أخبارنا المغربية
أخبارنا المغربية - المهدي دريهمي
تقوم المملكة المغربية بمجهودات جبارة في تدبير وباء كورونا المستجد "كوفيد-19" على جميع الأصعدة. و على الجميع أن يثق في السلطات العمومية، و التقيد التام بجميع التوصيات التي تصدرها لمواجهة هذا الوباء. فمظاهر الحكامة الواضحة في تدبير هذه الأزمة، لا يمكن وصفها بالإرتجالية أو وليدة الحدث. و إنما هي نتاج عمل سنوات، بإنخراط المغرب الفعال منذ سنة 2005 في إطار عمل هيوكو لتدبير الكوارث الطبيعية الذي يقوم على خمس أولويات أساسية:
1- إيلاء الأولوية للحد من خطر الكوارث.
2- تحسين المعلومات المتعلقة بالمخاطر و الإنذار المبكر.
3- بناء ثقافة للسلامة و القدرة على مواجهة المخاطر.
4- الحد من المخاطر في القطاعات الرئيسية.
5- تعزيز التأهب و الإستجابة للكوارث الطبيعية.
هذا الإنخراط دفع الدولة المغربية إلى تعزيز قدراتها التدبيرية لمواجهة مخاطر الكوارث الطبيعية، و مهما إعترته من ملاحظات، فإننا اليوم نقطف ثماره الإيجابية. بحيث أن الدولة المغربية و في إطار مواجهة خطر فيروس كورونا المستجد "كوفيد-19" وجدت نفسها مستعدة لإتخاد مجموعة من التدابير و الإجراءات الرامية إلى المحافظة على النظام العام في صورتيه؛ الصحة العامة و الأمن العام. و ذلك على جميع الأصعدة:
- مؤسساتيا: بتجند جميع القطاعات، لاسيما المؤسسات المعنية بشكل مباشر، نخص بالذكر مديرية علم الأوبئة ومحاربة الأمراض، المستشفيات و مستشفيات العزل التابعين لوزارة الصحة، و إحداث لجنة القيادة الوطنية. وزارة الداخلية من خلال مركز اليقظة و التنسيق، و الولاة و العمال في تنسيق جميع أنشطة المصالح اللاممركزة للدولة المعنية برصد و تتبع و مواجهة خطر الوباء. وزارة الشؤون الخارجية بإجراء المشاورات اللازمة لغلق الحدود مع الدول الموبوءة تحت إشراف صاحب الجلالة الملك محمد السادس و بأمر منه. وزارة الإقتصاد و المالية، و وزارة الصناعة و التجارة و الإستثمار و الإقتصاد الرقمي من خلال دراسة التأثيرات الإقتصادية للوباء، والمخرجات المالية و الميزانياتية لتدبير الوضعية.
- تدبيريا: عملت وزارة الصحة على إعتماد المخطط الوطني لليقظة و التصدي لفيروس كورونا بأربعة أهداف أساسية ترمي إلى خفض نسبة إحتمال دخول الفيروس لبلادنا، و الإكتشاف المبكر للحالات و إحتواء الفيروس، ثم التكفل بالحالات المحتملة و المؤكدة، فضلا عن التنسيق مع القطاعات الأخرى من أجل إستجابة وطنية مناسبة. و ذلك من خلال إرساء أربعة محاور للتدخل تتلائم مع المعايير الدولية المعتمدة في هذا الصدد لاسيما معايير ISO 31000. إنطلاقا من اليقظة و المراقبة الوبائية بتتبع الحالة الوبائية العالمية و الوطنية، و تقييم المخاطر بصفة مستمرة، و وضع نظام و خرائط لتتبع الأشخاص المخالطين للحالات المؤكدة. ثم إعداد جهاز التكفل بالحالات يعمل على توفير وسائل التشخيص ولوازم المختبر للتأكد من الحالات، و كذا تحديد لائحة المستشفيات التي سيتم على مستواها التكفل بالحالات ومسالك المرضى، و توفير كل من غرف العزل ذات ضغط سلبي على مستواها، و كذا تجهيزات الحماية الفردية « EPI » لمهنيي الصحة وباقي المتدخلين، بالإضافة إلى إعداد مساطر التكفل بالحالات لفائدة مهنيي الصحة، و تكوينهم. وصولا إلى تعزيز الإعلام و التواصل، و ذلك بوضع وزارة الصحة خطة للتواصل حول مستجدات المرض، من خلال إعتماد آليات الإدارة الإلكترونية في هذا الصدد، بتعزيز الرقم الأخضر "ألو اليقضة 0801004747"، و نشر المعلومات الضرورية و المستجدة حول "كوفيد-19" بالموقع الرسمي للوزارة https://www.sante.gov.ma/ ، و تطوير مجموعة من المطويات والفيديوهات
للتوعية الصحية ونشرها عبر مواقع وزارة الصحة وإمداد المديريات الجهوية للصحة والقطاعات الأخرى بها، فضلا عن تعزيز التواصل من خلال إصدار بلاغات صحفية بصفة منتظمة حول الحالة الوبائية لهذا الداء. إذ تدخل هذه الإجراءات التواصلية في إطار التقيد بمقتضيات النشر الإستباقي التي نص عليها الباب الثالث من قانون الحق في الحصول على المعلومات 31.13. كما وضع هذا المخطط الوطني إطارا للحكامة و التنسيق بإحداث لجنة القيادة الوطنية التي تعمل على عقد إجتماعات متواصلة من أجل الوقوف على تطورات الفيروس بالمملكة، و التدابير اللازم إتخادها من أجل الحد من إنتشاره، و كذا عقد إجتماعات منتظمة مع باقي القطاعات الأخرى المعنية بتدبير خطر الوباء.
