عزيز الحور - المساء
هل هو أمر طبيعي أن يصير الابن أمينا عاما لحزب سياسي مكان والده؟ هل من العادي أن يورث نافذون بلديات وهيئات وجمعيات ومناصب لأبنائهم؟ لماذا يجتهد مسؤولون مغاربة
في صناعة أبناء يكونون بمثابة نسخ لهم؟ هل هي صدفة أو رغبة في الحفاظ على سطوة العائلة النافذة؟
«المساء» تعرض في الملف التالي بروفايلات أبناء صنعوا مجدهم من علاقاتهم بآبائهم.
«تبع حرفة بوك لا يغلبوك»، مثل أضحت حقوقه الحصرية محل تجاذب ونزاع بين الخياطين والسباكين وبقية أصحاب الحرف، وبين المسؤولين والوزراء والسياسيين وحتى الفنانين الذين باتوا يصنعون الممكن والمستحيل لتعبيد طريق سيار أمام أبنائهم حتى يخلفوهم في إمبراطوريات السياسة والمسؤولية الحزبية وحتى النضال.
غالبا ما اقترنت أسماء أبناء مسؤولين بفضائح زلزلت الأرض تحت أقدام آبائهم، بدءا بابن عمدة فاس حميد شباط المتورط في ملف مخدرات، وابن امحند العنصر الذي يشتبه في كونه دهس راجلين بسيارته وأرداهما ولاذ بالفرار، وابنة المحجوب الصديق وغيرهم كثير.
هناك بعض المسؤولين من حاز نصف حظ، بإنجابهم أبناء جعلوهم لأنفسهم خلائف، وآخرين صار حمل أبنائهم لأسمائهم مرادفا للفضيحة، والمثال على ذلك ابن وزير الاتصال خالد الناصري، الذي اضطر أبوه الوزير ذات يوم إلى التدخل جهارا لإخراجه من ورطة التسبب في حادثة سير مميتة، وهي الفضيحة التي تم توثيقها بالصوت والصورة.
المثير في توريث المسؤولين مناصبهم لأبنائهم هو أنها ظاهرة تشمل أساسا المسؤولين الحزبيين، الذين يدفعون بأبنائهم إلى الانخراط في الأحزاب التي ينتمون إليها على أن يتحول الآباء إلى عرابين يقودون أبناءهم في مدارج المسؤولية الحزبية، التي تفتح الباب أمام المسؤولية العمومية، ويصل الأمر إلى درجة أن مسؤولين حزبيين يورثون أحزابهم إلى أبنائهم بحجة أنهم «عرقوا» في إنشائها.
المثير أكثر هو أن حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية هو أكثر هذه الأحزاب التي تشهد وراثة أبناء المسؤولين لآبائهم في مهامهم الحزبية، إدريس لشكر، الوزير الاتحادي، استقدم ابنته خولة للحزب، علي بوعبيد يرث تركة والده عبد الرحيم بوعبيد، علي اليازغي يتبع مسار والده محمد اليازغي، والقائمة تطول وتشمل مسؤولين حزبيين آخرين مبتعدين عن دائرة الضوء.
المناضلون الحقوقيون والسياسيون صاروا هم أيضا يصنعون أبناء مناضلين يخلفونهم في مسارهم، فخديجة الرياضي أنجبت ابنا يدعى منتصر الإدريسي، بموجب أسباب بينها قرابته من أمه صار عضوا بالجمعية المغربية لحقوق الإنسان، وعضوا بحركة 20 فبراير التي تدعمها الجمعية، كما أنه هو المشرف على إخراج فيديوهات الحركة الهادفة إلى استقطاب أعضاء آخرين.
حتى القضاة والمحامون والموثقون ورجال الأعمال باتوا يتحرون أن يكون أبناؤهم نسخة طبق الأصل عنهم، هذا ما يفسر تشكي طلبة كليات عدة ومعاهد عمومية من انحياز إدارات هذه المؤسسات التعليمية الجامعية لأبناء مسؤولين يتابعون دراستهم لسبب بسيط هو خلافة آبائهم في مكاتب المحاماة والتوثيق الخاصة بهم.
