قانون المالية 2017: ضعف في الرؤيا وغياب الانسجام
أخبارنا المغربية
لحسن حداد*
يأتي قانون المالية في سياق استثنائي وظرفية سياسية دقيقة تميزت
بشبه أزمة سياسية أثرت على المسار الديمقراطي ببلادنا وعلى صورة المغرب وعلى عمل المؤسسات مما جعل البطء سيد الموقف على المستوى الاقتصادي ومستوى الاستثمار. الظرفية الدولية تعرف استمرار آثار أزمة اقتصادية ومالية واجتماعية عمرت حوالي عقد من الزمن كانت لها آثار سياسية عميقة في أوربا والمملكة المتحدة وأمريكا الشمالية. الاقتصاد العالمي لم يتعافى بعد ويعرف تحولات جوهرية كبيرة من بطالة مزمنة وتراجع للاستهلاك كمصدر للنمو في الدول الصناعية وتراجع ريادة الولايات المتحدة للنمو على المستوى العالمي وبطء الإصلاحات في الصين التي تتوخى الاعتماد أقل على التصنيع والتوجه نحو اقتصاد الخدمات وكذا تراجع تأثير الرساميل المتحركة في دينامية الاستثمار على المستوى الدولي.
اضف أإلى هذا نمو نزعات على المستوى السياسي والإيديوجي تصب في خانة الشعبوية والقومية المتطرفة والحمائية والعنصرية ومعاداة الإسلام والسامية والمهاجرين.
على المستوى الوطني لازال اقتصادنا يعاني من ثقل الفلاحة البورية المتأثرة بالتقلبات المناخية على نمو الناتج الداخلي الخام مما يطرح أسئلة على أحد أهداف المخطط الأخضر المتمثلة في تشجير مليون هكتار في أفق 2020 أي تحويلها من زراعة الحبوب المعتمدة بكثرة على التساقطات المطرية إلى زراعات يمكن سقيها عبر تقنيات التنقيط. أضف إلى هذا استمرار القطاعات الغير فلاحية في نمو محتشم لا يتجاوز 4%. كل هذا كان له انعكاس سلبي على استمرار أزمة البطالة، خصوصا في أوساط شباب المدن وحاملي الشهادات.
كنا ننتظر من مشروع قانون المالية أن يتجاوب مع هذه الظرفية الوطنية والدولية بشكل أو بآخر. ولكنه جاء محتشما تنقصه الجرأة وغياب الرؤية وحتى غياب تصور نموذج تنموي واضح.
أكثر من هذا، لم يترجم قانون المالية أيا من توجهات البرنامج الحكومي بل جاء مناقضا له، بل غير منسجم معه تماما. مع ماذا نتعامل؟ هل مع البرنامج الحكومي؟ أم مع قانون المالية؟ أحدهما في واد والآخر في واد آخر. أغلب الإجراءات لا تترجم الطموحات الواردة في قانون المالية.
الشيء الوحيد الذي يلتقيان فيه هو غياب تصور جدي للنموذج التنموي المنشود. ينسجمان في غياب الرؤيا.
المشكل هو أن المقاربة موجودة ومحددة والتصور ممكن. تقرير البنك الدولي الأخير قال بأن المغرب يمتلك مؤهلات مهمة للصعود إلى مرتبة الدول الصاعدة : النافذة الديمغرافية حيث طغيان الفئة العمرية 15-60 سنة على أسفل الهرم الديمغرافي مما يعني كثرة السكان النشطين مقارنة مع الفئات العمرية الأخرى؛ تمدن المجتمع وهو ما يعني تحولا سوسيولوجيا مهما وكذا تكاثر الفضاءات الحضرية الخالقة للدينامية الاقتصادية الغير الفلاحية؛ وارتفاع مستوى عيش المواطنين أي نمو مطرد لطبقة متوسطة مستهلكة ووازنة على مستوى الاستقرار السياسي والاجتماعي.
