أخبارنا المغربية
محمد بن الشريف
شكل انعقاد الدورة السابعة للجنة العليا المشتركة المغربية الموريتانية في أواخر شهر أبريل 2013 بنواكشوط، تحت إشراف رئيس الحكومة السيد عبد الإله ابن كيران والوزير الأول الموريتاني مولاي ولد محمد الأغظف، نقلة نوعية في مسار العلاقات الثنائية، وذلك بالتوقيع على 11 اتفاقية وخمسة برامج تنفيذية ومذكرة للتفاهم.
ويتقاسم الجانبان القناعة بأن الوضعية الراهنة للتعاون الثنائي لا ترقى إلى مستوى طموحات الشعبين ولا تعكس الإمكانيات والقدرات المتاحة، لذلك حرصا على أن يشكل اجتماع اللجنة، بعد انقطاع دام سبعة أعوام، خريطة طريق لتفعيل وتطوير العلاقات الثنائية ومنعطفا في مسار تعاونهما المشترك.
ودعا رئيس الحكومة والوزير الأول الموريتاني إلى الرفع من مستوى التبادل التجاري وتنويعه من خلال تنشيط دور المجلس المشترك لرجال الأعمال المغربي الموريتاني، نظرا لما يمكن أن يساهم به في تنمية هذا التبادل عبر خلق شركات مختلطة واستثمارات مشتركة.
وشدد السيد عبد الإله ابن كيران على ضرورة تنزيل مضامين هذه الاتفاقيات والبرامج التنفيذية على أرض الواقع لإعطاء مدلول حقيقي وعميق لنوعية العلاقات التي يجب أن تكون بين المغرب وموريتانيا.
من جهته، اعتبر الوزير الأول الموريتاني أن هذه الاتفاقيات والبرامج التنفيذية "ليست سوى لبنة نضيفها لصرح هذا التعاون الثنائي الذي يشكل إحدى دعائم مغربنا العربي الكبير، ومجال امتدادنا الاستراتيجي وتكاملنا الاقتصادي والسياسي الاجتماعي، الذي يتحتم علينا تفعيله من أجل البقاء في عالم صارت التكتلات والتجمعات الاقتصادية سمته الأبرز".
وهمت هذه الاتفاقيات والبرامج التنفيذية، على الخصوص، نقل الأشخاص والبضائع عبر الطرقات والنقل البحري والتعاون في مجالات التعليم العالي والبحث العلمي والثقافة والتعمير والإسكان وإعداد التراب والماء والصرف الصحي والنفط والغاز والشباب والرياضة والتكوين المهني.
ويرى الطرفان أن من شأن اتفاقية نقل الأشخاص والبضائع والعبور عبر الطرقات أن تسهم في إنعاش حركية النقل وتنشيط الشركات المغربية والموريتانية العاملة في مجال النقل الطرقي الدولي، إضافة إلى تشجيع المبادلات التجارية والثقافية وتنمية السياحة في المنطقة.
كما أن من شأن هذه الاتفاقية أن تعطي دفعا قويا للتبادل التجاري بين البلدين ولحركة تنقل الأشخاص في الاتجاهين خاصة وأن المغرب يشكل معبرا لموريتانيا في اتجاه أوروبا، فيما تشكل موريتانيا معبرا لغرب إفريقيا.
وتنفيذا لمضامين هذه الاتفاقية تم، مؤخرا بالرباط، التوقيع على اتفاقية لإحداث خطوط للنقل البري للمسافرين بين المغرب وموريتانيا يشرف على تسييرها القطاع الخاص ممثلا في شركتي (ستيام) و(سبراتور) المغربيتين وشركة (طيبة) من موريتانيا.
ولتدعيم المبادلات بين البلدين، اتفق الطرفان المغربي والموريتاني على حث الفاعلين في مجال النقل البحري على فتح خط بحري يربط بين الموانئ الموريتانية والمغربية، ذلك أنه يتم لحد الآن نقل الصادرات المغربية المتنوعة خاصة من المواد الغذائية الأساسية والخضر والفواكه عن طريق البر بواسطة الشاحنات.
كما أن التعاون بين المغرب وموريتانيا في مجالات النفط والغاز والماء والبيئة يعد واعدا ويتيح فرصا استثمارية هائلة في ثلاثة مجالات تمثل رهانا مشتركا وتحديا مستقبليا بالنسبة للبلدين.
وتم أيضا إحداث لجنة تقنية مشتركة بهدف دراسة السبل الكفيلة بتطوير وتنمية المبادلات التجارية بين البلدين، وتنسيق المواقف وتكثيف المشاورات في المجالين التجاري والاقتصادي داخل المحافل الإقليمية والمشاركة في المعارض المقامة في كلا البلدين وتنظيم أسابيع تجارية للتعريف بمنتجات البلدين وإمكانياتهما التصديرية.
