أثار سحب المغرب الثقة من كريستوفر روس مبعوث الأمين العام للأمم المتحدة المكلف بمتابعة ملف النزاع حول قضية الصحراء المغربية ردود فعل في مختلف الأوساط الإقليمية والدولية. وهو ما كان منتظرا، ولا يمكن التفكير ولو للحظة واحدة أن المغرب كان غافلا عنه عندما اتخذ قراره السيادي هذا، بل العكس تماما هو الصحيح.
وإذا كان من أولى النتائج المباشرة لهذا القرار إلغاء روس الزيارة التي أعلن في مارس الماضي أنه سيقوم بها إلى المنطقة وإلى الصحراء بالذات التي قال إنها ستكون مطولة، وكانت ستعتبر الأولى من نوعها من قبل مسؤول أممي، فإن كل زعم ينطلق من أن هذا هو الهدف الجوهري أو الأساسي أو الوحيد من القرار المغربي يجانب الصواب في حقيقته، ولا يرقى إلى فهم الموقف المغربي والرهانات التي ينطوي عليها، وربما التحديات التي يمكن أن تترتب عنه والتي ينبغي أن يكون مستعدا لمواجهتها والتغلب عليها في المستقبل. ولعل إدراك المغرب لمحورية موقفه من تطور ملف الصحراء بحيث لا يمكن التوصل إلى حل دون أن يكون موافقا على أهم بنوده هو الذي حمله إلى إعلان سحب الثقة في المبعوث الأممي لأن من شأن هذا القرار أن يعيد الملف إلى طاولة الحوار الجدي في مجلس الأمن الدولي وفي مختلف العواصم ذات التأثير المباشر أو غير المباشر بالنزاع إضافة إلى الأطراف المنخرطة في هذا النزاع وربما قبل غيرها.
إن تجاهل كريستوفر للوضع الفعلي للصحراء المغربية والتعامل معها كما لو كانت كيانا منفصلا عن المغرب قد كشف، مرة أخرى، عن انحيازه للأطروحة الانفصالية، وهو ما لا يمكن للمغرب قبوله، لأن غض النظر عن هذا السلوك سيؤدي إلى خلق سابقة خطيرة لا يمكن إلا أن تجد من يحاول التصرف على أساسها في المستقبل، من دون خشية صدور أي موقف من المغرب مناهض بصورة جدية لهذا النوع من السلوك.
وفي سياق ردود الفعل التي تلت قرار المغرب جدد الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون الثقة في مبعوثه الخاص، وكذلك فعلت الولايات المتحدة الأمريكية التي يعتبر كريستوفر روس أحد مواطنيها. كما أن الجزائر جددت ثقتها في المبعوث إلى الصحراء وكان هذا منتظرا، ولا يحمل أي مفاجأة لأحد، نظرا لحقيقة موقف كريستوفر روس المنحاز لأطروحات الجزائر التي تم تكليف جبهة البوليساريو بإعلانها، غير أن الواقع الذي لا يمكن له أن يرتفع هو أن موقف المغرب من المبعوث له تأثيره الحاسم في إمكانية استمرار كريستوفر روس في وظيفته والعمل على تنفيذ مهمته. والحال أنه ما دام المغرب لا يقبل به فهذا يعني أنه لا يمكن له الإضطلاع بمهمته تجاه الطرف الأساسي في معادلة النزاع حول الصحراء.
