإسلامية نحن نضعه فوق رؤوسنا، ونعمل به، وبه عملنا في حزبنا، وبه سخر لنا الله تعالى الوصول إلى هذه النتائج. أما رفع الحداثة كشعار والتحدث عنها بلا خجل، وعدم الالتزام بها يفقد صاحب الشعار مصداقيته.
* في سياق علاقتكم مع القصر الملكي كم مرة تتصلون في اليوم أو في الأسبوع بالملك محمد السادس، وكم مرة تم الاتصال بينك وبينه منذ تعيينك رئيسا للحكومة؟
- لقد جرى اتصال مباشر ثلاث مرات (قبل انعقاد المجلس الوزاري الثلاثاء). ولكنني أتصل بجلالة الملك كلما كانت الحاجة إلى ذلك من جهته أو من جهتي. وهو غاية في اللطف. ولا أخفيك أنني أوقره كثيرا، والناس جميعا يعرفون هذا عني، فجلالة الملك لديه مرتبة خاصة في قلبي مثلي كباقي المواطنين المغاربة في ذلك. فأنا أتصل بجلالته عندما تكون هناك حاجة ملحة. فإما أن يستجاب لي فورا أو يتم جوابي بعد حين أو بعد لحظات. وإذا جاز لي أن أشكره على هذه المعاملة، أجدد القول إنه غاية في اللطف والعناية.
* يبدو أن فؤاد عالي الهمة مستشار العاهل المغربي حاليا، وخصمكم السياسي اللدود سابقا هو مخاطبكم الأساسي في القصر الملكي.. كيف هي العلاقة معه حتى الآن هل هناك انسجام أم تنافر؟
- قضية التنافرغير موجودة البتة. بالنسبة لفؤاد عالي الهمة، وأنا لا أعرف هل تعرفه أنت شخصيا أم لا؟ هو رجل لطيف، وفي وقت من الأوقات قرر أن ينزل إلى الساحة ليخوض السياسة معنا. فتصارع معنا، وتصارعنا معه، ويوم عينه جلالة الملك مستشارا له كنت من أوائل من اتصلوا به لتهنئته، كما أن وضعيته السياسية تغيرت، وبالنسبة لأن يكون عالي الهمة هو مخاطبي في القصر الملكي يمكن أن يكون شيئا إيجابيا في النهاية فهو لديه مرتبته ومكانته، وهو شخص متفهم، وما وقع بيننا في المرحلة السابقة طويت صفحته، لكن ما يمكن أن أقوله لك أن علاقتنا الشخصية كانت طيبة من قبل، وطيبة الآن. وأنا من جهتي حاولت أن تبقى العلاقة معه طيبة حتى أثناء المعارك السياسية. فهذه القضية لا تزعجني. وأود أن أشير إلى أن لدي علاقات ممتازة مع مستشاري جلالة الملك. وفي الحقيقة لمست أن جميعهم من معدن طيب. ولأكون واضحا معك، طبعا ليس دائما نتفق ولكن الحمد لله الأمور معهم جيدة، ربما كنت أتصور قبل تعييني رئيسا للحكومة أن العلاقات مع المستشارين قد لا تكون على ما يرام لكنني فهمت لاحقا أنه من المفيد أن تكون العلاقة مع المستشارين جيدة.
* لوحظ أنكم ختمتم حديثكم في جلسة منح الثقة البرلمانية لحكومتكم بالقول «إذا تركونا نعمل» فمن تقصد بذلك، وهل أنتم متخوفون من قوى ما تستهدف حكومتكم؟
- لا توجد حكومة في العالم ليس لها خصوم وأعداء. فوجود خصوم شيء عادي. إن الذين يستهدفونها هم أولئك الذين كانوا يشتغلون بطريقة غير مشروعة في ما سبق، وبالتالي لا يمكن أن نتصور أنهم سيستسلمون، وهذه سنة الله في خلقه. لا يوجد أحد ليس لديه خصوم وأعداء. وأنا لدي نداء أوجهه لعقلاء البلد جميعا، أحاول فيه أن أفهمهم أن الذي يقع ليس قضية حكومة من الحكومات، التي على كل ستقضي وقتها وتذهب إلى حال سبيلها، بل هي مرحلة حرجة في حياة الأمة وليست مرحلة لعب. هذه المرحلة الحرجة يجب على العقلاء أن يتعاونوا للتغلب عليها سواء كانوا في الحكومة أو في المعارضة أو في أي جهة أخرى حتى يصبح المغرب دولة تنظر إلى المستقبل باطمئنان.
