أنا من كتبت تقريرين تسلمهما الحسن الثاني يكشفان عن اللقاءات السرية التي كان يعقدها الدليمي بفيلا سيدي قاسم للتخطيط للانقلاب عليه.
التاريخ.. التاريخ.. التاريخ...
نعم، التاريخ الذي مازال مليئا بالكثير من المناطق المظلمة...
التاريخ الذي مازال يستحق الكثير من البحث والاجتهاد...
التاريخ الذي يقود إلى القراءة الجيدة والهادئة لما حدث في الماضي، ولما قد يكون له علاقة بالحاضر وبالمستقبل أيضا...
التاريخ الذي يصبح في كثير من اللحظات متنفسا مريحا عن هذا الواقع الذي لا يستطيع المتتبع الطبيعي أن يستوعب الفرق الطبيعي بين هدا وذاك...
التاريخ الذي كانت تبدو فيه الصورة واضحة، وكان يبدو كل طرف في مكانه الطبيعي...
في التاريخ عرفتم أن مصير الحسن الثاني كاد أن يصير في خبر كان سنة 1971 خلال الانقلاب الشهير الذي قاده الكولونيل اعبابو في قصر الصخيرات، وتعلمون أيضا أن الملك الراحل كاد أن يقضي في الانقلاب الثاني بعد حوالي سنة في غشت 1972.
وتعرفون كذلك عبر أحد ملفاتنا السابقة أن صقور المؤسسة العسكرية طانوا يخططون للانقلاب على الملك الراحل قبل انقلاب الصخيرات بحوالي شهرين، وذلك من خلال المحاولة التي أعد لها الجينرال المذبوح بالطريق المؤدية للحاجب، حيث كان العاهل الراحل على موعد مع الاستعراض الرسمي للجيش في الذكرى الرابعة عشرة لتأسيسه.
هذا ما تعرفونه عن التاريخ الرسمي للانقلابات العسكرية في مملكة الحسن الثاني، فهل تعرفون أن الجينرال الدليمي كان يخطط للجلوس على العرش بعد أقل من سنة على فشل المحاولة التي قادها أوفقير في السماء؟
بعد انقلابي يوليوز 1971 وغشت 1972، قرر الجنرال الدليمي أن يكون القائد، وقرر أيضا أن تكون الطريق للوصول إلى هذا الهدف مختلفة تماما عن كل الخطط السابقة.
الدليمي فكر في طريقة خاصة جدا.
الدليمي استعان بتجربة الجينرال الكوري الجنوبي "بارك" الذي انقلب على رئيسه في بدايات الستينيات من القرن الماضي بطريقة خاصة جدا.
الشبه بين الدليمي و"بارك" هو أنهما ضابطان كبيران بصفة جنرال.
والشبه أيضا هو أن الجنرال الكوري الجنوبي كان رئيس الوحدات السرية، كما هو الشأن بالنسبة للجنرال الدليمي مع الحسن الثاني، ولذلك فقد فكر الدليمي ورتب وقرر أن ينهي مع الحسن الثاني في حفل.
القصة مثيرة جدا وليست صنعا من الخيال... فتابعوا تفاصيلها من مدحت بوريكات الذي كان واحدا من أعمدتها قبل أن يقذف به إلى ذلك المعتقل السري الشهير ب"البي.إف.3" بضواحي الرباط الذي ما زالت تحيك به الكثير من الأسئلة.
ففي الشهر الماضي، نظمت منظمات المجتمع الحقوقي وقفة رمزية أمام المعتقل السري الشهير ب"البي.إف.3" بضواحي العاصمة الرباط.
وقد كانت المناسبة من أجل الكشف عما حدث في ذلك المعتقل السري الذي استعمل في الفترة التي اشتغلت عليها هيئة الإنصاف والمصالحة بخصوص الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان. وكانت المناسبة رمزية أيضا لإعادة طرح الأسئلة التي ظلت عالقة في تقرير هيئة الإنصاف والمصالحة في عهد الراحل إدريس بن زكري، من حيث الذي لم تستطع الكشف عنه في ذلك المعتقل السري.
