المغرب والأرجنتين خلال 2015 .. علاقات متناغمة ورهان على مستقبل واعد

هشام الأكحل

خلال السنة التي تشارف على الانقضاء، رسخت وتيرة العلاقات المغربية الأرجنتينية، التي توصف بالجيدة والمتناغمة منذ أزيد من نصف قرن من الزمن، التأكيد على جودة الروابط الثنائية وتطلع البلدين المشترك لمعانقة مستقبل واعد.

وفي هذا السياق، يمكن الجزم بأن العلاقات بين محور الرباط وبوينوس أيريس تعززت بفضل الحضور القوي الذي بصم عليه المغرب خلال سنة 2015 من خلال مشاركات قوية ومتعددة المشارب في كثير من الأنشطة والأحداث التي عاشها هذا البلد الجنوب أمريكي، الذي يعتبر المغرب بوابته نحو إفريقيا والعالم العالم.

ولعل أبرز حدث عاشته الأرجنتين خلال السنة التي نودعها تمثل في تنظيم انتخابات رئاسية أوصلت يوم العاشر من دجنبر الجاري ماورثيو ماكري إلى قيادة ثالث أكبر اقتصاد في أمريكا اللاتينية، خلفا للرئيسة السابقة كريستينا فيرنانديث دي كيرشنير التي حكمت البلاد لولايتين متتاليتين (2007/2015).

وقد شارك رئيس مجلس النواب، السيد رشيد الطالبي العلمي، ممثلا لجلالة الملك محمد السادس، في حفل تنصيب الرئيس الجديد للأرجنتين.

وفي أعقاب فوز ماكري برئاسيات الأرجنتين عبر صاحب الجلالة الملك محمد السادس في برقية بعث بها إلى الرئيس ماكري على "حرص المملكة المغربية على تعزيز علاقتها مع جمهورية الأرجنتين لما فيه خير الشعبين، وعلى أن تجعل من هذه المرحلة الجديدة فرصة سانحة لتكثيف التشاور والتنسيق الثنائي على جميع المستويات، السياسية والتجارية والثقافية، وذلك في تشبث دائم بمبادئ احترام الديمقراطية والكرامة الإنسانية التي يتقاسمها البلدان".

وهو التوجه ذاته الذي عبر عنه ماكري نفسه حتى قبل توليه رئاسة البلاد حينما أكد على لسان رئيس حكومته ماركوس بينيا عزم الأرجنتين على تعزيز العلاقات مع العالم العربي وعلى وجه الخصوص مع المغرب.

وخلال الأسبوع الماضي، جاء التأكيد من جديد هذه المرة على لسان وزيرة الخارجية، سوسانا مالكورا، التي اعتبرت أن الأرجنتين والمغرب، وعلى مدى التاريخ، كانت تربطهما علاقات ثنائية قوية، على ضرورة "تكريس علاقات تعاون مستدامة مع المملكة والبحث عن آفاق تعاون إضافية جديدة مع المغرب واستغلال جميع الفرص الممكنة والانكباب على دراسة المحاور ذات الاهتمام المشترك بين المغرب والأرجنتين".

ولعل أبرز مجال يبدو فيه التعاون مكثفا هو مجال حقوق الإنسان حيث شهدت السنة التي توشك على الرحيل تبادلا لزيارات من الجانبين، وكان آخرها زيارة رئيس المجلس الوطني لحقوق الإنسان، السيد إدريس اليزمي، مطلع الشهر الجاري لبوينوس أيريس في إطار الاجتماع الثاني للجنة الدولية لتنسيق وتنظيم المنتديات العالمية لحقوق الإنسان، وذلك للتباحث بشأن الدورة الثالثة للمنتدى العالمي الذي سينعقد مبدئيا في الأرجنتين.

وكانت علاقات التعاون بين البلدين في مجال حقوق الإنسان محط إشادة من قبل السيد اليزمي الذي اعتبر أن هذه الحقوق تمثل أرضية مشتركة للتعاون بين المغرب والأرجنتين في عدة ميادين، وذلك بالنظر للمسار الإصلاحي المشترك والمختلف في نفس الوقت، الذي أطلقه البلدان، مذكرا بأنه بعد المنتدى العالمي الأول لحقوق الإنسان، الذي انعقد بالبرازيل، كان مقررا أن تستضيف الأرجنتين النسخة الثانية، ولكنها سمحت بأن يحظى المغرب بشرف تنظيم الدورة بمراكش في نونبر 2014 ، وهو ما يعكس قوة هذه العلاقات التي تعززت بتبادل كبير لزيارات المسؤولين عن القطاع.

