سعيد الناصيري يكشف المستور حول مصاريف علاج الفنان الرّاحل محمد الخلفي

حزب الحركة الشعبية ينتقد الحكومة بسبب قرارتها الأخيرة ويعلن التحاق التكتل الديمقراطي

جزّارون في طنجة يستنكرون غلاء أسعار اللحوم

مأساة.. سيدة مسنة تعاني من الزهايمر تبحث عن عائلتها في طنجة

في أول أيام فصل الشتاء.. أمطار الخير تزين شوارع مدينة تطوان

أخنوش: نعول على مواكبة محطة الصويرة موكادور السياحية للأحداث الكبرى المقبلة ببلادنا

حتمية التحول الديمقراطي

حتمية التحول الديمقراطي

 

 

الأستاذ : الصادق بنعلال 

1 -  العرب و .. عودة الروح ! : قبل أشهر معدودة كان الخطاب السياسي العربي حافلا بالأساليب  الدالة على اليأس و الإحباط  و العجز عن إحداث أي تغيير في بناء الدولة القطرية ، القائمة على ممارسات سلطوية مشينة ، و الغارقة في أوحال الفساد و الاستبداد ، إلى درجة أفضت ببعض الغيورين من رجال الفكر و السياسة إلى التأكيد أن العرب أضحوا جسدا بلا روح ! و أنه ليس في الإمكان إلا انتظار لحظة " الانقراض " و الاضمحلال من المجتمع الدولي ، بسبب الانتكاسات العسكرية و الاجتماعية و الثقافية .. المتتالية ، والقابلية للاستسلام للأمر الواقع  ، و انتفاء أية محاولة سيادية لإنقاذ ماء الوجه و التعبير عن شكل من أشكال " الوجود " . بيد أن الربيع العربي الحالي قلب وضعنا المهين رأسا على عقب ، و برهن بالملموس أن الشعوب العربية ليست أقل شأنا من باقي شعوب العالم التواقة إلى الحرية و الكرامة و العدالة الاجتماعية و المساواة .. و ما أن انطلقت انتفاضة تونس حتى اندلعت الاحتجاجات الشعبية السلمية في مختلف البلدان العربية ، مطالبة بالإصلاحات العميقة تقطع مع النظم السياسية الطاغية و طي صفحة الحكامة المتهافتة ؛ المستندة إلى إطار قيمي يتمظهر في الأسرة الحاكمة و القبيلة و الغنيمة و الطائفية و اقتصاد الريع و نهب المال العام .. و الانتقال إلى النظام السياسي العصري و الحديث ؛ الديمقراطية بمعناها المتعارف عليه كونيا : حيث التداول السلمي على السلطة ، و آليات سياسية متطورة ؛ من أحزاب حقيقية و انتخابات نزيهة و مراقبة و مساءلة المسؤولين في مختلف الميادين ، و كان من نتائج هذا الحراك الشعبي العربي الإطاحة ب " زعماء " تغولوا في التسلط و الجبروت و جنون العظمة ، و إسقاط أوراق التوت عن " رؤساء " آخرين فظهروا على حقيقتهم ؛ حقيقة قتل الشعب الأعزل و الفتك به بدم بارد ؛ كل ذلك في تناقض مطلق مع الشعارات الطنانة  التي طالما تلوها على مسامعنا في كل وقت و حين ؛ شعارات الوحدة و القومية و العروبة و المقاومة و تحرير فلسطين ..

2 -  ثورات و ... إصلاحات : و ما من شك في أن مختلف الدول العربية تجتمع على قاسم مشترك يتمثل في انتهاج الحكم الفردي وسيلة للتعاطي مع القضايا المصيرية للفرد و المجتمع ، بسبب عوامل تاريخية قديمة و حديثة لاتغيب عن أي متصفح للمنجز السياسي العربي منذ " الفتنة الكبرى " . إلا أن هناك بعض الخصوصيات و المميزات التي يستقل بها كل " قطر " عن الآخر ؛ فمن السهولة بمكان أن نلاحظ أن الأنظمة " الجمهورية"  أكثر تخلفا و استبدادا و فسادا من الأنظمة " الملكية " ، فهامش الحريات في الأنظمة الأخيرة  رغم ضآلته أحسن بكثير مما هو عليه الأمر في الأنظمة الأخرى ، ونحن لا  ندافع عن تجربة سياسية بعينها ، يمكن القول دون الخوف من السقوط في الخطأ إنه لا يجوز الجمع بين أنظمة ديكتاتورية قمعية حابسة للأنفاس ؛ مثل سوريا و ليبيا واليمن و الجزائر ، و بين أنظمة أقل استبدادا و تهورا و اندفاعا مثل الكويت و الأردن و المغرب ، هذه حقيقة واقعية ، لذلك فالمطلب الشعبي في الدول " الجمهورية " هو الثورة و إسقاط النظام ، و استبداله بنظام ديمقراطي شعبي حديث ، يضمن الحرية و العدل و الكرامة .. فلا يمكن إصلاح دول " الصمود و الممانعة " إلا بتفتيت بنيتها التحتية السياسية و العسكرية و طي صفحتها نهائيا مع ما يستدعي ذلك من تضحيات جسام ، أمام رؤساء مجانين متعطشين إلى الدماء و التدمير و الخراب . أما في الدول " المعتدلة " فالمطلب الشعبي فيها هو الإصلاح العميق و الحقيقي و الصادق ؛ إذ لديها تجربة سياسية ديمقراطية على الرغم من علاتها  و ميكانيزمات عصرية من قبيل التعددية الحزبية و الانتخابات الدورية و حرية التعبير في حدها الأدنى ، و بالتالي لابد من إنجاز تحول ديمقراطي بحصر المعنى يتماشى و مستلزمات الراهن العالمي ، و إلا فإن طوفان الربيع العربي لن " يرحم " أحدا .

