أخبارنا المغربية
إعداد : د. أحمد الدرداري
أستاذ الحياة السياسية بجامعة عبد المالك السعدي
شكل الخطاب الملكي ل 20 غشت 2014 نهاية هادئة لمفاهيم عمرت بالمغرب وكانت مطوقة بالأحكام الجاهزة والجاهلة، وكرست أوضاعا شكلت اوراق ضغط ومساومات بعض الأحزاب والتيارات السياسية التي تنطلق من خطاب اليأس والشؤم ... وانتقلت المملكة اليوم وبدون مبالغة الى محطات جديدة من العمل السياسي وهي مرحلة تصحيح مسار الأحزاب لكونها المؤسسات السياسية والدستورية الوحيدة المعنية بالمشاركة السياسية وتداول السلطة بشكل سلمي على مستوى الحكومة والبرلمان وعلى المستوى الترابي، ومنها أهميتها في العملية التنموية وطنيا ومحليا، وهي اليوم مطالبة بربط وجودها بالتنمية والخروج من ضبابية البنية وتقوية الوظائف وتصحيح التوجه لكي تساهم في التخفيف من البدائل المطروحة في زمن ضعف فيه الفكر السياسي لحساب العودة للفكر الديني المتعصب، وتعويض العمل الحزبي الموسمي بالعمل المنتظم والمستمر كما فعلت بعض الاحزاب الجادة، حتى تنزع نحو الأهمية وتقوي المشاركة السياسية بتغيير المواضيع الروتينية وإشراك المواطن همومه اليومية ، وهذا التحول المفترض يتطلب نهضة تصحيحية غير متوقفة لمسار مفاهيم عديدة كمفهوم الحرية السياسية والسياسي والسلطة السياسية والمشاركة السياسية والتنشئة السياسية والرشد السياسي والخطاب السياسي والتواصل السياسي والإعلام السياسي والتنمية السياسية والتناوب السياسي والتوافق السياسي والضبط السياسي والتأديب السياسي والأمن السياسي ...الخ، وذلك لتجفيف هذا الحقل من كثير من السلوكات المنافية لمناخ العمل والفعل والممارسة والسلوك السياسي الدستوري فهما وتطبيقا، وتنزيل الأحزاب المغربية منزلة المدارس السياسية الوطنية ذات المرجعيات المختلفة والتي تقوي في مجموعها اتجاه مغرب التقدم والتطور والرقي بأوضاع البلاد الى مستوى يروق سمعة وتاريخ ومكانة وطموح المغرب، ولهذا يطرح سؤال أي دخول سياسي جديد في ضوء المتغيرات التي تعرفها بلادنا؟
1 - الدخول السياسي وتخليق الممارسات السياسية:
ينبغي تغيير مفهوم السياسة الكلاسيكي المصبوغ بطابع المعاكسة والمجادلة الشكلية والانتقاد الهدام الشيء الذي عكر وعطل لمدة طويلة جوانب كثيرة من حياة المواطنين ذاتيا وتنمويا، رغم انه هناك احزاب ضحت من اجل تغيير بنية المغرب مفاهيميا ومؤسساتيا في غياب للشرعية، وما يزال الفعل السياسي يعاني أزمة تحديد الشكل والبنية والمنهج والالتزام بضوابط العمل الحزبي وضعف إعمال المراقبة والتأديب الحزبي، وفي غفلة للسياسي عن كونه شخصية عامة وذات أهمية، وبهذا الخصوص ينبغي التقاط الإشارات الملكية المتضمنة في خطاب 20 غشت الأخير والتجاوب معها وتفادي هدر الوقت وضياع الفرص الحقيقية للتنمية، فالممارسة السياسية غير محصورة بالنسبة لمن الممارس وما مدى الممارسة، فتم تسييس وتمييع كل شيء حتى فقد مفهوم السياسة معناه الصحيح وتحول معه الخطاب السياسي الى الشكل غير المقبول، وافتقدت الجدية والثقة من العديد من الممارسين السياسيين والمؤسسات المنتخبة، لذا ظهرت الجماعات الدينية المتطرفة كملجأ لتصريف التعثرات والمشاكل واستغلال الشباب والتغرير بهم بدعوى التخلص من المشاكل والقضاء على الفقر والظلم على الأقل نفسيا والهروب من الواقع البشري الصنع والتصور، واقحامهم في موجات الاعمال المرفوضة كالإرهاب والمخدرات والجريمة... .