في هذا الصدد، تعمل وزارة الداخلية جاهدة للتحكم في مخاطر فيروس كورونا المستجد "كوفيد-19"، إذ إتخدت مجموعة من التدابير الإحترازية لمواجهة الوضع الإستثنائي المتعلق بخطر تفشي هذا الفيروس على مستوى التراب الوطني. و ذلك في إطار الإختصاصات الواسعة الموكولة إليها، و الرامية إلى الحفاظ على النظام و الأمن العموميين. بحيث و حفاظا على الأمن العام، و للحيلولة دون خلق حالات الهلع و الخوف في صفوف المواطنين، و الأفراد المقيمين بالمغرب، نبهت وزارة الداخلية إلى ضرورة توخي الحذر أمام ترويج أخبار كاذبة و وهمية منسوبة لجهات رسمية حول فيروس كورونا المستجد "كوفيد-19". و أكدت على أنه سيتم إتخاد جميع التدابير القانونية من طرف السلطات المختصة لتحديد هويات الأشخاص المتورطين في الترويج لهذه الشائعات. كما عملت وزارة الداخلية من أجل الحفاظ على النظام العام- لاسيما في ما يرتبط بعنصر الصحة العامة - على منع التجمعات العمومية التي يشارك فيها 50 شخصا فما فوق، مع إلغاء جميع التظاهرات و اللقاءات الرياضية و الثقافية و العروض الفنية.
كما عملت وزارة الداخلية على مراسلة السادة الولاة و العمال لإتخاد جميع التدابير اللازمة لحماية صحة الأفراد من خطر وباء كورونا المستجد، سواء في إطار إختصاصاتهم للحفاظ على النظام العام بموجب القوانين و الأنظمة الجاري بها العمل، إذ في هذا الصدد عمل رجال السلطة المحلية على تحسيس أرباب المحلات و المقاهي و المطاعم و غيرها من الأماكن العامة على ضرورة إتخاد التدابير الضرورية للحد من إنتشار الفيروس. أو في إطار الأدوار التنسيقية لأنشطة المصالح اللاممركزة للدولة الموكولة للسادة الولاة و العمال، و التي عززها الميثاق الوطني الجديد حول اللاتمركز الإداري، عبر تجند اللجان الجهوية للتنسيق على المستوى الجهوي، و اللجان التقنية على المستوى الإقليمي، و كذا أقسام الشؤون الداخلية و لجان اليقظة و التتبع على مستوى العمالات و الأقاليم، من أجل المساهمة في تدبير هذه الأزمة ترابيا. الأمر الذي يجعل من وزارة الداخلية المغربية القلب النابض لتدبير الوباء بالمملكة، و تدبير الكوارث الطبيعية بصفة عامة، خصوصا مع إحداث مديرية لتدبير المخاطر الطبيعية على مستواها.
إقتصاديا أيضا، تجندت كل من وزارة الإقتصاد و المالية و إصلاح الإدارة، و وزارة الصناعة و التجارة و الإستثمار و الإقتصاد الرقمي لمواجهة المخاطر الإقتصادية للوباء، بإتخاد إجراءات و تدابير تصبو إلى ضبط آثاره الإقتصادية و المالية. إذ أحدثت وزارة الإقتصاد و المالية لجنة اليقظة الإقتصادية لتتبع انعكاسات وباء كورونا المستجد على الإقتصاد الوطني، من خلال الرصد الآني للوضعية الإقتصادية الوطنية، و تحديد الأجوبة المناسبة فيما يتعلق بمواكبة القطاعات الأكثر عرضة للصدمات الناجمة عن وباء كورونا. كما أنه و تحت رئاسة قطاع الشؤون العامة و الحكامة التابع لذات الوزارة، عقدت لجنة الأسعار المشتركة بين الوزارات إجتماعا يوم السبت 14 مارس 2020، من أجل الوقوف على وضعية توفير الكمامات الصحية و المطهرات الكحولية و كذا الأثمنة التي تباع بهما. في حين تسهر وزارة الصناعة و التجارة و الإستثمار و الإقتصاد الرقمي على تأمين التموين و الحفاظ على سير
هكذا، دائما في إطار جهود الدولة للحد من إنتشار فيروس كورونا المستجد "كوفيد-19" سارعت أغلب القطاعات الوزارية إلى تعليق أنشطتها التي تقتضي تجمع عدد كبير من الأفراد من مباريات للتوظيف و ملتقيات علمية، و رياضية، و ثقافية، لاسيما قرار وزارة التربية الوطنية و التعليم العالي و التكوين المهني، بتعويض الدروس الحضورية بالمؤسسات التعليمية لكل المسالك، بدروس تلقن عن بعد، عبر الوسائل المتاحة لذلك.
