عبد اللطيف مجدوب
المشهد العام
حركة استثنائية في أرض وسماء مطار المنارة ؛ طائرات بأعلام من كل الآفاق ... والتمر والحليب تغدو وتروح أطباقه بين أيادي حسناوات ؛ خيمن منذ مدة في صالات الاستقبال ... وباقات ورود وأزهار تملأ جنبات المطار . أعين تتلهف على الكلمة والصورة ، مستهدفة ضيوفا بحقائب خضراء ، كلما لامست أرجلهم أرضية المطار ، وعاينوا سماء مراكش وما حولها إلا وانفرجت أساريرهم ولهجت ألسنتهم بعبارة "يالروعة الطقس وجمالية المكان !" .. بلغات قد لا تكون كلها مسجلة في ذاكرة السيد "الغوغل" !
قاعات المؤتمر واللقاءات ، وعقد الاتفاقيات ووو تشع بأنوار قد تكون مستخلصة من أشعة الشمس أو هالة القمر !
حوارات غير معتادة
في الطريق المفضي إلى قاعة المؤتمرات انتصبت ؛ على الحافتين وبشكل لا فت ؛ أشجار النخيل . سألت إحداهن أختها الجارة
النخلة الأولى : "ياويلي .. ياويلي .. جابْ ليّ الله بْحالْ .. سيدْ البهجة .. رْجعْ منْ غيبْتو .."
النخلة الثانية : " ما تْفضْحيناشْ .. آلالاّ لحْبيبا .. يحْسابْلك غاتبْقاي فرْحانا ديما ... "
النخلة الأولى مقاطعة : " ويلي .. ويلي .. ويلي .. كيفاشْ .. يالله البارحْ جابونا .. غادْيينْ إخلّيونا نتّقْلاوْ بالشمشْ .. كيفمّا تقْلاتْ عائلتْنا كلها .. فاينْ هو النخلْ ... كُلّو مْشا ..؟ بلاّتي .. "
سمعها الماء ، وهو يفور ويرقرق هنا وهناك ، فرد بقهقهة مدوية : " آلاّ .. آلاّ .. ماشي هاكدا .. راهُمْ هدْرو مع شْمِشا تعْطيهُمْ اشْبر التّيساعْ هدا الايّاماتْ دْيال المؤتمر .. على حقّاشْ راهْ المناخ صاحبْ الشمش .. واشْ فْهمتوني آوْلاّ لا ؟"
سمعتهم المكنسة (الشطابا) التي كانت قابعة في ركن هناك تذرف دموعها في صمت : " إيه .. ما عمْري تكرفسْ عليّ شي واحدْ حتى لْهدا المرة ... ولّيت نْهار أوماطالْ وانا فْيدّيهمْ كيكرْطو بيّا الطرْقانْ وزْناقي .. لْكامْيونات دْيال الزبلْ .. واقيلا غايْدخْلو الْفورْيانْ من نْهار فاشْ طحْنو فكري الله ارحمو ... مكانْعسشْ .. عادْ بْداوْ يدّيوْها فيّا .."
زيارة خاطفة إلى مطعم المؤتمر
في شبه دبيب النحل ، وهو يحوم حول خلاياه ؛ كانت هناك جلبة داخل دهليز متشعب بأروقة المطابخ بين طباخين لمختلف رؤساء الوفود ، ينسق بينهم الحاج البهجة في صدريته المطرزة بالحرير وسرواله القندريسي وبلْغته المراكشية بمساعدة ترجمانه :
البهجة يصرخ في الهاتف : " وآشا آوا .. لا... ذْروكا .. ماتْعطّلشْ .. لّا..لاّ .. ركّبْ الزّوّاكا .. باشْ يعْتيوْلكْ الطريق .. كيفاشْ .. آواشْ كاتْكولْ .. كولتْليكْ 500كلغ لحم الكابي .. و300كلغ الكافيار ..دلماسْ وشي .. 100كلغ ديال الماشروم .. وعش الطيور .. جرادة دْلبحر حتى هيّا .. بلاّتي .. بلاّتي .. " .. يلتفت إلى مساعده " آشْ تمّا الحاج امبارك ؟" يرد هذا الأخير : " كالّيكْ مسْيو سيكامامانوها .. بِلّي الرّايسْ دْيالو .. كيعجْبوهْ القراقرْ السّمان .."
