منارة بوجدور.. معلمة تاريخية وذاكرة حية لساكنة إقليم التحدي
أخبارنا المغربية - و م ع
(إعداد التهامي العم)
تعتبر منارة بوجدور معلمة تاريخية بالأقاليم الجنوبية للمملكة وذاكرة حية لساكنة إقليم التحدي الذي أحدث عام 1976، أي نحو سنة بعد استرجاع الأقاليم الجنوبية.
ويشير العديد من المؤرخين إلى أن هذه المنارة، التي تشكل ذاكرة مدينة بوجدور ونواتها الأولى، بنيت على واجهة المحيط الأطلسي ويعود تأسيسها إلى خمسينيات القرن الماضي.
وظلت المنارة ، التي تتكون من 264 درجا على شكل لولبي وتتوفر على مصابيح كانت توقد بمواد تقليدية، شاهدة على النمو الديمغرافي والتطور العمراني لمدينة بوجدور ( 180 كلم جنوب مدينة العيون). كما أنها صمدت أمام تقلبات الزمن حتى تم ترميمها وتجهيزها بتقنيات حديثة ومصابيح ذات مركبات معدنية حيث يصل مدى ضوء مصباحها الرئيسي إلى 45 كلم ويصدر ثلاث ومضات كل 15 ثانية.
وتشير المصادر التاريخية الى أن المنارة ، التي أسسها المستعمر الاسباني من أجل مراقبة السفن وتأمين سلامتها، بدأت تؤدي وظيفتها سنة 1956 ، وذلك بعد ست سنوات من البناء، وبلغ علوها 54 مترا من مستوى سطح الأرض و 70 مترا من مستوى سطح البحر وقطرها ثلاثة أمتار.
وعن دوافع إقامة هذه المعلمة التاريخية، فقد أشارت العديد من الروايات إلى أن تأسيسها كان برغبة من الإسبان بهدف مراقبة السفن الأجنبية، ورسم مسار السفن الاسبانية وتمكينها من التزود بالمعدات والمؤونة التي تكفي لإتمام أو تفريغ حمولتها.
وقد ارتأى مشيدو المنارة أن تتميز هذه الأخيرة بإصدار ضوء يلف بشكل دائري ليضيء البر والبحر في أبعد نقطة ممكنة ، وذلك بالاعتماد على قوة ميكانيكية محركة للمصباح تدعى "الرحى"، في حين وضعت ألواح زجاجية شفافة ومدعمة بصفائح حديدية بقمة المنارة كي تحافظ على مصدر انبعاث الضوء.
وأصبحت المنارة اليوم، زيادة على توفرها على تجهيزات حديثة تشمل مصباحا كبيرا وثلاث مكبرات للضوء، شاهدة على أهم المعارك التاريخية والملاحم البطولية التي سجلها أبناء المنطقة بدمائهم وأرواحهم فداء للوطن ودفاعا عن كرامته ضد المستعمر الاسباني.
وفي تصريح لوكالة المغرب العربي للأنباء ، أكد رئيس مصلحة تدبير الملك العمومي البحري ببوجدور، مصطفى جماهيري، انه إذا كان للمنارة دور أساسي في مساعدة البحارة على ركوب البحر في ظروف حسنة وتمكينهم من ربح الوقت وتيسير عملية الإبحار، فإن لها أيضا دورا تاريخيا وسياحيا باعتبارها معلمة خاصة بالمنطقة.
وأضاف أن المنارة تعتبر ذاكرة حية لساكنة الإقليم خصوصا وللمغاربة عموما، مشيرا إلى أن ارتباط الساكنة بهذه المعلمة جسدته تلك المعارك التي خاضها أبناء المنطقة ضد المستعمر الاسباني ، إذ شكلت " وسيلة لحمايتهم من الغارات " التي كانت تستهدفهم بين الفينة والأخرى، فضلا عن أن الرحل كانوا يستهدون بضوئها الذي كان يساهم في تخفيف عناءهم في اكتشاف المسالك والطرقات.
وأشار إلى أن هذه المنارة، التي تم ترميمها سنة 1959 لمواجهة التقلبات المناخية بمعايير مكنت من المحافظة على هندستها واحترام مقوماتها التراثية والتاريخية، لم تعد اليوم مجرد بناية تؤدي دورا وظيفيا بل أصبحت تكتسي بعدا رمزيا وتاريخيا وسياحيا.
ولئن كانت منارة بوجدور النواة الأولى لحاضرة إقليم التحدي، فإنها شاهدة اليوم على التطور العمراني والتنموي لمدينة قاومت الظروف المناخية الصحراوية الصعبة وشهدت تنمية اقتصادية واجتماعية مطردة.