التضامن الوطني- آمال معلقة لإنقاذ الفقراء في المغرب
أخبارنا المغربية
أخبارنا المغربية
أحدثت الحكومة المغربية صندوقا للتضامن الوطني تموله مساهمات تضامنية تؤديها بعض الشركات ذات الأرباح الضخمة. المشروع يبقى معلقا بعد سحب قانون المالية للسنة المقبلة من البرلمان فيما يستمر ضغط الشارع بمطالبه الاجتماعية الملحةصندوق التضامن الوطني برزت قوة المطالب الاجتماعية في المغرب خلال الأشهر الماضية في شعارات ولافتات رفعت خلال عشرات المسيرات التي نظمتها حركة 20 فبراير منذ 9 أشهر في مختلف مدن المملكة. بعض الاحتجاجات الاجتماعية بلغت حد الانفلات الأمني واحتلال السكك الحديدية أكثر من مرة في مدن الفوسفاط. رد فعل الدولة تمثل في زيادات في الأجور وتوظيفات بالجملة وزيادات في ميزانية صندوق دعم أسعار المواد الأولية، وهو ما ووجه بانتقادات كثيرة من لدن خبراء اقتصاديين وبعض نشطاء اليسار ووالي بنك المغرب (البنك المركزي).
شاءت الحسابات السياسية لما قبل الانتخابات السابقة لأوانها يوم 25 نوفمبر المقبل، أن يتم تأجيل النقاش والتصويت على مشروع قانون المالية للسنة المقبلة الذي يتضمن مساهمات تضامنية تؤديها الشركات الغنية لصالح صندوق للتضامن الوطني. وسحبت الحكومة المشروع لتزامنه مع مناقشة القوانين الانتخابية، وإن كان البعض يذهب إلى أن سبب السحب الحقيقي يكمن في قلق بعض اللوبيات من الضرائب التي يرتقب أن يؤدوها لصالح صندوق التضامن الوطني إذا ما تم إقراره.
في حواره مع دويتشه فيله يلخص كريم التازي، رجل أعمال مدعم لحركة 20 فبراير، جوهر هذه الانتقادات قائلا "السياسة التي اعتمدتها الدولة كرد فعل على احتجاجات حركة 20 فبراير غير مسؤولة". ويوضح قائلا "إنها تورط الدولة في مصاريف إضافية هائلة من خلال أجور الموظفين الذين تم تشغيلهم بالآلاف في الوظيفة العمومية دون مراعاة الكفاءة والجدوى من تشغيلهم. علما أن الدولة تعاني أصلا من ثقل كلفة الأجور وتعيش فوق مستوى إمكانياتها".
مجموعة "وضوح، طموح وشجاعة" التي تضم نشطاء يساريين، كانت من القلائل الذين طالبوا بسن سياسة تضامنية توفر موارد مالية من ضرائب تفرض على الأغنياء تساهم في تلبية الحاجيات الاجتماعية الملحة. وفي هذا السياق جاء مشروع القانون المالي للسنة المقبلة بصندوق التضامن الوطني. ويوضح مصدر في وزارة المالية المغربية لدويتشه فيله أن الأمر يتعلق بـ"مساهمات تضامنية" جرى التفاوض حول تحديد نسبها مع المعنيين بها قبل صياغتها في مشروع القانون، تشكل أساس ميزانية الصندوق الموجه لدعم الفقراء وذوي الاحتياجات الخاصة.
وتتشكل هذه المساهمات مما يعادل 1 بالمائة من رقم معاملات شركات الاتصالات الهاتفية وشركات الإسمنت والأبناك وشركات التأمين، اعتبارا لكون هذه الشركات تحقق أرباحا مرتفعة سنويا، وشريطة أن لا يؤثر اقتطاع هذه المساهمات التضامنية على الأسعار والخدمات التي توفرها هذه الشركات للمواطنين. أما عموم الأغنياء المرشحين للمساهمة في ميزانية هذا الصندوق فيتمثلون في أولئك الذين يتجاوز استهلاكهم للكهرباء الشطر الأعلى، إذ تقتطع منهم مساهمة تضامنية تدمج ضمن فاتورة الاستهلاك.