لاتباع أبناء المسؤولين مسار آبائهم تأصيل سوسيو-سياسي، سبق للأستاذة الجامعية، أمينة المسعودي، أن سلطت عليه الضوء في دراسة أنجزتها تحت عنوان «الوزراء في النظام السياسي المغربي 1955-1992: الأصول، المنافذ، المآل».
وإذا كان يصعب تفسير علاقة الآباء المسؤولين بتحديد بروفايلات أبنائهم التي تكون امتدادا لبروفايلاتهم، فإن المسعودي تمكنت من تفسير توارث المسؤوليات بالعائلات المسيطرة تبعا للتوزع الجغرافي/التاريخي بالمغرب.
الغريب هو أن غالبية هؤلاء الأبناء منحدرون من مدن فاس والرباط والدار البيضاء ومراكش، وهي الخلاصة التي خلصت إليها المسعودي في دراستها، المرتكزة على معطيات رقمية، عندما أكدت أن المنحدرين من هذه المدن دأبوا على السيطرة على وزارات ومسؤوليات طيلة الحكومات المتعاقبة على المغرب بعد الاستقلال.
ما تفسير هذه الأمور كلها؟ هل يتبع الأبناء مسار آبائهم بحكم الصدفة؟ كيف يصنع المسؤولون والسياسيون والوزراء والمناضلون والفنانون أبناءهم؟ ما الغاية من توريث المسؤولين مهامهم لأبنائهم؟ ما طبيعة تجديد النخب من داخل العائلات السياسية؟
أسامة عبد الإله بنكيران.. إسلامي «معارض» لوالده
قبل سنوات طويلة، كان عبد الإله بنكيران يحاول بجهد كبير الارتباط بزوجته بعدما كان أهلها يرفضون تزويجها له. زواج بنكيران كان عن قصة حب انتهت بولاية ابنه البكر أسامة بنكيران (شاب في الثلاثينات من عمره).
ورغم أن بنكيران لم يورث ابنه العمل الذي يسترزق منه، وهو إدارة المؤسسة التعليمية الخاصة المملوكة لزوجته، على اعتبار أن أسامة اختار أن يتابع دراسته ويصير خبيرا محاسباتيا، فإن بصمات بنكيران، القيادي السابق في الشبيبة الإسلامية والأمين العام الحالي لحزب العدالة والتنمية، في الدفع بابنه نحو المسار السياسي كانت واضحة.
وبانت هذه البصمات في البداية عبر تشبع أسامة بنكيران بالتوجه الإسلامي، وهو ما يعكسه التحاقه بحركة التوحيد والإصلاح، الذراع الدعوي لحزب العدالة والتنمية. هكذا ظل الابن بنكيران، وبإيعاز من بنكيران الأب، يتردد على مجالس حركة التوحيد والإصلاح ويختلط بأعضائها الذين ينتمي غالبيتهم إلى حزب العدالة والتنمية وشبيبته وتنظيماته الموازية.
ورغم أن أسامة استغرق في عمله ونشاطه الجمعوي في مجال السياحة الجبلية، مما اضطره إلى الانقطاع عن حضور أنشطة شبيبة العدالة والتنمية، إلا أنه ظل مهتما بالسير على خطى والده في ميدان السياسة، من خلال المشاركة في مسيرات حركة 20 فبراير، رغم أن أسامة غير منتم للحركة. كما أن والده يبدي معارضة لها بين الفينة والأخرى.
ومن غرائب هذه التناقضات أن أسامة بنكيران ظهر في آخر حلقة من برنامج «حوار» بالقناة الأولى، التي كان فيها أبوه عبد الإله بنكيران ضيف الحلقة، وبدأ يبتسم حينما أخذ أبوه ينتقد حركة 20 فبراير.
عبد الصمد محمود عرشان.. الشاب الذي ورث عن أبيه مدينة وحزبا
معروف عن عائلة عرشان أنها تسيطر بالكامل على مدينة تيفلت، فالأب، محمود عرشان، يعد من أبرز أعيان هذه المنطقة، لدرجة أنه يتدخل لحل نزاعات داخل المجالس المنتخبة بالمدينة، حتى ولو لم تكن له سلطة داخل هذه المجالس.
حظوة عرشان بتيفلت فتحت بابا عريضا لأبنائه، خاصة عبد الصمد الذي ورث أباه في كل شيء، حتى في بلدية تيفلت وحزب الحركة الاجتماعية الديمقراطية، الذي أسسه محمود عرشان، الكوميسير السابق، إثر انشقاقه عن الحركة الشعبية سنة 1997.