3 -  المغرب و ... سيناريو الخلاص : يكاد يجمع المعنيون بالشأن السياسي الدولي و الإقليمي على  أن المملكة المغربية هي الدولة العربية الوحيدة التي تعاملت بذكاء و شجاعة و سرعة مع الحراك الشعبي ، الذي انطلق بقوة ينادي بالإصلاحات الهيكلية و إسقاط الفساد و الاستبداد و محاكمة ناهبي المال العام .. حيث تجنب النظام المغربي و بشكل شبه كلي الحل الأمني و القمع البوليسي ، و ترك الاحتجاجات و المسيرات الشعبية تصدح بمطالبها المشروعة بالعدالة الاجتماعية و الحياة السياسية السليمة ، مادام الحراك الشعبي يمر في مناخ سلمي و حضاري ، بل إن العاهل المغربي قدم أجوبة ملموسة على مجموعة من الأسئلة ، التي طرحتها حشود من الجماهير ممثلة في حركة 20 فبراير الأصيلة التي لم تنسق مع النزعات الدينية الانتحارية و الميولات الانفصالية و التمترس في أيديولوجيات سياسوية مطلقة ، و من بين هذه الأجوبة تعديل الدستور و الإعلان عن تنظيم انتخابات برلمانية سابقة لأوانها .. غير أن ذلك وحده  لا يمكن أن يشكل صمام أمان من أي انزياح نحو المجهول ، فجميل أن نغير الدستور و الأجمل أن نغير العقلية السائدة و التي كانت وراء انتكاسات و تراجعات عن مكاسب هامة . إن الخطاب مهما تضمنه من قضايا مشجعة و موضوعات مطمئنة حول التداول السلمي على السلطة و انبثاق الحكومة المستقلة عن الحزب " الأغلبي " في سياق انتخابات شفافة و استقلال القضاء و حرية الإعلام و تفعيل آلية المراقبة و المحاسبة و مأسسة المجتمع .. فإن الممارسة هي المحك الأوحد الذي من خلاله يمكن أن نحكم على نجاح أو فشل  إنجاز سياسي معين . إن المغرب في الواجهة و ليس مسموحا له أن يضيع هذه الفرصة المفصلية من تاريخه الراهن ، و لا يمكن أن يجتاز هذا الاختبار الصعب إلا عبر التحضير الجيد للانتقال الديمقراطي بلا لف أو دوران ، و من ثم إنجاح الاستحقاقات الانتخابية المقبلة ، و بعدم انفراد السلطات الحكومية ب " كتابة السيناريو و الإعداد و الإخراج " و يكون نصيب الهياكل الحزبية دور " الممثلين " . يجب على السلطة المعنية بالإشراف على الانتخابات المشار إليها أن تتقيد بروح الدستور الجديد و أن تتسلح بتأويله ديمقراطيا و تلتزم بالحياد الإيجابي ، و تنجز في أجواء تشاركية  قوانين انتخابية عادلة و حديثة ؛ تضع حدا للمسلكيات الانتخابوية المعيبة و المسيئة للعمل السياسي النبيل ، على أن تتحمل باقي الأطراف  ؛ أحزابا و مرشحين و ناخبين و إعلاميين .. رسالتها التاريخية و المتجلية في بناء مغرب الغد الذي يسكن كياننا جميعا . فهل سيكسب الشعب المغربي رهان التحول الديمقراطي في هذه المرحلة السياسية المحرقية ! ؟

 باحث في قضايا الفكر و السياسة

[email protected]


هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

*
*
*
ملحوظة
  • التعليقات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
  • من شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات