أخبارنا المغربية
إعداد : الخليل بوخال
شهد المغرب في السنوات الأخيرة تبني سياسة تعميرية جديدة أريد منها إخراج مجال التعمير من الركود الذي عرفه و الناتج عن الخلل الذي خلفه التباين الحاصل بين النمو الديموغرافي السريع و ما واكبه من إرتفاع سريع للعائلات الناشئة من جهة، و ضعف القدرة الشرائية جراء إرتفاع أسعارالعقار الغير مفهوم في المملكة من جهة أخرى.
هذه السياسة، وبعد فحص لحصيلتها بعد سنوات من التفعيل، رمت في النهاية إلى خلق سوق عقاري موازي للسوق الطبيعي القائم، عكس ما انتظره المغاربة و استبشروا به خيرا. فالدعايات التي اصطحبت الترويج لسياسة السكن الإجتماعي و الإقتصادي في بداية المشروع جاءت مخالفة للحقائق التي أفرزتها التنزيلات على الأرض.
فالدعاة لهذا المشروع في بدايته قدموا الأمر على أنه موجه إستثنائيا لطبقة معينة ضعيفة المدخول و محرومة من السكن، حتى ظن الكثير من الناس أن الأمر يشبه إلى حد بعيد المشاريع الإجتماعية التي سبقتنا إليها دول أوروبية عديدة بهدف حماية المستضعفين في الأرض من غول الغلاء الذي عرفه سوق العقار في ربوعها و في متروبولاتها على وجه الخصوصلكن الأمر لم يتم على نفس النحو.
فالولوج إلى هذا الصنف من السكن و الإستفادة من ميزاته لم يقتصر على الطبقة المحرومة من المجتمع، بل أضحى متوفرا لأي شخص بغض النظرعن حالته المادية { المدخول، إمتلاك سكن، ... } أو المدنية { متزوج أو عازب، عدد الأطفال، الإعالة، ... }، حتى صار الدافع الأساسي لإقتناء وحدات سكنية إقتصادية هو المضاربة فيها بهدف تحقيق الربح السريع و ليس توفير سكن لائق يراعي الظروف المادية للمستفيد. من تم فقد المشروع مصداقيته ليس في محتواه فحسب، بل وحتى في عنونته بالسكن الإجتماعي.
فأي هدف إجتماعي يرمي إليه هذا البرنامج بعد أن أصبح يتعذر على فقراء البلد الحصول على وحدة سكنية هم أمس الحاجة إليها بحجة نفاذها، في حين يملك ميسورين أكثر من وحدة في ذات المشروع. و أي طابع إجتماعي يطبع هذا البرنامج بعدما أصبح العديد من العائلات التي إلتجأت إلى البنوك لنيل نصيبها من حسنات هذا البرنامج مهددة بالإفراغ لعدم قدرتها على سداد القرض، و بالتالي العودة إلى المربع الأول في معركتها مع التشرد بعدما ظنت أنها تخلصت من كابوسه إلى الأبدلا ننكر أن الخوض من أساسه في تجربة السكن الإجتماعي في المغرب و الإنجازات المحققة لحد الساعة شيء إيجابي في المجمل.
لكن التغاضي عن إعادة النظر و مراجعة البرنامج بناءا على ما أفرزته سنوات التطبيق من عيوب و ما أملته النتائج المستخلصة من تحديات، ينذر بفشل ذريع للفكرة من أساسها، بل و ينذر بتكاثر العاهات التي أنتجها التمادي في تنفيذ هذا البرنامج في سيرته الاولى دونما تعديل أو تصحيح يخفف من الآثار السلبية المفرزة و التي أصبحت تهدد تماسك المجتمع و تتطلب مبالغ ضخمة لمحو آثارها مستقبلا { الإقصاء الغيتوهاتي، الجريمة المنظمة، إنتشار الأوبئة، التهديد البيئي، ... ألخ
على المسؤولين و في مقدمتهم وزير الإسكان و التعمير إعادة هيكلة برنامج السكن الإقتصادي و الإجتماعي أولا قبل الإنصباب في إعادة هيكلة الأحياء و المدن التي خلفها هذا البرنامج و التي تفتقر إلى أبست مقومات العيش الكريم .
فبالنظر إلى أعتى سياسات السكن الإجتماعي و أنجعها عالميا ـ الكلام هنا على مدينة فيينا التي توجت للمرة الثانية كافضل مدينة للعيش حيث يرجع الفضل في ذلك لنجاعة سياساتها الإجتماعية خصوصا في مجال السكن و المواصلات ـ سنخرج بفارقين إثنين، لهما بالغ التأثير في ضمان مصداقية و نجاح أي مشروع إجتماعي سواء سكني أو غيره
ـ أولا: شروط الإستفادة: الإستفادة من مسكن إجتماعي في فيينا يتطلب شرطين أساسيين واضحين لا لبس فيهما. الأول هو المدخول السنوي للمجموعة المستفيدة، فمدخول العائلة التي تتطلع للإستفادة من البرنامج لا ينبغي أن يتخطى مبلغا محددا و معمما.
