متى يحسم صناع القرار أمر لغة التدريس بالمدارس المغربية؟ !

متى يحسم صناع القرار أمر لغة التدريس بالمدارس المغربية؟ !

أخبارنا المغربية

بقلم: اسماعيل الحلوتي

      يبدو أن قدر المغرب بات محكوما بالعيش في دوامة من الإشكالات المترابطة، إذ لا يكاد ينتهي اللغط من قضية حتى تظهر أخرى، أو يعاد فتح صفحة خالها الكثيرون طويت، كما هو الشأن بالنسبة للغة التدريس، التي أثير حولها جدل واسع في الأسابيع الأخيرة، وتباينت ردود الأفعال بين رافض ومؤيد لتدريس المواد العلمية باللغة الفرنسية، وفق ما جاء به مشروع القانون الإطار رقم 17-51 المتعلق بمنظومة التربية والتكوين، الذي تصر الحكومة على تمريره بمجلس النواب، فيما ترفضه فرق برلمانية وضمنها فريق الحزب الأغلبي "العدالة والتنمية".

      وأمام هذا الصخب المتزايد، أصبح المواطن المغربي البسيط تائها غير مدرك لما يطبخ بعيدا عنه، ولا راض بتحويل إصلاح التعليم الذي يعد قاطرة التنمية والقضية الوطنية الثانية بعد قضية الصحراء، إلى مسرح للمزايدات السياسوية والإيديولوجية وتصفية الحسابات بين الأحزاب السياسية، حتى داخل الائتلاف الحكومي الذي يفترض فيه الانسجام والتوافق، لاجتراح حلول ناجعة للإشكالات المطروحة، وتبديد قلق ومخاوف الأسر على مستقبل أبنائها، التي تنتظر بلهفة إنهاء مسلسل العبث القائم، لاسيما أن خبراء تربويين يعتبرون العودة إلى تدريس العلوم بالفرنسية خطوة جريئة تستحق التنويه رغم تأخرها، وتعد من أبرز توصيات المجلس الأعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي، في الرؤية الاستراتيجية لإصلاح التعليم 2015/2030 التي تقترح تدريس المواد العلمية باللغتين الفرنسية والإنجليزية. 

      فمعظم المغاربة اليوم يتساءلون بحرقة عن متى يتم إنهاء هذه النقاشات العقيمة، ومعالجة مسألة لغة التدريس التي عمرت حوالي ثلاثة عقود، دون أن تتوفر الإرادة القوية لدى الحكومات المتعاقبة للحسم في تحديد اللغة الأنسب والأجدى لأبنائنا، سواء كانت اللغة العربية أو اللغة الفرنسية أو هما معا؟ 

      بيد أن المثير للاستغراب، هو تجاهل وزير التربية الوطنية سعيد أمزازي هذه الزوبعة من السجال، والاتجاه نحو فرض عودة تدريس المواد العلمية: الرياضيات، الفيزياء وعلوم الحياة والأرض باللغة الفرنسية، دون حتى انتظار مصادقة البرلمان على القانون الإطار، إذ صرح بكل أريحية أن حوالي 85 ألف تلميذ موزعين على قرابة 1400 إعدادية، يدرسون المواد العلمية بالفرنسية في ظروف جد عادية، وأنه تم في مرحلة أولى تأهيل ألف أستاذ للتدريس باللغة الفرنسية بعد خضوعهم لتكوين خاص...

      وفي هذا الصدد، قد يتفهم البعض "غضبة" نزار بركة الأمين العام لحزب الاستقلال "المعارض" إزاء عزم الحكومة تطبيق قرار تدريس المود العلمية باللغة الفرنسية، الذي اعتبر القرار إجراما صريحا في حق التلميذ المغربي والنظام التعليمي، والتغيير المفاجئ للغة التدريس دون دراسة أو إعداد مسبق خطأ فادحا، مدعيا أن الأساتذة غير مؤهلين للتدريس باللغة الفرنسية، منتقدا من يلقي باللائمة على العربية واتهامها بالقصور وتأخير التطور، ومحملا مسؤولية فشل المنظومة التعليمية لعدم مراجعة البيداغوجية المعتمدة والمناهج التعليمية والاكتظاظ. وهو بذلك لا يريد سوى تبرئة ذمة حزبه الذي يعد مسؤولا عن سياسة "التعريب" في عهد وزير التعليم الراحل عزالدين العراقي، خلال نهاية السبعينات...

      لكن ما لا يتفهمه الكثيرون هو تمادي رئيس الحكومة السابق عبد الاله بنكيران في خرجاته الإعلامية ، إذ لم يتردد هذه المرة في مهاجمة وزير التربية الوطنية، متهما إياه بخدمة أجندة اللوبي الفرنسي، جاعلا من تعميم تدريس المواد العلمية بالفرنسية  خطرا محدقا باللغة العربية والدين الإسلامي، بل ذهب إلى حد تحريض أتباعه والتهديد بنسف المشروع، ناسيا أن حكومته هي من سبق أن وضعته، وأن هذا الصنف من القوانين لا تصل البرلمان إلا بعد مناقشتها في مجلس وزاري تحت رئاسة الملك والتأشير عليها. أليس الملك هو الأكثر حرصا على حماية الدستور وثوابت الأمة؟

      إن موضوع تدريس المواد العلمية بالفرنسية ليس وليد اليوم، بل انطلق بشكل واضح مع حذف مادة الترجمة وظهور استراتيجية الإصلاح الممتدة من 2015 إلى 2030، حين أصدرت الوزارة الوصية في عهد رشيد بلمختار سنة 2015 مذكرة تدعو إلى تجريب تدريس المواد العلمية باللغة الفرنسية في بعض شعب ومسالك التعليم الثانوي التأهيلي ببعض المندوبيات الإقليمية، على أن يتم تعميمه ابتداء من الموسم الدراسي 2017/2016.