هذا ما حصل في كوريا وتركيا وتايوان والشيلي والبرتغال وماليزيا وكوستاريكا وغيرها وهي دول عرفت انتقالا ملحوظا إلى دول صاعدة. هي دول استغلت الديمغرافيا والتمدن والطبقة الوسطى لتستثمر في أمور أعطتها إنتاجية إضافية. الاستتثمارات القارة والمباشرة مهمة ولكن هذه الدول اهتمت كذلك بالجامعات والبحث العلمي واقتصاد المعرفة والرأسمال البشري والتراث اللامادي
وأعطت دورا أكبر للقطاع الخاص على مستوى البحث والاختراع. قانون المالية غيب هذه الأمور أو فقط مر عليها مرور الكرام مكررا نفس العادات ونفس الردود القديمة والتي لا تعدو أن تكون ذرا للرماد في العيون ليس إلا. وفي غياب الرؤيا هذا يلتقي قانون المالية مع البرنامج الحكومي: الاثنان لا يعيران تطوير الرأسمال اللامادي ، والاستثمار في العنصر البشري، واقتصاد المعرفة وتشجيع الابتكار أي اهتمام. اللهم بعض الاجراءات المحتشمة هنا وهناك.
ولكن التناقص بين البرنامج الحكومي وقانون المالية ليست فقط بادية للعيان ولكن لها دلالات مهمة حول أولويات متضاربة بين أطراف التحالف الحكومي. يبدو أن لكل أولوياته وغير واضح للرأي العام أي طريق ستنهجه الحكومة.
على مستوى التشغيل مثلا: البرنامج الحكومي يهدف إلى خفض نسبة البطالة بنقطتين. ولكن سياسة التشغيل التي وردت في قانون المالية تركز فقط على عرض الشغل (أي كيف يصبح طالب الشغل قابلا للتشغيل) لا على طلب التشغيل، أي كيف يجب الاستتثمار في قطاعات تؤمن أكبر عدد ممكن من فرص الشغل. نوعية الاستثمار الذي ورد في قانون المالية يركز على الصناعة والفلاحة. الأول قطاع يفقد مناصب بكثرة لأنه يعيش فترة تحول عميقة. وحتى الوحدات الجديدة فإنها لا تشغل إلا أيادي عمل قليلة نظرا للتحول الآلي automatisation الذي تعرفه الصناعة على المستوى الدولي. في الصناعة، ما نأخذه بيد نفقده بيد أخرى: النسيج والمواد المنزلية والمواد الكهربائية والصناعات التحويلية وغيرها تسرح العمال بالمئات والآلاف؛ صحيح أن المهن العالمية وصناعة السيارات والطائرات تنمو ولكنها غير كافية لتعويض ما تفقده الصناعات الأخرى على مستوى مناصب الشغل.
هدف الصناعة هو الرفع من القدرة التصديرية للمغرب،
و الرفع من القدرة التنافسية للصناعة المغربية، والمساهمة في تخفيض الميزان التجاري وميزان الأدات، ولكن علاقتها في الوقت الحالي بخلق مناصب الشغل تبقى محتشمة.
في هذا الباب لا بد من الاحتياط من شيء معين: الدعم المتزايد على المستوى الجبائي وعلى مستوى العقار، وعلى مستوى منح الاستثمار سيعطيك قطاعا صناعيا يعيش على أنبوب إعانة الدولة لا قطاعا يستطيع أن يكتسب مناعة وتنافسية ذاتية. إشكالية الاستدامة والمردودية والتنافسية تطرح نفسها بإلحاح في هذا الإطار.
أما الفلاحة فمناصبها قارة ومركزة في العالم القروي الذي لا يعرف تفاقما كبيرا لأزمة البطالة. ميزانية وزارة الفلاحة تصل الى 17 مليار درهم وهذا يعني أنها مدعمة بشكل كبير جدا كذلك. وهذا ما مكن من رفع الانتاجية وساهم في الرفع من تنافسية الضيعات الكبرى وأعطى دينامية جديدة للصناعات الغذائية وساهم في تحويل حوالي 340 ألف هكتار إلى مساحات للتشجير.
ولكن التحديات تبقى كبيرة، حيث الضيعات الصغرى لازالت مهمشة رغم سياسة التجميع، والإنتاجية لازالت دون المستوى الدولي وذلك لعدم نجاعة الإرشاد الفلاحي رغم وجود المكتب الوطني للاستشارة الزراعية منذ خمسة أعوام، والوصول إلى مليون هكتار من الأراضي المشجرة لازال بعيد المنال ولن يتأتى قبل 2025 على أبعد تقدير، وقلة الأسواق الكفيلة بمواكبة الانتاجية المتصاعدة، وعدم المحافظة على الموارد خصوصا المائية منها في اشتوكة آيت باها وزاكورة وبودنيب وتانسيفت والحوز وغيرها من المناطق التي تعرف تدهورا كبيرا للفرشة المائية.