الجدير بالذكر في هذا الباب هو أن الدولة تعرف المستفيد على أنها المجموعة ـ العائلة ـ التي ستسكن تحت سقف الوحدة السكنية، كما أن العقود تبرم مع جميع الأفراد المستفيدة و البالغة سن الرشد من زوج و زوجة و أم و أب ....
هذا الإجراء يقطع الطريق على الأفراد المتمتعة بإعالة من الولوج إلى البرنامج. الشرط الثاني و الواضح كذلك للإستفادة من سكن إجتماعي هو عدم توفر كل أطراف العائلة على مسكن في ملكيتهم. هذا الشرط يقطع الطريق على المضاربة الربحية في الوحدات السكنية أو إستخدامها لأغراض تجارية كالكراء أو فتح مكاتب.
و فيما يتعلق بإظفاء صبغة "لائق" على الوحدات السكنية المنشأة، تجعل حكومة فيينا ـ بخلاف المغرب ـ من مساحة المسكن أهم معاييرها بجانب جودة مواد البناء المستخدمة و الخدمات المحيطة بإعتبارهما أمرين محددين في قوانين تفرض على الجميع الإمتثال لها سواء في إطار السكن الإجتماعي أو خارجه.
فلا مدخول العائلة و لا المقاولة المنشئة هي التي تحدد مساحة المسكن الذي يجب أن تتمتع به عائلة ما. بل عدد أفراد العائلة هو المعيار الأساسي الذي ترتكز عليه السلطات المحلية في تحديد المسكن المطلوب. لهذا السبب تتوفر أغلب المشاريع السكنية الإجتماعية في فيينا على مساحات مختلفة من صغيرة و متوسطة و كبيرة لإتاحة الفرصة لمختلف أحجام العائلات من الإستفادة.
هذا الشرط السالف الذكر يعتبر الغائب الاكبرفي برنامج السكن الإجتماعي المغربي. و بالتالي أصبحت وزارة الإسكان في المملكة بموجب هذا البرنامج المكرس الأساسي للسكن الغير الائق للأسف الشديد ـ ثانيا: صاحب المشروع: كل من يتبع المساطير الإدارية المتعلقة بالحصول على وحدة سكنية في إيطار برنامج السكن الإجتماعي في فيينا سيلاحظ أن كل المعاملات و التفاهمات و الأداءات و العقود تتم مع طرف واحد ألا و هو الدولة ممثلة بمجموعة من المؤسسات الحكومية ذات الإختصاص. فدور الشركات الخاصة في خضم هذا البرنامج يقتصر على إنجاز المشاريع من إنشاء و تجهيز فقط. و بالتالي فلا تربطهم أي صلة بالمستفيدين لا من بعيد و لا من قريب.
فزبونهم هو الدولة، و حصولهم على العقود يتم عن طريق طلبات عروض تحكمها قوانين دقيقة تضمن الشفافية و تحفظ المنافسة الشريفة. هذا الأمر يقبله العقل بل و تقبله الفطرة كذلك. فالهدف الأسمى من هذا النوع من البرامج إجتماعي محض، و بالتالي فالراعي للمشروع لا ينبغي أن يطمح إلى تحقيق الأرباح المالية، وبالتالي لا يمكن أن يكون صاحب المشروع إلا مؤسسة حكومية، و ليس بأي حال من الأحوال مقاولة أو شركة خاصة تجعل من تحقيق الربح السريع أسمى أهدافها، بل وسبب وجودهافي المغرب، أوكلت مهمة تدبير مشاريع السكن الإجتماعي و الإقتصادي إلى مقاولات ربحية صرف، في تنكر فاضح لمسؤولية الدولة في حماية الشرائح المعوزة من غول المضاربات و الإحتكارات، و من قبلهم حماية مشروع إجتماعي هو من صلبها، فكرة و مبادرة
محمد
الجديدة
لا أحد ينكر بالمجهودات الجبارة التي بدتتها الدولة في مشاريع السكن الإجتماعي , غير أن الشركات العقارية المكلفة بتنفيد البر نامج أفسدت الأهداف الاساسية للمشروع’ وذلك بسبب الحيل التي اختلقتها لابتزاز المواطن الضعيف . فمن النوار الذي يختلف من نوعية العقار وقد يصل إلى أكثر من 200000 درهم إلى إخفاء الشقق ذات المواقع الجيدة بدعوى نفاذها إلى إمكانية تخلي بعض المستفيدين المقتنين لهذه الشقق من أجل الربح في إعادة بيعها ويكون المواطن بين حاجته الماسة لإيجاد سكن إلى شبح المديونية التي تفوق قدرته المادية جراء دفع المصاريف الزائدة وفوائد الأبناك زد التأمين ومصاريف التسجيل والمحافظة العقارية ليجد نفسه في الأخير عاجزا عن أداء مابذمته فتكون الكارثة. وإذا ما استطاع أن يصمد لهذه الضغوط فستكون على حساب تربية أبنائه وحرمانهم من أبسط الضروريات في الحياة فتصبح نعمة السكن نقمة. لماذا لم تشجع الدولة العقار المعد للكراء ليتمكن عدد كبير من دوي الدخل المحدود من إيجاد سكن في المتناول دون تقديم تضحيات تفوق إمكانياتها المحدودة.