عبد الصمد عرشان استطاع أن يبسط نفوذه بتيفلت على أنقاض حظوة والده بتيفلت، وهو ما قاده إلى أن ينتخب رئيسا لبلدية المدينة، كما استطاع دخول مجلس المستشارين سنة 2006 بعدما ترشح تحت مظلة حزب والده.
ارتبط حزب الحركة الاجتماعية الديمقراطية بمؤسسه محمود عرشان، والذي اقتنى له مقرا فخما بطريق زعير بالعاصمة الرباط، وظل يصرف على أنشطته الحزبية والانتخابية من ماله الخاص، حتى صار ما يشبه ملكا له، وهو ما يفسر ترؤسه له مدة 14 عاما، وعندما قرر اعتزال السياسة، لم يكن خليفته سوى ابنه عبد الصمد، خلال جمع عام استثنائي انعقد منتصف شهر يوليوز الماضي.
محمود عمر بنجلون.. السياسة في المقربين أولى
لهذا السياسي الشاب، الذي لا يتجاوز عمره 33 سنة، تبرير لـ«وراثته» السياسة عن والده أحمد بنجلون، الأمين العام لحزب الطليعة الاشتراكي، إذ يعتبر أن على المناضل الحزبي أن يقنع أفراد عائلته وأقاربه بالسياسة وتوجهات حزبه، قبل أن يتمكن من إقناع الأشخاص الذين لا تربطه بهم صلة، وأن تقنع الغرباء أصعب من أن تقنع المقربين.
من منطق السياسة في المقربين أولى، تمكن أحمد بنجلون من توجيه ابنه محمود عمر بنجلون إلى هذا المجال، بدءا من اختيار الاسم الذي له دلالة كبيرة ويحيل على محمود بنونة، المعارض السياسي الذي قتل في أحداث مولاي بوعزة في 1973 بسبب تبنيه مخططات انقلابية، وعمر نسبة إلى عمه عمر بنجلون الذي اغتيل سنة 1975 على يد منتمين إلى الشبيبة الإسلامية.
غير أن دور الأب بنجلون بدا أنه توقف مباشرة عند إيصال ابنه إلى باب السياسة، فقد اختار الابن لنفسه طريقا آخر بعيدا عن حزب الطليعة وعاد إلى أصل حزب والده، الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية.
محمود عمر بنجلون، الذي يعمل بفرنسا، يجاور الآن أبناء مسؤولين حزبيين بالاتحاد الاشتراكي، على اعتبار أنه عضو بالمكتب الوطني للحزب وعضو في شبيبته. من موقعه هذا، يظهر بنجلون الابن مواقف سياسية تنبئ بدخوله غمار منافسة سياسية مع أبناء مسؤولين حزبيين آخرين على قيادة الاتحاد الاشتراكي المستقبلية.
إبراهيم الطيب الفاسي الفهري.. الدبلوماسية بالوراثة
لوزير الخارجية، الطيب الفاسي الفهري، ابنان، أحدهما ظهر قبل أشهر بملهى ليلي بالدار البيضاء، على متن سيارة فاخرة مملوكة للدولة، وثانيهما ظهر السنة الماضية في منصة وبجانبه وزيرة الخارجية الإسرائيلية «تسيبي ليفني»، ما أثار حوله ضجة كبيرة.
الابن الثاني هو إبراهيم الفاسي، شاب في منتصف عقده الثالث، يحاول اقتفاء أثر والده، على غرار أبناء مسؤولين ووزراء آخرين، في مجال الدبلوماسية.
حصل إبراهيم على الباكالوريا من ثانوية «ديكارت» بالرباط، ليلتحق بمدرسة معروفة في التكوين في مجال التجارة والاقتصاد بباريس. وحده إبراهيم، وربما حتى والده وزير الخارجية، يعلم سبب تغيير الابن إبراهيم لمساره ثلاثة أشهر بعد سفره إلى باريس، قد قرر تغيير الوجهة من التجارة والاقتصاد إلى السياسة والدبلوماسية بعدما انتقل للدراسة بمونريال الكندية، حيث حصل، سنة 2006، على دبلوم في الدراسات السياسية، بعدها عاد إلى باريس لإتمام دراسته بالمعهد الفرنسي للعلاقة الدولية.
