حاميد أعرور
*أعطيني تقطيعا انتخابيا ونمط اقتراع أعطيك خريطة سياسية على المقاس*،مقولة مأثورة* للبيك وليد جنبلاط * التي صرح بها بمناسبة الإعداد للانتخابات النيابية الطائفية بلبنان أواخر التسعينات .المغرب اشتهرت فيه وزارة الداخلية بتزوير الانتخابات منذ إنشاء حزب الدفاع عن المؤسسات الدستورية، واستمر هذا التزوير الفج والمباشر بتغيير محاضر مكاتب التصويت بداية والانتقال إلى المكاتب المركزية والإقليمية فيما بعد،إلا أن المرحلة التي ساد فيها الراحل * ادريس البصري* تميزت بالانتقال إلى نهج التزوير الممنهج المعتمد أساسا على التوافقات القبلية للأحزاب الكبرى على النتائج ، وهي الفترة التي تميزت بتجاذب سياسي بين حزب الاتحاد الاشتراكي وذيوله من الأحزاب الصغرى المحسوبة على صف اليسار وبين *مطبخ* وزارة الداخلية آنذاك،خاصة حين تنقلب هذه الوزارة على النتائج الموعودة سلفا.
هذا الصراع سيطال فيما بعد حزب الاستقلال في الثمانينات مع وزارة الداخلية التي تحولت إلى أم للوزارات بهيمنتها على جميع القطاعات، بخلق مجموعة من المديريات والأقسام شملت كل القطاعات الوزارية الأخرى، ليعلن حزب الاستقلال تحالفه مع الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية ومنظمة العمل الديمقراطي الشعبي وحزب التقدم والاشتراكية في إطار ما أصطلح عليه الكتلة الوطنية الديمقراطية.هذا التحالف الذي توج بطرح مشروع لتعديل الدستور والتراجع التكتيكي لوزارة الداخلية عن الهيمنة المستفردة المباشرة على ملف الانتخابات منذ سنة 1992 وإعلان السكتة القلبية في خطاب الراحل الحسن الثاني، الذي طلب صراحة من أمحمد بوستة قيادة حكومة تناوب منذ سنة 1994 ، في محاولة لتجاوز الأزمة السياسية والاقتصادية التي أشهرتها المؤسسات المالية الدولية المانحة ، إلا أن هذا الأخير تمسك بقرار الكتلة كحلف لا بديل عنه وبضرورة القيام بتعديل دستوري يقر بصلاحيات للوزير الأول وإجراء انتخابات وفق معايير معينة تسمح بمباشرة التناوب التوافقي.
بعد الاستفتاء على الدستور سنة 1996 أجريت الانتخابات البرلمانية سنة 1997، انتخابات استمر فيها منطق التوافقات القبلية على النتائج على أرضية * الكوطا الانتخابية *، إلى درجة أن نائبين من حزب الاتحاد الاشتراكي رفضا علنا وجهرا نجاحهما ويتعلق الأمر *بمحمد حفيظ* و*محمد أديب* عن نفس الحزب والذين صرحا علنا : لا نريد أن نكون برلمانيين مزورين.وحسب تقدير البعض فإن إعلان النائبين رفضهما للنتائج أتى في سياق ضغط حزب الاتحاد الاشتراكي على القصر في شخص عرابه إدريس البصري للوعد بالاتفاق القبلي بتعيين حكومة التناوب علما أن هذه الوزارة عرفت دوما بنسج التوترات بنقض الوعود عبر التاريخ السياسي بالمغرب.