فماذا يمكن أن يترتب عن السلوك السياسي المغربي الذي يمكن رده في جوهره إلى ممارسة حقه السيادي في التعامل مع من تكلفهم الأمم المتحدة بمهمة ما في أقاليمه الجنوبية؟
هناك احتمال البحث في وسائل تطمئن المغرب حول نوايا الأمم المتحدة تجاه الملف الذي تتولى إدارته منذ مدة طويلة وهي التي استنتجت استحالة تنفيذ خطة الأمم المتحدة حول استفتاء تقرير المصير وضرورة التحول إلى إعطاء الأولوية لموقف البحث عن حل سياسي متفاوض عليه ويحظى بقبول الأطراف المعنية بالملف جميعها. ذلك أن السؤال الذي طرح نفسه على المغرب كان يدور حول تفسير إشارات كريستوفر روس التي استنتج منها انحيازه لصالح أطروحة جبهة البوليساريو الانفصالية والجزائر وقد تأكت لدى الرباط جدية هذه المخاوف في التقرير الصادر عن مجلس الأمن في نيسان أبريل الماضي وخاصة في الفقرة المتعلقة بتوسيع صلاحيات القبعات الزرق إلى الاهتمام بحقوق الإنسان في الصحراء الأمر الذي اعتبره المغرب، عن حق، تجاوزا لصلاحيات المينورسو ومحاولة لبث الشكوك في مشروعية تواجده في الصحراء، والتنقيص من سيادته التي تم تفويض جهة خارجية بجزء منها، وهي التي لا تملك أي حق على هذا المستوى.
وهناك سيناريو العودة إلى الصفر وانطلاق مرحلة جديدة في النزاع يكون فيها المغرب في مواجهة الأمين العام للأمم المتحدة؛ هذا إذا لم يجد نفسه في مواجهة مجلس الأمن الدولي جزئيا أو كليا. وهذا الواقع يفرض على المغرب اتباع سياسة تتسم بقدر عال من المرونة والحذر دون أن يعني ذلك التخلي عن الحزم والصرامة في مواجهة كل محاولات الانتقاص من سيادته. وهذا عن طريق إعادة طرح مبادرة الحكم الذاتي الموسع في سياق دبلوماسية هجومية تتوخى تبديد ضباب الزيف الإعلامي والدعائي لخصوم الوحدة الترابية للمغرب في مختلف المحافل الإقليمية والدولية. وذلك بهدف إبراز جدية المغرب في التعامل مع هذا النزاع ومحاولة إقناع دول العالم بأن مبادرته هي الوحيدة التي توفر أرضية للتفاوض حول الحل النهائي للنزاع بما يجنب المنطقة مزيدا من التوتر والاحتقان ويساهم في إعادة الحياة إلى مشروع بناء اتحاد دول المغرب العربي، الذي بدأ الحديث عن ضرورة إعادة إحيائه يصدر عن مختلف عواصمه وخاصة تونس والرباط.
وفي كل الأحوال، فإن قرار المغرب في حق كريستوفر روس يعيد إلى الأذهان بعض الحقائق التي لا ينبغي أن تغيب عن وعي كل الأطراف المنخرطة في أي نزاع كان كما لا ينبغي أن يتغافل عنها أي وسيط أو حكم في أي نزاع يرجى التوصل بصدده إلى حل سياسي مقبول من قبل أطرافه كافة.
وبخصوص قضية الصحراء بالذات، تعتبر الثقة المتبادلة بين المبعوث الأممي إلى الصحراء وبين كل أطراف النزاع القيمة الرئيسية التي ينبغي توفرها حتى يمكن لمهمته أن تحرز التقدم المنشود، وهو الاقتراب ما أمكن، ومن خطوة إلى أخرى، من الحل السياسي الذي تم وضعه أفقا قريبا أو بعيدا لتلك المهمة.
قد يعتبر البعض أن هذه الحالة هي حالة مثالية لا تتوفر في أي نزاع فعلي لأن معطيات الواقع العملي لا تتناسب، على الدوام، مع ما يتم الانطلاق منه من تصورات نظرية أو ما يتم وضعه من سيناريوهات تقوم على فرضيات قد يتم تأكيدها أو دحضها. وهذا صحيح على المستوى المبدئي بالنسبة لقضية الصحراء كما بالنسبة لغيرها من النزاعات الإقليمية والدولية. غير أن غياب حد أدنى من هذه الثقة يحكم على المهمة عاجلا أو آجلا بالفشل. وبالتالي، فإن الحرص على اختيار الرجل المناسب في مثل هذه القضايا في الوقت الذي يعتبر فيه مهمة صعبة للغاية يظل مع ذلك أمرا ضروريا للعمل على ضمان نوع من التوازن في المقترحات التي يطرحها على أطراف النزاع لكسر الجمود وتشجيعها على اتخاذ القرارات التي يفرضها الوقف عليها لإنجاز بعض التقدم في المهمة أو تكريس ما تم إنجازه وتحصينه من الانتكاس والعودة إلى الوراء.
