قراءة أولية في بعض المؤشرات عن الموظفين الدكاترة بـــوزارة التعليم العالي
نادية الندمي
لقد تحدثت سالفا عن بعض تخوفات الموظفين الدكاترة بوزارة التعليم العالي وأسبابها، وأود الآن أتطرق لما يمكن ان نسميه بقراءة أولية في بعض المؤشرات عن الموظفين الدكاترة في قطاع التعيم العالي، والمقصود بالأولية؛ أنها قراءة سريعة فرضتها الظرفية الراهنة للموضوع أولا، وغلبة الضبابية عن بعض المعطيات ثانيا؛ وثالثا لقابليتها للإضافة والتعديل... حين يتوافر ما يستوجب ذلك. أما مقصودي بالمؤشرات فهي أمـــور ثلاث أساسية؛
v أولا؛ مؤشر دال وواضح على قوة التنظيم في هذه الفئة من خلال سرعة التفاعل، ويشهد لذلك المشاركة في الإضرابات التي دعت إليها النقابة الوطنية المستقلة للدكاترة بالمغرب، وهي وإن كانت قليلة في السنة الماضية، نظرا لتبني النقابة أسلوب الحوار الجاد والمسؤول... فإنها تظل مؤشرا دالا على مدى إيمان هذه الفئة بحقوقها.
v وثانيا؛ نسبية صحة المعلومات الواردة في بعض التقارير الرسمية وغير الرسمية التي أوردت بعض الأرقام المتعلقة بالدكاترة الموظفين في قطاع التعليم العالي، والتي من خلالها استقيت المعلومات المتضمنة في المقال، ومنها الجدول أسفله.
v أما الثالث؛ الإحصاء والبيانات التي جمعها الدكاترة بمبادرة ذاتية والتي استطاعوا من خلالها وفي غضون مدة وجيزة التكتل بشكل جيد، ويحوي الإحصاء بيانات تفصيلية عن هؤلاء؛ تخصصاتهم وخبرتهم في التدريس.
هذه هي المؤشرات الثلاثة التي أستند إليها في تحليلي لهذا المقال؛ ويمكن القول أن نسب المشاركة في الاضرابات في جل المؤسسات كانت شاملة، (على الرغم من قلتها؛ فإنها لم تكن حسب المعاينة مؤثرة بشكل كبيرة)، وذلك لقلة عدد الدكاترة عموما في قطاع التعليم
العالي، وتناثرهم في مؤسساته... حيث المتوسط العام لعدد الدكاترة هي أقل من 15 دكتور في كل جامعة، وعددهم في المؤسسات الجامعية يقل عن 4 دكاترة في كل مؤسسة والتي يبلغ عددها في المغرب15 جامعة وأكثر من 140 مؤسسة للتعليم العالي العمومي ومراكز البحث (52 مؤسسة ذات استقطاب مفتوح و50 مؤسسة ذات استقطاب محدود و40 مؤسسة غير تابعة للجامعات)، كل هاته المؤسسات تؤطر أكثر من 440000 طالباً، بأقل من 10000 أستاذ باحث وباحثة.
وبالتأمل البسيط هل يمكن أن يشكل وجود أقل من 4 دكاترة موظفين في كل كلية مشكلة أمام وزارة التعليم العالي لتسوية وضعيتهم؟ خصوصا وأن أغلب هؤلاء يمارسون مهام التدريس أو الإشراف على الأعمال التطبيقية، إضافة إلى مهامهم الإدارية.
لا شك أن العدد لن يشكل عائقا أمام وزارة التعليم العالي لحل هذا المشكل، حتى وإن كان توزيع هؤلاء على مستوى الكليات يتفاوت بين مؤسسات التعليم العالي بشكل كبير، حيث يوجد حوالي 38 دكتور في جامعة عبد المالك السعدي بتطوان كأقصى عدد، بينما يقل عن ربع هذا العدد في مجموعة من الجامعات الأخرى؛ كجامعات؛ الجديدة ومكناس، وسطات... بينما جل الجامعات الأخرى يقل فيها عدد الدكاترة عن نصف هذا العدد.
هذه فقط صورة أولية قد يختلف فيها التقدير من جامعة لأخرى بفارق رقمي بسيط، وذلك لغياب المعلومات الإحصائية الدقيقة التي قامت بها الوزارة، بيد أن تحديد هذه الأرقام أمر بالغ الأهمية في نظري وذلك لقطع الطريق أمام كل من يختزل المشكل في كثرة أعدادهم في قطاع التعليم العالي؛ وفي اعتقادي أن المشكل ليس في كثرة ولا عدد الدكاترة، ولا في تركزهم في تخصصات دون غيرها؛ وإنما المشكل يكمن في الأمور الآتية:
v أولا: السياسات التي انتهجت في هذا القطاع فبعد أن فتحت الجامعات في وجه الخريجين نهاية الثمانيات وبداية التسعينات، عقبتها سياسة تضييق الولوج إليها التي استمرت عقودا حتى تفاقم الأمر إلى درجة لا تطاق، وأصبحنا نجني ثماره السيئة ونحصد شوك هذه السياسات.
v ثانيا: لعل ما ساهم في تكريس أزمة الأطر في الجامعات المغربية ما سمي بمبادرة المغادرة الطوعية؛ حيث قدرت نسبة المغادرين للقطاع بحوالي 1686 منهم ثلاثون ملحقا إداريا و1131 إداريا و525 إطارا تربويا.
v ثالثا: النزيف الخارجي؛ يتعلق الأمر بما تعرفه الجامعة المغربية من نزيف مستمر ظاهر وخفي؛ فأما الظاهر فهو متعلق بهجرة الأساتذة إلى الخارج نحو الخليج، وكندا وأمريكا... وهم من خيرة الكفاءات الجامعية في مختلف التخصصات.
v رابعا؛ النزيف الداخلي؛ وهو النزيف الخفي الذي لا يتم الانتباه إليه، ونادرا ما تتم الإشارة إليه، والجامعة المغربية ستحصد ثماره ونتائجه في المدى المتوسط، ويتعلق الأمر بنتائج التوظيف المباشر، إذ لا شك أن العملية شملت عدداً لا يستهان به من الباحثين المشتغلين على أطروحات جامعية، لكن السؤال المطروح: من من هؤلاء جاهد وتمكن من اتمام أطروحته، أو لا زال يشتغل عليها؟. وقد صرح لي أحد رؤساء وحدة الدكتوراه بامتعاض شديد؛ بقدر ما كان التوظيف المباشر نعمة على أصحابه بأن أتاح لهم لقمة عيش محترمة تغنيهم مذلة الحرمان، في الوقت ذاته كان نقمة على البحث العلمي، وعلى طلاب الدكتوراه أنفسهم من حيث لا يدركون. وأضاف كل الطلبة الذين أشرف عليهم أوقفوا أبحاثهم، بسبب تعييناتهم التي لا تتيح لهم المتابعة ولا الحضور إلى المؤسسة، وفي هذا الصدد صرح قبل أيام قليلة عميد إحدى الكليات عن سحب أكثر من 53 باحثا في الدكتوراه ملفاتهم بسبب التوظيف المباشر؛ إن العدد في مؤسسة واحدة أمر ليس بالهين.
إنه بالفعل واقع مر... وحبذا لو تقوم الوزارة بمسح شامل في الموضوع للوقوف على حجم النزيف وللعمل على الحد من سعته، ولعل مبادرة الزيادة في منح طلاب الدراسات العليا التفاتة ذكية في الموضوع.
كل هذه الأمور السالفة ساهمت بشكل كبير في الإخلال بميزان العلاقة بين أعداد الطلبة ومؤطريهم الأكاديميين، وتوحي في الوقت ذاته بأن الخلل سيستمر، إذا لم تستدركه
الوزارة بإصلاح وتصويب، ونحن لا نشك في قدرة السيد الوزير على تجاوز الصعاب، ولعل من الشواهد التي ترسخ حجم الخصاص الذي تعيشه الجامعة في التأطير، والذي يقدر بما يعادل أستاذاً واحداً لكل 250 طالب، فقد أصبح عدد الطلاب خلال الموسم الجامعي 2009 و2010 يقدر بحوالي 306595، بينما عدد مؤطريهم لا يتجاوز العشرة الآلاف أستاذ. ومقارنة بسيطة بدول أخرى كتونس مثلا تجعلنا بصدق نخجل من الحديث عن أزمة، ففيها ضعف هذا العدد من الأساتذة مع العلم أن عدد سكان تونس هو أقل من نصف عدد سكان المغرب. إنها كما قال أحدهم "فعلا إهانة لنا كأساتذة وطلبة ومجتمع بصفة عامة"، وماذا نقول عن بعض دول الجوار التي يقترب فيها عدد الطلاب من سقف 1.5 مليون طالب، في حين لم يبلغ عدد الطلاب في المغرب ثلث الرقم المذكور؛ ونملئ الدنيا ضجيجا عن أزمة أطر، وخصاص كبير.؟.