البهجة متأففا : " واهْ كيفاشْ .. وعْلاشْ مايْجيبو معهم قْراقرْهُم .. ولحْناشْ دْياولهمْ .. مشكلة هدي ..مْنينْ غانْدبّرو لِهم ..بلاّتي .. بلاّتي .. سرْ اتّصلْ بعمّي الشيباني لامينْ دْيالْ ساحة لفْنا .. إدبّر لينا فشي جْويجا دلفْكاران لْهداكْ لّجايْ مَنْ ... نسيتْ سميتو .. ونيتْ جيبْ معاكْ لحْناشْ ..ولكنْ آهْيا عنْداكْ تْجيبهمْ حيّينْ تنوّضْ لِنا قرْبالا .. جيبْهمْ مْكُوفْرينْ .."
يعود للاتصال ثانية : " آلحاج الفاهومي ... آشْ بّيتي ... راني مزْروب ... كيفاشْ ؟ الطّنجية !..لآ ..لآ.. أنا مكلف بالتّبخْ دالرّؤسا .. بْغيتيني نْصيفطهم بالطّنجيّا دْيالكْ لسبيطارْ ..هاكْلكْ ! لآ ..آشوفْ الحاج ميكو إتّصل بالتّباخ دْياولْ لمْغاربا ... نيتْ هما كتعْجبهم اتمخْميخا والتّعْريكا .. البسطيلا والمحنْشا .. والهنْديّا .. يالله بلاكْ "
حضور جلسة تدبير التنقل السياحي والهدايا
بحضور رؤساء العديد من الشركات الفندقية بالمغرب ، انعقدت جلسة أولية ذات نقطة وحيدة في جدول أعمالها "السهر على راحة الوفود" . قبل أن يفتتح الجلسة ، انفجر المدير ضاحكا بملء فيه وفي أثره دوت القاعة بقهقهات متقطعة ، فلم يقْوَ أن قال وسط ذهول جميع الحضور : " ... قالّيكْ آسيدي ... واحدْ الرّايسْ ما كيدْخُلْ لفراشو باشْ ينْعسْ حتى كيكسْلوهْ جوجْ دنّاسْ ... !" قاطعه أحدهم : " .. ساهْلا ... نْجيبوليهْ حتى 4 إلابْغا ... ماشي غيرْ إكسْلوهْ .. إكادّو ليهْ نيتْ عْظامو..."
جاءه فجأة إخبار بأن الرئيس X من القارة الإفريقية لا ينام حتى يشاهد شريطا بنصف ساعة عن القردة الشامبانزي ... !فتوقف المدير ينتظر رأي الحضور ، فسمع اقتراح أحدهم يأتيه من الخلف ممزوجا بالقهقهة : " هدا الرّايس كيْصِلْ صلة الرحم كلْ ليلة معا جدوّ ... الله يجْعلْ البركة فساحة لفْنا .. عيْطو لصْحابينْ لقْرودْ .. أوخلّيوه يتصور معاهمْ وِإلا بْغا ... يدّيهم ينعْسو معاه ..ههههها " .
أما عن الزيارات السياحية ، فقد تقرر جدولة برنامج يضم مدن فاس ؛ الرباط ؛ أكادير ... شريطة محوها من آثار "الفراشا" ، وتعزيز الدوريات الأمنية بها . وبخصوص الهدايا السياحية والتي كانت ممثلة من قبل كبريات محلات الصناعة التقليدية ، والبازارات ، فقد تدخل أحدهم : ".. واشْ المغرب غايبْقا ديما معْروف بالبرّاد وصْواني ..؟ شوفو ..شْويّا منْ جيهتْ لكْويرْ .. راها لْحالا شْويّا... "
قاطعه رئيس الجلسة ؛ وكان يرتدي جلبابا مغربيا : " .. وعْلاشْ ... اجّلاّبا متْحرّكشْ مع القفطانْ ..؟ " رد أحدهم ؛ يبدو أنه موفد من قبل جمعيات البازارات : " .. شوفو آسْيادْنا ... أنا لّعارفْ آشْ كايعجبهمْ .. فالمغرب لكْويرْ ولْقفاطانْ ....و"
قاطعه الرئيس ويبدو أنه توصل بخبر عاجل على لوحه الالكتروني : " .. مصيبة هادي .. مصيبة هادي .. ديما باغيينْ فينا لْخدْما .. هدا واحد من افريقيا .. طالبْ 100 لبرارد بالصواني .. و 20 دلمونطو لكويرْ .. و 50 لْقفطان مطرّزْ بصقلي الحر ... مْنين غانجيبْلو هدا تْرينكا ..؟ "
أحدهم صارخا : " ... وانْتما لّيدسّورْتُهم ... "
قاطعه آخر : " .. المهم بيعْلو .. ولاّ يدبّرْ .. لْراسو .. حْنا خاصْنا ناخْدو ارْزاقْنا كاشْ ... ماشي تعطْلو عْلينا 7 شْهور ولاّ 8 بسيرْ واجي .."