وبما أن كل نزاع مهما بدا، مبدئيا، كأنه لا علاقة له بمتغيرات الواقع، هو في حقيقته نزاع سياسي يقوم على تنازع في المصالح المباشرة أو غير المباشرة لأطرافه كافة، سواء منها المعنية به بصورة مباشرة أو غير مباشرة، فإن إدراك هذه المصالح في حقيقتها، ووضعها في موقع البوصلة الموجهة لكل طرف من أطراف النزاع، حتى في الحالة التي يتم فيها علنا إنكار وجود هذه المصالح، هو الخطوة الرئيسية الأولى التي ينبغي على المبعوث الأممي أو الوسيط القيام بها إذا أراد فعلا أن تكلل مهمته بالنجاح. ذلك أن جوهر هذه المهمة يتمثل في المحاولات المتواصلة للتقريب بين المصالح والدفع بأطراف النزاع إلى محطات للالتقاء تضمن التقدم إلى الأمام أي باتجاه الحل. ولا يعني أي سلوك مخالف إلا على الانحياز الذي يفتح الطريق نحو المزيد من الصعوبات لا نحو تذليل القائمة أصلا.
أي إن إدراك الوسيط لهذه المصالح هو الذي يدفعه إلى تجنب كل ما من شأنه أن يعمل على تجذير التناقضات بين الأطراف وإعطاء الأولوية للعناصر المساعدة على تذليل الصعوبات والدفع بمختلف وجهات النظر باتجاه نقاط التقاطع واللقاء.
إن الوسيط الذي يتناسى هذا المبدأ التوجيهي لقيادة المفاوضات بين تلك الأطراف يفقد هو ذاته أي قدرة على التأثير على مجرى الأحداث بما يخدم القضية التي انخرط في عملية البحث عن الحلول الممكنة لها.
فهل يستخلص الأمين العام للأمم المتحدة الدرس من انتكاسة مهمة كريستوفر روس في ملف الصحراء؟ وهل يأخذ المغرب العبرة من التصادم المحتوم مع مبعوث أممي لم يغب عنه انحيازه منذ الوهلة الأولى فيبادر منذ البداية إلى الجهر بموقفه من الشخصية التي تتولى مهمة على هذا القدر من الحيوية بالنسبة لقضيته الوطنية؟
أثار سحب المغرب الثقة من كريستوفر روس مبعوث الأمين العام للأمم المتحدة المكلف بمتابعة ملف النزاع حول قضية الصحراء ردود فعل في مختلف الأوساط الإقليمية والدولية. وهو ما كان منتظرا، ولا يمكن التفكير ولو للحظة واحدة أن المغرب كان غافلا عنه عندما اتخذ قراره السيادي هذا، بل العكس تماما هو الصحيح.
وإذا كان من أولى النتائج المباشرة لهذا القرار إلغاء روس الزيارة التي أعلن في مارس الماضي أنه سيقوم بها إلى المنطقة وإلى الصحراء بالذات التي قال إنها ستكون مطولة، وكانت ستعتبر الأولى من نوعها من قبل مسؤول أممي، فإن كل زعم ينطلق من أن هذا هو الهدف الجوهري أو الأساسي أو الوحيد من القرار المغربي يجانب الصواب في حقيقته، ولا يرقى إلى فهم الموقف المغربي والرهانات التي ينطوي عليها، وربما التحديات التي يمكن أن تترتب عنه والتي ينبغي أن يكون مستعدا لمواجهتها والتغلب عليها في المستقبل. ولعل إدراك المغرب لمحورية موقفه من تطور ملف الصحراء بحيث لا يمكن التوصل إلى حل دون أن يكون موافقا على أهم بنوده هو الذي حمله إلى إعلان سحب الثقة في المبعوث الأممي لأن من شأن هذا القرار أن يعيد الملف إلى طاولة الحوار الجدي في مجلس الأمن الدولي وفي مختلف العواصم ذات التأثير المباشر أو غير المباشر بالنزاع إضافة إلى الأطراف المنخرطة في هذا النزاع وربما قبل غيرها.