2- الدخول السياسي وتخليق العمل الحزبي:
تبدو الأحزاب عند غالبية المواطنين جماعات أفراد تبحث بكل طرق الوصول الى المصالح الشخصية في دوائر السلطة قبل المصلحة العامة، بدليل صرف المرشحين لأموالهم الخاصة للوصول الى مجالس المنتخبة جماعية او اقليمية او جهوية او برلمانية، أو صرف أموال بعض الاشخاص كمتعاقدين، وعدم قدرة الأحزاب على التغطية المالية قانونيا للحملة الانتخابية و كراء المقرات وتجهيزها، علما انها المؤسسات الدستورية الوحيدة المعنية بهذه العملية محليا ووطنيا، فتأهيل عنصرها البشري والمالي ضروري لربط وجودها بالتنمية وإضفاء الطابع المؤسساتي على نشاطها وإخراجها من البحث عن المرشحين الميسورين للقيام بالعملية الانتخابية إلى الاعتماد على النخب السياسية. فالجانب المالي كشرط مفقود او مسكوت عنه يجعلها تظهر مناسباتيا وسرعان ما تتراجع وتبتعد عن اهتمامات المواطنين، وتبقى المجالس المنتخبة في الواجهة وأغلبها غارق في إدارة الصراع السلبي بين الأغلبية والمعارضة ويضعف التواصل بين الناخبين والأحزاب التي تكتفي بالتواجد المركزي وهذا يؤثر على الثقةوالتواصل والخطاب السياسي للأحزاب.
3 – الدخول السياسي والتوازن بين العمل المدني والحقوقي:
يعرف المغرب توسعا في العمل المدني والحقوقي، ويعتري هذا المجال نقائص ترتبط بالمراقبة واحترام وإعمال القانون بشكل سليم، ذلك أن المجال الجمعوي والحقوقي يعرف نقصا ملحوظا في مستوى الوعي الحقوقي والقانوني لدى العديد من الأطر الجمعوية والحقوقية المشتغلة في هذا المجال، فلا المستوى الثقافي الحقوقي ولا الوعي المسطري ولا الوعي بالعمل المؤسساتي يعبر عن نفسه عند البعض، وبذلك يبدو ضعف التأطير وسوء التوظيف أحيانا وحتى المعلومات والتقارير تكون كذلك ناقصة وبعيدة عن الحقيقة، فليس كل نضال حقوقي صائب وليس كل صواب نضال حقوقي.
إن البعد عن خط الموضوعية والتزام المبادئ في اطار دولة القانون لا يسعف في رفع الحيف والظلم والتخلف والفساد، بل يبقى السند والحجج وتخطي الجهالة والكلام في العموميات بالحماسة الزائدة دون تشخيص لقضية معينة، والاستدلال بحجج وأطراف ومحل وسبب ومكان وزمان الواقعة... وتجنب رفع الظلم بالظلم او نقص في التكوين وولوج مؤسسات حقوقية او نقابية او جمعيات او منظمات.. بل أحيانا توظف بعض الجمعيات كوسيلة للاسترزاق والدخول على خط الصراع بين الاشخاص لمناصرة طرف مانح ضد طرف ممانع وهو شيء طبيعي في غياب الاستقلالية والتمويل والمقرات وهو ما يسقط الجمعيات في تأدية فواتير اللاتوازن الاجتماعي ولتقوية هذا التوازن ينبغي إصلاح وضعية العمل الحقوقي والمدني والسياسي والنقابي مؤسساتيا وماديا و بشريا ومهنيا وثقافيا، لإصلاح وتقويم النظرة للدولة ككل .
4 - الدخول السياسي ودخول المغرب نادي الدول الصاعدة:
نتيجة للتطور والاصلاح الحاصل في المغرب والمجهودات التي قامت بها الحكومات المتعاقبة سواء تلك التي ساهمت في تغيير بنية الدولة او التي ساهمت في تصحيح مسارها او التي أضفت نوعا من الشفافية على انشطتها... بالإضافة الى قوة الدفع الشامل الذي قام بها ملك البلاد على مدى حوالي 15 سنة والمقاربات التي غيرت الارقام ومناهج العمل وأتاحت الفرص للجميع بالمشاركة والمساهمة في التنمية والتأييد للتطور والتكيف مع المستجدات المتسارعة واعتماد أسلوب المخططات كمخطط المغرب الأخضر والأزرق والمبادرة الوطنية للتنمية البشرية...كل هذا من وراء وصول المغرب نادي الاربعين، وهو ما يفرض على المغرب عدم التراجع للوراء بل إبراز التجربة المغربية في مجال التنمية والاقتداء بالتجارب الناجحة ضمن الدول الصاعدة ومقارعة المقتربات التنموية المختلفة .