وفي 11 مارس الماضي تم التوقيع في نواكشوط على مذكرة تفاهم لإحداث آلية للتشاور السياسي برئاسة وزيري خارجية البلدين أو من ينوب عنهما وكذا إحداث آلية للتحضير والمتابعة على مستوى الخبراء بالوزارتين.
واتفق الطرفان على تبادل المعلومات في ما بينهما بصفة منتظمة، والتشاور السياسي المتبادل بشأن القضايا المتعلقة بالسياسية الخارجية والدولية والإقليمية ذات الاهتمام المشترك.
كما تشمل مجالات التعاون بين البلدين عدة قطاعات حيوية من بينها التعليم والتكوين، إذ يخصص المغرب سنويا عددا كبيرا من المقاعد الدراسية والمنح للطلبة الموريتانيين لمتابعة دراستهم بمختلف الجامعات والمعاهد العليا المغربية، فضلا عن تقديم منح لطلبة موريتانيين لتلقي تكوينهم في مختلف التخصصات بمؤسسات التكوين المهني بالمغرب.
كذلك يشمل التعاون الثنائي قطاعات أخرى من بينها القطاع الفلاحي الذي يحظي باهتمام كبير من لدن الجهات المختصة بالبلدين، وذلك من خلال تقديم الخبرة المغربية في ميدان زراعة القمح وتطوير الثروة الحيوانية وإعادة تأهيل الأراضي الزراعية.
ويتضمن التعاون القطاعي أيضا ميدان الاتصالات من خلال مشروع ربط البلدين بالألياف البصرية الذي سيوفر للمستعملين خدمة عالية الجودة ويفتح آفاقا أرحب في ما يخص مستقبل تكنولوجيا المعلومات والاتصالات.
وتعد شركة الاتصالات الموريتانية - المغربية (موريتل) رائدة في مجال الاتصالات بتوفرها على أكبر شبكة للهاتف المحمول في موريتانيا (قرابة مليوني مشترك) تغطي مجمل التراب الموريتاني، وتمكن ما يربو عن 93 بالمائة من الساكنة من النفاذ للخدمات الأكثر تطورا سواء بالنسبة للهاتف المحمول أو الثابت أو الأنترنيت.
كما أن هذه المؤسسة مشهود لها برعاية الأعمال الخيرية والأنشطة الثقافية والرياضية في موريتانيا خاصة كرة القدم سواء على مستوى البطولة أو المنتخب الوطني، علما بأن الشركة استثمرت خلال السنوات الثلاث الماضية ما يزيد عن 26 مليار أوقية وستستثمر في السنة المقبلة 10 ملايير أوقية (أزيد من 290 مليون درهم).
وعلى مستوى المؤسسات المالية عزز التجاري بنك الوفاء تواجده بموريتانيا حيث بات من أهم البنوك على الساحة المالية بارتفاع عدد زبنائه إلى ما يقارب الثمانية آلاف مع توسيع شبكته حيث سيصل عدد الوكالات التابعة له إلى ثمانية في مارس 2014 سواء في العاصمة نواكشوط أو في بعض المدن الداخلية.
ويشمل التعاون بين البلدين مجالات الصحة والماء الصلح للشرب والتكوين المستمر للأطر الإدارية والشباب والرياضة، وأيضا التعاون بين المؤسسات التعليمية الجامعية وغيرها من المجالات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية.
ففي القطاع الصحي تربط البلدين علاقات وطيدة، ذلك أن العشرات من الطلبة الموريتانيين والأطر الطبية أو شبه الطبية تتلقى تكوينها أو تستكمله بالمغرب. كما أن عددا من الأطباء المغاربة يعملون بالمستشفيات الموريتانية خاصة في العاصمة نواكشوط، فضلا عن تولي أطر مغربية أخرى التدريس بكلية الطب بنواكشوط في بعض الاختصاصات غير المتوفرة لديها.
ونظرا لكون موريتانيا مقبلة على انطلاق أشغال هامة في مجال الهندسة والبنى التحتية والصرف الصحي، تم التوقيع، في أواخر نونبر الماضي بالرباط، على مذكرة تفاهم بين صندوق الإيداع والتدبير وصندوق الإيداع والتنمية الموريتاني حيث تعهد صندوق الإيداع والتدبير بتطوير أنشطته في مجال الدراسات والهندسة في موريتانيا في إطار الشراكة الاستراتيجية مع صندوق الإيداع والتنمية الموريتاني.
والأكيد أن القرارات المتخذة والاتفاقيات المبرمة تمثل منعطفا في مسار التعاون المشترك بين المغرب وموريتانيا استجابة لتطلعات شعبي البلدين على اعتبار أن "الماضي مثل والحاضر عمل والمستقبل أمل".