تم تعيين السيد عبدالرحمان اليوسفي وزيرا أولا لحكومة موسعة شملت أحزاب الاتحاد الاشتراكي وحزب الاستقلال والتقدم والاشتراكية وجبهة القوى اليمقراطية والحزب الاشتراكي الديمقراطي المنشق عن حزب منظمة العمل الديمقراطي الذي رفض التصويت بنعم على الدستور وحزب الحركة الوطنية الشعبية وحزب الاتحاد الديمقراطي ، وفي المقابل تم خلق حزب العدالة والتنمية من داخل قبة البرلمان بتحالف بين الاسلاميين وحزب الشورى والاستقلال بقيادة عبدالكريم الخطيب، كحزب فرملة للقيام بدور المعارضة من جهة وكورقة تستعملها وزارة الداخلية للتصدي لكل مبادرة قد تنحو نحو العلمانية من جهة أخرى.
مرت تجربة حكومة التناوب بما لها وما عليها من محاسن و مساوئ ،استعمل فيها الفصل 19 من دستور 1996 بضراوة ،ومرت انتخابات 2002 تم الانقلاب بعدها دستوريا على الشرعية الديمقراطية بذريعة عدم حصول توافق على تعيين وزير أول من الاتحاد الاشتراكي/ رغم إعلان حصول هذا الحزب على المرتبة الأولى،مرحلة أيضا تميزت بتوافق قبلي بين حزب العدالة والتنمية ووزارة الداخلية على تحديد نصف الدوائر الانتخابية وطنيا حددت فيه الدوائر المسموحة لترشح أعضاء من هذا الحزب ، بذريعة أن مرحلة اكتساح هذا الحزب ليست في مصلحة البلد؟؟؟؟علما أن وزارة الداخلية تتحكم في القواعد الانتخابية لحزب العدالة والتنمية عن طريق استعمال الزوايا التي تستفيد من دعم الدولة والأوقاف، على رأسها الزاوية البوتشيشية كمثال.
لقد تمكنت وزارة الداخلية فيما بعد احتواء جميع الأحزاب بعد إضعافها فوضعت تقطيعا انتخابيا على المقاس واعتمدت نمط اقتراع لا يسمح ولن يسمح بهيمنة هذا الحزب أو ذاك،تقطيع ،نمط انتقل من المغرب من مرحلة إرضاء الأعيان إلى مرحلة إرضاء *أصحاب الشكارة* حسب تعبير الشارع المغربي أي هيمنة المال وشراء الذمم.
المغرب الآن في مفترق الطرق:لقد انتفض الشباب المغربي وواهم من يستصغر من هذا الحراك الاجتماعي لحركة 20 فبراير ،هذا الحراك بمختلف تكسيراته وتلويناته التلقائية ،رغم محاولة الاحتضان والاحتواء، أشبه في نظري بكرة الثلج المتدحرجة التي قد تتحول يوما إلى جلمود قد يأتي على الأخضر واليابس، في غياب إصلاح سياسي حقيقي قد يقطع مع هذا الماضي الماكر، علما أن بعض الأحزاب انتقدت الأساليب التي استعملها وزارة الداخلية في التصويت على الدستور الحالي، واستمرار هذه الوزارة في الهيمنة على ملف الانتخابات والتقطيع الانتخابي، في تعارض صريح مع مقتضيات الدستور الجديد، أمام ضعف الشخصية السياسية* لرئيس الحكومة الحالي* الذي لم يحرك ساكنا أمام تمادي أم الوزارات في التحكم في مصير الإرادة الشعبية . المغرب في حاجة إلى الانتقال إلى ديمقراطية حقيقية عوض نهج ديمقراطية المقالب، نعم ديمقراطية تسمح بترجمة الإرادة الحقيقية للناخبين عوض تشتيتها شكلا، المغرب في حاجة إلى ديمقراطية العمق لا ديمقراطية فكفى من سياسات الضحك على الذقون ومصادرة القرار الشعبي بخلق فخاخ انتخابية تزج بالأغبياء منا في متاهات نتائجه مخطط لها سلفا.
وليد
كلما قلته صحيحا واظن ان الامور متحكم فيهامن خارج البلدولهذا نجد انفسنا نصوت على دمى يسيرها الغرب بجهاز التحكم عن بعد