دار التكافل بالناظور .. نافذة صغيرة للإطلالة على رجال ونساء حكم عليهم ذووهم بالطرد...
أخبارنا المغربية - و م ع
(بقلم الحسين الصديقي)
الناظور/10 يوليوز 2014/ومع/ على بعد بضعة أمتار من بحيرة مارشيكا التي تقصدها العائلات الناظورية خاصة في الفترة المسائية للترويح عن النفس والاستمتاع بجمالية المكان وتبادل أطراف الحديث في جو عائلي مميز، تقع دار التكافل التي تحضن رجالا ونساء مسنين يعانون في صمت بعد أن لفظهم ذوو القربى، وحكموا عليهم بالعيش بعيدا عن دفء العائلة التي عملوا من أجلها وهم في عنفوان الشباب، لتتنكر لهم وهم عجزة عاجزون.
ولئن اختلفت قصص "ضحايا الطرد التعسفي" من بيت العائلة، في الزمان والمكان، في الحيثيات والسياقات، إلا أن عنوانها واحد : المعاناة والمأساة وحرقة البعد عن الأهل والأحبة خاصة خلال رمضان الأبرك، شهر التراحم وصلة الأرحام وتبادل الزيارات بين الأصدقاء والأحباب والتئام العائلة حول مائدة واحدة يتوسطها الأب أو الأم أو كلاهما إن كانا على قيد الحياة.
"كل شيء متوفر هنا .. المأكل والمشرب والملبس والاستحمام ..." تقول (ف.ق)، التي فتحت قلبها لوكالة المغرب العربي للأنباء، مضيفة أن "القائمين على هذه الدار والعاملين والعاملات بها لا يدخرون جهدا لتلبية طلباتنا ومواساتنا، ونشكرهم على ذلك"، غير أن "الذي ينقصنا ولا يمكن لأحد أن يعوضه مهما حاول هو دفء العائلة وحضنها".
وتابعت هذه المرأة، التي تجاوزت الثمانين عاما، بنبرة حزينة وهي تحرك رأسها يمينا وشمالا، : "إلى حد الآن، ورغم مرور حوالي ثلاث سنوات على الزج بي هنا، لم أستسغ كون عائلتي تخلت عني بهذه الطريقة، ورمت بي خارج البيت العائلي. وإذا كان قدري أن أمضي ما تبقى من عمري في هذا المكان، فأنا أريد فقط أن أسمع من أقاربي جوابا لسؤال واحد ووحيد : لماذا أنا هنا ¿".
وقالت السيدة المكلومة، التي فقدت بصرها منذ سنوات عديدة، "فقدان البصر أهون علي من فقدان حضن العائلة. وما أقدم عليه أقاربي أحدث جرحا غائرا في قلبي لن يندمل إلا باستعادتي الدفء العائلي"، مضيفة متوسلة إلى أقاربها : "إذا تعذر عليكم التكفل بي، فلتمكنوني على الأقل مرة في الأسبوع أو حتى في الشهر من زيارة العائلة، والعودة بعدها إلى هذه الدار ... قدري".
وفي ظل هذه الظروف النفسية الصعبة ل(ف.ق) وغيرها من النزيلات ترفع العاملات بدار التكافل التحدي، فيعملن ليس فقط على توفير الأكل والشراب، فهذا من المسلمات، ولكن أيضا على التخفيف من إحساس المسنات بظلم ذوي القربى وتعويضهن شيئا مما افتقدنه من دفء العائلة، وقد ينجحن أحيانا ويفشلن في أخرى.
وتقول (حليمة.ب) العاملة بدار التكافل : "إنني أبذل كل ما في وسعي للتكفل بالنزيلات. وأعمل على خدمتهن ساعات طوال في اليوم بل حتى في الأعياد والمناسبات، وأنا سعيدة بذلك"، مضيفة أن هؤلاء المسنات "أضحين جزء من حياتي، فلا أستطيع مفارقتهن، إنني أقضي معهن أكثر مما أقضيه مع أبنائي".
غير أن ما عايشته حليمة من حالات وما روت لها النزيلات من قصص منذ التحاقها بدار التكافل كأول عاملة بها قبل حوالي 23 سنة جعلها تتحسر على ما آلت إليه أوضاع الأسر : "بين ما عشناه في الماضي وما نعايشه اليوم .. فرق كبير. لقد قست القلوب وخلت من الرأفة والرحمة إلا من رحم ربك .. أضحينا في زمن قد يحسن إليك البعيد ولا يحسن إليك القريب".