يُعد عبدالرزاق بنشعبان الشخص الوحيد على الصعيد العربي والإسلامي الذي استطاع أن يكون لعلامات عطوره حضور ضمن مكتبة "أوزموتيك" بفرساي، والتي تضم كنوز العطور العالمية، البالغ عددها 1500 عطر يمتد تاريخ أغلبها من القرن 14 إلى الآن.
ويقول بنشعبان، الأستاذ الجامعي الحاصل على دبلوم في علوم الأحياء والنبات، في مقابلة مع موقع "العربية"، إن ولعه العطري بالحدائق والعطور يعود إلى طبيعة الوسط الذي نشأ فيه، مراكش الحدائق وسوق العطارين الذي قضى به طفولته، يتمركز فيه حتى الآن العطارون التقليديون، "محلات عامرة بماء الزهر وماء الود، وبصناديق البخور والراتنج والصندل، روائح سحرها لا يقاوم ورعشتها لا تنام"، يضيف بنشعبان.
ويستحضر المتحدث، في السياق ذاته، علاقته بوالدته التي كانت ترسله إلى حي الملاح بالمدينة القديمة، ليقتني لها من عند العشابين ما تحتاجه في صناعة وتركيب مستحضرات معطرة و"كريمات" تساعد على تليين وتقوية شعر شقيقاته، أو تكون خاصة بالاستحمام، مؤكداً أن الأعشاب كان لها حضور دائم في بيت العائلة التي كانت تقطر الورد كل سنة.
ويشير صاحب علامة "مساء مراكش" إلى أن هذه الذاكرة التقليدية التي نمت في أحشائه وفي حناياه وفي مخيلته، (الحدائق والعطور)، ستقترن لديه بمجال البحث المعرفي العلمي، من خلال تخصصه في علوم الأحياء والنبات، وتحديداً النباتات العطرية، غير أن لقاءه مع إيف سان لوران وبيير بيرجي سيكون عاملاً أساسياً في تجربته المهنية والإبداعية.
وفي هذا الإطار يحكي عبدالرزاق أن سان لوران وبيرجي سيعهدان له بمهمة إحياء ما كانت تزهر به حديقة ماجوريل الشهيرة، وأن يعيد لها ألقها وبهاءها القديم، وذلك بمجرد حيازتها.
وهي فترة يقول عنها بنشعبان "إنها كانت غنية بالإبداعات وتبادل الأفكار، ففي يوم من الأيام طرح عليّ إيف سان لوران فكرة إحداث عطر مغربي يكون من توقيعي، فأجبته إنك بصفتك خبير فأنت المؤهل لخوض هذه التجربة، وبعد إصراره قبلت المغامرة".
أميرات من المغرب والخليج
مغامرة كانت حسبه محفوفة بالبحث والاجتهاد، وأخذ النصح من صديقه لوران، ليتمكن في الأخير من توقيع أول عطر مغربي مائة بالمائة، سمّاه "جردان ماجوريل"، أي حديقة ماجوريل، وكان ذلك سنة 2002 ، ليحثه بعدها على الاستمرارية، وفي السنة نفسها سيؤسس - كما جاء على لسانه - "دار عطور الشمس، لتتعدد بعد ذلك الابتكارات العطرية، التي تستحضر ثقافة المغرب وما يفوح به البلد من عبير، وتستلهم في إبداعاتها الأصيلة من عبق أريج بساتين مدن مغربية سُميت العطور بأسمائها كفاس وموغادور، وكازابلانكا".
ويوضح بنشعبان أن عطوره ذائعة الصيت، وهي 14 نوعاً، تباع في فضاءات سياحية وبمهرجانات دولية، وأن من ضمن عشاقها أميرات عربيات في المغرب والمشرق، قطريات، سعوديات، إماراتيات، وفنانات من عالم السينما والفن، اعتذر عن ذكر أسمائهن، وأشار إلى أنه يفضل أن يبيع قليلاً بسعر مرتفع على أن يبيع كميات كبيرة بسعر أرخص، ولذلك فهو لا يعتمد على الوسطاء كما هو الحال للعلامات التجارية العالمية.
ويعتبر أن هذا الاختيار يعبر عن قناعته، التي تروم التعريف بقيمة عطوره، التي يعتمد فيها على مواد طبيعية مائة في المائة، مبيناً أن قيمتها المادية تتراوح بين 40 و50 دولاراً، وهي مخصصة للنساء والرجال، كما كان عليه الحال في الثقافة العربية وحتى الأوروبية، التي لم تقم بهذا التقسيم – حسبه - إلا في سنة 1930، مع "كوكوشنيل" بخلفيات تجارية.
وأكد أن الرجال يحبون عطور النساء ويخجلون من استعمالها، وفي حالة استعمالها فإن هذا لا يقلل في نظره من رجولتهم؛ لأن العطر ارتبط - في رأيه - عبر التاريخ بمسائل قدسية، واستعمل في المعابد لتكريس الأجواء الروحانية.
وأعلن بنشعبان أن عطوره تنتمي إلى المدرسة الشرقية التي تعتبر راقية وسامية، لكنه يضفي عليها لمسة أوروبية، لتكون مثل معزوفة عربية بمقامات غربية، كما هو الحال لعطره الأخير، "العود أربعة فصول" والذي يقول إنه صنعه ليستعمله الخليجي والأوروبي.
ويتحدث بنشعبان عن جودة الورود المغربية مقارنة بالفرنسية والتركية، نظراً لعامل المناخ، وهو ما يجعل الكثير من المستثمرين الأجانب يؤجرون الأراضي لهذا الغرض، ولكنهم يركزون في نشاطهم على التصدير، من أجل تخفيض كلفة الإنتاج دون المساهمة في تطوير الصناعة المحلية، إضافة إلى تحويلهم لخيرات المغرب النباتية نحو الخارج من دون عائد مالي لخزينة الدولة، نظراً لغياب رقابة جدية من طرف الجمارك، ولسيادة الرشوة، وهو ما يأسف له.
عن (العربية)