في هذه اللحظة تأكد أن للأب الطيب بصمة في مسار ابنه، وظهر أن إبراهيم متوجه نحو الاشتغال في مجال الدبلوماسية بالمغرب. بدأ ذلك بتأسيس ابن وزير الخارجية لمعهد «أماديوس» المثير للجدل، والذي كان مجرد فكرة للنقاش بدأت تختمر في ذهن إبراهيم الفهري منذ سنة 2005.
كل شيء عاد إلى هنا، حتى بداية تنظيم إبراهيم الفكري لملتقيات بالمغرب يستدعي إليها مسؤولين ودبلوماسيين إسرائيليين، في عز العدوان الإسرائيلي على فلسطين، وهو ما جلب عليه موجة انتقاد، طالت سهامه حتى الوالد الطيب الفاسي الفهري، الذي دعم نشاط ابنه الدبلوماسي، وأعطى أوامر لسفراء دول لدعم ابنه إبراهيم ومعهده «أماديوس».
طارق الحبيب المالكي.. وريث أبيه في الاقتصاد و «الاتحاد الاشتراكي»
طارق المالكي، ابن وزير آخر يمارس مهام حالية تدور في فلك الوالد. منذ محطاته الدراسية الأولى، تبين أن طارق يتبع خطوات والده الحبيب المالكي، من أجل أن يكون وريثه في مجال البحث الاقتصادي، خاصة على صعيد المركز المغربي للظرفية الاقتصادية، التي يريدها الأب، وأيضا في مجال السياسة ضمن الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، الذي يشغل الوالد مهام عضوية مكتبه السياسي، بينما ما زال المالكي الابن يتدرج في هياكله ببطء وتؤدة.
كان للحبيب المالكي، وزير التعليم السابق، دور كبير في أن يتابع ابنه طارق دراسته في مجال الاقتصاد، إلى حين إعداده للدكتوراه في الاقتصاد والتسيير بجامعة البحر الأبيض المتوسط بـ«أيكس أو بروفانس» جنوب فرنسا، وأيضا الانضمام إلى صفوف الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية.
بعد عودته إلى المغرب، ألحق طارق مباشرة بالمركز المغربي للظرفية الاقتصادية، الذي يشرف عليه الحبيب المالكي، كان ذلك في سنة 2006. عين المالكي الابن، حينها، مديرا للتنمية والتواصل بالمركز، وحددت مهامه في تجديد نخب المركز وتعزيزه بباحثين اقتصاديين وشباب، إلى جانب تحديد معالم السياسة التواصلية للمركز بتفاصيلها.
أما في مجال السياسة، فقد شارك طارق في مؤتمرات الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، خاصة في مؤتمر 2007، حيث ساهم في وضع البرنامج الاقتصادي للحزب. غير أنه بعد مؤتمر 2007، لم يسمع لابن المالكي حس، ولم تظهر بعد ملامح وجهه السياسي المستقبلي بحزب الوالد.
تريث طارق في مجال السياسة يوازيه صعود سريع في مجال البحث الاقتصادي، إذ تمكن ابن المالكي، في سنة 2008، من تأسيس ناد للاقتصاديين الشباب ضم حوالي 50 عضوا، بكل من الرباط والدار البيضاء، كما يواصل البحث والتنظير الاقتصادي بالمغرب، والذي بدأه سنة 2006 بتأليفه كتابا حول استراتيجيات الاستثمار في المغرب.
وما زال ما سيأتي من أيام حاملا لتفاصيل جديدة قد توضح ما يريده المالكي الأب من ابنه، وحدود التركة التي سيرثها طارق عن أبيه، الوزير السابق.
هشام محمد الناصري.. محامي محمد السادس بعدما كان والده محاميا للحسن الثاني
في ثمانينيات القرن الماضي، كان محمد الناصري، المحامي ووزير العدل الحالي، قد خطا أول خطوة بالقصر الملكي بعدما قربه الملك الراحل الحسن الثاني إليه وخصه بمهام الدفاع القانوني عن القصر الملكي ومصالحه. اليوم، وبعد استوزار الناصري، أوكل مهمة الدفاع عن القصر إلى ذراعه الأيمن والقائم بأعمال مكتب محاماة «الناصري وشركاؤه»، والذي ليس سوى ابنه هشام الناصري.