إن تجاهل كريستوفر للوضع الفعلي للصحراء والتعامل معها كما لو كانت كيانا منفصلا عن المغرب قد كشف، مرة أخرى، عن انحيازه للأطروحة الانفصالية، وهو ما لا يمكن للمغرب قبوله، لأن غض النظر عن هذا السلوك سيؤدي إلى خلق سابقة خطيرة لا يمكن إلا أن تجد من يحاول التصرف على أساسها في المستقبل، من دون خشية صدور أي موقف من المغرب مناهض بصورة جدية لهذا النوع من السلوك.
وفي سياق ردود الفعل التي تلت قرار المغرب جدد الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون الثقة في مبعوثه الخاص، وكذلك فعلت الولايات المتحدة الأمريكية التي يعتبر كريستوفر روس أحد مواطنيها. كما أن الجزائر جددت ثقتها في المبعوث إلى الصحراء وكان هذا منتظرا، ولا يحمل أي مفاجأة لأحد، نظرا لحقيقة موقف كريستوفر روس المنحاز لأطروحات الجزائر التي تم تكليف جبهة البوليساريو بإعلانها، غير أن الواقع الذي لا يمكن له أن يرتفع هو أن موقف المغرب من المبعوث له تأثيره الحاسم في إمكانية استمرار كريستوفر روس في وظيفته والعمل على تنفيذ مهمته. والحال أنه ما دام المغرب لا يقبل به فهذا يعني أنه لا يمكن له الإضطلاع بمهمته تجاه الطرف الأساسي في معادلة النزاع حول الصحراء.
فماذا يمكن أن يترتب عن السلوك السياسي المغربي الذي يمكن رده في جوهره إلى ممارسة حقه السيادي في التعامل مع من تكلفهم الأمم المتحدة بمهمة ما في أقاليمه الجنوبية؟
هناك احتمال البحث في وسائل تطمئن المغرب حول نوايا الأمم المتحدة تجاه الملف الذي تتولى إدارته منذ مدة طويلة وهي التي استنتجت استحالة تنفيذ خطة الأمم المتحدة حول استفتاء تقرير المصير وضرورة التحول إلى إعطاء الأولوية لموقف البحث عن حل سياسي متفاوض عليه ويحظى بقبول الأطراف المعنية بالملف جميعها. ذلك أن السؤال الذي طرح نفسه على المغرب كان يدور حول تفسير إشارات كريستوفر روس التي استنتج منها انحيازه لصالح أطروحة جبهة البوليساريو الانفصالية والجزائر وقد تأكت لدى الرباط جدية هذه المخاوف في التقرير الصادر عن مجلس الأمن في نيسان أبريل الماضي وخاصة في الفقرة المتعلقة بتوسيع صلاحيات القبعات الزرق إلى الاهتمام بحقوق الإنسان في الصحراء الأمر الذي اعتبره المغرب، عن حق، تجاوزا لصلاحيات المينورسو ومحاولة لبث الشكوك في مشروعية تواجده في الصحراء، والتنقيص من سيادته التي تم تفويض جهة خارجية بجزء منها، وهي التي لا تملك أي حق على هذا المستوى.