سؤال المردودية يطرح نفسه هنا بإلحاح: مقارنة مع 17 مليار من المدخلات ما هي المردودية خصوصا من ناحية خفض الاعتماد على التساقطات المطرية والرفع من الانتاجية حسب المعايير الدولية ووجود استراتيجية تسويقية ناجعة والاهتمام بالفلاح الصغير واستعمال الموارد استعمالا مستديما؟
لذلك فالاستثمار في قطاعي الصناعة والفلاحة ضروري ومهم ويجب الاستمرار مع طرح الأسئلة المحرجة والضرورية كذلك؛ ولكنه سيؤدي في أسوأ الأحوال إلى استقرار البطالة ولكن ليس إلى رةالرفع من فرص الشغل.
ما استغربه هو أن القطاعات المشغلة لا يعيرهنا قانون المالية أدنى اهتمام؛ وهذه هي الخدمات والبناء والتكنولوجيا والخدمات المالية والسياحة وصناعة السفر التجارة والاقتصاد الأخضر والاقتصاد الرقمي. هذه قطاعات لها قيمة مضافة مهمة وهي قطاعات تخلق وتنتج مناصب للشغل وتعطي قيمة مضافة للاقتصاد الوطني. لا اثر يذكر لاستثمار محترم في هذه القطاعات في قانون المالية. وهذا شيء مؤسف لأن هذه القطاعات خصوصا الخدمات أحدثت ثورة في ميدان التشغيل في البرازيل ورواندا وتايلاند وسيريلانكا وغيره. أما السياحة البيئية والقروية فدول مثل فرنسا والبيرو وكوستاريكا وتانزانيا أحدثت فيها ثورة على مستوى تنويع دخل الإنسان القروي وخلق الآلاف من مناصب الشغل. الحكومة لم تخصص لهذا ولا سنتيما واحدا رغم وجود استراتيجية متكاملة في هذا الإطار.
آخر نقطة هي الدين العمومي والبرنامج الحكومي يطمح الى خفضه الى ما دون 60٪ من الناتج الذاخلي الخام أي بأربعة نقط. فوائد الدين كانت 10 ,27 مليار سنة 2016 وقانون المالية يخطط لتسديد 27,47 مليار سنة 2017. أي بزيادة 370 مليون درهم مقارنة مع السنة الفارطة. حتى وإن أضفت الى ذلك 500 مليون درهم نمو في تسديدات الدين الأساسي فإن هذا لا يرقى إلى مليار درهم إضافية في السنة وهو ما يمثل فقط واحد على تسعة من الناتج الداخلي الخام؛ أي أنه في آخر الولاية الحالية سنصل إلى خفض المديونية بنصف نقطة فقط. هذا دليل آخر على أن البرنامج الحكومي في واد وقانون المالية في واد آخر.
في الختام لا يمكن أن نواجه التنافسية الشرسة على المستوى الدولي بالحمائية. الحمائية والدعم المتزايد لا تقويان المنتوج الوطني بقدر ما تضعفانه. يجب أن نستتثمر في البحث والتكنولوجيا والرقميات ونشجع القطاع الخاص على تولي الريادة في هذا الإطار لكي نجعل اقتصادنا ذي مناعة وتنافسية.
علينا أن نشجع بناء وخلق حوالي مائتي جامعة للبحث والتكنولوجيا ونضع حوالي مائة وحدة للخلق والابتكار بشراكة مع القطاع الخاص ونرفع من ميزانية البحث العلمي الى حوالي 20 مليار درهم في السنة ونرفع القيود الضريبية والجمركية والعقارية على مبادرات البحث والابتكار ونضع نصب أعيننا هدف 5000 براءة في السنة في أفق 2030 ونخلق معارض ونوادي جهوية للابتكار ونخلق قاعدة متينة لاقتصاد المعرفة. بهذا سننخرط في المستقبل بجدية وشجاعة. فقط هكذا يمكن لنا أن نصبح دولة صاعدة واقتصادا رائدا على مستوى افريقيا والعالم العربي.
* نائب برلماني عن حزب الاستقلال.
بلحسن
اواه
حينما كنت وزيرا لم تنبس ببنت شفاه وكنت في وزارة مهمة وحزبك انذاك كانت له وزارات هامة كالوظيفة العمومية وفي عهدكم والبنكرانيين افلس كل شيء واليوم تتشدق العحب الكرسي تيتلف ويحمق