يعد السرطان أحد أسباب الموت المبكر في المغرب. وينتشر هذا الداء بوثيرة سريعة في البلاد، ويصيب جميع الفئات العمرية. وعليه أخذت العديد من الجمعيات على عاتقها مجابهة هذا المرض الفتاك.
انتقلت سعاد هذه الأيام للعيش بمدينة الدار البيضاء ( وسط غرب ) من أجل الاستفادة من حصص العلاج الاشعاعي بمستشفى ابن رشد بالعاصمة الاقتصادية للمغرب. معاناة سعاد بسبب هذا المرض الذي غير نظرتها للحياة بشكل كبير تستمر منذ أكثر من أربع سنوات، مرت خلالها سعاد بفترات من الاكتئاب والمشاكل النفسية، لكنها اعتبرته في النهاية بمثابة تحد يجب عليها مواجهته من أجل الاستمرار في الحياة.
وتضيف سعاد البالغة من العمر 38 سنة أن أصعب لحظة في حياتها كانت بعد اكتشافها لإصابتها بالمرض، ولحسن الحظ أنها اكتشفته الى حد ما في وقت مبكر، وذلك لأنها كانت مثابرة على القيام ببعض الفحوص الوقائية " كنت أزور الطبيب باستمرار، خاصة وأن خالتي وأمي مصابتين بنفس المرض" تقول سعاد التي توضح أن المريض بالسرطان في المغرب يعاني الأمرين: فعلاوة على صعوبة العلاج وتكاليفه الباهظة، ماتزال نظرة المجتمع قاسية في بعض الأحيان، فالعديد من المغاربة في بعض المناطق يعتبرونه معديا حسب سعاد التي تضيف أنهم لا ينعتونه باسمه بل ب"المرض الخايب" أو "العدو" أو "الغدار" في إحالة إلى صعوبته وخطورته. وإذا كانت سعاد قد وجدت طريقها للعلاج، فهي تؤكد أن العديد من المرضى لا يزالوا يعانون في صمت، ولا يجدون الدعم لاسيما وأنهم ينتقلون من مدن بعيدة عن مراكز العلاج.
الطريق إلى العلاج
في وحدة العلاج اليومية تنتظر سعاد دورها وسط العشرات من المرضى. نساء ورجال من مختلف الأعمار شاء القدر أن يقفوا جنبا إلى جنب بحثا عن علاج لمرض أرهقهم ماديا ومعنويا "جميع الوجوه تبدو شاحبة، فحصص العلاج ترهق الإنسان كثيرا، وخصوصا الأشخاص الذين يسافرون من مدن أخرى" تقول سعاد.
يتوفر مستشفى ابن رشد على وحدة خاصة بعلاج سرطان الدم وأخرى تعتني بالأطفال، كما يضم مركزا للعلاج اليومي والسريري مخصص لأصحاب الحالات المتقدمة أو الذين تعرضوا لمضاعفات نتيجة خضوعهم للعلاج الكيميائي. وهذه الوحدة الأخيرة أكثر هدوءا ومنظمة بشكل جيد، كما يقول خالد الذي يعمل ليلا بالوحدة، موضحا أن علاج السرطان بالمغرب بات يشهد تطورا كبيرا، كما أن ظروف العمل أصبحت أحسن بكثير من السابق " لو أتيت قبل بضع سنوات لما استطعت الدخول إلى هذه الوحدة بسبب الفوضى التي كانت تعم داخلها، لكن المريض الآن صار يعيش في ظروف أفضل" يقول خالد الذي يضيف أن الوحدة تتوفر على أكثر من 20 سريرا، لكنها تضطر في أحيان كثيرة إلى إرجاع المرضى عندما يفوق العدد طاقتها الاستيعابية.