وهناك سيناريو العودة إلى الصفر وانطلاق مرحلة جديدة في النزاع يكون فيها المغرب في مواجهة الأمين العام للأمم المتحدة؛ هذا إذا لم يجد نفسه في مواجهة مجلس الأمن الدولي جزئيا أو كليا. وهذا الواقع يفرض على المغرب اتباع سياسة تتسم بقدر عال من المرونة والحذر دون أن يعني ذلك التخلي عن الحزم والصرامة في مواجهة كل محاولات الانتقاص من سيادته. وهذا عن طريق إعادة طرح مبادرة الحكم الذاتي الموسع في سياق دبلوماسية هجومية تتوخى تبديد ضباب الزيف الإعلامي والدعائي لخصوم الوحدة الترابية للمغرب في مختلف المحافل الإقليمية والدولية. وذلك بهدف إبراز جدية المغرب في التعامل مع هذا النزاع ومحاولة إقناع دول العالم بأن مبادرته هي الوحيدة التي توفر أرضية للتفاوض حول الحل النهائي للنزاع بما يجنب المنطقة مزيدا من التوتر والاحتقان ويساهم في إعادة الحياة إلى مشروع بناء اتحاد دول المغرب العربي، الذي بدأ الحديث عن ضرورة إعادة إحيائه يصدر عن مختلف عواصمه وخاصة تونس والرباط.
وفي كل الأحوال، فإن قرار المغرب في حق كريستوفر روس يعيد إلى الأذهان بعض الحقائق التي لا ينبغي أن تغيب عن وعي كل الأطراف المنخرطة في أي نزاع كان كما لا ينبغي أن يتغافل عنها أي وسيط أو حكم في أي نزاع يرجى التوصل بصدده إلى حل سياسي مقبول من قبل أطرافه كافة.
وبخصوص قضية الصحراء بالذات، تعتبر الثقة المتبادلة بين المبعوث الأممي إلى الصحراء وبين كل أطراف النزاع القيمة الرئيسية التي ينبغي توفرها حتى يمكن لمهمته أن تحرز التقدم المنشود، وهو الاقتراب ما أمكن، ومن خطوة إلى أخرى، من الحل السياسي الذي تم وضعه أفقا قريبا أو بعيدا لتلك المهمة.
قد يعتبر البعض أن هذه الحالة هي حالة مثالية لا تتوفر في أي نزاع فعلي لأن معطيات الواقع العملي لا تتناسب، على الدوام، مع ما يتم الانطلاق منه من تصورات نظرية أو ما يتم وضعه من سيناريوهات تقوم على فرضيات قد يتم تأكيدها أو دحضها. وهذا صحيح على المستوى المبدئي بالنسبة لقضية الصحراء كما بالنسبة لغيرها من النزاعات الإقليمية والدولية. غير أن غياب حد أدنى من هذه الثقة يحكم على المهمة عاجلا أو آجلا بالفشل. وبالتالي، فإن الحرص على اختيار الرجل المناسب في مثل هذه القضايا في الوقت الذي يعتبر فيه مهمة صعبة للغاية يظل مع ذلك أمرا ضروريا للعمل على ضمان نوع من التوازن في المقترحات التي يطرحها على أطراف النزاع لكسر الجمود وتشجيعها على اتخاذ القرارات التي يفرضها الوقف عليها لإنجاز بعض التقدم في المهمة أو تكريس ما تم إنجازه وتحصينه من الانتكاس والعودة إلى الوراء.
وبما أن كل نزاع مهما بدا، مبدئيا، كأنه لا علاقة له بمتغيرات الواقع، هو في حقيقته نزاع سياسي يقوم على تنازع في المصالح المباشرة أو غير المباشرة لأطرافه كافة، سواء منها المعنية به بصورة مباشرة أو غير مباشرة، فإن إدراك هذه المصالح في حقيقتها، ووضعها في موقع البوصلة الموجهة لكل طرف من أطراف النزاع، حتى في الحالة التي يتم فيها علنا إنكار وجود هذه المصالح، هو الخطوة الرئيسية الأولى التي ينبغي على المبعوث الأممي أو الوسيط القيام بها إذا أراد فعلا أن تكلل مهمته بالنجاح. ذلك أن جوهر هذه المهمة يتمثل في المحاولات المتواصلة للتقريب بين المصالح والدفع بأطراف النزاع إلى محطات للالتقاء تضمن التقدم إلى الأمام أي باتجاه الحل. ولا يعني أي سلوك مخالف إلا على الانحياز الذي يفتح الطريق نحو المزيد من الصعوبات لا نحو تذليل القائمة أصلا.
أي إن إدراك الوسيط لهذه المصالح هو الذي يدفعه إلى تجنب كل ما من شأنه أن يعمل على تجذير التناقضات بين الأطراف وإعطاء الأولوية للعناصر المساعدة على تذليل الصعوبات والدفع بمختلف وجهات النظر باتجاه نقاط التقاطع واللقاء.
إن الوسيط الذي يتناسى هذا المبدأ التوجيهي لقيادة المفاوضات بين تلك الأطراف يفقد هو ذاته أي قدرة على التأثير على مجرى الأحداث بما يخدم القضية التي انخرط في عملية البحث عن الحلول الممكنة لها.
فهل يستخلص الأمين العام للأمم المتحدة الدرس من انتكاسة مهمة كريستوفر روس في ملف الصحراء؟ وهل يأخذ المغرب العبرة من التصادم المحتوم مع مبعوث أممي لم يغب عنه انحيازه منذ الوهلة الأولى فيبادر منذ البداية إلى الجهر بموقفه من الشخصية التي تتولى مهمة على هذا القدر من الحيوية بالنسبة لقضيته الوطنية؟أثار سحب المغرب الثقة من كريستوفر روس مبعوث الأمين العام للأمم المتحدة المكلف بمتابعة ملف النزاع حول قضية الصحراء ردود فعل في مختلف الأوساط الإقليمية والدولية. وهو ما كان منتظرا، ولا يمكن التفكير ولو للحظة واحدة أن المغرب كان غافلا عنه عندما اتخذ قراره السيادي هذا، بل العكس تماما هو الصحيح.
وإذا كان من أولى النتائج المباشرة لهذا القرار إلغاء روس الزيارة التي أعلن في مارس الماضي أنه سيقوم بها إلى المنطقة وإلى الصحراء بالذات التي قال إنها ستكون مطولة، وكانت ستعتبر الأولى من نوعها من قبل مسؤول أممي، فإن كل زعم ينطلق من أن هذا هو الهدف الجوهري أو الأساسي أو الوحيد من القرار المغربي يجانب الصواب في حقيقته، ولا يرقى إلى فهم الموقف المغربي والرهانات التي ينطوي عليها، وربما التحديات التي يمكن أن تترتب عنه والتي ينبغي أن يكون مستعدا لمواجهتها والتغلب عليها في المستقبل. ولعل إدراك المغرب لمحورية موقفه من تطور ملف الصحراء بحيث لا يمكن التوصل إلى حل دون أن يكون موافقا على أهم بنوده هو الذي حمله إلى إعلان سحب الثقة في المبعوث الأممي لأن من شأن هذا القرار أن يعيد الملف إلى طاولة الحوار الجدي في مجلس الأمن الدولي وفي مختلف العواصم ذات التأثير المباشر أو غير المباشر بالنزاع إضافة إلى الأطراف المنخرطة في هذا النزاع وربما قبل غيرها.
إن تجاهل كريستوفر للوضع الفعلي للصحراء والتعامل معها كما لو كانت كيانا منفصلا عن المغرب قد كشف، مرة أخرى، عن انحيازه للأطروحة الانفصالية، وهو ما لا يمكن للمغرب قبوله، لأن غض النظر عن هذا السلوك سيؤدي إلى خلق سابقة خطيرة لا يمكن إلا أن تجد من يحاول التصرف على أساسها في المستقبل، من دون خشية صدور أي موقف من المغرب مناهض بصورة جدية لهذا النوع من السلوك.