الناصري الابن أخذ عن والده كل شيء، قسماته وفراسته وهدوؤه وتكتمه الشديد ونبوغه في مجال المحاماة، حتى صار يعرف بأنه أشهر محامي المال والأعمال بالمغرب.
تبع هشام حرفة أبيه منذ البداية، وبإيعاز من والده، تابع الناصري الابن دراسته بفرنسا حيث حاز على دبلوم في مجال الاتفاقيات الصناعية والتجارية، ثم ماجيستير في محاماة مجال الأعمال من كلية الحقوق بجامعة مونبوليي الفرنسية. كان إعداد بروفايل هشام مقدرا بعناية منذ البداية، فعندما عاد إلى المغرب التحق مباشرة بمكتب المحاماة الضخم الذي أسسه والده بشراكة مع الشبكة الفرنسية لمحامي الأعمال (جيد لويريت نوويل). مهمة هشام حددت في البداية كمستشار قانوني وخبير في الإجراءات القانونية المرتبطة بالتعاملات المالية. هذا التوجه فتح على هشام، ومكتب محاماة الوالد، باب زرق آخر واستقطب زبناء جددا، على اعتبار أن هشام صار مستشارا قانونيا، باسم مكتب الناصري الأب، لشركات وهولدينغات ضخمة بينها مجموعة «كيزنر» التي لها استثمارات كبرى في المغرب بينها منتجع «مازاغان»، وشركة «غولف فينونس هاوس» و«بالاس فور سيزونس»..
كما استطاع هشام تعزيز تعاملات مكتب محاماة الناصري مع القصر الملكي والهولدينغات المرتبطة به، إذ أصبح هشام الناصري مستشارا قانونيا لشركة الاتصالات «وانا» التابعة للهولدينغ الملكي «أونا»، إلى جانب تضاعف عمل المكتب، في عهد الناصري الابن، مع الهولدينغ الملكي «سيجر».
وبما أن محمد الناصري كانت قد أوكلت إليه مهمة القيام بالأعمال القانونية للقصر الملكي في عهد الحسن الثاني، بما في ذلك نيابته في المنازعات القضائية والدعاوى ضد جرائد وطنية ودولية، فقد أسندت للناصري الابن التكلف بالملفات القانونية والقضائية للقصر في عهد الملك محمد السادس عبر الكتابة الخاصة للملك. وإذا كان لمحمد الناصري فضل على ابنه في تشجيعه على اتباع مساره بتفاصيله، وفسح المجال أمامه لتدبير أمور مكتب المحاماة الذي أسسه بعد انشغاله بأمور وزارة العدل منذ تعيينه على رأسها في تعديل حكومي مطلع السنة الماضية، فإنه الابن هشام شق لنفسه طريقا آخر أسرع باحترافه قانون المال والأعمال، والشاهد على ذلك اختياره، في 2006، رئيسا للجنة القانونية بالاتحاد العام للمقاولات بالمغرب، وعضوا بهيئة التحكيم بغرفة التجارة الخارجية المغربية. فهل يواصل هشام اقتفاء خطوات الأب حتى النهاية؟
نبيل عيوش.. ولي عهد السياسة والإشهار
كان هذا المخرج البالغ من العمر 42 سنة يتابع دراسته في الفن المسرحي بفرنسا التي ولد ونشأ بها، في الوقت الذي كان والده، نور الدين عيوش، يبني مجده الإشهاري بالمغرب.
في لحظة من اللحظات، كان اهتمام الأب وابنه منصرفا فقط لمجال عملهما المشترك: «الإعلان»، فالأب أسس وكالة للإشهار تمكنت من السيطرة على منابع الإشهار التجاري والدعاية السياسية بالمغرب، والابن احترف كتابة السيناريو والإخراج الإعلاني قبل أن ينصرف إلى السينما، ويخرج أفلاما بدعم مغربي، ظلت تلقى نقدا لاذعا بسبب جرأتها غير المعهودة، مثل «علي زاوا» و«لحظة ظلام».
فجأة، وجه الأب نور الدين عيوش دفة مركبه الإشهاري إلى الدعاية السياسية، حيث استطاع الحصول على صفقات ضخمة من وزارة الداخلية، أبرزها حملة «2007 دابا» للتشجيع على التصويت في انتخابات 2007 التي لم يشارك فيها سوى 37 في المائة من مجموع الكتلة الناخبة.
