عبد اللطيف مجدوب
المدخل إلى الامتحان
ترسخت ؛ في الذاكرة الشعبية ومنذ أمد بعيد ؛ ثقافة القلق والخوف والتوجس التي تصاحب كائنا موسميا غريبا ومكروها " اسمه الامتحان " ، والذي يرافق مدلول التعرية ، ومعرفة حقيقة وأحقية التلميذ والطالب في الولوج إلى المرحلة الدراسية الموالية ، ومدى مؤهلاته ، ما إن كانت ضحلة أو ذات اعتبار ، وهل ستسمح له بالاصطفاف إلى جانب أصحاب "العز" أو أصحاب "الإهانة" على أن هذا الإحساس سرعان ما تقوى في خمس سنوات الأخيرة ؛ حيث عرف الغش والتحايل وسائل متطورة مريعة ، تحشد لها آخر صيحات في ماركة أدوات التنصت ، والتواصل ، والتخابر هي ؛ من صغر الحجم ؛ إلى درجة إمكانية تثبيت عدسة في الأذن بحجم حبة العدس مجهزة بهوائي يمكن صاحبه من تصوير نص الامتحان ، وتلقيه الجواب عبر الصورة والصوت معا !
داخل قاعات الامتحان
الحكومة ؛ في شخص وزارتها الوصية ؛ جندت كل إمكانياتها للحيلولة دون وقوع أدنى حالات الغش وسط الطلبة المترشحين ، من خلال تعزيز أجهزة المراقبة القبلية وأثناء وبعد الامتحان ، ومنها بصورة خاصة المراقبة والحراسة داخل قاعات الامتحان ، والتي يتولاها عادة فريق مكون من خمسة مراقبين ؛ ثلاثة حراس داخل القاعة ومراقبين اثنين خارجها لربط الصلة بين إدارة المركز وقاعة الامتحان . هذا الجيش العرمرم من المراقبين والحراس ، سيكون فعلا في مواقع جد حساسة ومباشرة مع المترشحين ، ولا شك أنه مزود بتعليمات على رأسها الالتزام الخطي الذي تقدم به كل مترشح بأنه سيكون عرضة لتطبق في حقه جملة من الإجراءات الردعية والزجرية ، في حالة صدور سلوك أو تصرف ؛ من جانبه ؛ أو محاولة غش ، أو الشروع فيه .
ويتساءل المرء ؛ من الوجهة الإنسانية والأمنية خاصة ؛ أيعقل أن يتقدم مراقب أو حارس من طالب ضبطه يغش أو يهم الشروع فيه ليحرر له محضرا ب "نازلة غش" ؟ هل يجرؤ أحد الحراس والمراقبين أن يحرم طالبا من اجتياز الامتحان مدة ثلاث سنوات أو يزج به في غياهب السجون ؟! من الجانب السيكولوجي والمقرون بهاجس الأمن لا .. وغير وارد بنسبة قد تصل إلى 90% .
تسريب الامتحان أمام محك الروح الوطنية
إنه لمن المرجح توقع كل شيء ، إزاء انتفاء الروح الوطنية من الصدور ، بدءا بالمركز الوطني للامتحانات ، ومرورا بسلسلة من قنوات تمرير نصوص الامتحانات إلى آخر مستخدم مكلف بالطبع أو النشر أو الاستنساخ . فإذا لم تحذ ؛ كل في موقعه ؛ وتشد أزره الروح الوطنية واستشعار ثقل المسؤولية الوطنية والمهنية ، أو لم تكن لديه هشة لدرجة مساومته فيها ، أو تغشاها ضغائن ففي هذه الحالة يمكن أن يكون التسريب واردا ؛ بطريقة أو أخرى ؛ حتى ولو أقسم صاحبها بقسم تولي منصب حساس في الدولة !
ما العمل ؟ وهل تصلح عسكرة الامتحان ؟!
إنه لهاجس قلق كبير ؛ لا ينتاب الطالب فحسب بل يتجاوزه إلى كل أجهزة تأطير امتحانات البكالوريا وأجرأتها وتقويمها . فالمسؤولية ؛ بهذه الأهمية والحساسية المفرطة ؛ لمن شأنها أن تكون هي الأخرى في الميزان ، ولا يعتقد العاقل مطلقا ولا المتمرس ببواطن الأمور وخباياها أن تمر شهادة الباكلوريا دون أن تصاحبها زوابع ، سيما أن المغرب يمر بظروف سياسية دولية دقيقة يطبعها التوجس من أخطبوط الإرهاب الذي يضرب في كل مكان ، وتصاعد وتيرة التوتر بشأن القضية الوطنية الأولى ، والتقاطب الدولي بشأنها . إذن يبقى الاختيار السليم والآمن والحافظ لماء وجوه جميع الشركاء في اجتياز هذا الامتحان هي عسكرة أطرها المشرفة على تنظيم وإجراء وتقييم البكالوريا ، بتحويل السلالم والدرجات الإدارية إلى رتب عسكرية . ويُعتقد حينها أن دائرة الغش والتسريب سوف تتقلص إلى أقل من 10% .