السرطان ينتشر بشكل كبير في المغرب
طبقا لبيانات منظمة الصحة العالمية يصاب ما بين 30 إلى 45 ألف شخص سنويا في المغرب بمرض السرطان. في حين أوضح، البروفيسور رشيد البقالي المدير التنفيذي لجمعية لالة سلمى لمحاربة داء السرطان، في مؤتمر نظم قبل أيام لتسليط الضوء على التطورات الجديدة الحاصلة في مجال البحث العلمي والعلاج والتوجهات المستقبلية في مجال مكافحة السرطان، أوضح أن مرض السرطان الناتج عن التدخين يمثل السبب الأول للوفيات حيث يشكل نسبة 30 في المائة من نسبة الوفيات .وأوضح أنه من الأسباب الأخرى للإصابة بالداء بعض السلوكيات المرتبطة بالتغذية والبيئة والتي تمثل أيضا 30 في المائة من نسبة الإصابات، إلى جانب أسباب هرمونية وجينية .
وأكد أن نسبة الإصابة بسرطان الثدي تبلغ 36 في المائة، وعنق الرحم 13 في المائة عند الإناث ، وسرطان الرئة 26 في المائة، والبروستات 8 في المائة عند الذكور، مشيرا إلى أن 40 بالمائة من مجموع الإصابات يمكن تفاديها فقط بتغيير السلوك.
أطفال المغرب ومرض السرطان
بحي النهضة، بمدينة الرباط توجد دار المستقبل التي تستقبل الأطفال القادمين من مدن بعيدة من أجل تلقي العلاج بالعاصمة الرباط، حيث تقوم الجمعية بتقديم الدعم للأطفال الوافدين عليها وعائلاتهم. وتوضح البروفيسور فوزية المسفر العلوي ، رئيسة جمعية المستقبل، في حديث للدويتشه فيله أن فكرة إنشاء الجمعية بدأت من منطلق أن السرطان ليس مسؤولية الطبيب أو المريض وحده، بل مسؤولية الجميع، وبدون جمعية قوية ستتمكن من جمع التبرعات، ومن انخراط الأطباء والعائلات والمرضى لا يمكن مواجهة المرض. كما تضيف رئيسة الدار قائلة " لا حظنا أن العديد من المرضى لا يستكملون علاجهم لأنهم يقطنون بمدن بعيدة، ويكون من الصعب عليهم الانتقال إلى الرباط لاستكمال العلاج بسبب مصاريف العيش الباهظة، وبالتالي يتخلون عن العلاج ليكون مصيرهم الموت" كما أن الأستاذة المسفر لا تخفي أن إنشاء الدار كان أمرا صعبا في البداية بسبب غياب الدعم المادي الذي عطل إنشائها لمدة وصلت إلى ثلاث سنوات، لكنهم بعد إطلاق حملة للمساعدة تلقوا الكثير من الدعم. وتضيف المسفر أنه في البداية لم تكن العائلات ترغب في المجيء إلى الدار، بسبب انعدام الثقة، كما أنهم لم يستسيغوا أن تقدم لهم الجمعية الكثير دون مقابل. إلا أن الدار الآن باتت تصلها العديد من الطلبات التي تفوق طاقتها الاستيعابية في بعض الأحيان.
المنزل الثاني لأطفال السرطان
كانت دار المستقبل شبه فارغة صباحا، لأن أغلب القاطنين بها في تلك الفترة بالمستشفى لتلقي العلاج. إلا أن أحد الأطفال عاد مبكرا ذلك اليوم ليغوص في نوم عميق في إحدى غرف الطابق العلوي " لقد جاء للتو من حصة العلاج الكيميائي، الأمر الذي أرهقه كثيرا وجعله ينام" تقول رئيسة الجمعية. هذا الطفل الذي لا يتجاوز عمره 10 سنوات، لا يعلم ربما بخطورة المرض الذي يجب عليه أن يتعايش معه. لكنه وبفضل الدعم المقدم له من طرف الجمعية قد يستطيع نسيان ألمه في بعض الأحيان، لاسيما مع الأنشطة الثقافية والفنية التي تنظمها هذه الجمعية المنشئة سنة 1986.