خروج الأب عيوش إلى السياسة أضحى صريحا مع انطلاق مسيرات 20 فبراير التي دعمها بشدة، في ظل تقلص مساحة احتكاره للسوق الإشهارية بالمغرب. في هذه اللحظة أيضا خرج الابن عيوش إلى معترك السياسة بشكل آخر، فعندما كان والده يناصر أفراد حركة 20 فبراير، كانت تجري ترتيبات لتعيين نبيل عضوا بالمجلس الاقتصادي والاجتماعي، ليظهر أن عيوش الابن لن يكون فقط مخرجا سينمائيا، كما أنه ليس أقل دهاء من والده.
ندية عبد السلام ياسين.. ابنة المرشد ووريثة جماعته
عندما كان عبد السلام ياسين يشتغل بقطاع التعليم العمومي كانت هي تتابع دراستها الابتدائية والثانوية بالبعثة الفرنسية إلى أن حصلت على شهادة الباكالوريا من ثانوية «فيكتور هيغو» بمراكش سنة 1977.
وبانصراف والدها إلى معارك السياسة وممارستها تحولت هي أيضا إلى السياسة وعلومها عندما التحقت بكلية العلوم السياسية بفاس سنة 1980، في هذه اللحظات بدا أن البنت البكر لمرشد جماعة العدل والإحسان ستكون وريثته في حمل هم الجماعة الأكثر إثارة للجدل بالمغرب.
دور ندية ياسين تحدد في البداية بتدعيم أسس الجماعة وتقوية بنائها، عبر الإشراف على هيكلة القطاع النسائي داخل الجماعة، من خلال تنظيم الدروس وجلسات النقاش بين نساء الجماعة. مجهود ندية ياسين، ووراثتها لموهبة السياسة من والدها، هيأت لها أسباب النجاح في مهمتها، إذ صارت النساء من أكبر دعائم الجماعة، والقطاع الخاص بهن من أكثر تنظيمات العدل والإحسان نشاطا.
علاقتها التنظيمية والعائلية بوالدها جر عليها وبال غضب السلطة التي تعد ما تقوم به جماعة العدل والإحسان ضمن الأنشطة المحظورة. بسبب ذلك اعتقلت ندية ياسين في سنة 2000 عقب مشاركتها في إحدى الوقفات الاحتجاجية، ومنعت من جواز سفرها سنة 2003، وثارت أكثر نساء المغرب معارضة للنظام، من خلال تصريحاتها الصحافية المثيرة للجدل، والتي تدافع فيها عن إقامة نظام جمهوري بالمغرب، وتهاجم فيها النظام الملكي بنبرة شديدة اللهجة، على وزن كلمات والدها عبد السلام ياسين في رسائله «الإسلام والطوفان» و«رسالة إلى من يهمه الأمر».
رغم خلو قيادة العدل والإحسان من النساء، وتأكيد ندية ياسين، أكثر أعضاء الجماعة بروزا، على أنها ليست قيادية بالجماعة، إلا أن متتبعين يشيرون إلى إمكانية وراثتها لوالدها في أمر قيادة الجماعة وخلافته «على منهاج النبوة».
فهر وعبد المجيد عباس الفاسي.. كيف تصبح أمينا جهويا ومديرا لقناة في يوم وليلة؟
صعود عباس الفاسي إلى الوزارة الأولى عقب انتخابات 2007 اقترن ببروز نجم عائلة الفاسي كلها، خاصة ابنيه المقربين، فهر وعبد المجيد، ابني أم البنين.
الاثنان ما زالا في عقدهما الثالث، ورغم ذلك، تمكنا في الأشهر الأولى من ولاية أبيهما عباس الفاسي، الأمين العام لحزب الاستقلال، من تسلق هرم السلطة السياسية والحزبية وحتى الإعلامية.
الأول، أي فهر الفاسي، اختار أن يدخل غمار المال والأعمال من بوابة إحدى كبريات شركات الإشهار في المغرب، كما اقترن عمله بمجال الإشهار والتواصل بفضيحة أخرى متعلقة بتفويت ياسمينة بادو، قريبة العائلة الفاسية، لصفقة للتواصل وإعداد الوصلات الإشهارية بشأن التحسيس حول مرض أنفلونزا الخنازير لصالح شركة فهر، رغم أن الأخير نفى ذلك.