قبل أن تستأنف أشغال الجلسة ، أسر أحدهم في أذن الرئيس : ".. الكناوا .. سْماحْتو فيهمْ ؟" . رد عليه هذا الأخير : " ..لا .. غاديينْ نعْطيوهم شي طريّحْ ..فْساحة لفْنا .. باللّيلْ .. معا .. ضوْ القمرا .. والشّمْعا .. عيْطو لْتاشنْويتْ ... والدّاوْديّة .. راها النّاسْ مْوصْيينّي عْليهمْ بزّافْ .. آبلاّتي .. آبلاّتي .. دوْرو مْعا لحْلايْقيّا ديالْ ساحة لفْنا .. باشْ مايتْقلقوشْ .. "
صاحبه مستفسرا : "..وشْحالْ غاتعْطيوْهم .. راها سبعيّامْ .. غايتْوقْفو .. ...؟ !"
المدير متأففا : "..خلّيونا منْ لخْوا الخاوي ... عْطيوْهم ورْقا .. ورْقا 100 درهم .. إمْشيوْ عْلينا .."
الوحدة الصحية المتنقلة في حوار
لوحظ وجود أسطول مروحيات وسيارات إسعافات متنقلة ؛ مرتبطة بشبكة الاتصالات عبر الأقمار الاصطناعية ، رهن إشارة كل الوحدات الفندقية ، والإقامات المصنفة داخل وخارج مدن مراكش وغيرها فلنستمع إلى ما يدور بينها ؛
المروحية الأولى : " .. أنا ماعمْري جابو لي الراديو سكانيرْ ..ولا لخْناشي دْيالْ الدم .. كُنّا ديما خدّامينْ غيرْ بالسّيرومْ لْخاوي .."
المروحية الثانية : " .. أنا عادْ ..جابوني لْعنْدْكُمْ ..هادي .. 20 يوم .. جابوني منْ فرنسا .. ومركْبينْ فيّا طْبيبْ دْيالْ الرّوبو .. مختصْ فْشلاّ دْلأمراضْ .." ؛
سيارة إسعاف : " .. شوفْ .. ربّي كلْ واحدْ آشْنو عْطاهْ .. شي مْركْبين فيه سْبيطارْ كاملْ .. وْشي .. مْركْبين فيه البردْ .. والتخرشيشْ .. عادْ لْباراحْ .. ركْبو فيّ البياصْ بالتّيلي كوماندْ .. والراديو .. لعمّرنا ما حْلامنا بيهْ ..!" .
ما سيتمخض عنه مؤتمر المناخ
مهما كانت التوصيات التي سيتمخض عنها .. ومهما كانت درجة نجاح المغرب في تنظيم واستضافة حدث عالمي بهذا الحجم .. ومهما كانت عبارات التقريض والامتنان التي ستنهال على مراكش ؛ صادرة من الوفود وهي محلقة عائدة إلى أوطانها ... ومهما ومهما فمن حق الباحث والمؤرخ وأي متتبع أن يتساءل : متى سيقطع المغرب مع الكرم الحاتمي (الذي يذبح حصانه ليقدمه إلى ضيوفه) ؛ متجاهلا أبناءه ؟! فالضيافة بهذه الخصوصية ولو أنها كانت متأصلة في نسيجنا الاجتماعي ـ الضيف أولى بالطعام من أهل المنزل ـ فلم تعد اليوم سمة للكرم والإيثار ، بل قد تُقرأ حرمانا وتهميشا لأهل الدار .
فالمغرب مدعو ؛ أكثر من أي وقت مضى ؛ إلى التصالح مع ذاته وفئات شعبه ، ليمنحها الأولوية في التكريم والافتخار ، فالشعب هو الأصل .