فكم عدد المعتقلين الذين مروا من ذلك المعتقل؟ وكم عدد الذين قضوا فيه؟ ومن هم؟ وأين قبرهم بالضبط؟ وما علاقتهم بالمحاولة الانقلابية الفاشلة للجينرال الدليمي؟ وكيف اكتشف خيوطها الملك الراحل؟ وما هو الدور الذي قام به مدحت بوريكات؟ ولماذا اعتقل في "البي.إف.3" هو وأخوه علي وبايزيد؟ وكيف تعرف على الحسين المانوزي؟ وما حقيقة عشرات الجثث المدفونة بالمعتقل؟ وهل صحيح أن الحسين المانوزي واحد من هؤلاء؟...
"الأيام" قرأت كتاب \ شهادة مدحت بوريكات "أحياء ميتون" الذي صدر في بدايات عقد التسعينيات من القرن الماضي، ثم استجوبت صاحبه الذي قضى حوالي سنتين من الاعتقال التعسفي في المعتقل السري "P.F.3 " في نفس الفترة التي قضى فيها الكثير من المعتقلين فترات متراوحة في نفس المعتقل السري الرهيب الذي كان يشرف عليه رجالات الجينرال الدليمي، ويصف بوريكات في هذا الاستجواب المطول اللحظات الخطيرة التي قضاها بمركز الاعتقال والتعذيب الكثير من المعتقلين، وكيف التقى وإخوته بايزيد وعلي بالعملاء الفرنسيين الذين شاركوا في اختطاف واغتيال المهدي بنبركة، وما رووه لهم بخصوص مصير رأس قائد الاتحاد الوطني للقوات الشعبية المدفون بنفس المعتقل، وحقيقة باطن المعتقل الذي يحوي الكثير من الجثث التي كانت تدفن بعدما يتم طليها ب"الجير" رفقة ملابس الضحايا المحروقة...
- نبدأ هذا الاستجواب بالحديث عن الموقع الحقيقي للمعتقل السري النقطة الثابتة الثالثة "البي.إف.3" التي قضيت فيها رفقة أخويك علي وبايزيد والعسكريين اعبابو وشلاط ومريزق الذين شاركوا في الانقلاب الأول بقصر الصخيرات والحسين المانوزي، فأين يوجد هذا المعتقل السري بالضبط؟
هناك ثلاث نقط ثابتة عبارة عن مراكز اعتقال سرية تكتسي أهمية بالغة من حيث الأدوار التي حددت لها في ما يتعلق بالاعتقالات والتعذيب والتصفيات، وهي النقطة الثابتة الأولى والثانية والثالثة، أما البقية فهي عبارة عن ملحقات منها التي توجد في القنيطرة وأخرى في مدينة سلا.
النقطة الثابتة الثالثة توجد في الكيلومتر السابع على طريق زعير أخذا بعين الاعتبار الحدود الجغرافية لمدينة الرباط التي اتسعت اليوم بالمقارنة مما كانت عليه في بدايات السبعينيات من القرن الماضي، ف"البي.إف.3" إذن توجد على طريق زعير قرب إقامة للا عائشة بحوالي كيلومتر ونصف في أقصى تقدير، أما دار المقري الذي كان يقطن بدار الضيافة في منطقة أكدال خلف الحي الجامعي بالرباط، وقد كان يتوفر على ثلاث أو أربع "فيرمات" صغيرة كان يقطن بها أولاده، ودار المقري التي أصبحت معتقلا سريا فهي القصر الذي يوجد على طريق باب زعير في اتجاه حي التقدم والذي شيدت فيه الآن مدرسة للإناث ومركز صحي، وفي نفس الاتجاه المؤدي إلى دار السلام كانت هناك بضعة "فيرمات" منها واحدة كانت تحتوي على بناية من طابقين، وكانت أيضا في ملكية المقري قبل أن يستولي عليها الجينرال المذبوح وأصبحت تسمى النقطة الثابتة الثانية.