يعيش القاطنون في دار المستقبل في نوع من التفاهم الذي لا يخلو من بعض التوترات نظرا لانتمائاتهم المختلفة، لكن حنكة مديرة الدار تخفف من وطأة المشاكل. ونتيجة الإقبال الذي صارت تسجله دار المستقبل، يطمح الساهرون على الجمعية إلى توسيعها أو إنشاء مركز آخر للاستقبال. وتقول فوزية المسفر بهذا الخصوص"كان الدواء يكلف الجمعية مليون درهم كل سنة، لكن مع مبادرات جمعية لالة سلمى أصبحنا ندفع أقل بكثير، ما قد يساعدنا على توجيه هذا المال إلى تطوير الدار لمساعدة أكبر عدد من الأشخاص، والاهتمام أكثر بالجانب الاجتماعي"
بالإضافة إلى المبيت والطعام وخدمات النقل التي توفرها الدار، تعمل الجمعية على مساعدة المرضى على تلقي الدروس بوحدة مدرسية داخل المستشفى الذي يتلقى فيه الأطفال العلاج، لكن الحصص التي يستفيدون منها، لا تحسب لهم داخل مشوارهم التعليمي، الأمر الذي تعمل الجمعية على النضال من أجله بتنسيق مع وزارة التعليم المغربية، كما تفسر فوزية المسفر العلوي التي تضيف في ختام حديثها عن مرض السرطان أن الكشف المبكر عن المرض مهم جدا من ناحية التكاليف، وتشير الى أن " تكاليف العلاج تختلف كثيرا من حالة لأخرى، قد يكلف طفل ما يقارب ألف يورو من أجل علاجه إذا عرفنا المرض في وقت مبكر وقد يتجاوز المبلغ 15000 يورو في حالة الكشف المتأخر" تقول رئيسة الجمعية.
جمعية لالة سلمى تغير من حدة السرطان بالمغرب
يعتبر الكثير من الفاعلين في المجتمع المدني أن إنشاء جمعية لالة سلمي للسرطان غير الكثير في المشهد الصحي للتعاطي مع هذا المرض. فهذه الجمعية توفر ما بين 80 إلى 90 في المائة من الدواء بالمجان كما أنها تقدم المساعدة للمرضى وأقربائهم وتوفر الدعم للطاقم الطبي ، كما تقدم المساعدة بتحديث مراكز العلاج الإشعاعي وتجهيزها.
وتعمل الجمعية بشراكة مع وزارة الصحة العمومية والقطاع الخاص والمؤسسات العامة كما لها شركاء في الخارج من بينهم مراكز العلاج الإشعاعي الدولية وعدد من الهيئات المناهضة للسرطان والجمعيات المماثلة.
هذه الجمعية المنشئة سنة 2005، استطاعت خلال السنتين الأخيرتين توفير الدواء بالمجان لعدد كبير من المرضى، وفي هذا الصدد تقول فوزية المسفر العلوي ، رئيسة جمعية آباء وأصدقاء الأطفال المصابين بداء السرطان، "إن جميع المرضى المحتاجين للدواء يمكنهم الحصول عليه عن طريق جمعية لالة سلمى لأنها تقدم تسهيلات سواء بالنسبة للأطفال أو الكبار، كما تقدم لجمعيتنا الكثير من الدعم"
ويجدر الاشارة في هذا السياق الى أن 30 في المائة فقط من مجموع المغاربة يتوفرون على التأمين الصحي، وبالتالي فالجمعية تتولى تحمل النسبة المتبقية. كما تقوم الجمعية بحملات تحسيسية بهدف بلوغ معدل هام للتشخيص المبكر للداء، كما تعمل على الدعم والمساهمة في إحداث مركز للعلاج على الأقل في كل جهة خلال خمس سنوات وايجاد فضاءات للإيواء المؤقت، "كدار الحياة" من أجل إيواء المرضى واستشفائهم نهارا، وكذا أقربائهم الذين يقطنون بعيدا عن مراكز علاج داء السرطان.
سارة زروال ـ الرباط
مراجعة: محمد المزياني