لما جاءت الرياح العربية ارتج الوضع، ولولا أن الله ألهم جلالة الملك بخطاب 9 مارس(آذار) الماضي لكان من الممكن أن تكون أحوالنا اليوم ليست على ما يرام. لماذا؟ لأن هناك اختلالات في التسيير، واختلالات في الديمقراطية، واختلالات في مجالات الاستثمار، وهناك اختلالات في العناية بالمستضعفين والفقراء والمحتاجين، وهناك أيضا اختلالات في الحكامة والعدالة، فهذه أشياء أساسية بالنسبة للدولة. نحن لم نأت لنكتشف البترول ونحول التراب إلى ذهب، إلا إذا أراد الله، بل جئنا ببرنامج أساسي لتصحيح سير الدولة، بحيث يصبح كل من يستحق شيئا يأخذه، ويصبح المواطن حينما يذهب إلى الإدارة يشعر بأنه في بلده، وبأنه مرحب به، وبأن العاملين فيها هناك لخدمته والقيام على حاجياته، وبأن التعليم والخدمات الاجتماعية تعمل بطريقة معقولة، وبعد هذه المرحلة الحرجة نعود إلى التنافس الآيديولوجي. فالمرحلة الحالية هي مرحلة النوايا الحسنة. إن الإخوة في جماعة العدل والإحسان يقولون إن هذه الأشياء لا فائدة ترجى منها، وربما يذهب البعض منهم في اتجاه تأجيج الأوضاع، وأنا تألمت كثيرا لوفاة ذلك الشاب المنتمي للجماعة، الذي احترق رغم أنه لم يكن ينوي حرق نفسه، ذلك أن أحدهم اشتعلت فيه النار خطئا فحاول الشاب الذي لقي حتفه إنقاذه فاندلعت النار في جسده. فمنطق التأجيج ومحاولة الركوب على الإشكاليات الاجتماعية الموجودة في المجتمع والتي جئنا إلى الحكومة بسببها لكي نعالجها هي أشياء غير مقبولة. وأغتنم هذه المناسبة لأوجه للإخوان في جماعة العدل والإحسان رسالة مفادها أنه لا يجوز اللعب بالنار. والآن على كل ذوي النوايا الحسنة أن يقدموا يد العون لتجاوز هذه المرحلة، وإذا لم يستطيعوا فعل ذلك فليستكينوا للهدوء وليمنحوا الحكومة وقتا. فهي لم تكمل بعد أسبوعها الثاني، ولقد رأينا صحيفة محترمة تكتب قائلة إن ابن كيران يتراجع عن وعوده الواحدة تلو الأخرى. فهل هذا معقول؟
في دافوس، وسط جمهرة من الناس، طرح أحدهم سؤالا، دون أن يقدم نفسه، حول كيف ستكون علاقتنا بإسرائيل، فأجبته بالقول إن موقفنا من إسرائيل هو موقف الفلسطينيين، فتأتي نفس الصحيفة التابعة لحزب محترم، وتكتب إن ابن كيران يحل ضيفا على إذاعة إسرائيلية. ما هذا الكلام؟ مثل هذه الأشياء تؤلمني لأنني أرى أن مقاربة المعارضة غير صائبة، هذا مع العلم أن المعارضة معارضات، لكن هناك فصيلا، على الخصوص، أرى أنه غير موفق، خاصة أنه يبلغني أن المجتمع لا ينظر إلى أسلوبه بطريقة إيجابية. وربما سيدفع هذا الفصيل ثمن ذلك غاليا سياسيا. وأكرر القول إننا في مرحلة من يستطيع فيها أي كان المساعدة فأهلا وسهلا، ومن لم يستطع فليلزم التهدئة على الأقل.
* وما قراءتك لأحداث مدينة تازة الأخيرة؟
- أحداث تازة ليست أحداث مدينة سيدي بوزيد التونسية؛ فأحداث تازة تتعلق بمجموعة تتكون من ستة معتقلين متابعين من أجل أسباب واضحة، طبعا الأهالي يطالبون بإطلاق سراحهم، وما دامت مطالبهم تتم في إطار قانوني وسلمي فلا مشكلة في ذلك. هذه مرحلة تمر منها الأمة كاملة. فإذا كانت مصر الشقيقة يموت فيها العشرات بسبب مباراة كرة قدم، فإن المغرب والحمد لله لا يعرف هذه الظاهرة، وبالتالي على بعض الجهات السياسية أن تمضي قدما في اتجاه حفظ الأمن. فمن سيشعل النار سيكون أول من سيحترق بها. ولهذا يجب على البعض أن يعودوا إلى رشدهم قليلا. إن الحكومة عازمة على أن تتحمل مسؤوليتها كاملة لا فيما يخص معالجة الإشكاليات الاجتماعية والطارئة فحسب. فالاختلالات قد تقع في أي وقت، ففي تازة مثلا توصل السكان بفواتير الماء والكهرباء تتعلق بمدة شهرين أو ثلاثة أشهر، وهي مشاكل تتطلب نوعا من الاتصال المباشر لا فيما يخص معالجة الإشكاليات المستعجلة ولا فيما يخص معالجة الإشكاليات على المدى الطويل مثل التعليم والسكن والصحة حتى لا تبقى رخصة السكن امتيازا، والشغل امتيازا أيضا، فكل هذه الأشياء سنضع لها حدا بحول الله، وسنرسخ قواعد التعامل مع المواطنين بطريقة تأخذ بعين الاعتبار المعايير والمقاييس الضرورية، ولا أقبل أن يقول لي أحد بضرورة التوظيف المباشر والفوري هذا أمر غير ممكن، هل بإمكاني أن أوظف المغاربة كلهم؟ هذا غير معقول، ولكن الوظائف التي وفرتها الدولة هذا العام وعددها كثير إذ تجاوزت 26 ألف وظيفة سيتم توزيعها بطرق قانونية واضحة. ولكن في الوقت نفسه سنطبق القانون، والدولة من حق المواطنين عليها أن يشعروا بأنها موجودة، وأن لها هيبة حتى تكون الأمور واضحة.
* عبرتم مؤخرا عن استعدادكم للحوار مع جماعة العدل والإحسان، وقبل ذلك وجهت الجماعة لحزبكم ولحركة التوحيد والإصلاح، الذراع الدعوية للحزب، رسالة شديدة اللهجة واصفة حكومتكم بـ«الهامش على متن الاستبداد»، بماذا تردون على هذه الرسالة، وعلى أي أسس تريدون الحوار مع الجماعة، وهل ستظلون مراهنين على الحوار معها مهما كانت الظروف؟
- حركة التوحيد والإصلاح ليست ذراعا دعوية للحزب وإنما هي مستقلة، أما جماعة العدل والإحسان فهي جماعة تدعو إلى الحوار. هناك بعض التأجيجات لكن ذلك في الهوامش، ولا يمكن تأكيد مسؤولية الجماعة في ذلك. ولكن بالنسبة للاستبداد، الإخوان في الجماعة يتكلمون عنه منذ 30 سنة. وذكروا ذلك في رسالتهم. نحن لا نؤمن بهذه الطريقة في التغيير أي أن نظل ننتظر 30 سنة، ونضيف عشرية أخرى ثم تليها عشرية أخرى من الانتظار. نحن نؤمن بدخول المعترك والقيام تدريجيا بالإصلاح، فهل الانتظار سيزيل الاستبداد أم لا؟ الذي لا شك فيه أن الذين سبقونا وقاوموا وواجهوا قبل أن تكون العدل والإحسان، وقبل أن تكون حركة التوحيد والإصلاح، وقبل أن يكون حزب العدالة والتنمية نفسه، صححوا عددا من الاختلالات. المغرب إذا لم يشتعل في 20 فبراير فلأنه لم يكن مثل تونس، ولم يكن فيه حزب وحيد، ولم يكن يحكمه نظام عسكري، وكانت فيه ديمقراطية، وهامش من الحرية، وهامش من حرية الصحافة، والناس الذين قاموا بما قاموا به معروفون وأحييهم، وفي سياق ذلك نعتبر أنفسنا حلقة في سلسلة. فنحن لا نمثل قطيعة. إننا نبني على ما سبقنا ومن سبقنا. والسيد عبد الرحمن اليوسفي إذا جاز لي أن أذكره، قدم للوطن خدمة كبيرة يوم شارك في التناوب التوافقي. ورغم أن ذلك كلف حزبه ثمنا غاليا نسبيا فقد قدم للبلاد خدمة كبيرة جعلها تستمر حتى اليوم. وها نحن اليوم جئنا إلى الحكومة ونسأل الله سبحانه وتعالى التوفيق في عملنا. إن المغرب يتحسن. فمغرب اليوم ليس هو مغرب عقد السبعينات من القرن الماضي. هل وضعية جماعة العدل والإحسان اليوم هي نفس الوضعية التي كان فيها السيد عبد السلام ياسين محاصرا في بيته؟ وفي سياق المقارنة بين المغرب وتونس، السيد عبد السلام ياسين لم يكن معتقلا أو كان منفيا في بريطانيا مثل السيد راشد الغنوشي. فياسين كان يعيش بطريقة محترمة في بيت لائق كبير، وجماعته تعقد جلساتها ولقاءاتها وعندها مصالحها، وهذه كلها أشياء مفهومة ومعروفة. ولهذا فالإخوان في العدل والإحسان لا يوجد بيني وبينهم سوى الخير والإحسان، ولكن عليهم أن يفهموا ويعرفوا أن هذه البلاد قائمة على أسس، وأن هذه الأسس إذا أرادوا أن يتحاوروا في إطارها ويتمتعوا بحقوقهم فإنهم مرحب بهم، ولكن إذا كانوا يتصورون أن الدولة ستترك أحدا يروم تقويضها بطريقة أو بأخرى فإنهم مخطئون، وذلك حتى تكون الأمور واضحة بالنسبة لهم ولغيرهم. نحن نؤمن بأن هذا المغرب يقوم على ثلاث دعائم أساسية إضافة إلى واحدة أخذت اليوم مرتبتها كأنها أساسية، الأولى هي الدين الإسلامي، والثانية هي الوحدة الوطنية والترابية، والثالثة هي الملكية الدستورية، وهذا ما يعبر عنه المغاربة بشعارهم «الله الوطن الملك»، والآن هناك الديمقراطية، التي أصبحت مرتكزا رابعا أساسيا بالنسبة للوطن، وهو مرتكز يأخذ من خلاله كل واحد حقوقه ويؤدي واجباته. أكرر قول هذا حتى تكون الأمور واضحة مع الإخوان في جماعة العدل والإحسان وغيرهم حتى لا يظنوا أن المغرب دولة يمكنها أن تهتز، وأنها لم تعد فيها مسؤولية، بل على العكس المغرب له رجالاته الذين سيدافعون عن الأسس التي قام عليها. وإذا كان الإخوان في الجماعة غير واعين بهذه الأشياء، ويودون مواصلة الانتظار فذاك أمر يهمهم، ولهم واسع النظر. وعموما، علاقتي بجماعة العدل والإحسان كانت دائما طيبة، ولكن الأسس التي تقوم على أساسها البلاد مجموعة إذا مست، يجب تحمل مسؤولية ذلك في إطار القانون.
* كيف قرأتم انسحاب جماعة العدل والإحسان من حركة 20 فبراير؟
- بصدق لم أتوصل لقراءة نهائية. لكن أرجح أنهم اقتنعوا بعدم جدوى الاستمرار من جهتين؛ الأولى تتعلق ربما بعدم تحقيق نتائج، والثانية تكمن في عدم وجود انسجام مع الفئات الأخرى التي كانت منظمة لحركة 20 فبراير. على كل حال اعتبرت خروجهم من حركة 20 فبراير موقفا إيجابيا.
* أين وصلت علاقتك مع رابطة العنق. أما زلت تحس بالاختناق كلما وضعتها حول عنقك؟
- إنها ترهقني ولكنني بدأت أتعود على ارتدائها ولكنها لم تكن قط مثل ربطة العنق الأنيقة التي ترتديها أنت. وعموما أنا في بعض الأحيان، أكون مضطرا إلى ارتدائها.
* بالنسبة للبروتوكول هل تكيفت معه، خاصة أنه لوحظ خلال استقبال ماريانو راخوي، رئيس الحكومة الإسبانية مؤخرا، في مطار الرباط - سلا، وجود ارتباك بروتوكولي؟
- لم يكن هناك ارتباك خلال استقبال رئيس الحكومة الإسباني، طبعا لما وصل أردت أن أسلم عليه بحرارة.. وفي آخر اليوم عند مغادرته الرباط سلمنا على بعضنا البعض بحرارة وبطريقتي أنا. وعموما أنا لست معتادا على هذه الأشياء، والإخوان المكلفون بالبروتوكول يوجهون لي نصائح حول الكيفية التي ينبغي لي أن أتصرف بها، وأقبل نصائحهم على الرأس والعين، وفي الأخير لا بد أن أتعلم قواعد البروتوكول بيد أن قليلا من العفوية ستظل قائمة لأن عبد الإله ابن كيران هكذا خلقه الله. فهل تعتقد أنني سأتغير في هذه المرحلة من عمري؟ لا أظن ذلك.
* في ظل المسؤولية الجسيمة التي تتحملها كم ساعة تنام. أم أنك ما زلت تنام المدة نفسها التي كنت تنامها قبل توليك رئاسة الحكومة؟
- أنام الآن مدة أقل من المرحلة السابقة. ولكنني أحاول أن آخذ قسطا من الراحة لأن كثيرا من الناس الذين نصحوني أكدوا ضرورة تمتعي بقسط من الراحة كعنصر أساسي للنجاح. أنا حتى الآن لم أتمتع بعطلة ويجب أن آخذ حقي منها.