- إن فكرة إجراء هذا الاستجواب جاءت بعد الوقفة الاحتجاجية التي نظمتها المنظمات الحقوقية في الشهر الماضي أمام المعتقل السري "البي.إف.3" وهو المعتقل الذي قضيتم فيه حوالي سنتين وقد سبق أن قرأنا بعضا من تفاصيل هذا الاعتقال في كتابكم "أحياء ميتون" الذي أصدرته بعد الإفراج عنكم من رحلة اعتقال قادتكم إلى تازممارت في ما بعد، والذي يهمنا الآن هو حقيقة ما حدث في هذا المعتقل الذي تشير شهادات إلى أن باطنه يحوي جثث ضحايا، فهل يمكنكم أن تشرحوا لنا في البداية –بشكل مختصر لو أمكن- كيف تم اعتقالكم مع أنكم كنتم من المقربين للقصر؟
هناك بعض الأمور التي لم أشر إليها في الكتاب الذي أصدرته بعد الإفراج عنا –أنا وأخواي علي وبايزيد- في بداية التسعينيات من القرن الماضي من معتقل تازممارت، على الرغم من أنني حاولت التلميح إليها توضح أسباب اعتقالنا حوالي ثمانية عشر سنة، وتعود بالضبط إلى العلاقات السيئة التي كانت تربط الجينرال مولاي حفيظ بوالدي منذ فترة الاستعمار، وقد ظلت هذه العلاقة متوترة كذلك في عهد الاستقلال، لدرجة أنهما لم يكونا يتبادلان الحديث، مع أنهما كانا مقربين من محمد الخامس الذي عين مولاي حفيظ الذي كان حينها كولونيل مديرا لديوان ولي العهد، وكان والدي يعمل في مصلحة بوزارة الدفاع تابعة بشكل مباشر للملك محمد الخامس.
وقد ظلت العلاقات متوترة بين مولاي حفيظ والعائلة وبالضبط اتجاه والدتي بعد وفاة والدي، حيث كان ينتظر الفرص المناسبة للاعتداء عليها، مع العلم أن هناك بالقصر من كان يتدخل لمنعه، ثم إن مولاي حفيظ كان من المقربين إلى الدليمي الذي لم تكن تربطه بعائلتنا علاقات عادية.
- لماذا؟
القضية تعود إلى الستينيات من القرن الماضي حينما اكتشفنا منجما للرخام من النوع الجيد بالقرب من الراشيدية تبلغ مساحة طوله حوالي 400 كيلومتر، وقد شرعنا في استغلال هذا المنجم بعد حصولنا على رخصة من الحكومة، وهنا بدأت الخلافات تتطور مع فرنسيين أرادوا بدورهم استغلال المناطق المجاورة لنا، حيث اتصلوا بالدليمي –خصوصا أنهم كانوا يتوفرون على رخصة مؤقتة- فأصبح شريكا لهم من خلال زوجته، فبدأت الصراعات القوية تتزايد بيننا، ثم تطورت إلى ما هو أخطر حينما بدأوا يضغطون على الدليمي لمواجهتنا بعدما تأكد لهم أنهم لن يقووا على منافستنا بالنظر للعلاقات المهمة التي كانت تربطنا بشخصيات وازنة في الدولة، فتم في البداية تغيير الصبغة القانونية للأراضي المنجمية فأصبحت ملكا للدولة، وبالتالي أصبحت خاضعة لقانون الصفقات لاستغلال الأملاك العمومية، وهذا ما جعلنا نتواجه مباشرة مع الطرف الذي كان يحتمي بالدليمي في المزاد العلني بخصوص صفقة استغلال المنجم.
- متى حدث ذلك؟
في نهاية سنة 1971، وفيما استمر الشنآن بين مولاي حفيظ وبين والدتي دخل على خط المواجهة الجينرال الدليمي من خلال الصراع للحصول على صفقة استغلال منجم الرخام التي آلت إلى مجموعة الدليمي.
