الرئيسية | أقلام حرة | مجرمون لكن .. كرماء

مجرمون لكن .. كرماء

بواسطة
حجم الخط: Decrease font Enlarge font
مجرمون لكن .. كرماء
 

 

قد يكون من بديهيات الأمور، أنه لا خير يرجى من اللصوص والمجرمين. باعتبار مهامهم في الدنيا التي تقتصر على إسقاط الضحايا ونشر الأذية والشر بمحيطهم.. وأنه لا يمكنهم امتلاك ذرات كرم أو سخاء لتوزيعها.. لكن في بلاد كالمغرب، حيث امتهان السرقة والسطو وتنفيذ الجرائم، ليس سوى سلوكا انتقاميا أو بديلا مؤقتا للخروج من دائرة الفقر والتهميش.. نجد أن هناك تجليات مختلفة لسخاء وكرم هؤلاء اللصوص والمجرمين، تبرز واضحة بالأحياء والمناطق الهامشية التي يقطنون بها، أو تجاه بعض الأشخاص المحبوبين لديهم، أو الذين يستثنونهم من لائحة المستهدفين بالسرقة والعنف. ربما قد يكون التودد لهؤلاء و أولائك من باب الاحتماء في وسطهم أو إخفاء هوياتهم الإجرامية. لكن الأكيد أن الدعم والمساعدة التي يتلقاها بعض المحظوظين من هؤلاء الخارجين عن القانون، تفوق دعم الحكومة ومبادراتها الخجولة. وتزيد من تماسك سكان تلك التجمعات السكنية. منحرفون لا يترددون في ترويج المخدرات واقتراف الجرائم، وسلب أموال كل غريب عنهم صادفوه داخل الأسواق الأسبوعية و(الجوطيات)، أو بالأماكن المنعزلة أو المظلمة.. بالمقابل تجدونهم يقتنون أضاحي العيد لأرامل وفقراء الحي أو الدوار أو (الكاريان) الذين يقطنون به.. يشترون الألبسة ولوازم المدرسة لأطفال الجيران ويساعدون في العلاج ... يسددون ديون المحتاجين ويساهمون في تنظيم مناسبات الأحزان والأفراح.. مصابون بازدواجية في الشخصية. مقتنعون بأنه لا بديل لهم عن مهنهم الإجرامية، وبالمقابل عليهم يوميا طلب المغفرة، وفرص بديلة للاسترزاق، ويواظبون على الظهور بمظاهر الكرماء والأتقياء بمحيطهم. ولعل منتهى كرم وسخاء اللصوص ما عاشه الفنان الساخر محمد امهيول أخيرا مع ثلاثة لصوص اعترضوا طريقه بباب أحد الأسواق الأسبوعية ضواحي الدار البيضاء. قدموا إليه أنفسهم على أنهم لصوص. وأظهروا له إعجابهم بأسلوبه الكوميدي. امهيول أكد لهم أن لديه 200 درهم، مستعد لإعطائها لهم مقابل عدم تعنيفه. وحكا لهم بأسلوبه الساخر كيف كان ينوي صرفها.. وجبة غذاء من الكباب وشراء كمية لحم لأسرته والنقل. ودع الفنان اللصوص، وأحدهم يؤكد له مدى الحب الذي تكنه له والدته. تنفس امهيول الصعداء بعد اختفائهم. وتابع سيره بأزقة السوق وانشغل بكثرة المعجبين الذين كانوا يستوقفونه في كل مرة من أجل تحيته و التقاط صور معه. قبل أن يصل إلى هدفه الأول (الجزار بائع الكبد)، وقبل أن يبادر إلى طلب كمية نيئة. كان الجزار يمد له كيسا بلاستيكيا به كمية من الكبد. وقال له إنها هدية من أصدقائه. انتقل بعدها إلى محل الشواء. ليفاجأ بصاحب المحل يسارع لأخذ الكيس من يده. وقال إن أصدقائه سبقوه. وأدوا كل ما يتعلق بالشواء والطماطم والبصل والشاي والخبز. تناول امهيول وجبة الغذاء. وعرج إلى الجزار من أجل شراء كمية من اللحم لأسرته الصغيرة. فعاد الجزار ليفاجئه بكيس ثان من اللحم، تركه له أصدقائه. ليدرك فيما بعد أن الأمر يتعلق باللصوص الثلاثة الذين اعترضوه عند مدخل السوق.

هؤلاء هم لصوص بسطاء، اختاروا العمل وفق حديث نبوي شريف (.. أتبِعِ السيئةَ الحسنةَ تَمْحُهَا..). رغم ما قد يثار من جدل حول المال الحلال أو الحرام..علما أن ببلادنا لصوص كبار من فئة خمسة نجوم لا يمتلكون الوقت للتفكير في التكفير عن اختلاساتهم التي يروح ضحيتها يوميا شعب بأكمله.. الأكيد أننا لن نتمكن من تطهير العفن والقذارة والخبائث، لأن تنظيفها يعني اختفاءها. وأننا نجد صعوبة في القضاء على الفساد وجذوره التي ترسخت بكل القطاعات، لكن واقع الحياة قد يكشف لنا، أهمية العفن والشر والسوء في الدورة العادية للحياة. وأن هناك من يتغذى من وراءها، ويشكر الله ليلا ونهارا دون أدنى تدمر أو إحساس بالذنب اتجاه الآخر.

مجموع المشاهدات: 985 |  مشاركة في:

الإشتراك في تعليقات نظام RSS عدد التعليقات (0 تعليق)

المجموع: | عرض:

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

التعليقات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع

من شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات

مقالات ساخنة