دويتشه فيله
أحصت اليابان التي تعدّ 126 مليون نسمة حوالى 16 ألف إصابة بفيروس كوفيد-19 على أراضيها منذ بدء الأزمة الصحية، من بينهم 678 وفاة، في أرقام أقلّ بكثير من الأعداد المسجّلة في أوروبا والولايات المتحدة. قُدمت فرضيات عدة لمحاولة تفسير هذه الظاهرة، مثل ثقافة ارتداء الأقنعة الواقية وهي شائعة جداً في اليابان حتى قبل ظهور كوفيد-19، ومعدّل البدانة المنخفض أو حتى طريقة إلقاء التحية عن بعد من دون قبلات ولا مصافحة باليد.
وفي فرضيات أكثر غرابة، يدور الحديث عن عادات غذائية مثل تناول السمك بشكل كبير وهي غنية بفيتامين -د أو تناول الـ"ناتو" وهو فول الصويا الياباني المخمَّر الذي يقوّي الجهاز المناعي.
ومقابل التراجع الواضح في عدد الإصابات في الأسابيع الأخيرة، أعلن رئيس الوزراء شينزو آبي اليوم الخميس (14 مايو/ أيار 2020) رفع حال الطوارئ في معظم مناطق البلاد، قبل أسبوعين من الموعد الأولي لرفعها.
لكن هناك اعتراض على هذا النجاح، إذ يعتقد خبراء أن الأرقام الرسمية أقلّ بكثير من الأعداد في الواقع، بسبب إجراء عدد محدود من الفحوص وتخصيصها للأشخاص الذين تظهر عليهم أعراض حادة.
حتى 11 أيار/ مايو، لم تُجرِ اليابان إلا 218200 فحصاً منذ بداية الأزمة، وفق وزارة الصحة، مسجّلةً أدنى مستوى للفحوص بالنسبة لعدد السكان من بين دول مجموعة السبع، وفق موقع "وورلدوميترز" للإحصاءات. وأقرّ أحد المستشارين الطبيين للحكومة، شيغيرو أومي، بأن "أحداً لا يعرف" ما إذا كان العدد الحقيقي للإصابات في اليابان "أكبر بـ10، 12 أو 20 مرة" من الأرقام الرسمية.
وأشار أستاذ السياسات العامة في جامعة هوكايدو (شمال) كازوتو سوزوكي إلى أن "إجراء فحوص بشكل مكثّف ليس سياسة اليابان" معتبراً أن مع معدّل 7,5 بالمائة من الفحوص إيجابية، فإن ما تقوم به السلطات غير كافٍ. وقال مساعد مدير مركز استشفائي كبير في طوكيو، ريوجي كويكي، إن المعطيات الرسمية "لا تعني بالضرورة أننا ندير (الوضع) بشكل جيّد".
وأوضح أن انخفاض عدد الإصابات الجديدة "لا يعود إلى ما تفعله الحكومة"، وإنما إلى عوامل "لا يمكن قياسها" مرتبطة بعادات اليابانيين مثل النظافة الصحية والتباعد الاجتماعي الموجود أصلاً في الثقافة المحلية
تعرّضت اليابان في وقت مبكر جداً للأزمة الصحية مع وصول سفينة "دايموند برنسيس" السياحية التي كانت آنذاك أكبر بؤرة للإصابات خارج الصين، منشأ الفيروس، مطلع شباط/ فبراير إلى مياهها. وبعدما تعرّضت لانتقادات جراء إدارتها لأزمة "دايموند برنسيس"، ضربت الحكومة بعدها بيدٍ من حديد اعتباراً من شباط/ فبراير عبر طلب إغلاق المؤسسات التعليمية في كافة أنحاء البلاد. ورغم ذلك، ارتفع عدد الإصابات في اليابان في أواخر آذار/ مارس. وأُغلقت حدود البلاد أمام عدد متزايد من الأجانب. وأعلنت الحكومة حال الطوارئ في مطلع نيسان/أبريل.
لكن هذا النظام أكثر مرونةً من التدابير المتخذة في دول أخرى، إذ إنه يسمح للسلطات الاقليمية بدعوة السكان إلى البقاء في منازلهم لأكبر قدر ممكن من الوقت ولبعض المتاجر غير الضرورية بالإغلاق موقتاً، لكن من دون فرض عقوبات على المخالفين.
وأقرّت الحكومة أيضاً خطة مساعدات هائلة بقيمة 117 ألف مليار ين (أكثر من تريليون يورو) لدعم الشركات والسكان مع تقديم إعانة موحدّة بقيمة مئة ألف ين (حوالى 860 يورو) لكل مواطن في البلاد.
إلا أن رئيس الوزراء استمر بارتكاب الأخطاء، فقد تعرّض للسخرية جراء قراره القاضي بتوزيع كمامتين من قماش قابل للغسل لكل أسرة، وأثيرت حينها انتقادات لرداءة نوعيتها.
ويرى خبير السياسة اليابانية في شركة "تينيو" الاستشارية توبياس هاريس أن خطوة شينزو آبي كانت "غير عادلة". وأضاف في حديث لوكالة فرانس برس "أعتقد أنه واجه صعوبة في استباق الأحداث منذ البداية، لم يتواصل بشكل فعّال بما فيه الكفاية وأضرّ به مساعدوه".
ووفق استطلاع للرأي حديث أجرته وكالة "كيودو نيوز" للأنباء، فإن 57,5 بالمائة من الأشخاص الذين شاركوا في الاستطلاع غير راضين عن عمل الحكومة في مواجهة الجائحة، مع 34,1 بالمائة فقط من الآراء مؤيدة لها.