وفي سياق ردود الفعل التي تلت قرار المغرب جدد الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون الثقة في مبعوثه الخاص، وكذلك فعلت الولايات المتحدة الأمريكية التي يعتبر كريستوفر روس أحد مواطنيها. كما أن الجزائر جددت ثقتها في المبعوث إلى الصحراء وكان هذا منتظرا، ولا يحمل أي مفاجأة لأحد، نظرا لحقيقة موقف كريستوفر روس المنحاز لأطروحات الجزائر التي تم تكليف جبهة البوليساريو بإعلانها، غير أن الواقع الذي لا يمكن له أن يرتفع هو أن موقف المغرب من المبعوث له تأثيره الحاسم في إمكانية استمرار كريستوفر روس في وظيفته والعمل على تنفيذ مهمته. والحال أنه ما دام المغرب لا يقبل به فهذا يعني أنه لا يمكن له الإضطلاع بمهمته تجاه الطرف الأساسي في معادلة النزاع حول الصحراء.
فماذا يمكن أن يترتب عن السلوك السياسي المغربي الذي يمكن رده في جوهره إلى ممارسة حقه السيادي في التعامل مع من تكلفهم الأمم المتحدة بمهمة ما في أقاليمه الجنوبية؟
هناك احتمال البحث في وسائل تطمئن المغرب حول نوايا الأمم المتحدة تجاه الملف الذي تتولى إدارته منذ مدة طويلة وهي التي استنتجت استحالة تنفيذ خطة الأمم المتحدة حول استفتاء تقرير المصير وضرورة التحول إلى إعطاء الأولوية لموقف البحث عن حل سياسي متفاوض عليه ويحظى بقبول الأطراف المعنية بالملف جميعها. ذلك أن السؤال الذي طرح نفسه على المغرب كان يدور حول تفسير إشارات كريستوفر روس التي استنتج منها انحيازه لصالح أطروحة جبهة البوليساريو الانفصالية والجزائر وقد تأكت لدى الرباط جدية هذه المخاوف في التقرير الصادر عن مجلس الأمن في نيسان أبريل الماضي وخاصة في الفقرة المتعلقة بتوسيع صلاحيات القبعات الزرق إلى الاهتمام بحقوق الإنسان في الصحراء الأمر الذي اعتبره المغرب، عن حق، تجاوزا لصلاحيات المينورسو ومحاولة لبث الشكوك في مشروعية تواجده في الصحراء، والتنقيص من سيادته التي تم تفويض جهة خارجية بجزء منها، وهي التي لا تملك أي حق على هذا المستوى.
وهناك سيناريو العودة إلى الصفر وانطلاق مرحلة جديدة في النزاع يكون فيها المغرب في مواجهة الأمين العام للأمم المتحدة؛ هذا إذا لم يجد نفسه في مواجهة مجلس الأمن الدولي جزئيا أو كليا. وهذا الواقع يفرض على المغرب اتباع سياسة تتسم بقدر عال من المرونة والحذر دون أن يعني ذلك التخلي عن الحزم والصرامة في مواجهة كل محاولات الانتقاص من سيادته. وهذا عن طريق إعادة طرح مبادرة الحكم الذاتي الموسع في سياق دبلوماسية هجومية تتوخى تبديد ضباب الزيف الإعلامي والدعائي لخصوم الوحدة الترابية للمغرب في مختلف المحافل الإقليمية والدولية. وذلك بهدف إبراز جدية المغرب في التعامل مع هذا النزاع ومحاولة إقناع دول العالم بأن مبادرته هي الوحيدة التي توفر أرضية للتفاوض حول الحل النهائي للنزاع بما يجنب المنطقة مزيدا من التوتر والاحتقان ويساهم في إعادة الحياة إلى مشروع بناء اتحاد دول المغرب العربي، الذي بدأ الحديث عن ضرورة إعادة إحيائه يصدر عن مختلف عواصمه وخاصة تونس والرباط.
وفي كل الأحوال، فإن قرار المغرب في حق كريستوفر روس يعيد إلى الأذهان بعض الحقائق التي لا ينبغي أن تغيب عن وعي كل الأطراف المنخرطة في أي نزاع كان كما لا ينبغي أن يتغافل عنها أي وسيط أو حكم في أي نزاع يرجى التوصل بصدده إلى حل سياسي مقبول من قبل أطرافه كافة.
