هشام اعسيلة
في زمن كهذا من السنة الماضية اشتد المرض على فنانتنا الفقيدة عائشة مناف التي تسللت إلى قلوبنا بفنها الجميل و إحساسها المرهف ,مبدعة أخرى هذه الأيام تعيش نفس المآل و تموت في صمت كانت تسافر بنا في كل عمل تأديه إلى الزمن الجميل للمسرح المغربي إنها زهور المعمري ,فنانون آخرون اضطروا لتواري عن الأنظار للبحث عن لقمة العيش (و الله الرزاق) التي لم ينحها لهم الفن , و نحن نبكي كل يوم على مبدعينا , و مسرحنا المحتضر و موسيقانا التي في غرفة الإنعاش و سينما في الحضيض .
في الوقت الذي انطلق فيه مهرجان موازين وسط استنفار امني غير مسبوق و كأن الأمر يتعلق بأمن الدولة و المساس بمقدساتها و مع رفض المطالب التي تعالت من اجل إلغاء هذا المهرجان سواء على المستوى الشعبي أو في المنتديات والمواقع الإلكترونية و الهادفة الى إلغاؤه وإلغاء كل المهرجانات المماثلة، نظرا للتبذير غير المبرر للمال .
حيث تصرف فيه الملايير من أموال دافعي الضرائب دعما للفن بمختلف ألوانه و فنانين من كل بقاع المعمور , في مهرجانات تنفق من اجلها أضعاف ميزانية الوزارة الوصية على قطاع الثقافة و الفنون في المغرب لدى لا تعدو هذه المهرجانات أن تكون عنوانا للفساد الثقافي المرتبط بالفساد السياسي .
فهذه الملايين حري بها ان تنفق في دعم الفن المغربي و رجالاته في الوقت الذي يموت فيه الفنانون مرضا وجوعا و فقرا وقهرا , حيث باستطاعة هذه الأموال صنع ألاف من أيام العمل في القطاع الثقافي و الفني . فهل الأجنبي أحق بتلك الأموال؟ أم أن المهرجانات ليست سوى وسيلة لتهريب أموال الشعب إلى الخارج ؟ رغم أن المغرب هذه السنة اقترض حتى ألان أزيد من 300 مليون دولار من الخارج . و " يكفي ان نستمع الى تصريحات بعض فنانينا ممن دفعهم العوز إلى العمل خَدَمًا في المهجر لضمان قوت اليوم، أو الذين يأكلهم الفراغ وتنهكهم فاتورة المعيشة المضنية، ويدب في أوصالهم الموت حسرة على أرضهم التي ضاقت عليهم واتسعت لغيرهم , و كما يقول المثال المغربي"الطلاب يطلب و مرتو تصدق"[1] .
و في بحر حديثنا عن الفن المغربي سنخصص الكلام على أب الفنون و رموزه الذي يعيش هذه السنين أحلك أيامه , فبعد زهرة أيام المسرح الهواة المغربي خلال الستينات و السبعينات عندما كان الركح المغربي يغلي بأرقى العروض و يسمو بالفن المغربي للعلا و كان بحق صوتا للمغاربة و عنوانا ترجم من خلاله مهج جيل بكامله , كما اثبت ذلك الزمان علو كعب مبدعينا في هذا الفن الراقي رغم افتقار الفرق المسرحية لأدنى الإمكانيات المادية ,استطاعت أسماء أن تضع أسماءها مع النجوم بأعمال خالدة كانت كالشموس تضيئ الطريق نحو أفق بدا في أوله أكثر إشراقا فنذكر هنا عبد الكريم برشيد منظر المسرح الاحتفالي و المسكيني الصغير المسرحي و الزجال المناضل و .
لكن هذه التجربة النموذجية ما لبتت أن خمدت لسببين اثنين الأول موضوعي يتعلق بالحصار المخزني على العمل الفني بالتضييق على الجمعيات المسرحية و منعها من القاعات و التنكيل بالمبدعين بالزج بهم في السجون , و تخريب المسرح البلدي الذي شكل لمدة طويلة رئة المسرح المغربي و الثاني ذاتي نظرا لضعف التكوين الفني و شح الإمكانيات خاصة المادية منها و انسداد الأفق ....
و بعد صعود الاشعري خلال العشرية الأخيرة من القرن الماضي على راس وزارة الثقافة بدأ الحديث عن الدعم المالي للفرق المسرحية و انطلق المهرجان الوطني للمسرح بمكناس حيث شهدت الفترة حيوية ملموسة للركح المغربي . لكن الانتعاشة التي شهدها الفن المسرحي في نهاية التسعينات انتكست بعد تجلي أن الدعم المادي لبعض الفرق المسرحية في غياب مشروع ثقافي وطني متكامل لن يعطي أكله خاصة مع استمرار معاناة المسرحيين و خاصة الممثلين منهم الذين ظلت استفادتهم محدودة , بل أصبحنا نرى واقعا فنيا أكثر ركودا من جانب الفرق المحترفة التي يكتفي مدراؤها بالبحث عن توقيعات مدراء المركبات الثقافية ليحصلوا على الدعم , كما اننا نجد في مجموعة من الأحيان أن مدير الفرقة هو المخرج و المنتج و الدراماتورج و الممثل ... و في الأخير هو المستفيد ماليا .
في الوقت الذي يعاني فيه خريجوا المعهد العالي للفن المسرحي و التنشيط الثقافي من البطالة والتهميش رغم أن الانتاجات الدرامية و السينمائية قد تضاعفت خلال السنوات الأخيرة لكن المستفيد يكون هم أذناب الاخطبوط اللوبي المخزني الذين يعتبرون المجال الفني امتداد امتدادا للمشروع الرسمي و يحتكرون شركات الإنتاج الدرامية و بالتالي بقت دائرة الاستفادة محصورة في فئة من المحظوظين المتطفلين على القطاع بينما يعيش الممثل المسكين في الأكواخ و ما عليك الا ان ترقن" معاناة الفنانين المغاربة "على موقع اليوتوب حتى تتصبب عرقا من الوضعية المذلة التي يعيشها بعض الممثلين المغاربة .
فمئات الملايين من الدراهم يبذرها المركز السينمائي المغربي في دعم أفلام العري و الخلاعة و البذاءة الأخلاقية علاوة على الاختلالات التي يشهدها المركز بشهادة المجلس الأعلى للحسابات في تسيير هذه المؤسسة العمومية و التي يستنكرها اغلب الشعب المغربي في غياب أعمال فنية تعبر عن ذات المغاربة و تنطلق من هويتهم و أصالتهم و تحكي همومهم .
ليكون الخاسر الأكبر هو المشاهد المغربي و الفنان الذي يعيش الإقصاء و التهميش و هذه كلمة للفنان المسكيني الصغير أحد رموز العمل المسرحي المغربي في احد استجواباته "راهنيه المسرح المغربي تعيش العديد من المثبطات.تتمثل أولا في غياب سياسة ثقافية لدى الدولة المغربية من جهة.والدليل عما أقول أن المسرح الى حدود الساعة ما زال مغيبا تماما عن مؤسساتنا التعليمية
وغير معمول به على كل المستويات.مما يوضح.ان التعامل مع اب الفنون كثقافة وفن مازال معطلا.وهدا ما يؤثر سلبا على المسرح بشكل كبير وواضح. وضع يجعلك كمهتم وممارس امام غياب بنية تحتية مسرحية في جل المدن المغربية باستثناء البيضاء والرباط . اما العامل الثاني فيتعلق بفهم المسرحيين الخاطئ للممارسة المسرحية ولمطالبهم المفروض انتزاعها من الدولة.مما يجعلهم أمام اختلافات في غير محلها.وهو ما كرسته سياسة الدعم والترويج المسرحي التي أبدعتها وزارة الثقافة المغربية بامتياز.مما جعل التنافس ينحصر في الجانب المادي فقط.على حساب الجانب الإبداعي " .
لدى فلقد حان "الوقت لكي يتسع مجال المطالبة بصياغة سياسة ثقافية و إبداعية تضع نصب عينيها تطوير العمل الثقافي كأحد رهانات التغيير وحماية وضعية العاملين في هذا الحقل من مبدعين في كافة المجالات الثقافية ".
لكي نتجاوز الوضعية التي يوجد عليها الفن الدرامي المغربي و التي هي إلا انعكاس طبيعي للأوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي يعيشها البلد و أصلها الأساس هو الاستبداد .