أخبارنا المغربية
إعداد : محمد احميمد
يذهب بعض الكتاب والمدونين إلى أن القرآن الكريم ليس كتابا للناس جميعا وإنما هو للعرب فقط وأن كلمة الناس الموجودة في القرآن تعني العرب دون سواهم، واستدلوا على ذلك بجملة من المزاعم والآراء المتهافتة معززين إدعاءاتهم بآيات من القرآن الكريم، أستعرض بعضا منها ومفندا ما زعموه فيها مع تبيين معنى الآيات:
ü {وَمَا أَرْسَلْنَا مِن رَّسُولٍ إِلاَّ بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ فَيُضِلُّ اللّهُ مَن يَشَاء وَيَهْدِي مَن يَشَاء وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ}سورة إبراهيم4. ليس في الآية من متعلق يتعلقون به لإثبات زعمهم فكل ما في الآية أن الرسل قبل محمد بعثهم الله بألسنة أقوامهم ومعلوم أن الرسائل قبل محمد لم تكن للناس جميعا، وإن كانت فليس الرسول يبعث بجميع اللغات وإنما يبعث بلغة قومه إبتداء وتمهيدا لنشرها في العالمين.
ü {وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَّكَ وَلِقَوْمِكَ وَسَوْفَ تُسْأَلُونَ}سورة الزخرف44. لا يفهم من الآية أن الذكر للنبي وقومه هذا قصور في الفهم، بل تعني تذكير لك ولقومك كقوله تعالى: {لَقَدْ أَنزَلْنَا إِلَيْكُمْ كِتَاباً فِيهِ ذِكْرُكُمْ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ} سورة الأنبياء10. ولو سلمنا بهذا الفهم لكان النبي بعث لعشيرته الأقربن فقط قال تعالى: {وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ}الشعراء214.
ومن أقوى الآيات يدعون التي تدعم إتجاهاتهم كما يقولون، هي هذه:
ü {وَهَذا كِتَابٌ أَنْـزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ مُصَدِّقُ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَلِتُنْذِرَ أُمَّ الْقُرَى وَمَنْ حَوْلَهَا}سورة الأنعام92.
وكما نرى فالآية ذكرت الكتب السابقة (وهذا كتاب أنزلناه مبارك مصدق الذي بين يديه..) فما معنى مصدق الذي بين يديه؟ قطعا هي الكتب السابقة، والآية هنا مخاطبة أهل الكتاب من اليهود وهم من بني إسرائيل في الجزيرة العربية وهو خطاب لغير العرب فكيف يكون القرآن نزل للعرب فقط؟ ثم الله يقول: {قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا}الأعراف. (لتنذر أم القرى ومن حولها) فأم القرى كما قيل هي مكة أما من حولها فهم سائر الخلائق لأن (من) هي للعاقل، وفي آية أخرى في سورة الشورى: {وَكَذَٰلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لِتُنْذِرَ أُمَّ الْقُرَىٰ وَمَنْ حَوْلَهَا وَتُنْذِرَ يَوْمَ الْجَمْعِ لَا رَيْبَ فِيهِ...}سورة الشورى7. فمفهوم (أم القرى ومن حولها) لا يقتضي مكة وقبائل العرب كما يصوغون لذلك وإنما مكة وما دونها من الناس.
{نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الأَمِينُ * عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنذِرِينَ * بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُّبِينٍ * وَإِنَّهُ لَفِي زُبُرِ الأَوَّلِينَ * أَوَلَمْ يَكُن لَّهُمْ آيَةً أَن يَعْلَمَهُ عُلَمَاء بَنِي إِسْرَائِيلَ * وَلَوْ نَزَّلْنَاهُ عَلَى بَعْضِ الأَعْجَمِينَ * فَقَرَأَهُ عَلَيْهِم مَّا كَانُوا بِهِ مُؤْمِنِينَ}سورة الشعراء194-199. ليس في الآية ما يفيد تخصيص العرب بالقرآن بل الآيات تصف أحوال كفار قريش وعنادهم وعدم اتباعهم للنبي محمد، حتى أن الله لو أنزل هذا القرآن بهذه البلاغة على أحد الأعجمين وقرأه على كفار قريش ما آمنوا به، ومعنى ذلك إنتفاء شبهة أن يكون محمد أتى بهذا القرآن من عنده، وليس ما ذهب إليه هؤلاء بقولهم قراءة القرآن على الأعجمين، هذا خلط في تدبر الآيات !!