ما إن خمدت نار هذه الصفقة الإشهارية، حتى أثيرت زوبعة أخرى وجد فهر نفسه في غمارها. حدث ذلك بعد أن انتخب فهر الفاسي كاتبا جهويا لحزب الاستقلال بالدار البيضاء، وعقد اجتماعا حضره عباس الفاسي شخصيا، حيث وجه أعضاء بالحزب بالبيضاء تهما يعترضون فيها على طريقة اختيار نجل الفاسي كاتبا جهويا ويعتبرون حضور الفاسي لهذا الاجتماع الجهوي محاولة لفرض ابنه على أعضاء الحزب.
فهر الفاسي كان قد خاض غمار السياسة قبل ذلك، خلال الانتخابات الجماعية لسنة 2009، التي نجح فيها وأصبح مستشارا جماعيا بمقاطعة آنفا ثم عضوا بمجلس مدينة البيضاء. ظل فهر يغيب عن غالبية دورات المجالس المنتخبة التي يشغل عضويتها، وتعرض بسبب اختفائه عن الأنظار لانتقادات، قبل أن يظهر في إحدى دورات مجلس البيضاء الأخيرة، مفجرا فضيحة أخرى كشف عنها تصريح لمحمد ساجد، عمدة الدار البيضاء، لـ«المساء»، عندما أوضح أن فهر هدده باستعمال العنف وقال إنه مستعد للدخول إلى السجن من أجل منع انعقاد دورة لمجلس المدينة.
الابن الثاني لعباس الفاسي يدعى عبد المجيد، الذي أسندت إليه مهمة إدارة قناة «المغربية» بعد تحديثها سنة 2009، رغم أن سنه لم تكن تتجاوز 24 سنة وعلاقته بالإعلام لا تتجاوز اشتغاله رفقة أخيه فهر في شركة الإشهار سالفة الذكر، وقضاءه مدة تدريبية بالشركة الوطنية للإذاعة والتلفزة عين مباشرة بعدها مسؤولا بالشركة ومديرا لقناة «المغربية» الإخبارية التي أريد من ورائها منافسة قناة «الجزيرة»، إلا أنها أخطأت طريقها بحكم استعانتها ببرامج قنوات القطب العمومي الأخرى وتكرارها تجربة «المغربية»، وهو ما تشهد عليه نسب مشاهدتها المتدنية أو بالأحرى المنعدمة.
علي محمد اليازغي.. عندما تقتضي السياسة أن تواجه أباك
يصعب تفسير كون غالبية الشباب الذين يقتفون أثر آبائهم في مجال السياسة يكونون منتمين إلى حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية. القاعدة تسري حتى على أبناء رموز الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية وقياداته، كما أنها تنطبق على محمد اليازغي، الكاتب الأول السابق للحزب، الذي أورث مقاليد المسؤولية الحزبية لابنه علي اليازغي.
إذا كان اليازغي الأب قد ولج عالم السياسة دون دعم عائلي سنة 1954، عندما انخرط في صفوف حزب الاستقلال، ومن ثم أسس الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية سنة 1959، فإن اليازغي الابن ولج السياسة بإيعاز من والده، وهو ما جعل الأنظار تشد إليه من أول مرة خطت فيها قدماه مقر الشبيبة الاتحادية.
الذين يعرفون علي اليازغي يجزمون أن تدرجه في المسؤولية الحزبية لا علاقة له بكون والده قياديا في الاتحاد الاشتراكي، على اعتبار أن محمد اليازغي كان يحذر من أن يستغل ابنه صفته في جميع مجالات حياته، وهو ما تشهد عليه واقعة تفيد بأن محمد اليازغي ضرب ابنه علي ضربا مبرحا، مستعملا حزاما جلديا «السمطة» عندما استعمل سيارته التي كانت مملوكة للدولة، وهو الأمر الذي قد يهدد سمعة اليازغي الأب ويفتح عليه دائرة الانتقاد.
