الرئيسية | أقلام حرة | هل توارى دور القلم خلف شريط الفيديو؟

هل توارى دور القلم خلف شريط الفيديو؟

بواسطة
حجم الخط: Decrease font Enlarge font
هل توارى دور القلم خلف شريط الفيديو؟
 

القلم في موروثنا الثقافي

 

بإلقاء نظرة على موروثنا الثقافي يستوقفنا منه رصيد ضخم حول القلم وأدواره ونفاذه ومواقفه ؛ تارة كسيف قاطع وأخرى كبلسم شاف ، وتارة أخرى كمسترزق يلهث وراء التكسب ، أو مداح لا يفتر عن نظم القصائد العصماء ، وفي أحيان كثيرة كمغص في حلقوم الحاكم أو صاحب سلطة ، ومنهم من صنفه ؛ تبعا لأدواره التي لعبها عبر حقب زمنية ؛ إلى قلم من ذهب أو خشب أو ورق ..

 

ويزخر التاريخ السياسي العربي بحوادث ووقائع تراجيدية لكتّاب قضوا تحت حبال مشنقة أو مقصلة ، أو في ردهات معتقلات مجهولة .. لا لشيء سوى أنهم رفعوا أشكال التحدي في وجه حاكم أو صاحب نفوذ ، ومنهم من لقي مصرعه فقط لإشهار قول "لا" في وجه طاغية أو عربيد مال ! بيد أن هذا النفوذ وهذا الدور الطلائعي الذي تفرد به القلم ؛ عبر تاريخ مجيد وعبق بدماء الثوار والمعارضين ، انحسر في العقود الأخيرة تحت وطأة عديد من التحولات السياسية وفي مقدمتها أنظمة الحكم التي انقادت ؛ بفعل ثورات اجتماعية عارمة ؛ إلى تبني أشكال من الديمقراطية التي وفرت للإنسان حزمة من الحقوق وهامشا من الحريات ؛ لعل أبرزها حرية التعبير بصيغ متعددة .

 

لكن أنظمة دول عربية عديدة بقيت ـ وما زالت ـ في عداء مع كل من يحاول تعريتها وكشف أعطابها بالرغم من الشعارات الجوفاء التي تتبجح بها في أبواقها .

 

الفيديو كبديل للقلم

 

من خلال طفرة التكنولوجيا الرقمية التي ألقت بظلالها على جوانب هامة من حياتنا ، ظهرت إلى العلن أشكال جديدة للتعبير والتواصل ؛ استأثرت فيها الصورة باهتمام المشاهد ، واحتلت بالكاد أوقاته إن بواسطة الهواتف والألواح الذكية أو الكاميرات الرقمية ، وغدت ؛ من بينها ؛ الأشرطة القصيرة Videos البوابة المفضلة للولوج إلى عالم رقمي جد معقد ؛ مواكب لأحدث الوقائع التي تموج بها الأوساط الرقمية ، من قريب أو بعيد .

 

ولعل من أبرز تبعات هذه التحولات "الرقمية" استواء الأمي والمتعلم في المرجعية التي ينهل منها كل منهما ، وهو شريط الفيديو الذي يشاهده كل منهما ، وإن كان المتعلم يراه بأبعاد أخرى لا يستحضرها الأمي .

 

مقارنة بين المشاهد والقارئ

 

إنه من البساطة بمكان إجراء إحصاء تمهيدي بين عدد المشاهدين لشريط فيديو ، وبين عدد قراء لمقالة ذات الصلة بالفيديو على النحو التالي :

 

فيديو اغتصاب .................................. مقال اغتصاب

 

خلال ساعة : 10,000 مشاهد .............. 500 مطلع

 

،،،، يوم : 4 مليون مشاهد .............. 8000 مطلع

 

،،،، أسبوع : 20 مليون مشاهد ............. 15,000 مطلع

 

وما يمكن استخلاصه أن شريط الفيديو أسرع انتشارا بين الجمهور من المقال ، فإذا كان الشريط حقق 20 مليون من المشاهدات فيكفي فقط 10 عشرة أيام ليصل إلى جميع المغاربة وفي وقت قياسي ، بينما المقال يظل محدودا في عدد القراء ، وبلغة "انتشار المعلومة" فالفيديو يكفي فقط أقل من أسبوع حتى يصل إلى جميع المغاربة باستعمال تقنية Share /Partager ، بيد أن المقال يتعطل في إحداث تغيير داخل مجتمع تحصد فيه الأمية نسبا هامة كالمغرب . وقد تتبعنا مؤخرا إلى أي مدى بلغت درجة تأثير الأشرطة وتبادلها بين المغاربة والتي كانت من وراء "حملة المقاطعة" التي وجهت ضربة اقتصادية مدوية لبعض المنتجات الاستهلاكية وفي ظرف قياسي ، لا يمكن معه مطلقا لمقال أو مجموعة مقالات صحافية إحداثه ولو ظلت منشورة لأزيد من سنة كاملة !

 

أين سيذهب القلم أمام هذا الزخم الرقمي ؟

 

حتى لا تكون أحكامنا مطلقة ، يجب الإقرار بأن القلم ؛ في الدول الديمقراطية وبلدان المعرفة المنفتحة عن الحريات ؛ ما زال يحتفظ ببريقه ، وله صولات وجولات في بناء الوعي الجماعي ، وذلك من خلال نسب القراءة والتي لا يمكن مقارنتها مع القراءة في البلدان العربية ، وإلا فكيف لنا أن نقايس بين 6 دق وبين 50 يوما في السنة . فما يقرأه القارئ العربي يصل فقط إلى نسبة 1 جزء من 12,000 مما يقرأه نظيره في البلدان الغربية وأخرى آسيوية .

 

 

لا يمكن التكهن بما ستؤول إليه أزمة القراءة في المغرب ، وإن كانت بعض بوادرها بدأت تلوح في الأفق من خلال مقروءات الجرائد الورقية والتي ربما ستحكم على بعضها بالتوقف عن الصدور بالرغم من الدعم المالي الذي تتلقاه من الدولة . أما نشر الكتاب فقد أصبح الإقدام عليه مغامرة غير محمودة العواقب ، ولذا يتعين تجريب إصدار مقال عبر الفيديو !

مجموع المشاهدات: 715 |  مشاركة في:

الإشتراك في تعليقات نظام RSS عدد التعليقات (0 تعليق)

المجموع: | عرض:

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

التعليقات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع

من شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات

مقالات ساخنة