الرئيسية | أقلام حرة | ضحايا الثالوث المشؤوم: الاستبداد والجهل والفقر

ضحايا الثالوث المشؤوم: الاستبداد والجهل والفقر

بواسطة
حجم الخط: Decrease font Enlarge font
ضحايا الثالوث المشؤوم:  الاستبداد والجهل والفقر
 

عادة ما يسوّق مسؤولو هذا البلد في البيانات والخطب ووسائل الإعلام الرسمية صورا وردية عن حياة المغاربة، لكن بين الفينة والأخرى يحدث اختراق لهذه الصورة يكشف جوانب من الحياة الحقيقية التي يعيشها الكثير من المغاربة في الهوامش البعيدة أو أطراف المدن والمراكز أو حتى في قلب الحواضر، وتلعب وسائل التواصل الحديثة التي أصبحت "وسائل اتصال جماهيري" بتعبير مانويل كاستلز دورا بارزا في الكشف عن هذه الصورة الحقيقية رغم كل جهود الطمس والتعتيم التي لم تعد تفيد.

 

هذه الظواهر المجتمعية هي عبارة عن رسائل مشفرة تكشف عن حقائق ظاهرة وأخرى مضمرة تحتاج إلى دراسة وتحليل، ومن هذه الحقائق نذكر ما يلي:

 

أولا-فشل مجتمعي متعدد الجوانب والأطراف تأتي الدولة ونموذجها التنموي والسياسي في صلبه بحكم المسؤوليات التي تتحملها والمتضمنة أصلا في تعريفها، وكذلك بفعل الإمكانيات التي تمتلكها مختلف أجهزتها الوصية على قطاعات متعددة والتي لم تستطع الوفاء بالتزاماتها التعاقدية مع الشعب، وقد أفضى هذا الفشل إلى تعميم الثالوث المشؤوم: الاستبداد والجهل والفقر:

 

1-تعميم الاستبداد، وذلك من خلال تسلط الدولة على كل المجالات السياسية والحياتية، وخنق كل الوسطاء الاجتماعيين والسياسيين عن طريق إفساد العملية السياسية وإفراغها من كل محتوى إيجابي، ومحاصرة العمل الحزبي والنقابي، وتأميم العمل الأهلي ومنحه هوامش ريعية مفسدة، وأخيرا احتكار الحيز العمومي ومنع أية إمكانية للتعبيرات السلمية المخالفة لكي تبدي وجهة نظرها أو تعبر عنه في الشارع العام.

 

2-تعميم الجهل والخرافة، وذلك من خلال فشل الإصلاحات المتوالية للمنظومة التعليمية، وكذلك فشل الإصلاح الديني في إرساء قواعد سليمة لتدين متنور ومنفتح، والعمل بدل ذلك على تعميم نماذج من التدين قائمة على تقديس الخرافة والفهم التقليدي للدين، وكذلك غض النظر عن نتوءات الغلو والتشدد، ومحاصرة الأفكار والمشاريع التنويرية الجادة وتهميشها.

 

3-تعميم الفقر، وذلك من خلال فشل النموذج التنموي القائم على الريع والاحتكار وإنهاك الطبقة الوسطى وإلحاقها بجموع الفقراء وإشاعة ثقافة التسول والاتكال في صفوف البسطاء والمحتاجين بدعوى التضامن والتكافل بديلا عن قيام الدولة بمسؤولياتها الحقيقية في التنمية والتشغيل.

 

ثانيا: الانتقال من التعتيم ومحاولة طمس هذه الظواهر إلى التطبيع معها، إذ لم تعد تحركنا فينا هذه الظواهر أية ردود أفعال على العموم، ولا شك أن تسويق الصورة على مدار اليوم والليلة تلعب دورا بارزا في هذا التطبيع.

 

ثالثا: اعتماد سياسة التشويش والإلهاء التي تعمل من خلالها بعض مؤسسات الدولة أو ذيولها السياسية والمجتمعية على إبعاد الأنظار عن الظواهر الحقيقية من خلال إنتاج أو التغاضي عن بعض الإفرازات والظواهر المجتمعية التي تفتل في حبل الثالوث المشؤوم المشار إليها.

 

رابعا: وأهم ما يجب الانتباه إليه هو أن هذا الثالوث المشؤوم يؤدي في أحيان كثيرة إلى إنتاج أشكال مختلفة من المقاومة، ويظهر صورا معقدة لاشتغال المجتمع في ظل ظروف استثنائية طال أمدها، ويرتبط كذلك بميلاد هويات متناثرة ومتشظية، لكن الرابط العام الذي ينسج هذه الظواهر جميعها هو الخوف من التهديد، ومحاولة تلبية المطالب والحاجيات التي لم تستطع الدولة تلبيتها، وكذلك محاولة النفوذ إلى الخدمات الاجتماعية وأحيانا إلى الجاه والغنى التي لم يعد يكفلها "الحراك الاجتماعي" الهش، وذلك إما عن طريق أفعال غير مشروعة أو عن طريق اليوتوبيا والأحلام سواء بقصد أو بدون إدراك.

 

 

فالبسطاء والمهمشون يصنعون سياساتهم الخاصة، ويبدعون أنماطا جديدة للعيش بطرق تقليدية أو حديثة بحثا إما عن صور من التعبير والتضامن المجتمعي أو تحدي السلطوية وإظهار غياب العدالة كما أبان عن ذلك آصف بيات في كتابه "الحياة السياسية: كيف يغير بسطاء الناس الشرق الأوسط"، فالخرافة مثلا ليست فقط مظهرا من مظاهر الانهيار التي تفتك بالمجتمع ولكن يجب النظر إليها أيضا باعتبارها شكلا من أشكال التمرد والاحتجاج وإثبات الحضور، ونفس الشيء يقال عن ظهور بعض أنماط التدين الغريبة التي تلوذ بالصمت والتواري عن الأنظار ثم تنبثق فجأة في أشكال تمردية عديدة منها ما عنيف ومنها ما خرافي ومنها ما هو دخيل.

مجموع المشاهدات: 802 |  مشاركة في:

الإشتراك في تعليقات نظام RSS عدد التعليقات (0 تعليق)

المجموع: | عرض:

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

التعليقات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع

من شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات

مقالات ساخنة