      وإذا كان الرافضون يرون التدريس باللغة الفرنسية نكوصا وانقلابا على الدستور، لن يؤدي سوى إلى مزيد من التخبط، معتبرين اللغة الفرنسية متخلفة عن الركب العلمي دوليا مقارنة مع اللغة الإنجليزية، التي تعد لغة العلم بامتياز. ويدعون بشدة إلى التخلص من قيود التبعية لفرنسا، بفتح مسالك تدريس العلوم باللغة العربية في الجامعات، الانكباب على النهوض بها وتهييء شروط نجاحها، مستشهدين في ذلك بتجارب عدة دول اعتمدت على اللغة الأم، واستطاعت تحقيق التقدم المأمول...

      فإن المؤيدين للانفتاح عن اللغات الأجنبية وإنهاء مسلسل التعريب، الذي يرون أنه لم يجلب للبلاد والعباد عدا الخيبات، بينما يمكن للغة الفرنسية أن تمنح التلاميذ إمكانات كبيرة وتفتح أمامهم آفاقا رحبة في التعليم العالي وسوق الشغل، منطلقين مما يلاقيه الطلبة من صعوبات في التعليم الجامعي، جعلت الكثيرين منهم عاجزين عن استيعاب الدروس بغير العربية، مما ولد لديهم الشعور بالإحباط ودفعهم إلى التسجيل في تخصصات لا تتوافق مع طموحاتهم ومؤهلاتهم العلمية، عكس الذين تابعوا دراستهم بالتعليم الخصوصي...

      إننا إذ نثمن جهود المجلس الأعلى للتربية والتكوين، التي أثمرت هندسة لغوية جديدة تقوم على التعدد اللغوي، وحظيت بدعم ملكي شامل، فإننا ندعو إلى بذل المزيد من الجهد لتعزيز تعلم اللغات الأجنبية وتوسيع استعمالها في المدرسة العمومية، مادام تدريس بعض المواد بلغات أخرى ليس تنقيصا من اللغة العربية، بل سيساهم في تحقيق مبدأ تكافؤ الفرص بين أبناء الشعب.

 

عدد التعليقات (5 تعليق)

1

ريم

المغرب اولا

اش دخل لغة التدريس بالدين الاسلامي دبا باكستان ولا تركيا ولا اندونيسيا الي ما كيتكلموش اللغة العربية برايكم حنا مسلمين اكثر منهم الغرب الي ما تيتكلمش العربية واش حنا مسلمين اكثر منهم فالاخلاق والحقوق الدين الاسلامي ما تيجيكم حتى لمسالة لغة التدريس علاه ما تيجيكم فتوزيع الثروة ولا التقاعد السمين والاجور المرتفعة الي تشدو والشعب افقر من الفقر علاه كتشدو فالقشور وتخليو اللب لغة التدريس هي مسالة تقنية ما تحاتج كل هاد اللغط الى قريت حتى باللغة الصينية ما غتنزعش مني هاد اللغة عقيدتي او هويتي بقدر ما افعالكم وجشعكم هو الي غيزعزع العقيدة والهوية اتقو الله فهاد البلد 60 سنة من الاستقلال ومازال معارفينش كيفاش غتعلمو اجيال هاد البلد

2019/02/22 - 07:55
2

جواد

العربية والفرنسية!

أنا درست بالفرنسية ردها من الزمن لم أجد فيها أي إيجابيات مقرنة بالعربية، بالعكس ماستوعبته بالعربية والانجليزية أفضل بكثير. صراحة الفرنسية وبال على المغاربة

2019/02/22 - 08:56
3

مغربي

[email protected]

اللغة الانجليزية هي الحل.

2019/02/22 - 09:12
4

Mouaten

خليو الناس تختار

من رأيي ولرفع التجاذبات السياسية اقترح ما يلي: على الأباء اختيار لغة التدريس الأولى بين العربية والأمازيغية . كما عليهم اختيار لغة أجنبية ثانية (فرنسية، انجليزية، اسبانية او المانية) وتقوم الدولة بتوفير حق الاختيار في إطار ديموقراطي ودستوري ونخرج من هذا المستنقع الذي تفوح روائحه

2019/02/22 - 10:14
5

العربي

العلم نور

نريد تلقين أولادنا المواد العلمية باللغتين الفرنسية والإنكليزية حتى نخرج من الجهل والتخلف. الامر واضح أفلا تبصرون.

2019/02/22 - 02:02
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

*
*
*
ملحوظة
  • التعليقات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
  • من شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات