تبيت وتصحا على العزلة. اقتصادها يلفظ أنفاسه، أسرها وعوائل تعيش فقرا وخصاصا، مقاهيها ومطاعمها ومحلاتها تجارية أصبحت وكأنها خرابا تسكنها الأشباح. تلك هي صورة بعض المدن والتجمعات الحضرية التي وجدت نفسها تؤدي ضريبة الطريق السيار بعد أن كانت سيدة نفسها على الطرق الوطنية والثانوية التي تربط بين المدن والحواضر الكبرى. الطرق السريعة والسيارة حولت مسار المسافرين عنها بعد أن أصبحت ترمي بهم مباشرة بين أحضان وجهتهم فتخلوا عن دخول هذه المدن للتسوق والاستراحة.
اقتصارنا في هذا التحقيق على حاضرة الرحامنة مدينة «بن جرير» و«صخور الرحامنة» هي لعدة اعتبارات: أولا لأن المدينتين تعتبران أكثر الحواضر التي تضررت علي المستوى الوطني من مد الطريق السيار وثانيا اعتبارا لموقعهما الاستراتيجي كمحطة وممرا رئيسيا لامحيد من السير عبره في اتجاه من وإلى أكبر محور اقتصادي في المملكة، محور الدار البيضاء القنيطرة .
كان الوقت صباحا وعقارب الساعة تزحف نحو العاشرة. أمام إحدى المطاعم بشارع محد الخامس بمدينة بن جرير على الطريق الوطنية رقم 9 الرابطة بين الدارالبيضاء ومراكش. تسارعت خطوات «الهاشمي» وهو في غاية الفرح بعدما لاحت له إحدى السيارات المرقمة باسبانيا التي كانت تستعد للتوقف جانب الطوار، لعله يحصل من راكبيها على بعض الدريهمات وبعضا من أكل، ولكن فرحه كان مشوبا بشيء من الخوف لم يفارقه منذ أسابيع، عاشها على أعصابه بعد الكساد الذي أصابه منذ مدة طويلة بعد تسريحه من مقهى في الشارع ظل يشتغل فيها لسنوات. كساد «الهاشمي» لم يكن كسادا ذاق مرارته لوحده ولكن يتقاسمه مع العديد من المتسورلين أمثاله انضافوا إلى آخرين وخاصة مستخدمي وأصحاب محلات تجارية وعديد مقاهي ومطاعم باتوا يعيشون شبه عطالة منذ سنوات بعد انطلاق العمل بطريق السيار.
معاناة «الهاشمي» بدأت أياما فقط بعد بدأ نشاط الطريق السيار الرابط بين البيضاء ومراكش قبلها كان «الهاشمي» كان وجها مألوفا ك«شواي» في إحدى المطاعم الشعبية في المحطة الطرقية ببن جرير غير بعيد عن شارع «محمد الخامس» وكان كل مايكسبه من عمل يوم كامل هو 60 درهما تنضاف إليها ما يجود به الزبناء من دريهمات فتصبح الحصيلة اليومية حوالي 130 درهما. هذا المبلغ كان كافيا لإعالة أسرة مكونة من 7 أبناء، لكن بعد أن بدأ عمل الطريق السيار الرابط بين الدار البيضاء ومراكش منذ فبراير 2008 انعكس ذلك في شكل أزمة أصابت بشظاياها عمال المقاهي والمطاعم قبل أن تصيب أرباب هذه المطاعم والمقاهي وأصحاب محلات التجارية قبل أن تنكس سلبا على المدينة ككل.
حنين لأيام خلت
على امتداد التراب الوطني تعيش هذه التجمعات الحضرية والمدن شبه عزلة وكساد تامين بعدما كانت إلى وقت قريب قبل انطلاق الطريق السيار ممرا إجباريا لآلاف المسافرين ومئات الحافلات والسيارات الخصوصية الذين يعبرون هذه المناطق لبلوغ وجهات أخرى سواء في اتجاه الشمال المملكة أو جنوبها، فمدينة «بن جرير» ظلت إلى غاية 20 فبراير 2008 تاريخ انطلاق العمل بالطريق السيار الرابط بين مراكش والدار البيضاء صلة وصل لابد من المرور عبرها لكل راغب في الالتحاق في المسارين الشمال والجنوب إلى أن جاء مشروع «الأوطوروت» الذي حول حياة السكان إلى جحيم خاصة بالنسبة للتجار وأصحاب المطاعم والمقاهي والمحال التجارية حيث أصبح نقمة أثرت على مصدر رزقهم وحولت حياتهم إلى جحيم.
بن جرير.. أولى ضحايا الطريق السيار
«بن جرير» عاصمة الرحامنة الواقعة بين الدار البيضاء ومراكش على الطريق الوطنية رقم 9 هي أولى المناطق التي راحت ضحية لمشروع الطريق السيار وخاصة محطتها الطرقية والشارع الرئيسي فيها شارع محمد الخامس، فالمسافرون الذين يتنقلون إلى شمال البلاد أو جنوبها كانوا يمرون عبر المدينة ويتوقفون بها لأخذ قسط من الراحة ولقضاء حاجياتهم، حيث نشأت حميمية بين مستعملي محطة «بن جرير» وأصحاب المحلات والمطاعم والمقاهي الذين اعتادوا على زبنائهم طيلة السنوات الماضية، أما اليوم وبعد انطلاق الطريق السيار اختفى ذلك واختفت تلك الحميمية بعدما بات يفضل أغلب المسافرين سواء من كانوا على متن سياراتهم الخصوصية أو عبر حافلات النقل الطرقي يفضلون المرور عبر الطريق السيار بدل الطريق الوطنية إما كسبا للوقت أوضمانا للسلامة بعد تكرار الحوادث السير.
مطاعم ومقاهي.. أغلقت وتجارة كسدت
أكثر الذين تضرروا من انطلاق الطريق السيار الرابط بين مراكش والبيضاء كانت المطاعم والمقاهي والمحلات التجارية الذين كانت أرقام معاملاتها تقوم أساسا على العائدات الناتجة عن تقديم خدمات للمسافرين وعابري الطريق ، فقد اظطرت عشرات المطاعم والمقاهي والمحال التجارية المتخصصة في بيع المواد الغدائية أو التذكارات التي كان يقبل عليها المسافرون بشكل كبير، اضطرت إلى إغلاق أبوابها بصفة نهائية بسبب الطريق السيار الذي خطف منها زبنائها، فالمحطة الطرقية وشارع «محمد الخامس» كان يضم مطاعم ومقاهي مشهورة يقصدها المسافرون وتتوقف بها الحافلات والسيارات الخصوصية العابرة في الاتجاهين، لدرجة كان التجار وتحت ارتفاع الطلب يظطرون للتسوق يوميا واقتناء مختلف السلع التي ينفذ أغلبها خلال أيام، أما اليوم فإن أغلب المقاهي والمطاعم التي مازالت مستمرة في نشاطها فرقم معاملاتها لايحقق إلا أقل من 30 في المائة من سابق نشاطها. وللوقوف على حقيقة الخسائر والأزمة التي تبث تعيشها مدينة بن جريز تكفي الاشارة إلى أن عدد المقاهي والمطاعم التي أغلقت في المحطة الطرقية وشارع محمد الخامس18 مقهى ومطعم 22 محلا تحاريا وتسبب ذلك في عطالة 1200 شخص دون الاشارة إلى بائعي التذكارات وأصحاب عربات الأكلات السريعة وماسحي الأحذية وغيرهم.
حتى الباعة المتجولون وأصحاب الورشات تضرروا
وضعيات الكساد والأزمة الناتجة عن انطلاق خط الطريق السيار لم تمس فقط أصحاب المطاعم والمقاهي والمحال التجارية بل مست كذلك العديد من الباعة المتجلون الذين كانوا يتربصون بكل الحافلات والسيارت الخصوصية من أجل بيع العديد من السلع التي يتاجرون فيها من ملابس خفيفة وساعات ونظارت شمسية وغيرها، انضاف إلى هؤلاء أصحاب ورشات كالميكانيك وتصليح العجلات وأصحاب الأكشاك، فكل هؤلاء دخلوا في عطلة غير مدفوعة الأجر فرضها عليهم الطريق السيار الذي ألحق بهم ضررا كبيرا رغم أن فائدته شملت آخرين.
هؤلاء المتضررون وخاصة لعمال المقاهي والمطاعم ولكب قوت أسرعم تحولوا في غياب بدائل إلى فراشة وباعة متجولين وكانت وجهتهم إلى العديد من النقط بالمدينة وخاصة لشارع «مولاي عبد الله» الذي أصبح يعاني من انتشار الفراشة والباعة المتجولي والذي ساهموا بدورهم في كساد أصحاب المحلات في الشارع.
. الكساد لم ييشمل هؤلاد فقط بل انضاف إلى الضحايا السابقين، عدد كبير من الممونين الذي كانوا يزودون المقاهي والمطاعم بالسلع والتي تأتي في الغالب من وسط المدينة وخاصة من اللحوم والخضر والحليب ومشتقاته والمشروبات الغازية والمعدنية.
إعادة تهيئة شارع «محمد الخامس» زاد الطينة بلة
إعادة تهيئة «شارع محمد الخامس» الشارع الرئيسي بمدينة بن جرير وتجمع عشرات المطاعم المقاهي، أنجز من قبل المجلس الإقليمي دون سابق إنذار ودون إشراك لممثلي التجار وأصحاب المحلات. المشروع كان مزمعا الانتهاء منه في ظرف أربعة أشهر إلا أن الأشغال استمرت حوالي 11 شهرا ودخل حيز التطبيق في الشهور الأولى من سنة2009 إلا أن هذه التهيئة لم تغير شيئا حسب أغلبية التجار بل لم تؤدى إلا إلى تعميق أزمتهم اعتبارا نظرا إلى أنها لم تحترم كناش التحملات والتراجع عن أبرز المعالم المتفق عليها في التصاميم التقنية إضافة إلى خاصة فيما يتعلق بتسهيل عملية ولوج المسافرين إلى المحلات والمطاعم وبإنشاء موقف للسيارات وتضييق ممرات الشارع الأمر الذي أصبح سببا في العديد من حوادث السير وعرقلة لحوادث السير.