وبخصوص قضية الصحراء بالذات، تعتبر الثقة المتبادلة بين المبعوث الأممي إلى الصحراء وبين كل أطراف النزاع القيمة الرئيسية التي ينبغي توفرها حتى يمكن لمهمته أن تحرز التقدم المنشود، وهو الاقتراب ما أمكن، ومن خطوة إلى أخرى، من الحل السياسي الذي تم وضعه أفقا قريبا أو بعيدا لتلك المهمة.
قد يعتبر البعض أن هذه الحالة هي حالة مثالية لا تتوفر في أي نزاع فعلي لأن معطيات الواقع العملي لا تتناسب، على الدوام، مع ما يتم الانطلاق منه من تصورات نظرية أو ما يتم وضعه من سيناريوهات تقوم على فرضيات قد يتم تأكيدها أو دحضها. وهذا صحيح على المستوى المبدئي بالنسبة لقضية الصحراء كما بالنسبة لغيرها من النزاعات الإقليمية والدولية. غير أن غياب حد أدنى من هذه الثقة يحكم على المهمة عاجلا أو آجلا بالفشل. وبالتالي، فإن الحرص على اختيار الرجل المناسب في مثل هذه القضايا في الوقت الذي يعتبر فيه مهمة صعبة للغاية يظل مع ذلك أمرا ضروريا للعمل على ضمان نوع من التوازن في المقترحات التي يطرحها على أطراف النزاع لكسر الجمود وتشجيعها على اتخاذ القرارات التي يفرضها الوقف عليها لإنجاز بعض التقدم في المهمة أو تكريس ما تم إنجازه وتحصينه من الانتكاس والعودة إلى الوراء.
وبما أن كل نزاع مهما بدا، مبدئيا، كأنه لا علاقة له بمتغيرات الواقع، هو في حقيقته نزاع سياسي يقوم على تنازع في المصالح المباشرة أو غير المباشرة لأطرافه كافة، سواء منها المعنية به بصورة مباشرة أو غير مباشرة، فإن إدراك هذه المصالح في حقيقتها، ووضعها في موقع البوصلة الموجهة لكل طرف من أطراف النزاع، حتى في الحالة التي يتم فيها علنا إنكار وجود هذه المصالح، هو الخطوة الرئيسية الأولى التي ينبغي على المبعوث الأممي أو الوسيط القيام بها إذا أراد فعلا أن تكلل مهمته بالنجاح. ذلك أن جوهر هذه المهمة يتمثل في المحاولات المتواصلة للتقريب بين المصالح والدفع بأطراف النزاع إلى محطات للالتقاء تضمن التقدم إلى الأمام أي باتجاه الحل. ولا يعني أي سلوك مخالف إلا على الانحياز الذي يفتح الطريق نحو المزيد من الصعوبات لا نحو تذليل القائمة أصلا.
أي إن إدراك الوسيط لهذه المصالح هو الذي يدفعه إلى تجنب كل ما من شأنه أن يعمل على تجذير التناقضات بين الأطراف وإعطاء الأولوية للعناصر المساعدة على تذليل الصعوبات والدفع بمختلف وجهات النظر باتجاه نقاط التقاطع واللقاء.
إن الوسيط الذي يتناسى هذا المبدأ التوجيهي لقيادة المفاوضات بين تلك الأطراف يفقد هو ذاته أي قدرة على التأثير على مجرى الأحداث بما يخدم القضية التي انخرط في عملية البحث عن الحلول الممكنة لها.
فهل يستخلص الأمين العام للأمم المتحدة الدرس من انتكاسة مهمة كريستوفر روس في ملف الصحراء؟ وهل يأخذ المغرب العبرة من التصادم المحتوم مع مبعوث أممي لم يغب عنه انحيازه منذ الوهلة الأولى فيبادر منذ البداية إلى الجهر بموقفه من الشخصية التي تتولى مهمة على هذا القدر من الحيوية بالنسبة لقضيته الوطنية؟
حسن السوسي - إيلاف