عبد اللطيف مجدوب
مقدمة إشكالية
تعتبر الصحافة ؛ في الأدبيات السياسية الدولية ؛ السلطة الرابعة ، بحكم موقعا الحيوي في نقل الخبر ، وصناعة الرأي ، والدفع بعجلة التنمية ، واستكشاف المجهول ، والتحقيق في ظاهرة معينة ... وسبق لها وفي عز مجدها ؛ الذي اقترن بالإطاحة برؤوس كبيرة في السلطة ، وسبر أغوار المستقبل من خلال جنودها ، سواء في الميدان أو محللين وراء الخطوط الساخنة والسطور الملتهبة ،، سبق لها أن تقلدت ؛ عن جدارة ؛ لقب "صاحبة الجلالة" .
واقترانا بالطفرة الرقمية التي يجتازها إنسان الألفية الثانية ، فقد تعزز دورها بوسائل التواصل الاجتماعي ، والمواقع الالكترونية التي أصبحت أقرب من ذي قبل إلى منابع الأخبار ، وتمريرها عبر شبكات الميديا العالمية .
نحن ؛ في المغرب ؛ ما زالت صحافتنا تطالب بحقها في الولوج إلى المعلومة ، مهما كانت "حساسية" مواقعها . فهناك مؤسسات ومراكز ومرافق عمومية ، ما زالت صحافتنا تستشعر بالهيبة جراء المتاريس العديدة التي تواجهها في "اقتناص" معلومة ما ، سواء عبر التصريح بالكلمة أو الصورة أو هما معا . وما زالت الجهات المستهدفة من الصحافي ترتاب في مهام هذا الأخير ، وتغتاب في نشاطه ، وتعده أحيانا محتالا في الكشف عن الزائف ، وفضح النوايا ، واستدراجهم إلى "المقصلة" !
ويتساءل الباحث هل صحافتنا تملك ثقلا وأهمية من وجهة صانعي القرار ؟ . وبعبارة هل لها قدرة التحكم في صدور القرارات مهما كان مصدرها ؟..
آراء بخصوص مشروع قانون الصحافة بالمغرب
بعض الوسائل الصحافية رأت فيه بعض المكاسب ؛ منها على سبيل المثال لا الحصر تعزيز ضمانات الحرية في ممارسة مهنة الصحافة ، وإلغائه العقوبات السالبة للحرية . كما أنه استجاب لمطلب قديم بإنشاء " مجلس وطني للصحافة " ، ويسمح بظهور الصحافة الإلكترونية . ويرى آخرون أنه قيد العمل الصحافي ببعض القيود ، مع إبقائه لباب العقوبات مفتوحا على جميع الاحتمالات في حالات المس بالإسلام أو بالملكية والوحدة الترابية أوالتحريض على ارتكاب الجنايات ، والتمييز العنصري ...
ولوج العناوين الصحافية إلى الرقيب
بالأمس القريب ، كانت الصحافة الورقية تعيش تحت رحمة الرقيب ؛ الذي يصفي موادها ، ويخضعها إلى منظاره قبل أن يمنحها الضوء الأخضر أو يحيلها إلى مقصه الذي ما أكثر المواد الإخبارية التي تم اغتيالها على يده قبل أن ترى النور ، وتوبع أصحابها بعقوبات تراوحت بين الاعتقال والغرامة والتوقيف أو السجن !
لكن ؛ وفي ظل الضغوطات والانفراجات التي عرفها ملف الحريات العامة في الآونة الأخيرة ؛ اختفى مقص الرقيب ، مع بقاء أعينه مسلطة على كل المواد الصحافية ؛ ورقية كانت أو رقمية ، بل اتجهت الرقابة الصحافية حاليا إلى ترصد خطوات عدو ؛ تراه أكثر خطورة من الورقية ، وهي الصحافة الزرقاء المتمثلة في وسائل التواصل الاجتماعي كالفايسبوك Facebook وتويتر Twitter ...والتي تسجل سرعة قياسية في انتشارها بين جمهور المتصفحين ، وكثيرا ما تخلق متاعب جمة لسلطات المراقبة والأمن ، فتدرجها أحيانا في خطواتها السياسية ، إما بقصد تجاوز إشاراتها أو العمل على خنقها في المهد .
