أخبارنا المغربية - و.م.ع
تتسم منظومة العدالة في المغرب بمواطن قوة لا يمكن إنكارها تتمثل في تحقيق إنجازات وإصلاحات عامة على مدى الخمسين سنة الماضية، تتجلى على الخصوص في صدور تشريعات متقدمة في شتى المناحي ووجود قضاة ذوي كفاءة عالية وتراكم اجتهادات قضائية ثرية في كل فروع القانون وتوفر خبرات متميزة في إدارة مرفق القضاء ووجود مهن قضائية متمرسة.
وحسب ميثاق إصلاح منظومة العدالة، فإنه على الرغم مما تحقق من تراكمات وإنجازات، فإن منظومة العدالة مازالت تشوبها اختلالات ومواطن ضعف بينة، فبالإضافة إلى ما يعتريها من بطء وتعقيد وما تسجله من نقص في الشفافية وقصور في التدبير الحديث، فإن أخطر اختلالات منظومة العدالة تكمن في وجود بعض الممارسات المنحرفة التي طالت مختلف مكونات العدالة وأفقدت المتقاضين أحيانا الثقة في عدالتهم وغطت على الجوانب المنيرة فيها وعلى السلوكات الجديرة بكل تقدير للنزهاء من نسائها ورجالها.
ويرى الميثاق أنه إذا كان الاختلال الأخلاقي يشكل معضلة أساسية في إصلاح منظومة العدالة، فإن التشخيص الشامل والعميق لهذه المنظومة يكشف عن وجود اختلالات ونقائص تشمل العديد من جوانب منظومة العدالة، تظهر على عدة مستويات متداخلة في ما بينها.
فعلى مستوى استقلال القضاء، يتسم القضاء في نطاق المقتضيات الدستورية التي كانت سارية، بتوفر السلطة التنفيذية على صلاحيات تجاه القضاء لا تتلاءم مع متطلبات قيام سلطة قضائية مستقلة كما يكرسها الدستور الحالي، من قبيل تبعية النيابة العامة والتفتيش القضائي لوزارة العدل، كما أن الوضعية الحالية لكل من المجلس الأعلى للقضاء والنظام الأساسي للقضاة لا تساير أحكام الدستور الذي أقر بجلاء مبدأ استقلال السلطة القضائية عن السلطتين التشريعية والتنفيذية.
وبحسب الميثاق فإن منظومة العدالة تعاني بكل مكوناتها من نقص في الشفافية وضعف في آليات المراقبة والمساءلة وتراجع أخلاقيات الممارسة المهنية وأعرافها.
أما في ما يتعلق بحماية القضاء للحقوق والحريات، تضيف نفس الوثيقة، تشوب السياسة الجنائية عدة نقائص تظهر في ضعف التنسيق بينها وبين باقي السياسات العمومية، ونقص الاهتمام بمقاربة النوع الاجتماعي وضحايا الأفعال الإجرامية، وضعف إشاعة ثقافة حقوق الإنسان بما تنطوي عليه أيضا من واجبات، ومحدودية آليات البحث الجنائي، الذي يرافقه غياب إطار قانوني حديث خاص بالطب الشرعي وبنوك المعطيات الجينية وغياب مرصد وطني لدراسة وتتبع ظاهرة الإجرام.
وعلى مستوى فعالية ونجاعة القضاء، يرى الميثاق أن التنظيم القضائي يفتقد للانسجام بحكم التعديلات المتلاحقة التي طالت مقتضياته، مما لا يساعد على الاستغلال الأمثل للموارد البشرية والمادية، ولا يضمن القرب الحقيقي من المتقاضين، كما أن الخريطة القضائية متضخمة وغير معقلنة والقضاء المتخصص غير معمم.
وأشار الميثاق إلى أن المحاكم تعرف ضعفا في بنيات استقبال المتقاضين الذين يواجهون صعوبة في الولوج إلى القانون والعدالة من جراء ضعف نظام المساعدة القضائية وانعدام نظام المساعدة القانونية، فضلا عن ضعف القدرة التواصلية مع المتقاضين.
وعلى مستوى القدرات المؤسسية لمنظومة العدالة، أبرزت الوثيقة أنه بالرغم من الإنجازات الملموسة التي تحققت، فإن مختلف مكونات منظومة العدالة مازالت تبدو عليها مؤشرات ضعف في قدراتها، تتمثل في محدودية المؤهلات المهنية ونقص الكفاءات التخصصية، فضلا عن ضعف الوضعية المادية للعديد من العاملين في الحقل القضائي.
وفي ما يخص أساليب تدبير مرفق القضاء، تتسم الميزانية المخصصة لقطاع العدل بالضعف مما يؤثر سلبا على أداء مرفق القضاء وعلى البنية التحتية للمحاكم التي يوجد جزء مهم من بناياتها في وضعية غير لائقة، كما تعاني الإدارة القضائية من نقص في التمركز الإداري والمالي ومحدودية الأخذ بقواعد الحكامة الحديثة، والجمع بين مهام المسؤولية القضائية والمسؤولية الإدارية على صعيد المحاكم.
ووعيا بمكامن القوة ومواطن الضعف التي طرحها الميثاق، واستحضارا للرسالة النبيلة للقضاء، وإدراكا لكون تمكن القضاء من الاضطلاع برسالته يستلزم ارتكاز الإصلاح على رؤيا عامة قوامها العمل على جعل القضاء قادرا على الاضطلاع بالوظيفة المنوطة به، اقترح أعضاء الهيئة العليا للحوار الوطني توجهات جوهرية في هذا الشأن تتمثل على الخصوص في إعمال الضمانات المقررة دستوريا لاستقلال السلطة القضائية، وفصل النيابة العامة عن السلطة التنفيذية، والعمل على ملاءمة التشريعات الوطنية مع دستور المملكة والاتفاقيات الدولية ذات الصلة بمكافحة الجريمة وبحقوق الإنسان المصادق عليها والمنشورة.
كما اقترح أعضاء الهيئة إعادة النظر في نظام الحراسة النظرية ونظام الاعتقال الاحتياطي في اتجاه ترشيدهما، وإعادة النظر في آليات وشروط اشتغال الضابطة القضائية، وإرساء نظام قضائي قائم على مبدأي الوحدة والتخصص، إضافة إلى وضع أسس "محكمة رقمية" منفتحة على محيطها وعلى المتقاضين، ومراجعة التشريعات المنظمة للمهن القضائية والقانونية في اتجاه تعزيز استقلالها، وتعبئة الرأي العام وتوعية المواطنين بمخاطر الفساد، باعتبارهم فاعلين أساسيين في تخليق منظومة العدالة .