وفي هذه الأوقات كانت لي علاقات كثيرة مع شخصيات مهمة في مقدمتها عائلة آل زمور الذين لم تكن علاقاتهم بمولاي حفيظ والدليمي على ما يرام، بل إنهم كانوا على نقيض مصالح الدليمي، وكان أحد أفراد هذه العائلة وكيلا للملك بمدينة أكادير اسمه عبد السلام بن حمو، وكان صديقا لشخص آخر اسمه باعزات الغازي أحد أكبر الشخصيات المؤثرة في آل زمور وقد كان يعمل شرطيا في عهد أوفقير، وكان هذان الشخصان صديقين ومقربين أيضا للوزير السابق عبد السلام الزموري، وكان هؤلاء الثلاثة نماذج من الأصدقاء الذين كنت التقيتهم في الخميسات وخارجها، حيث كنا نقضي الكثير من الأوقات في ما بيننا إلى جانب شخصيات أخرى أتذكر من بينها الكولونيل "ع" الذي كان من بين الضباط الكبار الذين لم يشاركوا في انقلابي الصخيرات والطائرة مع أنه كان على علم بهما، وللإشارة فإن عائلة آل زمور لم تحضر الحفل الذي كان الحسن الثاني قد أقامه في قصر الصخيرات قبل أن يهجم عليه رجالات الكولونيل اعبابو مع أنها كانت مدعوة إليه...
وقد شاءت الصدف في إحدى المناسبات أن طلب مني عبد السلام بن حمو ونحن على مائدة الغذاء الحديث إلي وجها لوجه بعد أن يتفرق الجميع...ثم أخبرني أن الجنرال الدليمي يعد للانقلاب على الحسن الثاني، وأن على والدتي التي كانت تدخل القصر في أي وقت تشاء أن توصل هذا الخبر إلى الملك.
- هل كانت البلاد قد عاشت حينها انقلاب الطائرة؟
نعم، وقد كان الجنرال الدليمي يستعد للانقلاب على الحسن الثاني في السنة الموالية لفشل انقلاب الطائرة، وقد عرف بن حمو هذا الخبر الخطير من طرف آل زمور الذين كانت لهم علاقات متشعبة في هرم الدولة بمن فيهم الضابط الكبير أخ الوزير السابق الذي كان جينرالا في الجيش مسؤولا عن قوات المشاة، وقد أخبرني عبد السلام بن حمو أن رجالات الدليمي يحاولون استقطاب الجينرال الزموري، وأن هذا الأخير كان يحس بالرعب مما كان يعد له الدليمي، وأنه مرعوب أكثر من الاستمرار في اللقاء برجالات الدليمي الذين لم يكونوا على علم أنه قد أفشى أسرارهم...
وأنه لكل ذلك يريد إخبار الملك، وحينما سألته عن السبب الذي يمنع الجينرال من إخبار الملك بنفسه حين اللقاء به في الاجتماع الشهري الذي كان يصر الحسن الثاني على عقده مع قيادات الجيش، رد أن أعين الدليمي التي تراقب الملك من جميع الجهات تمنعه من المخاطرة، بالإضافة إلى أن الدليمي لم يكن يفارق الملك الحسن الثاني وكان يقضي معه تقريبا كل فقرات برنامجه اليومي، بما فيها الفترة التي كان الحسن الثاني يعشق ممارسة رياضة الكولف، وهذا ما يعني أن الاتصال بالملك في تلك الفترة الخاصة مجازفة غير متوقعة العواقب، ولذلك فقد اتفقت مجموعة آل زمور على إخبار السحن الثاني عن طريق تقرير مكتوب، على أن يترك له مجال التصرف ومعرفة المزيد من المعطيات إذا أراد ذلك، كما تم الاتفاق على إخبار الملك باستعداد الجينرال –الذي كان ما يزال حينها يجتمع مع رفاق الدليمي- بوضع أجهزة تصنت على مجموعة الدليمي للتأكد مما يعدون له بشكل خفي في فيلا بنواحي مدينة سيدي قاسم مسقط رأس الدليمي...
الاقتراح الثالث الذي تقوم به عبد السلام بن حمو هو أن تقوم والدتي بإيصال هذا الخبر إلى الملك باعتبارها كانت تدخل القصر في أي وقت، وباعتبارها أيضا الحلقة الآمنة التي بإمكانها أن توصل الخبر دون أن يلتقطه رجالات الدليمي المبثوثون في القصر، لكنني رفضت هذا الاقتراح بشدة واستبعدت إدخال والدتي في مثل هذه القضايا الكبيرة والخطيرة، ثم فكرت بعد ذلك في وسيط آخر لم يكن سوى صديقة الملك الفرنسية الأصل الفنانة "إيتشيكا شورو" التي كانت تعرف الحسن الثاني منذ أن كان وليا للعهد، وقد تكلف أخي علي الذي كان من بين المقربين إليها بإخبارها بالانقلاب الذي يعد له الدليمي، وبعدما رفضت بدورها القيام بهذه المهمة اقترحت أن يقوم بها زوجها "فيليب"، وقد أبدى هذا الأخير في البداية استعدادا لإخبار الملك، لكن شريطة أن يتم ذلك شفويا ودون أن يسلمه أي تقرير مكتوب، وهذا ما حدث فعلا حينما كان "فيليب" برفقة الحسن الثاني في الكولف الملكي، فكان أن اتصل الملك بأخي علي الذي التقاه وسلمه التقرير الذي كنت أنا من كتبته.