وغير ذلك من الآيات لكن تبقى هذه هي أهم الآيات التي يستدلون بها على رأيهم المتهافت البعيد كل البعد عن الثقافة القرآنية والمعرفة اللغوية والبيانية السليمة.
ومن الأدلة الفكرية التي استندوا إليها، قولهم: إن القرآن نزل بالعربية ولا يمكن لغير العرب أن يفهموا القرآن، وكيف يكون القرآن حجة عليهم؟ وبالتالي فالقرآن ليس كتابا عالميا !!
ولتوضيح المسالة لا بد من عرض ما يلي:
Ø الأدلة القرآنية:
لكي نتوصل إلى معرفة عالمية القرآن لا بد من ذكر الآيات التي تدل على ذلك وهي عديدة في القرآن الكريم، منها:
v قوله تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ}سبأ28. فكلمة الناس في الآية خطاب عام يشمل الناس جميعا وليس العرب فقط كما ذهب بعضهم، والناس كلمة مخصوصة وتدل على الجنس وهم بنو آدم وفي الآية (كافة للناس) أي جميع الناس.
v قوله تعالى:{وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ}الأنبياء107. كلمة (العالمين) تطلق على كل الاحياء فالعالمين هنا يدخل فيها حتى غير البشر لأن رحمة الإسلام تنالهم جميعا باعتبار الإحسان والرفق والرحمة والتعامل مع كل الأحياء.
v قوله تعالى:{يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَىٰ وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ}الحجرات13. في الآية نداء للناس من الجنسين ذكر وأنثى والجنسية هنا تقتضي عدم التخصيص للعرب إذ ليس العرب وحدهم من يتنوعون إلى جنس الذكر والانثى وإنما كل بني آدم. ثم إن في الآية ذكر للشعوب والقبائل ومبدأ التعارف وهذا الخطاب قطعا يقتضي العالمية.
v قوله تعالى:{وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْ ۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِلْعَالِمِينَ}الروم22. في الآية يذكر للمخاطبين اختلاف ألسنتهم وألوانهم وهذا دليل على ان الخطاب للناس جميعا كما ختمت يذلك الآية.
v قوله تعالى:{يَا بَنِي آدَمَ إِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَقُصُّونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِي ۙ فَمَنِ اتَّقَىٰ وَأَصْلَحَ فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ}سورة الأعراف35. الآية تخاطب بني آدم والخطاب للآدمية عام يشمل العرب والعجم، وليس العرب وحدهم من بني آدم والعجم من جنس آخر.
v قوله تعالى: {يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَأَنْتُمْ تَشْهَدُونَ}سورة آل عمران70. في الآية الخطاب موجه لأهل الكتاب وهم عجم بني إسرائيل الذين كانوا في المدينة وكان الرسول يدعوهم إلى الإسلام.
هذه بعض من الآيات القرآنية التي يمكن الاستدلال بها على عالمية القرآن الكريم، وغيرها كثير مما يشبهها في كتاب الله.
§ في تنزيل القرآن الكريم على الواقع العالمي فيمكن القول:
إن القرآن الكريم كتاب للناس جميعا وذلك ليس باللغة التي نزل بها وإنما بالمبادئ التي يدعو إليها وهو وهو أمر يقتضي ترجمته واقعا وعملا، فالقرآن الكريم ليس كلاما يتلى فحسب وإنما مبدأ يطبق في واقع الإنسان، حتى أن الأخلاق والمبادئ التي نادى بها هي أخلاق ومبادئ كونية، بمجرد ما يرى أحد -في أي أرض كانت- أحدا يطبق مبدأ جاء به الإسلام، يقول إنه إنسان صادق، أو أنه إنسان صدّيق بالمفهوم الديني. ولذلك دخلت شعوب شرق آسيا في الإسلام عن طريق أخلاق التجار لا عن طريق الفتوحات العربية، دخلت في الإسلام عندما رأت أناسا يلتزمون بالصدق والعمل الحسن فعلموا أنهم مسلمون وأنهم يمارسون تعاليم القرآن في سلوكهم فآمنوا لأجل ذلك.
إذن من هنا نقول إن القرآن قبل أن يترجم لغويا يجب ان يترجم عمليا فهذه هي ترجمة القرآن الحقيقية وهذه هي لغته العملية المعبرة. قالت عائشة لما سئلت عن خلق النبي عليه الصلاة والسلام ، قالت : ( كان خلقه القرآن) صحيح مسلم.
{يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَىٰ وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا ۚ إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ}الحجرات13.
{وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْ ۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِلْعَالِمِينَ}الروم22.
§ في سؤال، كيف يقيم الله الحجة عليهم بكتاب ﻻيفهمونه وليس هو بلغتهم؟
الله لا يؤاخذ الناس إلا بقدر ما وصل إليه إجتهادهم {لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا ۚ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ} سورة البقرة 286 .
ثم إن الحجة لا تقام بالقرآن فحسب بل بالكون والخلق أولا فالقرآن نزل على محمد لإرشاد الناس وهذا لا يمنع من عدم إستعمال العقل الذي هو مناط التكليف والإنسان مفطور على تقبل الحقيقة إذا توصل إليها أو أوصله أحد إليها.
وقد إستودع الله في الإنسان ما به يتوصل لمعرفة الحقيقة قال تعالى:{وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا * وَالْقَمَرِ إِذَا تَلَاهَا * وَالنَّهَارِ إِذَا جَلَّاهَا * وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَاهَا * وَالسَّمَاءِ وَمَا بَنَاهَا * وَالْأَرْضِ وَمَا طَحَاهَا * وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا * فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا*..}سورة الشمس1-8. فقد ذكر الله في هذه السورة جملة من الآيات الكونية ثم أردف بذكر تسوية النفس وإلهامها. ثم الله ييسر المعرفة للإنسان، فالذي كان صادقا في بحثه متوجها إلى معرفة الحقيقة محسنا في طلبها لا بد أن يهديه الله إلى الحق. قال الله تعالى:{وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَىٰ * وَالنَّهَارِ إِذَا تَجَلَّىٰ * وَمَا خَلَقَ الذَّكَرَ وَالْأُنثَىٰ * إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّىٰ * فَأَمَّا مَنْ أَعْطَىٰ وَاتَّقَىٰ * وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَىٰ * فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَىٰ * وَأَمَّا مَن بَخِلَ وَاسْتَغْنَىٰ * وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَىٰ * فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَىٰ * وَمَا يُغْنِي عَنْهُ مَالُهُ إِذَا تَرَدَّىٰ * إِنَّ عَلَيْنَا لَلْهُدَىٰ * ... }سورة الليل1-12. قوله: (إن علينا للهدى) معناه إن من الله الهداية. وكذلك قوله تعالى: {أَلَمْ نَجْعَل لَّهُ عَيْنَيْنِ *وَلِسَاناً وَشَفَتَيْنِ *وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ}البلد8-10. من خلال ما ذكر لا يصح أن نفرق بين البحث الإنساني والهداية الإلهية، لأنهما قرآنيا أمران متلازمان، والله أعطى للإنسان وسائل ذاتية للمعرفة وأراه الآيات والدلائل والبراهين في السنن النفسية والاجتماعية والسنن الكونية، قال تعالى:{سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّىٰ يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ ۗ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ}فصلت53.
إذن فاالله هو الهادي أما النبي فهو منذر والقرآن مرشد، وقد قال الله تعالى:{ويَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِنْ رَبِّهِ إِنَّمَا أَنْتَ مُنْذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ} الرعد:7.
ثم إن الذين لم تصلهم الرسالة أو وصلتهم مشوهة كدعاة المسلمين اليوم فهؤلاء القوم لهم حكم آخر يحاسبهم الله يوم القيامة بقدر عقولهم ومعرفتهم للخير والشر.
Ø الأدلة من السنة:
o يخبر صلى الله عليه وسلم قومه قائلاً:(والله الذي لا إله إلا هو إني رسول الله إليكم خاصة وإلى الناس عامة )" مجمع الزوائد ،الجزء 8"
o روى أبو هريرة رضي الله عنه،أن رسول الله قال : (أنا رحمة مهداة). المستدرك :(1: 35)وصححه على شرطهما واقره الذهبي – ومجمع الزوائد :( 8 : 257 ).
o عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (
Hassan
السلام على من إتبع الهدى اما بعد لو ان القرآن أنزل إلا على العرب لما قال الله تعالى في كتابه العزيز. كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر،مخاطبا العرب.إذن إن الاسلام دين عالمي،وخير مثال على ذلك إسلام سلمان الفارسي رضي الله عنه وأرضاه وهو من الفرس.