الأحداث المغربية
من منا لا يشعر بالحزن .. وهو بصادف أطفالا أو رضعا في عمر البراءة.. يجوبون الشوراع دون أن تعلوا وجوههم الابتسامة، لأنهم مرغمون على التنقل بين المارة والسيارات بهذه الشوارع، وهم لا يجيدون إلا كلمات استجداء الآخر.. وهم أطفال يتخذون من مدارات الشوراع الكبرى للدار البيضاء موطنا للعبهم.. لعب لا يعترف بطفولتهم، بل يحولهم في غفلة من قوانين حماية الأطفال وتجريم تشغيل الأطفال..
هؤلاء الأطفال وإن تم الاختلاف حول تسميتهم، إلا أنهم يرغبون بالذهاب إلى المدرسة والعودة إلى أحضان أمهاتهم لينالوا قبلة ويناموا مطمئنين ودافئين بالحنان. لكن الواقع المرير يقول بأن ما ينتظرهم قد لا يحقق أحلامهم، والملامح التي ستكسو وجوههم بعد سنوات قليلة هي تلك الملامح البائسة والقانطة ونظرة الصمت المتحدية والمستفزة على وجوهم بعيدا عن أسرهم، يحاولون الظفر بأكبر عدد من الدراهم.
أحلام هؤلاء الأطفال يتقاسمها أزيد من 23 ألف طفل وطفلة يمتهن التسول، أو يستغل من قبل بعض محترفي التسول كأداة لاستدراج عطف المتصدقين. أحلام لم تستطع الاستراتيجية الوطنية لمحاربة التسول التي أعدتها وزارة التضامن والمرأة والأسرة والتنمية الاجتماعية، أن تساعد أصحابها على تحقيقها. إذ يؤكد المسؤولون بالوزارة أن تراجع نسبة الأشخاص، الذين يحترفون التسول ” الأطفال، النساء، المعاقون،الشيوخ..” لن يتأتى أبدا بالقانون عبر «المادتين 326 و333 من القانون الجنائي، اللتين تعدان الإطار القانوني لمنع ظاهرة التسول، حيث لا تسمحان بشكل كاف بالقضاء الزجري والصارم على هذه الظاهرة» يوضح أطر وزارة التنمية الاجتماعية والأسرة والتضامن.
فبعد اعتماد العديد من البرامج من أجل الحد من ارتفاع أرقام ممتهني التسول، تظل القوانين الزجرية في مجال التسول عاجزة عن تحقيق تراجع في أعداد محترفي التسول، وتظهر نتائج هذه البرامج ضرورة مراجعة الإطار القانون الذي يمنع التسول، حيث تم إطلاق سراح من ضبطوا بسبب الفراغ التشريعي في هذا الباب. وتؤكد دراسات في هذا المجال أن 62 في المائة من المتسولين تتعاطى للتسول الاحترافي، مستغلة في ذلك الأطفال والمسنين والأشخاص في وضعية إعاقة.. كما أن الأرقام الصادرة عن وزارة التنمية الاجتماعية والأسرة والتضامن، تكشف عن أن العدد التقديري للمتسولين يصل إلى حوالي 200 ألف شخص، 48.9 في المائة ذكورا، و51.1 في المائة نساء، و62.4 في المائة منهم يمارسون التسول الاحترافي.
عجز البرامج عن تحقيق أهدافها، يجعل اليوم الآلاف من المتسولين يحتلون بشكل يومي الشوراع والأزقة، أبواب المساجد ومواقف السيارات، وتجدهم في الحدائق العمومية والمقاهي والأسواق، وفي المحطات الطرقية والمطاعم، وفي حافلات النقل الحضري، وفي مداخل الحمامات وفي الملاعب الرياضية، بل وحتى في أبواب المقابر.
فعلى مدار اليوم قد يستوقفك متسولون من مختلف الأجناس والفئات العمرية، كل يختار طريقته في التسول، فبعضهم يلجأ إلى الدعاء وقراءة القرآن، والبعض يتخذ القصة المؤثرة وسيلة لكسب عطفك، في حين يضطر بعضهم إلى إظهار أماكن إصابتهم بمرض أو ورقة شراء الأدوية، التي عجزوا عن توفير ثمنها لاستعطاف الناس. حكايات محترفي التسول التي لا تنتهي.. تقف وراء استعداد الفريق البرلماني للاتحاد الاشتراكي بتقديم مشروع قانون لتعديل القوانين المرتبطة بتجريم تسول الأطفال.
وبعيدا عن الأرقام.. وعلى خطى ضرورة سن قوانين زجرية، يذكر أنه تم توقيع دورية مشتركة بين وزارة التنمية الاجتماعية والأسرة والتضامن ووزارتي العدل والداخلية لإعمال القانون لمحاربة هذه الظاهرة، التى تنقسم إلى التسول للحاجة الذي يخص عددا قليلا من المتعاطين والتسول الاحترافي، إلا أن مضامين هذه الدورية لم تفعل بالشكل المطلوب، يقول مسؤول بوزارة التنمية الاجتماعية والتضامن، لتظل شوارع الدار البيضاء، فاس، تطوان، الجديدة، مراكش.. وغيرها من المدن المغربية، تعج بأعداد كبيرة من المتسولين.