أخبارنا المغربية
بقلم: ذ. محمد غربي
يبدو أن جنرالات الجزائر مازالوا يبرون بقسمهم، في معاكسة كل خطوات المملكة المغربية من أجل إرساء السلم و الأمن بممطقة الساحل و الصحراء بإفريقيا، و لو على حساب تفجير الوضع الأمني و نسف الإستقرار بدولة جارة و شقيقة مثل مالي، فمن يتتبع التحركات الجزائرية بالمنطقة لا بد أن يلحظ أنه بمجرد ما استفاقت الجارة الجزائر من سكرة الانتخابات الرئاسية التي كرّست عهدة رابعة للرئيس بوتفليقة، حتى أوفدت وزير خارجيتها رمطان العمامرة إلى كل من موريتانيا و بوركينا فاسو ثم مالي، و الهدف من وراء هذه الجولة هو احتواء الدور المغربي الناجح في إقرار السلم و الإستقرار بدولة مالي الشقيقة و مسح آثار زيارة العاهل المغربي لهذا البلد الجريح كما يردد الإعلام الجزائري ، أو بالأحرى التشويش عليها.
فالمتتبع للأحداث بمالي سيخلص لا محالة إلى أنه بمجرد أن وطأت رجل الوزير الجزائري تراب الجمهورية المالية يوم الجمعة 16 ماي حتى ابتدأت المشاكل بهذا البلد، حيث اندلعت أعمال عنف و اشتباكات قتل فيها العشرات في مدينة "كيدال" ثم "غاو"، و أدّت إلى تلقي الجيش المالي لهزيمة قاسية على يد المجموعات المسلحة الأزوادية .
هذه الاشتباكات كان من الممكن تجنبها لو لم يعلن الوزير الأول المالي "موسا مارا" عن نيته التوجه "لكيدال" شمال مالي رفقة وفد حكومي مكون من أكثر من ثلاثين شخصا، حيث بمجرد الإعلان عن الزيارة حتى اندلعت احتجاجات شعبية عارمة رافضة لها و منددة بها. هذه الاحتجاجات واجهها الجيش المالي بإطلاق أعيرة نارية، قبل أن يتحول الأمر إلى مواجهات مباشرة بين الجيش المالي و المجموعات المسلحة الأزوادية انتهت بمقتل نحو 40 عسكرياً مالياً و جرح خمسين آخرين و أسر العشرات حسب ما أعلن عنه متحدث بإسم المجموعات المسلحة الأزوادية.
و في قراءة سياسية لهذه الأحداث يتبين جليا أن توقيت الإعلان عن زيارة الوزير الأول "موسا مارا" لكيدال كان خطوة غير مدروسة خصوصا في ظل الوضع الأمني الغير مستقر بالمنطقة و التي تعرف أصلا هدنة هشة، زيارة لم ترى فيها الأطراف الأزوادية سوى أنها مجرد استفزاز لهم من طرف حكومة "باماكو" في الوقت الذي كان يتحتم على هذه الأخيرة إطلاق مفاوضات حول الوضع النهائي "لأزواد" من أجل تحقيق استقرار دائم و قائم على أرضية صلبة بما يراعي مصالح جميع الأطراف و يحقن دمائهم.
و السؤال الذي يطرح نفسه بشدة هنا، هو : من أشار على الرئيس المالي و حكومته بالقيام بمثل هذه الخطوة الغير محسوبة العواقب؟؟ و ماهي الضمانات التي تلقاها الماليون من أجل الإقدام على ذلك؟؟ خصوصا إذا علمنا أن "رمطان العمامرة " وزير خارجية الجزائر ما فتئ يدغدغ مشاعر السلطات المالية بكلام معسول لكنه مدسوس بالسم من قبيل ضرورة بسط السيطرة على الشمال و لو بالقوة، احقاقا لمبدأ سيادة الدولة على كامل ترابها، و حيث صرح غير ما مرة "أنه من صلاحيات الرئيس المالي أن يفرض سلطته و أن يكون الحوار المالي - المالي تحت رعايته احتراما للسيادة المالية، و داعيا لإجراء مشاورات استكشافية بين الحكومة المالية والطوارق في الشمال في هذا الشأن لتنتهي بحوار رسمي حول طاولة تجمع جميع المتفاوضين برعاية الرئيس المالي في باماكو"،
فالواضح جدا أن الجزائر أرادت أن تدير المفاوضات "المالية – الأزوادية" من منطلق فرض الأمر الواقع على الأزواديين، مستعينة في ذلك بوساطة موريتانية بوركينابية، و عبر توجيه خاطئ و مضلل للقيادة المالية من خلال ما أسمته "اللجنة الثنائية الاستراتيجية الجزائرية المالية حول شمال مالي"، مستندة في ذلك كله على اتفاق أولي كانت الأطراف المالية قد وقعته في الجزائر قبل سنوات هذا الإتفاق الذي سبق و أن أظهر فشله الكبير لا زالت الجزائر تصر على أن يكون أساسا وحيدا للحوار في المستقبل. الجزائر التي برغم الإمكانيات العسكرية و المالية ،التي تتوفر عليها و برغم " الثقل " الإفريقي الذي تزعمه لم تستطع حتى حماية ترابها من التهديدات الإرهابية التي تضربها في العمق و لازالت تداعيات عملية مجمع الغاز "بتقنتورين" شاهدة على ذلك، بل لم تستطع إلى حدود كتابة هاته السطور تحرير دبلوماسييها المختطفين شمال مالي، منذ 2012 بالمقابل لم يستحي وزير خارجيتها "رمطان العمامرة" و هو في مالي أن يصرح لوسائل الإعلام أن بلاده " ملتزمة بشكل كبير بالتعاون مع القوات المسلحة المالية و متحدثا عن الجهود التي بذلت من أجل تأهيل هذه القوات المسلحة”، و "أن الجزائر قدمت مساهمة لم تكن هينة ولا ثانوية وإنما كانت معتبرة” .
خلاصة القول يجب على الماليين أن يراجعوا أنفسهم و يقطعوا في اختياراتهم بين وساطة سياسية تروم فعلا إحلال السلم و الإستقرار المبنيين على أسس سليمة و أرضية صلبة في بلدهم و مرتكزة على شراكة حقيقية تستلهم قوتها من الشرعية الدينية و التاريخية و تجعل من مبدأ التعاون "جنوب – جنوب" منطلقا لخلق تنمية شاملة و مستدامة على جميع الأصعدة، و بين وساطة أساسها الحُقن المالية الملوثة بهوس سياسة جزائرئية قائمة على تأزيم الأوضاع ببلدان الجوار و التي لم تجن عليهم سوى الويلات و التشتت . و الوضع الراهن في كيدال و غاو خير دليل.
عبدالله
خوف شعبك يتبعك
ما فتئ حكام الجزائر ينهجون سياسة - خوف شعبك يتبعك -مستغلين مشاكل جيرانهم لاعبين احيانا دور الوسيط واحيانا دور الاطفائ. .