وتعزيزا لهذه العلاقات، ينكب المجلس الوطني لحقوق الإنسان بالتعاون مع شريكه الأساسي بالأرجنتين "المركز الدولي للنهوض بحقوق الإنسان" على عدة مشاريع مشتركة، وفقا لاستراتيجية تتقاسمها المؤسستان الحقوقيتان وطموح مشترك في لعب دور كسائر الفاعلين على المستوى الكوني.

وللثقافة نصيب من هذه العلاقاتº حيث استضافت مدينة روساريو الأرجنتينية (شرق) ما بين 24 و28 يونيو الجاري الأسبوع الأول للسينما العربية وذلك بمشاركة المغرب كضيف شرف متميز.

وعلى هامش هذا الحدث الفني، نظمت ندوة دولية سلط المشاركون فيها الضوء على التنوع الثقافي الذي اجتمع في المغرب وتفرق في غيره، معتبرين إياه همزة وصل بين شعوب العالم.

وقبله بنحو شهر شارك المغرب في المهرجان العالمي للشعر ببونوس أيريس، الذي اعتبر الساهرون عليه أن المشاركة المغربية فيه تعد "إضافة نوعية له ومن شأنها المساهمة في إثراء برنامج الدورة العاشرة، بالنظر لما تتميز به الثقافة المغربية من غنى وتفرد في مختلف مجالات الإبداع الأدبي".

أما في المجال الإعلامي، فقد عززت وكالة المغرب العربي للأنباء حضورها في أمريكا الجنوبية من خلال افتتاح مقر مكتب إقليمي لها وسط العاصمة بوينوس أيريس ليساهم في التعريف بالمغرب في الأرجنتين والتعريف بالأخيرة في المملكة، كما اعتمد قطب أمريكا الجنوبية المراهنة على المنتوجات الوسائطية الجديدة والمتمثلة في خدمات الصوت والصورة، وتم بالمناسبة إطلاق خدمة "ماب تي في بوينوس أيريس" التي عززت منتوج الوكالة من خلال روبورتاجات مستقاة من الميدان وحوارات ولقاءات وتقارير إخبارية متنوعة تعكس نبض الشارع الأرجنتيني.

واستمر مسلسل التعاون الإعلامي للمغرب مع هذا الجزء من العالم بالتوقيع في نونبر الماضي بالرباط على اتفاقية تعاون مهنية بين الفدرالية الأطلنتيكية لوكالات الأنباء الإفريقية، التي يرأسها المدير العام لوكالة المغرب العربي للأنباء، السيد خليل الهاشمي الإدريسي، واتحاد وكالات أنباء أمريكا اللاتينية وذلك على هامش انعقاد الجمعية العامة الأولى للفدرالية.

وبموجب هذه الاتفاقية تلتزم المؤسستان بالاطلاع المتبادل على التطورات داخلهما وتبادل تصريحاتهما وقراراتهما الصادرة للعموم كما تمكن القراء والمشتركين من متابعة الأحداث والأخبار التي يتم بثها حول القارتين عن كثب، مما يخول فهما أفضل بين شعوب البلدان الإفريقية والأمريكية اللاتينية.

وفي السياق ذاته، أعرب رئيس اتحاد وكالات أنباء أمريكا اللاتينية، السيد خوان مانويل فانروج، عن رغبة الاتحاد في العمل بتعاون مع الفيدرالية الأطلنتيكية لوكالات الأنباء الإفريقية من أجل تبادل الأخبار وتعزيز التواصل بين المنطقتين.

وأشار إلى أن هذا التعاون بين المجموعتين المهنيتين كفيل بتعزيز العلاقات الثقافية والاقتصادية والسياسية بين إفريقيا وأمريكا اللاتينية، معربا عن أمله في المضي قدما نحو الاندماج على أساس الاتصال.

ولعل المتأمل للعلاقات بين الأرجنتين والمغرب سيدرك أنها بلغت مرحلة النضج على المستويات السياسية والثقافية والحقوقية والإعلامية، غير أن شقها الاقتصادي والسياحي يظل دون المستوى المطلوب، لاسيما وأن البلدين يزخران بمؤهلات كبيرة عز نظيرها في باقي البلدان.


هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

*
*
*
ملحوظة
  • التعليقات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
  • من شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات