"وإذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداع إذا دعان فليستجيبوا لي وليومنوا بي لعلهم يرشدون" [سورة البقرة، الآية 185].
ينبه الله عز وجل بأنه قريب من عباده؛ لأنه يتفضل فيجيب دعوات الداعين إذا دعوه عز وجل. كما أن رشد الناس في الآية الكريمة متوقف على استجابتهم له وامتثالهم لتعاليمه وإيمانهم به. وعليه ما على العبد إلا أن يجتهد في الدعاء بشرط مراعاته لآدابه، ومنها مراعاة سنن الله تعالى في خلقه وفي تدبيره لآيات الأنفس والكون والآفاق.
إن الداعي إذا دعا الله تعالى لا يقصد بذلك القفز على مقتضيات الفكر العلمي وتجاهل منطق وقوانين الوجود الدنيوي فيخرق الله تعالى سنن الخلق ويبطل قوانين الكون، -والله تعالى على كل ذلك قدير- وإنما يقصد الداعي أن يهديه الله تعالى إلى الطرق والأسباب التي جرت سنته وقوانينه بأن تحصل بها المطلوبات والرغائب المختلفة[1].
وعلى كل حال صيغ هذا التنبيه صياغة كلية وعامة[2]. نعم لا شك في ذلك، لكنه سيق في مقام مقالي قرآني تحدث الله من خلاله عن عباده الذي أكملوا عدة صيام شهر رمضان، وكبروا الله تعالى على ما هداهم إليه من الحصول على فضائله. قال تعالى: "ولتكملوا العدة ولتكبروا الله على ما هداكم ولعلكم تشكرون" [سورة البقرة، جزء من الآية 184]. وانطلاقا من هذا المقام تومئ الآية إلى أن الصائم مرجو الإجابة، وإلى مشروعية الدعاء عند انتهاء كل يوم من رمضان. أما المقام الحالي فيصوره سبب نزول الآية. والروايات هنا كثيرة: منها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان في غزوة وقد رفع أصحابه بالتكبير والتهليل والدعاء، فقال صلى الله عليه وسلم: "يا أيها الناس اربعوا على أنفسكم، فإنكم لا تدعون أصم ولا غائبا، إنه معكم، إنه سميع قريب، تبارك اسمه وتعالى جده" [صحيح البخاري، كتاب الجهاد والسير، باب ما يكره من رفع الصوت في التكبير، رقم الحديث: 2292].
والظاهر أن في المقام المقالي والحالي الذي سيقت في إطاره الآية الكريمة دليل على أدبين عظيمين من آداب الدعاء:
• يتمثل الأول في أسبقية الثناء على الدعاء. أعني أن الدعاء لا بد وأن يسبقه ثناء جميل يليق به سبحانه[3]؛
• ويتجسد الأدب الثاني في استشعار الداعي لله عز وجل أنه قريب منه، كما في نص الآية وفي غيرها من أمثال قوله تعالى: "ما يكون من نجوى ثلاثة إلا هو رابعهم" [سورة المجادلة، جزء من الآية 7]، وقوله: "وهو معكم أين ما كنتمّ" [سورة الحديد، جزء من الآية 4]، وقوله: "ونحن أقرب إليه من حبل الوريد" [سورة ق، جزء من الآية 16].
ومن اللطائف القرآنية التي تذكر[4] في شأن قوله تعالى: "فإني قريب". ومعنى ذلك أن الله تعالى لما كان شديد القرب من العبد حال الدعاء والسؤال حذف في اللفظ ما يدل على أي وساطة فتولى إجابته عن سؤاله بنفسه.
وقبل أن أضع القلم وأتهيأ للنظر إن شاء الله في آية أخرى من آيات الدعاء في الكتاب المجيد لا يسعني هنا إلا أن أقول مع سيد قطب رحمه الله: "إنها آية عجيبة.. آية تسكب في قلب المؤمن النداوة الحلوة، والود المؤنس، والرضى المطمئن، والثقة واليقين.. ويعيش منها المؤمن في جناب رضي، وقربى ندية، وملاذ آمن وقرار مكين"[5].