غير أن أكثر اللحظات حرجا في تاريخ اليازغي الأب والابن بدأت أواخر شهر فبراير من السنة الماضية، بعدما انتخب علي اليازغي كاتبا للشبيبة الاتحادية. أول الانتقادات التي وجهت إلى علي اليازغي هي استغلاله لقرابته العائلية للظفر بهذا المنصب.
كان على علي اليازغي أن يكون سياسيا مشاكسا ويقود الشبيبة في تصادماتها الخلافية مع قيادة الحزب، مما يعني أنه سيكون في مواجهة والده، عضو المكتب السياسي. رهان التصعيد الذي كان ينتظره أعضاء بالشبيبة الاتحادية تجاه مواقف القيادة فتح على علي اليازغي جبهة الصراع مع أعضاء الشبيبة بسبب مواقفه، التي وصفت بغير الشجاعة تجاه القيادة الحزبية.
غير أن المشكل الأكبر الذي جلب على علي اليازغي انتقادات واسعة هو ربطه علاقات مع شبيبة جبهة البوليساريو، وهو ما اعترض عليه سياسيون، رغم أن اليازغي الابن أوضح أن لقاءات الشبيبة الاتحادية مع شبيبة البوليساريو جاءت من منطلق مبادرة الحكم الذاتي وبغرض تفعيل الدبلوماسية الحزبية الموازية لحل النزاع حول الصحراء. كان علي اليازغي كلما انتقد تظهر صورة والده خلفه، فلا يمكن فصل القرابة السياسية عن القرابة العائلية، ولا يمكن وقف شلال أسئلة تتراقص بالأذهان حول حدود سير اليازغي الابن على خطى والده.
ياسمينة عبد اللطيف الفيلالي.. ظل والدها الذي يرافقها
اختارت ابنة الوزير الأول الأسبق، عبد اللطيف الفيلالي، لنفسها مسارا آخر غير مسار والدها أو حتى شقيقها، الذي عمل مديرا لهولدينغ «أونا». ابنة الفيلالي اتبعت طريق العمل الإنساني والجمعوي، إلا أن ظل والدها ما زال يلازمها في جميع ما تقوم به.
قصة ياسمين بدأت سنة 1994 بتأسيسها لمنظمة شرق غرب، والتي جعلت من بين أهدافها التقريب بين الثقافة الغربية والشرقية. غير أن الفيلالي ستقرر تغيير توجه جمعيتها، بعد أن ظهر أنه مخملي ونخبوي، إلى الانخراط في مساعدة الشباب الذين يعانون من الإقصاء والهشاشة.
هذا المسار بدأ بفتح المنظمة، منذ سنة 2001، لمراكز استقبال للشباب المنحدرين من أحياء فقيرة. عدد المراكز التي فتحتها المنظمة حتى الآن بجميع مدن المغرب وصل إلى أربعة، جعل فرنسا تسلمها، سنة 2008، جائزة حقوق الإنسان.
غير أن ياسمينة الفيلالي ستواجه أزمة، نهاية السنة الماضية، بعدما تسرب نبأ تفويت مجلس مدينة البيضاء للكاتدرائية الشهيرة الموجودة بقلب العاصمة الاقتصادية لجمعية الفيلالي، وتخصيص ميزانية ضخمة للجمعية من أجل القيام بأنشطة ثقافية بها، وهو ما أثار احتجاجا على اعتبار أن العملية تمت بشكل غير واضح.
المهدي خالد السفياني.. القومية تورث
على غرار عدد كبير من أبناء المحامين، اختار المهدي السفياني اتباع مسار والده بعد التحاقه بماستر القانون الخاص بجامعة محمد الخامس، التي حصل منها والده على الدكتوراه ذات يوم.
أكثر من ذلك، فقد بلغت محاولة المهدي السفياني اقتفاء أثر والده درجة اتباع هذا الأخير حتى في توجهه الفكري القومي، ففي الوقت الذي يشغل خالد السفياني منصب الأمين العام للمؤتمر القومي العربي، انتخب المهدي منسقا لشباب المؤتمر القومي العربي. يظهر حذو المهدي حذو والده حتى في النزعة المعارضة التي عرفت عن الأب السفياني، فالمهدي هو عضو اللجنة المركزية للشبيبة الديمقراطية، وعضو فرع الحزب الاشتراكي الموحد بالرباط، وهو أكثر الأحزاب المعارضة بالمغرب.
مغربي
عندي بابا