- وما هو مضمون التقرير الذي كتبته؟
كان يضم كل المعلومات التي سلمها لي عبد السلام بن حمو، وتتعلق بالاستعدادات التي كان يقوم بها الدليمي للانقلاب على الحسن الثاني، من طبيعة اللقاءات التي كان يعقدها إلى المشاركين فيها من العسكريين والمدنيين...
- مثل من؟
من الضباط العسكريين من قبيل الجنرال المسؤول عن قوات المشاة أخ الوزير السابق عبد السلام الزموري الذي تراجع عن المشاركة في هذه المحاولة، والكولونيل "ع" الذي تراجع بدوره عن المشاركة في هذه المحاولة مثلما رفض المشاركة في انقلابي الصخيرات والطائرة اللذين كانا في علمه، بالإضافة إلى أربعة كولونيلات منهم ضابطان من درجة كولونيل من الدرك الملكي، وقد كان عبد السلام بن حمو هو الذي يمدني بهذه المعطيات التي صغتها في تقرير سلمته لأخي الذي سلمه بدوره ل"فيليب" الذي أعطاه للملك.
لم يسلمني بن حمو أسماء كل الضباط الذين كانوا يهيئون بقيادة الدليمي للانقلاب على الحسن الثاني، وإنما أعطاني معطيات دقيقة عن عددهم وصفاتهم والمكان الذي كانوا يجتمعون فيه بنواحي سيدي قاسم، وأتذكر بالمناسبة أن من بين الذين كانت لهم صلة بهذه المحاولة وكلاء للملك ومحامون... ولا أعتقد أن يكون من بينهم سياسيون، مع العلم أن الدليمي كان يتوفر على منزل بسلا بالقرب من منزل قائد في حزب وطني في ذلك الوقت.
- هل هذا يعني أن هذا القائد السياسي كان على علم بالانقلاب الذي يعد له الدليمي؟
الله أعلم، لكنني التقيت الدليمي في إحدى المناسبات بالقرب من منزل ذلك القائد متخفيا في جلباب وبلحية غريبة ونظارات ويمتطي سيارة صغيرة من نوع "رونو"، مثلما كان يتوفر على شقة بالقرب من كنيسة بالرباط.
- ولماذا كان الدليمي متخفيا بهذا الشكل؟
الله أعلم، لكنه في كل الأحوال بغرض القيام بعمل لا يريد أن يكتشفه العامة، ولربما من أجل الاتصال بذلك القائد.
- وما هي الخطة التي كانت موضوعة للانقلاب على الحسن الثاني؟
الخطة كانت تهدف إلى استكمال ما بدأه أوفقير.
- كيف؟
كانوا يخططون لتنفيذ نفس السيناريو الذي تزعمه الجنرال "بارك" في كوريا الجنوبية.
- كيف؟
الخطة كانت تهدف إلى اغتيال الملك في حفل، بنفس الطريقة لتي قام بها الجينرال "بارك" الذي كان رئيسا للأجهزة السرية في كوريا الجنوبية بقتل رئيس الدولة، وقد كان الدليمي يخطط للانقلاب على الحسن الثاني من خلال تصفيته في إحدى الحفلات الكثيرة التي كان يقيمها الملك الراحل، خصوصا أن رجال الدليمي من كبار الضباط يكونون برفقة الملك بلباسهم الرسمي وبأسلحتهم.
