أخبارنا المغربية - و م ع
ما كان يخطر ببال أمينة، ذات الـ 35 ربيعا، أنها ستحقق حلمها وتنطلق يوما بمنتوج قريتها الصغيرة إلى أسواق خارج البلاد، سلاحها العزيمة القوية، التي اجترحت بها المستحيل، رغم ضيق ذات اليد وانسداد الأفق.
وتقف أمينة اليوم، وكأنها في حلم، في رواق بالمعرض الدولي للفلاحة بمكناس الذي تجاوز صيته آفاق الوطن، وهي تعرض منتجاتها المجالية، فخورة بما بذلته من جهد، ولتؤكد أن المرأة القروية قادرة على الانخراط الفاعل في مسار التنمية.
وحرصت أمينة بعناية على تأثيث رواقها بما أنتجته تعاونيتها الفلاحية النسوية "تايتماتين"، من زجاجات من أحجام مختلفة مملوءة بزيت الأركان ومواد تجميل أخرى من قبيل كريمات ومنظفات الشعر والجسم تحمل ملصق هذه التعاونية الفلاحية، التي انطلقت من لاشيء.
وتحكي أمينة أن بلوغ هذا النجاح وتسويق منتجاتها وطنيا ودوليا لم يكن بالأمر الهين، إذ واجهتها صعوبات كثيرة عندما عزمت على تأسيس هذه التعاونية النسوية، تمثلت أساسا في عدم توفرها على الموارد المالية والدراية الكافية بمفهوم التعاونية وكيفية إدارتها.
وتقول أمينة، وهي تحكي قصة نجاحها، لوكالة المغرب العربي للأنباء، إنها "جازفت" بدخول "مشروع كنت أجهل ما سيؤول إليه..."، "ولم أجد المساعدة من سكان منطقتي الذين كانوا يرددون على مسامعي أن "المرأة القروية ليست مؤهلة لتسيير تعاونية"، مما قوى عزيمتي وزادني إصرارا لإثبات العكس وتحقيق أهداف طالما حلمت بها".
وجابهت أمينة مواقف أولياء بعض فتيات القرية الذين رفضوا السماح لبناتهم بالاشتغال معها والمساهمة في تنمية منطقتهن وإحداث أنشطة مدرة للدخل عوض الاضطرار إلى النزوح إلى المدينة.
فبالقرب من قرية تيوت بإقليم تارودانت، استطاعت أمينة، التي ترعرعت وسط أسرة مكونة من خمسة أبناء، الحصول على مقر من جماعتها القروية وشرعت في العمل بمعية 20 منخرطة في أكتوبر 2002 دون أي مدخول مادي لمدة ستة أشهر، حيث كانت تلجأ إلى الاقتراض لتقتني المواد الأولية.
ولتحسين طريقة اشتغالها استفادت هي والنساء العاملات معها من تكوين لمدة ستة أيام تعرفت خلاله على القوانين المنظمة للجمعيات النسائية والمسؤولية التي تقع على عاتقها وكيفية تسيير مشروعها وتطويره.
وبعد مرور أربع سنوات ذاع صيت هذه التعاونية وأصبحت معروفة ولها زبناء أوفياء، فزاد الطلب والإقبال على منتجاتها المحلية الطبيعية، وبدأ هاجس الانتقال الى مقر أكبر يراود أمينة، ليتحقق مبتغاها في سنة 2008 بحصولها على مقر كبير وجديد منحته إياها مؤسسة محمد الخامس للتضامن.
لم تقتصر إيجابيات المقر الجديد على تشغيل النساء القرويات بل كان يشتمل على قاعة
للتكوين الوظيفي للمنخرطات في التعاونية وتقديم دروس لمحاربة الأمية بالمجان سواء بالنسبة للعاملات أو نساء القرية، تقول أمينة، مكنهن من الاشتغال في ظروف عمل مريحة وجيدة.
كما مكنها المقر من تشغيل 102 امرأة قروية إضافية واقتناء آليات أخرى جديدة، ما أفضى إلى تنامى الإنتاج ووفرة العرض وارتفاع سقف الطموح، الشيء الذي دفعها إلى عرض منتجاتها في معارض وطنية ودولية، وإبرام صفقات تجارية وتسويق منتجاتها خارج المغرب.
ولكون منتجاتها تحترم أساسا معيار الجودة، ولجت أمينة عالم التصدير إلى بلدان أوروبية وآسيوية وخليجية، وفرضت نفسها بقوة في السوق الوطنية والدولية رغم إكراهات التسويق والمنافسة القوية لشركات عالمية تقتني ما أنتجته نساء قرويات مثابرات وصبورات بأثمنة زهيدة.
فمراحل إنتاج زيت الأركان ليست باليسيرة، إذ يتم في البداية جمع المادة الأولية "أفياش" خلال شهري يونيو ويوليوز في الجبال وتخزينها فوق ألواح خشبية، تليها مرحلة التقشير أي إزالة الطبقة السطحية التي تستخدم كعلف للمواشي، بعد ذلك تأتي مرحلة تكسير حبة الأركان التي تتم بطريقة تقليدية، وهي المرحلة الأصعب لأن المرأة المكلفة بهذه المهمة تشتغل لمدة سبعة ساعات من أجل استخراج كيلو واحد من النواة (الزنين) التي تحمص لاستخراج زيت أركان للأكل أو تعصيرها طرية من أجل استعمالها للتجميل، ثم تأتي مرحلة تصفية الزيت من بقايا نواة الأركان وتعليبه في قنينات مخصصة للاستهلاك المحلي أو في براميل موجهة للتصدير.
وبنبرة ملؤها الحصرة، تتأسف أمينة لكون عرق بعض النساء العاملات في هذا المجال يستغل من طرف شركات كبرى في مجال التجميل حيث أصبح زيت أركان متواجدا في معظم كريمات التجميل ومواد الاعتناء بالشعر، التي يتم بيعها بأثمنة جد مرتفعة.
وما يحز في نفسها أكثر هو أن النجاح الذي اكتسبته مواد زيت أركان لا ينعكس على منتجي هذا الزيت في القرى البعيدة. ويرجع الأمر، حسب رئيسة تعاونية "تايتماتين" إلى تعدد الوسطاء العاملين في القطاع والذين "يحتكرون تصدير زيت الأركان إلى الخارج".
ويبقى أملها معلقا في أن يتم إحداث شركات في المغرب لتحويل زيت الأركان إلى مواد تجميلية وطبية يتم تصديرها للخارج عوض استيرادها واقتنائها بأسعار مرتفعة.