«عاودوا تَراسِيو هاديك الجهة راها تْمحات» يحث رشيد 42 سنة، رئيس اللجنة المنظمة لدوري رمضان بسيدي مومن، شابين متطوعين على إعادة رسم بعض خطوط ملعب سيدي مومن المترب والكائن بشارع الأدارسة بالبيضاء، الذي انمحت خطوطه بتوالي المبارايات، تسهيلا لمهمة الحكم٠الساعة تشير إلى الخامسة والنصف مساء. بقي على موعد المبارة حولي نصف ساعة، جماهير الحي لم تثنها الحرارة عن الحضور مبكرا وبكثافة للإحاطة بملعب الحي.
رشيد الذي يعمل مدرسا، استغل فترة عطلته لتنظيم دوري رمضاني لشباب الحي، الذي يعد مجالا ترفيهيا يمتد طيلة شهر الصيام، بعيدا عن روتين إدمان مشاهدة التلفاز أو الدردشة بالمواقع الاجتماعية لساعات طويلة٠
كعادته يحرص رشيد على أن يكون كل شيء جاهزا قبل المباراة. الكرات، أقمصة الفرق، تفقد سلامة شباك المرمى، إعادة رسم خطوط الملعب، وانتداب حكم من أبناء الحي، الذي يجب أن تتوفر فيه قوة الشخصية لفرض قراراته التي قد تصطدم بأهواء البعض٠
إقبال من مختلف الأعمار
الأستاذ رشيد كما يناديه البعض، له باع طويل في تنظيم دوريات كرة القدم في رمضان. إذ يحرص كل سنة قبل شهر رمضان بأسبوعين على الأقل على وضع اللمسات الأخيرة على الدوري قبل الإعلان عنه. إعلانات تجدها أينما حللت بسيدي مومن الجديد: المقاهي، الهواتف العمومية٠٠٠، كما أن الخبر ينتشر بين صفوف شباب الحي بسرعة البرق، بعد ذلك يبدأ رشيد في استقبال الفرق المشاركة وتسجيل أسماء المشاركين وتحصيل مبلغ المساهمة البالغ 20 درهما لكل لاعب، ليتم الإعلان عن برنامج المباريات٠
هذه السنة يشارك 16 فريقا كل فريق يضم 8 لاعبين. الفرق انتظمت في أربع مجموعات. كل مجموعة تضم أربعة فرق، يتأهل عن كل مجموعة فريقان، حيث ينازل متصدر المجموعة “أ” ثاني المجموعة “ب”ومتصدر المجموعة “ب” يلعب مع صاحب المركز الثاني في المجموعة “أ” وهكذا دواليك.
جو تنافسي
المساهمة التي يدفعها اللاعبون لقاء الاشتراك، ليست غاية في حد ذاتها، وإنما هي وسيلة لخلق جو تنافسي بالدوري، إذ أن المبالغ المتحصل عليه من المساهمات تخصص لشراء جوائز للفريق الفائز، تكون عبارة عن كؤوس وبذل ولوازم رياضية، يتم اقتناؤها من زنقة بني مكيلد بحي بوشنتوف بدرب السلطان، الشهيرة بوجود محلات متخصصة في بيع اللوازم الرياضية، يصرح رشيد٠
في تمام الساعة السادسة، أعطى الحكم انطلاقة المباراة بعد بحث مضن عمن يتطوع للتحكيم، إذ لم يتجرأ أحد من أبناء الحي من الحضور على أن يكون حكما للمباراة، خاصة أن أعضاء الفريقين هم أيضا من أبناء الحي، ويكرهون أن تلتصق بواحد منهم تهمة ترجيح كفة فريق عن آخر٠
لصعوبة اللعب في الصيام، قرر رشيد ومن معه من المنظمين أن تكون مدة المباريات ساعة كاملة مع احتساب الوقت بدل الضائع٠ طرفا مباراة اليوم فريق مكون من أصحاب محلات للأكل الخفيفة، المنحدرين جميعهم من تارودانت، و فريق إقامة زينب” المكون من طلبة وبعض العاطلين. بين الحين والآخر تتعالى صيحات الجمهور إعجابا بلقطة فنية يبتدعها أحد اللاعبين٠
أغلب المشاركين في دوريات رمضان من فئة الشباب ، خاصة الطلبة منهم ، والعاطلون أيضا ، الجامع بينهم جميعا حب كرة القدم ، والبحث عن تصريف ساعات يوم الصيام الطويلة٠
الكهول بدورهم لهم مكان ضمن المشتركين بالدوري، فالحاج عباس المتقاعد الخمسيني، يتحامل على نفسه ويشارك سنويا في دوريات رمضان، رغم تحذيرات زوجته المتكررة، إلا أنه لا يستطيع الابتعاد عن الميادين، وجاء لمتابعة مباراة اليوم لمعرفة خصم المباراة القادمة، الذي سيكون فريق “إقامة زينب” الفائز على فريق”تارودانت”. هذا الأخير استمات إلى آخر لحظة من أجل التعديل معولا على اللياقة البدنية للاعبيه وسرعتهم ، غير أن خبرة فريق “إقامة زينب ” مكنته من حسم النتيجة في الوقت بدل الضائع بهدف مباغت.