5 - الدخول السياسي وحصيلة الإحصاء العام للسكان والسكنى:
إن العملية التي انطلقت مع بداية هذا الشهر ستظهر كثير من المعطيات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية بالعالمين الحضري والقروي وهو ما سيدفع الدولة الى تقديم قراءة لواقع حياة المواطنين ومعرفة مواطن الاختلالات ومستويات العيش وتحديد متطلبات الاصلاح وتحسين مستوى ومؤشر التنمية واستهداف التقريب بين سرعة الفقر وسرعة الغنى بتعزيز العدالة الاجتماعية والاقتصادية وتقريب مستويات العيش والتركيز على المغرب القروي الذي ما يزال يعاني في بعض تجلياته من الفقر والهشاشة والأمية والعزلة وتصدع العلاقات المجتمعية والقيم التي تمخض عنها الطلاق والجريمة والانحراف والأمراض النفسية المختلفة وهو ما سيكلف الدولة الشيء الكثير .
6 – الدخول السياسي واستكمال الاصلاحات الحكومية:
يبدو مضمون الدخول السياسي حلقة من حلقات الاصلاحات الحكومية المتواصلة حيث يتزامن مع اصلاح التعليم الجامعي والتعليم بصفة عامة مما سيدفع الحكومة الى مواصلة المجهودات لمواصلة معركة الاصلاح التي لا تقف عند حكومة بعينها، بالإضافة الى باقي الاصلاحات المستمرة الأخرى.
7 –الدخول السياسي والرأسمال الغير المادي:
تبدوا أوراش الاصلاح غير متوقفة في الزمن ولا تتجاوز التركيز على الرأسمال المادي والواجهة المرئية والتي تلمع صورة البلد، لكن الاصلاحات ماضية لما وراء الصورة لتصل إلى استغلال المادة الرمادية والرأسمال غير المادي للمغرب إذا توفرت الإرادة. ذلك أن أسهم الرأسمال المادي خصص لها الكثير من العناية في حين ما يزال الرأسمال الغير المادي غير مستغل، والذي يتكون من عدة أسهم ومنها:
- الرأسمال البشري: ويختزن المغرب طاقة بشرية شابة كبيرة غير موظفة بشكل جيد والمتمتعة بهامش الحرية الواسع دون إنتاج.
-الرأسمال الأمني: حيث الاستقرار الذي تنعم به البلاد غير مستغل كما ينبغي، لكون الأنشطة والممتلكات والقدرات والمبادرات غير مهددة وغير مضايقة ويمكن تحسين المردودية باستغلال عامل الاستقرار.
الرأسمال السياسي: ذلك أن النظام الملكي رأسمال غير مادي والنموذج المغربي يحافظ على التطور والتعايش ويدفع المغرب نحو التسامح والتعاون ويستوعب الاختلاف والتنوعوالتنافس.
ويعتبر فكر جلالة الملك أكبر رأسمال غير مادي للشعب المغربي وللمغرب، وعهده غير مستغل من قبل الكثير من المؤسسات بشكل كاف وطاقاته غير مستغلة كما ينبغي، ولو تظافرت كل الارادات وجهود كل المكونات الوطنية لكانت النتائج أحسن، لكون إرادته قوية ومتينة وتدفع الكل نحو الأفضل ويمكن استغلال الطاقات والاهتمامات الملكية بالخروج من دائرة الاتكال إلى فضاء العمل وبحسن الظن والنية الوطنية الصادقة.
الرأسمال الطبيعي: ينعم المغرب بمناخ متميز يسمح بالاستثمار والقيام بمختلف الانشطة التنموية لكون فصول السنة منتظمة على خلاف الكثير من دول العالم، وأيضا الموقع الجغرافي الاستراتيجي القريب من أوربا.
8 - الدخول السياسي والوضع الأمني:
تحاكي المغرب موجات من الحقد السياسي والتهديدات الاجرامية التي تتوخى ضرب أمنه واستقراره، ويواجه اليوم تحديات استثنائية وهو ماض في إعمال اللازم لكي لا يفلح المجرمون في المساس به وتأهب اليقظة الأمنية لكل الاحتمالات، ويتطلب هذا أيضا تظافر كل الجهود وإبراز ذلك في الدخول السياسي الجديد بتوحيد الكلمة بين كل مؤسسات الدولة لدفع الأذى عن المغرب والتصدي بالمحاربة الاستباقية للمخاطر .
ويبقى الدخول السياسي لسنة 2014 - 2015 مدخلا جديدا لوضع ما تبقى من المعالم لمغرب التنمية والاستقرار والتوجه نحو الرؤية الموحدة والاختيارات المتوافق عليها بين كل القوى السياسية دون تخطي الثوابت الوطنية لاستكمال الأوراش الاقتصادية الكبرى، واستهداف التنمية البشرية والرأسمال غير المادي، وتعزيز مكانة المغرب ضمن نادي الدول الصاعدة بدلا من الدخول إلى حمام الموسم الساخن والغير صالح للاستحمام بالمرة.