"قلعة السقالة".. حصون برتغالية تطوق مدينة الصويرة
وكالات
الأبراج الدفاعية الصلبة، والمدافع العتيقة المُصوبة في اتجاه مياه الأطلسي، والأبواب المُزخرفة برؤوس الأُسود، والمُزينة بنقوش تؤصل لعلاقة تعايش فريدة بين مكونات ثقافية مختلفة وأعراق متنوعة، كانت مدينة الصويرة، الواقعة على الساحل الغربي الأطلسي، حاضنة لها منذ عصور.
فهذه الأنماط المعمارية التي تجمع بين الأصالة الأندلسية والمعمار البرتغالي الإيبيري تعبر عن أسوار قلعة “السقالة” التي تعد إحدى أشهر المعالم التاريخية في المدينة، وتروي بدورها تفاصيل حقب تاريخية عاشتها المدينة تارة على إيقاع أزمنة السلم والأمن، وفي أحايين أخرى تجندت فيها للدفاع عن سيادتها وحرية أهاليها، خاصة بعد الهوان السياسي والعسكري الذي عصف بالدولة المغربية بعد سنوات من “حروب الاسترداد” التي شنتها الممالك الإسبانية والبرتغالية على الثغور الساحلية المغربية مع نهاية القرن الرابع عشر وبدايات القرن الخامس عشر ميلادي.
وبعد أن استعاد المغرب المبادرة العسكرية والسياسية، فطن سلاطينُه إلى ضرورة بناء حصن عسكري يدْفعُ عن المدينة هجمات قراصنة البحر، واعتداءات الممالك الشمالية (إسبانيا)، ليتم إنشاء حصن “السقالة” في القرن الثامن عشر ميلادي من قبل السلطان العلوي (الدولة العلوية الحاكمة حاليا في المغرب) محمد بن عبد الله، وهو ذات المنهج الذي سلكه لدى تحصينه باقي الثغور البحرية سواء على واجهة البلاد الأطلسية أو المتوسطية، مع تزايد الأطماع الاستعمارية حولها.
الطراز المعماري الذي يُؤسس الواجهة البحرية لمدينة الصويرة، يُحاكي في أغلب تفاصيله المعمار السائد في المدن الساحلية المغربية القديمة، التي كانت تاريخيا المنافذ التي يتسلل عبرها كل مستعمر إلى الأراضي المغربية، ما اضطر هذه الحواضر البحرية على الدوام لأن تلبس لباس المُتأهب لخوض المعارك، فانعكس ذلك على معمارها وطرائق بناء بيوت ساكنيها وأسواقها، فمدينة الصويرة كما هو حال مدن ساحلية أخرى كمدينة “الجديدة” و”آسفي”، اتخذت شكل حصن دفاعي صغير، تُطوقها الأبراج والحصون المزودة بالمدافع ومخازن الأسلحة.
وبسبب تنظيمها العمراني ومحاورها الكبيرة، تشبه الصويرة المدن الأوروبية الساحلية الكبرى إلا أن تفاصيل بنائها وزخارفها الهندسية، تجعل منها تحفة مغربية متميزة. ويذكر برج المرسى المجنح بأربعة أكشاك برج بوليم Boleim في لشبونة (البرتغال) لمتانة مواد بنائه ولشكله داخل المنظومة الدفاعية كأداة للدفاع عن ميناء المدينة وجبهتها البحرية.
وتعتلي قباب شرفات “السقالة” أسراب طائر النورس التي لا تغادر أجواء المدينة، وتتخذ من إحدى جُزُرها القريبة مستعمرة طبيعية، فيما تتعالى أسوار هذه القلعة صامدة أمام رطوبة الأجواء ورذاذ الموج، وعصف الرياح، لتصبح إحدى مزارات المدينة الرئيسة التي تستقطب طوال أيام السنة المئات من السياح الذين يحلون بـ”الصويرة” للوقوف على الشواهد التاريخية التي قدمتها هذه المدينة الصغيرة في التعايش بين اليهود والمسلمين من جهة، والاستمتاع بثرات موسيقى كناوة الإفريقية (مزيج موسيقى ورقصات إفريقية وعربية وبربرية) التي استقدمها إلى المدينة الزنوج الوافدون من الصحراء الكبرى للخدمة كـ”عبيد” في المغرب قبل قرون.
ولا تخلُو “سقالة” مدينة الصويرة التاريخية مثلها في ذلك مثل سائر معالم المدينة التي صنفتها منظمة “اليونيسكو” إرثا عالميا (صنفت في 2001)، من طابع جمالي رغم المقاصد الدفاعية الصرفة التي كانت وراء تشييدها، فعبر فتحات صغيرة تشغلها فوهات مدافع البارود يطل الزائر لـ”سقالة” مدينة الصويرة على أفق بحري مشرع وعلى جزيرة صغيرة شيد بها أيضا حصن دفاعي تهاوت أغلبُ أسواره، تجاورها جزيرة أخرى تدعى “موكادرو” تقول الروايات التاريخية أن تأسيسها يعود لقرون غابرة، حيث استوطنها الفينيق والرومان، كما أقيم بها سجن كبير كان يأوي إلى جانب الخارجين على القانون حينها بعض أصحاب الأمراض النفسية أو الوبائية المستعصية حيث يتم وضعهم في حجر صحي بهذه الجزيرة الواقعة على بعد أقل من كيلومتر عن سواحل المدينة.