ثم إنه حتى بصيص الأمل الذي فتح مع إحداث الكليات المتعددة التخصصات والتي مكنت من استيعاب بعض الدكاترة الشباب، بيد أن العدد لم يكن في مستوى التطلعات، فيمكن التمثيل بإحدى الكليات التي كانت التوقعات تشير إلى أن انطلاقتها ستكون بحوالي 72 أستاذا؛ وبعد مرور حوالي ثمان سنوات من تأسيسها لم تصل أو تكاد للعدد المنشود قبل عقد.
وفي اعتقادي إن على الوزارة المعنية تحديات كبرى وإصلاحات جريئة، بل ثورة حقيقية ينبغي العمل عليها لتفادي أزمة قلبية عاصفة تتربص بهذا القطاع. كما يجب على الوزارة العمل على ضمان رافد قار للتغلب على الخصاص المهول في التعليم العالي، فبعض المؤشرات تشير إلى أن الدفعة التي أنعشت التعليم العالي في منتصف الثمانينات وبداية التسعينات أغلبها ستحال على التقاعد بعد حوالي العشر سنوات من الآن. وإذا ما تأملنا نسبة هؤلاء في الجامعات المغربية فإن عددهم يتجاوز النصف، ومتوسط أعمارهم يتجاوز الخمسين سنة في بعض المؤسسات؛ ككلية الآداب ظهر المهراز مثلا.
وقد أعطى أحد التقارير عددا من المؤشرات بخصوص مسألة التأطير والتي تبقى متدنية خصوصا مع ارتفاع نسبة المقبلين على التقاعد حيث أن أزيد من 55% من الأساتذة، وأزيد من 44% من الموظفين تتجاوز أعمارهم 50 سنة، سيحال منهم على التقاعد حوالي %35 في غضون سنوات قليلة.
فضلا عن ذلك، أظهرت دراسات إحصائية شملت قاعدة تتكون من 1150 أستاذا، بجامعة محمد الخامس أن عدد الأساتذة الجامعيين سيتراجع في أفق سنة 2020 بمجموع 660 أستاذ سوف يحالون على التقاعد؛ أي بمعدل 55 أستاذ سنويا. والسيد الوزير على دراية تامة بأبعاد هذا المشكل حيث جاء في إحدى تصريحاته: "عدد الأساتذة الذين يحالون على التقاعد في تزايد مستمر، والمناصب المالية شبه جامدة، إذا لابد أن تكون هناك دفعة على مستوى القانون المالي من أجل سد جزء من الخصاص، لأن الخصاص بالمئات والمئات، على الأقل نحن في حاجة إلى ألف منصب بالجامعة المغربية، ورغم ذلك ستبقى الحاجة كبيرة."
الشيء الذي يضع الجامعة في وضع حرج خصوصا إذا أخدنا بعين الاعتبار ارتفاع عدد الطلبة، ويقتضي من الوزارة وضع تصور شمولي؛ أولى خطواته الإصلاحية إعادة الاعتبار لشهادة الدكتوراه التي تمنحها مؤسساتها، وأن تتجسد على الأقل قيمتها على أرض الواقع في مهنة صاحبها، فما معنى وزارة لا تعترف بشهادات مؤسساتها التي تمنحها، ولا تمكن أطرها من التدريس والتأطير بشكل رسمي بدعوى أن خريجيها والحاصلين على شواهدها غير مؤهلين وغير صالحين أو لقلة المناصب... أو لأسباب أخرى لا نعرفها، وفي نفس الوقت يتم الاستعانة بهم في التدريس ولسد الخصاص... مفارقة عجيبة، نحن نعجز صراحة عن فهمها واستيعابها؟؟ ففي الوقت الذي يحرم الموظفون الدكاترة من الدخول للتأطير والتدريس من الباب، يسمح لهم بالدخول للمجال من النافذة؟ وإذا كان الأمر كذلك فعلى الوزارة أن تعيد النظر في نفسها وفي شواهدها؛ إذا كانت هي المانحة والمانعة.
وعليه، فإن على وزارة التعليم العالي توفير مناصب مالية خلال السنوات العشر القادمة على الأقل بوتيرة منتظمة، كما يفرض على الحكومة أن تبدي اهتماما استثنائيا بالنظام التعليمي باعتباره القلب النابض للدولة، وجعله أولى الأوراش التي يجب الاهتمام بها بشكل مستعجل، وما الإشارات التي حملها الخطاب الملكي الأخير في الموضوع بخافية عن أحد.
dri hmou
bravo
bravo