آمال معلقة ومن المنتظر أن يستفيد سكان العالم القروي من حصة مالية مهمة هذا الصندوق إذا تم إقرار هذا القانون. هؤلاء يشكلون نسبة مهمة من الثمانية ملايين نسمة ونصف التي تعتبرها السلطات المغربية في خانة الفقراء، بناء على دراسة أنجزت لتحديد المؤهلين للاستفادة من بطاقة الخدمات الصحية المجانية قبل سنوات. لكن سحب مشروع قانون المالية من البرلمان والغموض الذي لف هذا السحب وتاريخ إيداعه من جديد بالمؤسسة التشريعية قصد مناقشته والتصويت عليه، يجعل صندوق التضامن الوطني معلقا إلى أجل غير معلوم. غير أن ذلك لم يمنع بعض أرباب الشركات المعنية به من التعبير عن عدم حماسهم للمشروع.
المدير العام المنتدب للبنك المغربي للتجارة الخارجية، ابراهيم التويمي الذي يضم فروعا في أوروبا وإفريقيا، قال في ندوة صحافية بعد أيام قليلة من سحب مشروع قانون المالية إن "الأبناك تضخ منذ تأسيسها الملايين من الدراهم سنويا في خزينة الدولة على شكل ضرائب بالإضافة إلى تشغيل المئات من الأطر والمستخدمين. بالتالي لا يجب أن يكون لهذا المشروع (صندوق التضامن) انعكاس على نمو هذه الأبناك والمؤسسات المالية".
من جهته يعتقد كريم التازي أن "فرض ضرائب جديدة على شركات معينة ليس من شأنه حل المشاكل الاجتماعية القائمة، بل سيكون له تأثير سلبي على المناخ العام للاقتصاد المغربي. أقول هذا الكلام رغم أنني لست مساهما في أي من الشركات المشتغلة بالقطاعات المعنية بهذه الضرائب الجديدة. هذه حلول سهلة ترقيعية وديماغوجية".
مخاطر في الأفق بالمقابل هناك من يرى في صندوق التضامن الوطني فكرة جيدة من شأنها المساهمة في تقليص الفوارق الاجتماعية إذ جرى تدبيرها بشكل جيد وأرفقت بإجراأت واضحة لمحاربة الفساد والريع. وفي حواره مع دويتشه فيله يقول إدريس بنعلي، وهو محلل اقتصادي، "الدولة صرفت أموالا كثيرة لتربح السلم الاجتماعي وهذا يضعنا في مأزق. نحن لا نملك موارد بترولية ومواردنا الضريبية محدودة، ولا نستطيع احتمال نتائج أي سياسة تقشفية، فكل السياسات التقشفية التي انتهجت في الثمانينات والتسعينات أعقبتها هزات اجتماعية عنيفة". لكنه أشار في نفس السياق إلى أن فكرة صندوق التضامن الوطني تبدو وجيهة، "شريطة محاربة الفساد والحوار مع القوى السياسية الحاضرة فعلا في الميدان وليس فقط الأحزاب المشاركة في الانتخابات".
من جهتها تؤكد الحكومة المنتهية ولايتها في أفق انتخابات 25 نوفمبر أنها حققت مكاسب اجتماعية هامة، رغم استمرار ضغط الشارع. على سبيل المثال، تقول الحكومة إنها نجحت في: تقليص عدد الفقراء من 4 ملايين ونصف إلى ما يقارب 3 ملايين فقط، إحداث 71 ألف منصب شغل في الوظيفة العمومية ما بين سنتي 2008 و2011، رفع عدد المستفيدين من التغطية الصحية إلى 31 بالمائة، وتخصيص أكثر من 32 مليار درهم للزيادة في الأجور من خلال الحوار الاجتماعي مع النقابات، وهو ما يتجاوز مجموع ما تم تخصيصه للحوار الاجتماعي خلال العشر سنوات الماضية.