الصحافة التقليدية ووسائل التواصل الاجتماعي
كثيرا ما تتصدر الصحافة الورقية والرقمية عناوين بارزة لأحداث وقضايا ساخنة ؛ كانت هذه الوسائل التواصلية سباقة ـ نسبيا ـ إلى اقتناصها والوقوف على آثارها ، بالرغم من وجود تنوع مصادر صحفية ؛ حساسة تكاد لا يخلو منها كل مرفق عمومي ، أو مؤسسة إدارية أو إدارة مركزية ، بحكم معايشتها للأحداث عن قرب .. تكتفي فقط بتسريب عناوين الملفات دون توثيقها في صورة أو غيرها إلا في حالات جد خاصة . وتكاد الصحافة المكتوبة ، وحتى الرقمية تنفرد بأهمية خاصة تبعا لموثوقية مصادرها ، وجغرافيتها
في الانتشار ، فكلما كانت عميقة وقريبة من مصدر الحدث ، ومعايشة للأحداث .. كلما كانت أخبارها مثيرة للرأي العام ، ومصدر إقبال القراء عليها .
وقد لا نغالي في القول بأن الوضعية الاقتصادية الهشة لكل صحيفة ؛ من جهة وانحدار أرقام مقروئيتها من جهة ثانية أصبحت تحتم عليها البحث عن مصادر إخبارية تكتسي الصدارة ؛ في المشهد السياسي المغربي العام ؛ ليكون في مقدورها لفت انتباه القراء ، ودوائر السلطات إما للدفع بها إلى إجراء افتحاص أو مراقبة أو مراجعة لأبعاد الحادث أو الملف الذي حققت فيه الصحيفة .
هل صحافتنا مؤهلة لاعتمادها من قبل المنظمات الدولية ؟
هناك تقارير لمؤسسات ومنظمات دولية ، ترد فيها إشارات لملفات وطنية معينة كالحريات العامة ، والقيود التي تضعها السلطات العمومية أمام الصحافة ، فتكون مضطرة إلى التنصيص على حوادث معينة ـ في مصادرها الصحافية ـ كاعتقال صحافي ، أو مصادرة جريدة معينة ، أو إغلاق موقع قناة .. بيد أن صحافتنا ؛ وفي معظم الأحيان ؛ قاصرة عن تغطية واقعة بعينها ، والبحث في ملابساتها طالما أن بنكها المعلوماتي محدود ولا يتجاوز إلى المصادر الأولية ، والتي غالبا ما تكون محظورة على الصحافي اقتناصها إلا في حالات جد نادرة ، فتكتفي بنقلها كمادة خام .
صحافتنا في خضم الصحافة الدولية
موضوع شائك ، فقط سنكتفي بمقاربته من حيث معيار ثقل الخبر وأهميته ، كأن يرد في جريدة Le monde , Le Figaro ,USA Today متصل بالمغرب . ففي مثل هذه الحالة يكتسي الخبر أهمية قصوى ، ويتحول إلى مادة للنقاش داخل مراكز القرار ، وتصدر عنه في الحين ردات فعل سريعة .. بخلاف وروده في صحافتنا الوطنية . وهذا ما يجعل السلطات المغربية تنزعج كلما لاحظت تقارير صحفية أجنبية ؛ لها مساس بالقصر أو محيطه . بيد أن تسويق أو نشر قضايانا الخارجية ، أو توتر علاقاتنا الدولية مع هذا الجار أو ذاك ، بسبب وحدتنا الوطنية أو هجرة الأفارقة فقلما نجد لها صدى في الصحافة الدولية إلا في حالات خاصة حينما يكون الأمر متعلقا بتنظيمات أو خلايا إرهابية وقعت بين أيدي السلطات المغربية أو تعيين حكومة .
ويمكن إيجاز هذه المداخلة في أن صحافتنا الوطنية تواجه انحدار نسبة القراءة لدى المواطن المغربي كأكبر تحد تواجهه ، عدى محدودية القراءة ، وقضايا النشر والتوزيع بالرغم من وجود دعم مالي ؛ وإن كان محدودا في الصحافة الحزبية ، والصحافة الرقمية التي تكتفي ؛ حتى الآن ؛ بإمكانياتها الذاتية ، إذا استثنينا حالة أو حالتين .