صفوة القول، أمام هذا الإلتزام التام لمصالح و مؤسسات الدولة في تدبير خطر وباء كورونا المستجد "كوفيد-19" تحت التعليمات السامية لصاحب الجلالة الملك محمد السادس، و وفق مبادئ الحكامة الجيدة، و المعايير الدولية المعتمدة في هذا الصدد، يطرح من جهة أخرى التساؤل حول كيفية تعامل باقي الفاعلين مع الوضع الراهن، لاسيما مؤسسات القطاع الخاص، و الوحدات الصناعية التي تضم عدد كبير من العاملين في مكان مغلق، الأمر الذي يزيد من إحتمالية نقل العدوى، إذا ما كان أحد العمال حاملا للفيروس. الأمر الذي يفرض عليها ضرورة إتخاد التدابير اللازمة للحيلولة دون ذلك، كالإهتمام بمعايير النظافة و السلامة الصحية داخل مؤسساتها، من توفير المعقمات، و قياس درجات الحرارة عند دخول و خروج العاملين و الأجراء...خصوصا مع الدور الجديد الذي أصبح يلعبه القطاع الخاص في تدبير الشأن العام، في إطار مقاربة "بيزنس هيومن رايتس Business Human Rights" المعتمدة من طرف منظمة الأمم المتحدة. أيضا تجدر الإشارة إلى ضرورة تحمل الجماعات الترابية لمسؤوليتها في تدبير خطر الوباء، في حدود الإختصاصات الموكولة إليها في هذا الصدد، لاسيما إختصاصات الشرطة الإدارية الموكولة إلى رؤساء الجماعات بموجب المادة 100 من القانون التنظيمي 113.14 و الرامية إلى الحفاظ على النظام العام، في ميادين الوقاية الصحية و النظافة العمومية. بل إن مواجهة فيروس كورونا تقتضي الوعي المجتمعي التام و الشامل بكيفيات التعامل في مثل هذه الأزمات، و التحلي بخصال و قيم التضامن و التعاون، و تيسير مهام السلطات العمومية. دون أن ننسى دور جمعيات المجتمع المدني في التحسيس بكيفيات الوقاية من التعرض للإصابة بالفيروس، و مساهمتها في إقتراح التدابير اللازمة لمواجهة خطر هذا الوباء، عبر الوسائل القانونية المتاحة لها، في إطار التدبير التشاركي للأزمة، كل في حدود إختصاصاته القانونية.
بيد أن كل هذه الإجراءات و التدابير، لا تعني بالضرورة الحد التام من تزايد عدد الإصابات ببلادنا، و إنما هي تدابير إحترازية للحيلولة دون تفاقمه و إنتشاره بشكل يخرج معه الوضع عن السيطرة، كما تقتضي ذلك أدبيات و علم تدبير المخاطر و إدارة الأزمات، لاسيما عندما يتعلق الأمر بالمخاطر ذات الشدة المرتفعة. حيث سبق و أن أعلنت وزارة الصحة توقعاتها حول مدى إنتشار فيروس كورونا المستجد "كوفيد-19" بالمغرب، مقسمة ذلك إلى ثلاثة مراحل، من 200 حالة في المرحلة الأولى، إلى حدود 10000 حالة إذا ما بلغ الخطر مرحلته الثالثة. هذا و أكد السيد مدير مديرية علم الأوبئة و محاربة الأمراض في ندوة صحفية عقدها يوم السبت 14 مارس 2020، أن إحتمالية الوصول إلى المرحلة الثالثة من الخطر جد مستبعدة.
المهدي دريهمي: باحث في سلك الدكتوراه، في حكامة مسؤولية الدولة في تدبير مخاطر الكوارث الطبيعية، بفريق حسن الأداء الإداري و المالي، كلية العلوم القانونية و الإقتصادية و الإجتماعية السويسي- جامعة محمد الخامس بالرباط.
علي
دولة
المغرب ليس بدولة ولكن عصابة مقننة