المقاهي الأدبية بالمغرب.. بديل أم ترف؟
أخبارنا المغربية
وأطلق اتحاد كتاب المغرب البادرة الأولى لهذا التوجه عبر تنظيمه مجموعة من الأنشطة الثقافية بالتعاون مع مقاه كبرى شهيرة بالرباط، إضافة إلى تنظيم بعض الجمعيات المحلية وإدارات وزارة الثقافة والاتصال لتظاهرات مماثلة في المدن الكبرى قبل أن تتوغل ظاهرة المقاهي الثقافية إلى المدن الصغيرة والقرى وتصبح بالعشرات.
وفي الفترة الأخيرة نشطت الفكرة من قبل شباب مبدع لا يجمعه بالضرورة الانتماء لأي من الأطر الثقافية والسياسية المعروفة، في اتجاه الحد من فتور المؤسسات الثقافية ومواجهة نفورالأوساط الثقافية من الفعل الثقافي في ظل تراجع المنظمات المعروفة عن مسؤولياتها في تأطير الشباب ثقافيا، ففكر مؤسسو المقاهي الأدبية بتحويل المقاهي إلى فضاءات "لربح الوقت بدل قتله" عبر فتح ورشات وندوات لمناقشة قضايا أدبية وثقافية تهم الراهن المغربي.
فكرة طموح
ويتمثل الهم الأساسي لنشطاء المقاهي الثقافية في إخراج هذه الفضاءات من إطارها الاعتيادي الذي جعلها فرصة لتجزية الوقت فيما لا يفيد، حيث ينصرف أغلب الرواد إلى الثرثرة والنميمة ولعب ورق النرد وما على ذلك، وبذلك يكون اقتحام هذه الفضاءات لهدف إشراك روادها في بعض قضايا الأدب والفن والإبداع.
وتحول المقاهي إلى فضاءات للفكر والثقافة والفن مشهد بات يتكرر مؤخرا في عدد من المدن المغربية، وهو ما يؤشر إلى شيوع ظاهرة المقاهي الأدبية بعد اكتشاف حاجة الناس للتعبير، وتأثيث فضاءاتهم المألوفة بنقاشات ثقافية وقراءات شعرية وقصصية.
نشطاء اتحاد كتاب المغرب لمسوا منذ سنوات رغبة العديد من رواد المقاهي في التعبير عن ذواتهم وأفكارهم ومقترحاتهم في شؤون الثقافة والإبداع والإعلام والتعليم وغيرها. فنظم ربيع الكتاب أنذاك في مقاهي حديقة الجامعة العربية بالدار البيضاء.
كما تنظم لقاءات تخليدا لليوم العالمي للكتاب في عدد من مقاهي الرباط كباليما والفن السابع. ويحتضن مقهى حديقة منتزه حسان في قلب العاصمة سنويا، اللقاءات الثقافية والأمسيات الشعرية المقامة في إطار مهرجان الرباط.
وامتدت التجربة إلى مدن أخرى، ففي مدينة بني ملال تم تأسيس مقهى أدبي. وظهرت في مدينة تازة، مقاه أدبية تحتضن قراءات شعرية وجلسات ثقافية، وفي طنجة على ساحل المتوسط تأسس الصالون الأدبي الأول في مقهى الشانزليزيه، وهناك تجارب كثيرة أخرى في عدد من المدن، حيث تحولت المقاهي إلى فضاءات ثقافية لاقت استحسان روادها.
"
تحول المقاهي إلى فضاءات للفكر والثقافة والفن مشهد بات يتكرر مؤخرا في عدد من المدن المغربية، وهو ما يؤشر إلي شيوع ظاهرة المقاهي الأدبية
"
عراقيل وصعوبات
هذه الجهود والمبادرات التي تهدف لإضفاء الصبغة الثقافية على المقاهي كللت على مستوى التجربة المغربية بنموذج فريد ذاع صيته عربيا، وهو الصالون المغربي الذي أسسه مجموعة من الشباب النشط بالدار البيضاء بشراكة مع مجموعة من المقاهي مثل نادي الهمذاني للتعليم والنوادي ذات الطابع الاجتماعي، برئاسة مصطفى لغتيري.
هذا الصالون الثقافي سطر برنامجا حافلا تنوع بين ما هو محلي وما هو عربي واستضاف أسماء ذات وزن بمقاه شعبية معروفة، وقد اتسع إشعاعه وطنيا عبر تأسيس مجموعة الفروع بالمدن المغربية، حتى أصبح مؤسسة ثقافية مهمة أصدرت كتبا ومنشورات وأنشأت بوابة إلكترونية.
ورغم نجاح هذه التجربة إلا أنها تبقى تعاني عدة عقبات منها الصراعات حول المصالح الذاتية، وغياب الديمقراطية في التدبير والتسيير، وبحث أرباب المقاهي عن الربح المادي وتحفظهم من الانخراط في العمل الثقافي، وتشويش كثير من الرواد على الأنشطة إبان إقامتها بفضاء عام، علما بأن كثيرا من المقاهي لا تتسع تصاميمها لاستقبال أنشطة من هذا النوع.
ويصرح لغتيري بأن "أغلب العراقيل داخلية، لأن العراقيل الخارجية تجاوزناها بكثير من الفعالية، فنحن منذ البداية لم نكن نعول على أي دعم من أي جهة، بل اعتمدنا على مساهمات الأعضاء في تدبير شؤون الصالون الأدبي، لكن العراقيل الداخلية كانت حاسمة في الحد من توهج المشروع، خاصة فيما يتعلق بعدم الانسجام بين الأعضاء وسعي البعض إلى إفشاله بطرق صعبة التصديق، وكأنهم ليسوا جزءا من هذا العمل الناجح".
وبخصوص الغاية من المقاهي الثقافية يضيف أن هناك من أسس مقاهي ثقافية كنوع من الموضة خاصة بعد النجاح الذي حققه الصالون الأدبي، لكن آخرين فعلوا ذلك بناء على تصورات واضحة، باعتبار أن المقهى الثقافي ليس بديلا عن الفضاءات الثقافية التقليدية ولكنه مكمل لها، وهو فضاء مفيد في الترويج للأدب ومصالحته مع جمهوره إن حسن التعامل معه.
الجزيرة