البرنوصي مشتل المواهب
غير بعيد عن سيدي مومن، مشهد آخر يتكرر سنويا في حي “بلوك فريد” بسيدي البرنوصي، إذ يقام كل رمضان دوري رمضاني يشارك فيه شباب المنطقة، التي يحمل ناديها اسمها ” الرشاد البرنوصي ” الممارس بالقسم الوطني الثاني. فريق يعتبر مزودا للفرق الوطنية بالمواهب الكروية، حيث أنجب لاعبين كبار كـ: يوسف السفري، بوشعيب المباركي، هشام اللويسي٠٠٠
ملعب “بلوك فريد” الاسفلتي ليس واسع المساحة كملعب سيدي مومن، فهو يُتخذ مربدا للسيارات، ورغم ذلك فإن سكان الحي من الشباب عملوا على وضع مرمى متحرك يثبث بالأرض متى أرادوا إجراء المباريات، فدوري “بلوك فريد” يستقطب متفرجين من جميع أحياء البرنوصي، الكل يحضرمبكرا حاملا كرسيه لحجز مكانه، خاصة وأن محيط الملعب محدود المساحة٠
عبد الفتاح اسطالب 26 سنة مطور برامج، جاء هذه المرة إلى ملعب “بلوك فريد” كمتفرج، بعدما كان يقصده كحارس رفقة فريقه، يتذكر جيدا عبد الفتاح كيف كان هذا الملعب انطلاقة للعديد من اللاعبين الذين لعبوا رفقته كوسام البركة لاعب أولمبيك خريبكة، وزكرياء الجوهري لاعب الرجاء وهشام العمراني المنضم حديثا إلى الوداد. يحكي عبد الفتاح كيف كان يتم ضبط بعض لاعبي الرشاد البرنوصي المشاركين في دوري رمضان خلسة لتكون النتيجة هي تعرضهم للتوقيف من طرف مدربيهم مؤقتا، إذ اللعب في أرضية إسفلتية يدخل في خانة المحرمات، حفاظا على لياقتهم البدنية وجاهزيتهم٠
في تمام السادسة انطلقت مباراة اليوم التي انتظرها شباب ” بلوك فريد” طويلا، إذ ستجمع فريق حيهم، بفريق الحي المجاور ” المعاكيز”. الندية دائما تكون حاضرة نظرا للمستوى الجيد للفريقين، حيث إن أحياء البرنوصي تشكل خزانا للمواهب الكروية، مواهب يمكنها التوقيع على مسار كروي لامع إن عرفت طريقها إلى صقل موهبتها في مدرسة الرشاد البرنوصي٠ يحكي أحمد48 سنة موظف، كيف اكتشف ابنه ذي الست سنوات، وهو يلعب مع أقرانه في الحي من طرف بعض مؤطري الرشاد البرنوصي، الذين حاولوا إقناعه بتسجيل ابنه في مدرسة الرشاد كي يصقل موهبته، فما كان منه إلا أن استجاب أمام إلحاح وحماس الصغير.
استطاع شباب ” بلوك فريد” التفوق على شباب “درب المعاكيز” بستة أهداف لخمسة، مايعني أن مستوى الفريقين كان متقاربا، أهدف رائعة استمتع بها الجمهور، الذي لم يندم على إضاعة ساعة من وقته الرمضاني واستمتع برؤية لقطات فنية تضاهي ما يشاهدونه في دوريات أروبا٠
بحي سيدي سيدي مومن والبرنوصي، وجل أحياء البيضاء، الجمهور يتوحد قبل الإفطار حول مائدة كروية تمنحها دوريات رمضان، دوريات أبطالها شباب موهوبون يصنعون الفرجة، وقد يصنعون مسارا كرويا لامعا إن وجدت هذه المواهب من يرعاها ويشد بيدها نحو الاحتراف٠
حكام دوريات رمضان لا يستعملون صفاراتهم سوى مرة واحدة عند إنطلاق المباريات، أما الختم فتتكفل به مآذن المساجد إيذانا بانتهاء المباريات، وانتهاء يوم الصيام، ضاربين موعدا جديدا للجمهور في يوم آخر ومباراة جديدة أبطالها صناع مغمورون للفرجة الكروية.
أنس بن الضيف (صحافي متدرب)