جمعية تجار شارع محمد الخامس وبعد ما أصابهم من جراء تهئية الشارع وبعد عديد الشكايات من قبيل الاختلالات التقنية التي شابت المشروع ومحاسبة المقاولات التي قامت بانجاز التهيئة ومكتب العندسة المقدمة إلا أن الجمعية لم تتلقى جوابا .
غياب منافذ ومداخل للمدينة عمق الأزمة
الذي وضعوا هندسة للطريق السيار الرابط بين مراكش والبيضاء أسقطوا من المشروع إقامة منافذ أو مداخل أو محولات تؤد إلى المدن والقرى على طول الطريق السيار اعتبار إلى أن هذه المحولات هي شريان الحياة بالنسبة لهذه المدن وفي غياب ذلك على الطريق بين سطات وبنجرير عمق من أزمة المنطقة وللتأكيد على ذلك تكفي الاشارة إلى أنه وانطلاقا من مدينة سطات حتى بن جرير مرورا عبر بلدة صخور الرحامنة وعلى طول حوالي 140 كلم لم يتم وضع إلا منفذين، واحد في بن جرير والأخر في صخور الرحامنة، ويبقى المستفيد الأكبر من غياب هذه المحولات ذلك هي محطات الوقود والاستراحات والمرتبطة بشركات كبرى والمتواجدة عي طول الطريق السيار.
حتى «المخازنية» غادروا
أثار الأزمة بفعل الطريق السيار لم تنعكس فقط على التجار والمهنيين في بن جرير والصخور الرحامنة بل تعدت ذلك وامتدت شظاياها إلى العديد من الجهات الأخرى. ففي بن جرير وبالضبط في شارع محمد الخامس كان هناك مركزا للقوات المساعدة مقاما وسط الشارع وكان يعرف تواجدا كبيرا لأفراد من القوات المساعدة تسهر على ضمان الأمن للمترددين على الشارع وللمسافرين. إلا أنه ومع الأزمة والكساد في المدينة نتيجة للطريق السيار وتناقص أعداد المترددين على الشارع الرئيسي في المدينة صدر القرار من السلطات المحلية بمغادرة أفراد القوات المساعدة المركز والالتحاق بمقر العمالة، نفس الأمر هو ماحصل وسط بلدة صخور الرحامنة فبعد أن كان كان هناك مركزا آخر للقوات المساعدة يؤتثه أفراد من القوات المساعدة قبل أن يتوصلوا بأمر إفراغ المركز، ولاتعود الحياة إليه إلا يوم السوق الأسبوعي الذي يصادف كل يوم أربعاء.
صخور الرحامنة تتجرع مرارة الأزمة
بلدة الصخور الرحامنة التي لاتبعد عن مدينة بن جرير إلا ببضعة كيلومترات لم تخرج هي الأخرى مما أصاب العديد من المدن جراء مد خطوط الطريق السيار، إلا أن المدينة الصغيرة واعتبارإلى صغر حجمها واعتماد اقتصادها إلى جانب الرواج الناتج عن حركة المسافرين على الفلاحة كانت خسائرها ضئيلة لم ترق إلى ماتكبدته حاضرة الرحامنة مدينة بن جرير، لكن ورغما عن ذلك كانت الأزمة واضحة على المكان والانسان، فالعديد من المقاهي واالمطاعم التي كانت ذات أيام قبل انطلاق الطريق السيار تعيش انتعاشا ورواجا كبيرين أصبحت اليوم تعاني كغيرها حيث لم يتبقى من المقاهي والمطاعم والمحال التجارية التي تكابد في صمت إلا القليل والذي لايتجاوز أصابع اليد.
واعتبارا إلى أن المنطقة فقيرة ولاتملك معامل أو مصانع لامتصاص البطالة رغم الامكانيات الطبيعية التي توفرها شساعة المنطقة فإن غالبية العائلات التي تقتات فقط من نشاط الطريق اضطرت للبحث عن وسائل أخرى للعيش وكانت الوجهة إلى المدن القريبة، سطات وبنجرير أو إلى الدار البيضاء أومراكش هذ في الوقت الذي فضل البعض الآخر البقاء في صخور الرحامنة والبحث عن لقمة عيشه في الفلاحة في حين فضل البعض الأخر استغلال عربات للأكلات الخفيفة والتي باتت إحدى المظاهر الأكثر بروزا وسط الساحة الرئيسية في البلدة على الطريق الوطنية المتجهة إلى مراكش.
بايوسف عبد الغني
moutchitchou
الكل يعلم ان عددامهما ممن يستعملون الطريق يفضلون الطرق الوطنية اضف الى دلك خروج مستعملي الطريق السيار لاقرب مركز حضري للاكل والراحق وبعده يعودون للطريق السيار تفاديا لباحات الكريساج الموجوده على الطريق السيار