صحيح أن الحسن الثاني قرر منع الضباط من حمل أسلحتهم خلال اللقاءات الرسمية التي كان يعقدها معهم بعد فضل محاولة الانقلاب الثانية، وصحيح أيضا أنه منعهم من حمل أسلحتهم خلال الحفلات التي كان يقيمها بين الفينة والأخرى، لكن الحراس الخاصين لهؤلاء الضباط كانوا دائما مسلحين بذخيرة حية.
- وما علاقة هذه المحاولة بالأجهزة السرية الأجنبية كما جاء في كتابكم؟
من الطبيعي أن تكون بعض الأجهزة السرية الأجنبية على علم بهذه المحاولة، خصوصا المخابرات الأمريكية التي كانت تراقب الدليمي الذي كان يعمل مع المخابرات الفرنسية، وهذا ما يعني من جهة ثانية أن المخابرات الفرنسية من المفترض أن تكون بدورها على علم بهذه المحاولة.
- تحدثتم قبل قليل عن معطى يبدو مثيرا حول علاقة محامين هذه المحاولة التي كان يعد لها الدليمي.
نعم.
- كيف؟
كان من بين المنخرطين في هذه المحاولة محامون، ومن بينهم محام أعرج من منطقة زعير كان من بين القريبين للجينرال الدليمي.
"دوباي" أكد لأخي علي أن أوفقير فصل رأس بنبركة وأشار له عن المكان المدفون فيه في "البي.إف.3"
- لننتقل إلى الجزء الثاني من الاستجواب للحديث عن المعتقل السري النقطة الثابتة الثالثة التي قضيتم فيها حوالي سنتين، فهل التقيتم في هذا المعتقل بالفرنسيين الذي شاركوا في اختطاف واغتيال المهدي بنبركة؟
نعم، لقد التقينا بثلاثة منهم "بوسشيش"و"دوباي" و"باليس" فيما تمت تصفية رابعهم "لوني" بعد تعذيبه في نفس المعتقل حينما أعيد إلقاء القبض عليه بالقرب من الكوميسارية التي توجد بضواحي مدينة سلا في اتجاه طريق طنجة بعد فراره من "البي.إف.3"...
- وهل تأكدتم أنه دفن بنفس المعتقل؟
نعم، وقد أخبرنا بذلك أحد حراس المعتقل اسمه مولاي علي الذي تم قتله هو الآخر بعد عملية فرارا الفاشلة ليلة 12 \ 13 يوليوز 1975، كما أكد لنا هذا الخبر أحد المعتقلين الثلاثة.
- وما مصير أولئك العتقلين الثلاثة؟
يجب أن تعرفوا أن أولئك الفرنسيين الثلاثة الذين شاركوا في تصفية بنبركة قضوا بالنقطة الثابتة الثالثة شهورا قبل أن يتم اعتقالنا، وقبل أن يلتحق بالجميع فوج آخر كان يضم كوميسير، وطالب كان يدرس بالقاهرة وجاء للمغرب للقاء عائلته، والحسين المانوزي، والعسكريون الأربعة الذين شاركوا في انقلاب الصخيرات وهم عقا والشلاط ومريزق واعبابو، ثم عكوري الموظف ببلدية الرباط.
وبعد مرور مدة معينة غادر هؤلاء الفرنسيون المعتقل السري، وحينما سألت الحارس مولاي علي عن السبب، أجابني بأنهم أحيلوا على مكان آخر من أجل الراحة، لكن بعد مرور حوالي شهر أعادوا كل واحد منهم متخفيا في ملاءات في عز الحر في شهر غشت، ثم وضعوهم تباعا في زنازن فارغة وألقوا عليهم قطعا كبيرة وكثيرة من الثلج كي لا تفوح رائحتهم، وقد ظلوا على هذه الحالة من الساعة العاشرة صباحا إلى حوالي منتصف الليل قبل أن يدفنوهم في حفرة في مكان مقابل للزنزانة التي كان يوجد فيها عقا، وهو المكان الذي دفن فيه الكثير من الأشخاص.
- ما الذي حكوه لكم عن مصير جثة بنبركة؟
أخبرونا أن أوفقير قطع رأس بنبركة ووضعها في حقيبة قبل أن يتم دفنها في "البي.إف.3".
لقد أكد "دزباي" الذي قضى فترة بالزنزانة المجاورة لأخي علي أن أوفقير فصل رأس بنبركة عن جسده، وأشار له إلى المكان المدفون فيه الرأس في نفس المعتقل.
وأتذكر أنه حينما كان يستنطقني أحد كبار الأمنيين في مكتبه شاهدت صورا كبيرة لهؤلاء الفرنسيين برفقة أوفقير في حفل بلباس "السموكين" يحتسون "الشامبان"، وأنا أعرفهم منذ أن انفجرت قضية بنبركة، حيث اطلعت على صورهم في جلة فرنسية اسمها "إيستوريا".
- إذن "دوباي" هو الذي قال لأخيك علي إبن رأس بنبركة مدفونة في ذلك المعتقل؟
بالتأكيد.
- وهل كنتم تلتقون بالمجرمين الذين شاركوا في اغتيال بنبركة؟
لا، لكننا كنا نشاهدهم يجوبون ساحة المعتقل من ثقب الزنازن، أما "دوباي" فقد أخبر أخي بمصير رأس بنبركة بعدما انتقل إلى الزنزانة المجاورة لعلي بسبب تضرر سقف زنزانته الأولى.
- من الذي قتل الحارس مولاي علي؟
قتله رجال شرطة، وليس هو الوحيد الذي تمت تصفيته بالمعتقل، حيث قتل العديد من حراس باقي النقط الثابتة مباشرة بعد فشل محاولة هروبنا من المعتقل في ليلة 12 و13 يوليوز 1975، وقد كان الدليمي يفتح الزنازن ويضرب من ها بالنار الواحد تلو الآخر، كما تمت تصفية الكثير من المعتقلين بعد تعذيبهم وتم دفنهم بنفس المعتقل.
- ولماذا قتلهم؟
الله أعلم، لكنني شاهدت من ثقب الزنزانة كيف كان الدليمي يقتلهم تباعا.
- وهل أعبابو ورفاقه مدفونون بدورهم في نفس المعتقل؟
بالتأكيد، قتلوهم في الصباح ودفنوهم في الليل.
- كم عدد الضحايا المدفونين في النقطة الثابتة الثالثة؟
كثيرا ما كنا نسمع في الجهة الأخرى من "البي.إف.3" التي لم نكن نشاهد ما يجري بفضاءاتها بسبب الحائط الذي كان بفصلنا عنها، أصوات الحفر بين الفينة والأخرى، وقد يكون الدليمي لوحده قد قتل حوالي 30 شخصا في ذلك الأسبوع الذي كان قد عرف تصفية حراس النقط الثابتة بمن فيهم حراس النقطة الثابتة الثالثة.
- وهل الحسين المانوزي هو الآخر من الضحايا المدفونين بذلك المعتقل؟
بكل تأكيد.
- وهل هناك دليل على ذلك؟
يصعب علي أن أكشف عنه الآن مع العلم أن المسألة محسومة بالنسبة لي.
إن التحليل الذي قمت به يؤكد أن المانوزي مدفون في "البي.إف.3"، مع العلم أن أعمالا جرت في هذا المعتقل سمحت ببناء تلك البناية الجديدة والتي لم تكن في السابق.
- بمعنى؟
يعني أن جزءا من هذا المعتقل تغيرت ملامحه مع أنه كان عبارة عن "فيرمة" صغيرة تبلغ مساحتها حوالي ثلاثة إلى أربعة هكتارات، وهذا ما يعني أن جثثا توجد تحت البناية الجديدة، وقد شرع في حفر جزء من المعتقل بعد الزيارة التي قامت بها "فرانس 3" لعين المكان.
- هل يعني هذا أن تكون بقايا الجثث قد أتلفت حسب الرواية التي تقدمونها الآن؟
لا، ويمكن العثور على بقايا جثث ملطخة ب"الجير" بتلك الملابس المحروقة في تلك الحفرة الكبيرة المكسوة بالنعناع في نفس المعتقل.
- كم عدد الجثث المدفونون في النقطة الثالثة الثابتة؟
النقطة الثابتة الثالثة استعملت لاعتقال وتعذيب ودفن العديد من الذين تم اعتقالهم خلال الأحداث الاجتماعية والسياسية التي عرفها المغرب بين الفينة والأخرى.