عبد اللطيف مجدوب
المشهد العام
عايش المغاربة ؛ عبر التاريخ الحديث ؛ حوادث ووقائع اجتماعية هي من التعدد والضخامة حيث لا يمكن حصر جغرافية وقوعها ؛ في السهل والجبل والقرية والمدينة ، في البر والبحر ... ولم تكن آنئذ من وسيلة إعلامية للإخبار بها سوى "أجهزة الدولة" والتي لم تكن تتجاوز قناتي المذياع والتلفزة ، وفي أفضل الأحوال الجريدة أو الشارع الذي كان يشيع خبر وقوع شيء ما حال حدوثه لتتناقله الأسماع في رقعة جغرافية محدودة !
بيد أن حوادث فظيعة ظلت طي التجاهل والنسيان لم يكن يخطر بمزاج السلطات الرسمية تقديمها ضمن " المواد الإخبارية " . لكن هذه الصور القاتمة والتي كانت الحكومات المتعاقبة تتستر عنها حرصا منها على احترام المبدأ البصْري " كَولو العام زين " ستتغير في العشر سنوات الأخيرة ، وتندثر في ظل الغزو التكنولوجي للمشهد الإعلامي عندنا ، وبالضبط في أعقاب شيوع اسمارت موبايل /الهواتف الذكية ، والتي غدَت ؛ في الظروف الحالية ؛ بمثابة الوثيقة الثبوتية لكل مواطن بعد البطاقة الوطنية ؛ يتعهدها كجزء من كيانه .. ينظر من خلالها إلى العالم من حوله ، ويتتبع كل صغيرة وكبيرة جرت داخل وخارج محيطه الجغرافي ، ومن ثم قفزت وظيفة الفايسبوك Facebook إلى الصدارة وأصبحت المورد الرئيسي الحي لعالم الأخبار ضمن أبرز وسائل التواصل الاجتماعي التي يعتمدها الجميع ويتلهف على تتبعها ؛ تغنيه عن الأخبار "الرسمية" المحنطة .
في ظل هذا الوضع الإعلامي "الأزرق" ، انتقل دور الحكومة من مالكة للمعلومة والتصرف فيها إلى تلقيها عبر وسائل التواصل الاجتماعي ، ومن ثم التحرك على منوالها !
الحكومة والتدابير الترقيعية
- كلما اهتزت منطقة على وقع حادث معين وتصدر وسائل التواصل الاجتماعي آنئذ تتحرك الحكومة ؛
- حراك الريف ؛ يعد من أبرز الحوادث الأليمة التي لقيت تجاوبا منقطع النظير من المجتمع المغربي الفايسبوكي بمختلف فئاته والذي أجبر الحكومة على تلمس وسائل إخمادها ؛
- حادث مقتل 15 نسوة جراء التدافع على كسرة كبز استقبلته الحكومة بسن تشريعات جديدة منظمة للصدقة والإحسان ؛
- سلخ أستاذ من قبل تلميذ داخل مدرسة ... أو إصابة أستاذة بجروح غائرة في وجهها إثر إجهاز تلميذ عليها ؛
حوادث لا حصر لها تحبل بها هذه الوسائل "الشيطانية" لتكشف بها عورة الحكومة وتدبيرها الترقيعي لواقع مجتمعي مغربي متعفن يموج بالقضايا والظواهر المزمنة ، والحال أن هناك مؤسسات بعدد نجوم السماء تكلف خزينة الدولة ميزانيات ضخمة ، لكن أدوارها تظل معطلة بالكاد أو إلى حين صدور تعليمات مركزية لها لتنشط في رقعة جد محدودة .
برنامج حكومي مفتوح على الفايسبوك
برنامج حكومي يعني دستوريا تقديم الحكومة لبرنامجها العام ؛ تعتزم نهجه خلال مسارها الحكومي لأربع سنوات ، يتضمن في شقه الاجتماعي تنفيذ مشاريع تهم كل القطاعات . وهذا البرنامج ؛ في بنيته العامة ؛ قائم على نظرة الحكومة لواقع وآفاق كل مجالات التدبير والتسيير والتنمية ... وهي نظرة لا تستوحيها من الفايسبوك (وسائل التواصل الاجتماعي ) بل تستشفها من التقارير التي تخص كل قطاع من المنظورين الجهوي والإقليمي وأحيانا المحلي .
بيد أن أحداث ووقائع الفايسبوك تفضح في الواقع اختلالات بنيوية تعتور البرنامج الحكومي ، وتشي ؛ في آن واحد ؛ بأنه مطبوخ بارتجالية فجة بعيدا عن قضايا وهموم المواطنين ولا الظواهر الأليمة التي يعج بها الشارع المغربي ومؤسساته . لذلك كان الأجدر بالحكومة أن تضرب صفحا عن برنامجها الذي استنزف مجهودا ضخما في إعداده وتتبنى بدلا منه أعين الفايسبوك لترشدها إلى مواطن الخلل فتسارع إلى تداركها .
تدبير الإصلاح عبر الفايسبوك !
إذا سلمنا فرضا بأن إصلاح قطاع ما أو ظاهرة اجتماعية ما يعتمد على المفرقعات التي تفجرها وسائل التواصل الاجتماعي ، فسيكون علينا مثلا انتظار ما يلي :
* انتظار وقوع سيلان الدماء بالمؤسسات التعليمية حتى تنادي الحكومة بضرورة إصلاح هذا المرفق ؛
* انتظار وقوع وفيات بالجملة في صفوف المعوزين حتى تنتفض الحكومة إلى تنظيم المساعدات الإحسانية بدلا من النظر إلى آفة الفقر وعدد الوفيات التي يحصدها كل حين ؛
* انتظار حراك آخر ؛ عبر ربوع المملكة ؛ لتقوم قيامة الحكومة وتبعث بجيوشها إلى عين المكان ؛
* انتظار تعفنات إدارية أخرى لتجتمع الحكومة على عجل وتصدر مناشير عقيمة إلى المرافق الإدارية .. ؛
* انتظار سقف محدد في قتلى مقاطع طرقية حتى تهب الحكومة لترقيعها ؛
* انتظار انحباس أنفاس المواطنين بهذه المنطقة أو تلك جراء احتلالها من طرف عصابات إجرامية وانعدام الأمن بها ، حتى تستيقظ الحكومة من سباتها وتبعث بفاكس (بسطر واحد) بضرورة تحرك دوريات الأمن ؛
* انتظار وقوع اشتباكات دموية بين أفارقة ومواطنين لتكتفي الحكومة بقراءة الحوقلة أمام هذه المشاهد المروعة ؛
* انتظار أن تكتظ شوارع المدن وأماكنها العمومية ب" أطفال السيليسيون " لتنتفض الحكومة في اتجاه " رعاية الطفولة " ؛
* انتظار سفك دماء نساء وهتك أعراضهن كواقع يومي .. حتى تنفض الحكومة عن ذاكرتها الغبار وتسارع إلى تنظيم حملة ضد تعنيف المرأة ؛
* انتظار وقوع مجاعة بمناطق قروية وارتفاع منسوب الهجرة ... حتى تفطن الحكومة إلى الواقع المزري الذي يعيشه العالم القروي ؛
* انتظار طرد دول أوروبية وآسيوية لأفواج من المغاربة تحت مغبة الإرهاب .. لتستيقظ الحكومة وتنتظر صدور التعليمات ...
الحكومة وصياح البرلمان والصحافة الورقية
مساءلة الحكومة ؛ تحت قبة البرلمان ؛ من طرف البرلمانيين هي صورة بالكاد تهدف في نهاية المطاف أو ترمي من خلالها الحكومة إلى امتصاص غضب الشعب وتسكينه بمخدر "السين وسوف " ؛ (سنفعل ... سوف نقوم ...) ، كما أن الصحافة عموما والورقية منها خاصة ، يعتقد كثير من المراقبين أن دخولها إلى دواليب وأقسام الحكومة غير ذات جدوى أو فقط لتزجية أوقاتها الفارغة ، في تعبئة شبكات الكلمات المتقاطعة ، علما أن معظم هذه الصحف الحرة منها والمستقلة تتلقى دعما ماليا يسيل له اللعاب من طرف الحكومة .