لماذا تدنت قيمة الأستاذ ؟

لماذا تدنت قيمة الأستاذ ؟

أخبارنا المغربية

 

إعداد: : المثمر المصطفى*

 

تعد مهنة التعليم من أشرف المهن وأهمها، فالأستاذ يتولى مسؤولية عظيمة، تتمثل في تغذية العقل بالعلم والمعرفة، وتنشئة الأجيال ليخدموا أنفسهم ودينهم ووطنهم، و على مر العصور حظي المعلم بمكانة مرموقة ، و سمعة حسنة ، و هيبة تقشعر لها أبدان الكبار قبل الصغار ، كيف لا و هو الذي يعد أبناء الأمة ليعملوا على رقيها و ازدهارها ، ويحافظوا على عزتها وكرماتها.تتوالى الاجيال ويبقى المعلم هو الرائد والمنار ، فهو استاذ من أصبح زعيما او قائدا او مخترعا عظيما ، يقود مواكب النور .

 لكن - للأسف الشديد– في زماننا هذا ديست كرامة المعلم و أصبح ذليلا مهانا من طرف مجتمعه ، فاقدا قيمته  بين طلابه، لدرجة بلغت معها الجرأة حد الاعتداء عليه ماديا و لفظيا ، و ما تنقله الجرائد و المنتديات و الصفحات الاجتماعية إلا نذر يسير ، و ما خفي كان أعظم ، فلماذا لم تعد للمدرس مكانته و قيمته ؟ و ما دورنا كأساتذة في ما يجري من حولنا ؟

يمكننا توزيع أسباب تراجع قيمة و مكانة المعلم إلى سببين رئيسين تندرج تحتهما باقي الأسباب :

الأول : أسباب موضوعية : و يمكن إجمالها فيما يلي :

-         الظروف غير اللائقة التي يشتغل بها المدرس :

يشتغل كثير من المدرسين و خصوصا بالعالم البدوي في ظروف شبه كارثية إن لم تكن كارثية بالمعنى الحرفي للكلمة ، ذكرهم و أنثاهم ، ظروف  تجعلهم محط ازدراء و شفقة ، و تضع رقابهم تحت رحمة الساكنة .

فكثير من الوحدات المدرسية [الفرعيات] تم إحداثها في مناطق نائية ، معزولة أو بعيدة عن "الدوار" ، دون سكن ، و في أحسن الأحوال مسكن واحد ، إضافة إلى انعدام باقي الخدمات [ماء –كهرباء - مستلزمات غذائية – مستلزمات طبية - ... ]  ما يضطر معه الأستاذ إلى استجداء عطف الساكنة لتمكينه من إحدى الغرف لديهم ، أو اللجوء إلى حجرة الدرس كملاذ أخير ، أو لمساعدته على الحصول على الخبز أو الماء أو غيرها من الضروريات .

-         التطور المعلوماتي و الانفتاح الإعلامي:

أدى التطور التكنلوجي و الإعلامي إلى تقليص دور المدرس و تقزيمه ، فبعد أن كان المرجع الوحيد وسط مجموعة من السكان "الأميين" ، أصبح هو نفسه يصارع ليواكب التطور المضطرد لوسائل الاتصال الحديثة ، التي حولت العالم بأسره إلى قرية صغيرة ، و قربت المعلومة إلى جميع الفئات ، الأمر الذي ساهم في انتشار المعرفة ، ما جعل من دور الأستاذ كمصدر للمعلومة في مهب الريح .

-         الغزو الإعلامي :

أدى انتشار القنوات التلفزيونية - التي أصبحت بالمئات - إلى انفتاح المواطن المغربي على ثقافات أخرى ، سواء من خلال المسلسلات أو الأفلام الوثائقية أو النشرات الإخبارية ، الأمر الذي عجل بانتقال المجتمع من وضعية الأمية الكاملة إلى شبه الأمية ، إذ أصبح بمقدور أي مغربي أن يعي ما له و ما عليه ، و أن يعرف ما يجري من حوله دون الحاجة إلى اللجوء إلى وسيط ، خصوصا بالعالم الحضري .

-             الاكتظاظ الكبير للبرنامج التعليمي:

يعتقد كثير من الناس أن سبب تردي الوضع التعليمي يرجع بدرجة أولى إلى المدرس "الجشع" الذي لا يدرس داخل الفصل حتى يتمكن من الحصول على "زبناء" لساعاته الإضافية ، و هو اعتقاد يحمل جزءا من الحقيقية و ليس كلها ، ذلك أن الإكتظاظ الذي يعرفه البرنامج التعليمي سواء بالإبتدائي أو الثانوي بشقيه ، يجعل من مسألة التحصيل صعبة ، خصوصا بالعالم القروي ، حيث توجد الأقسام المشتركة ذات العدد الكبير من المتعلمين في أربع مستويات و قد يصل الأمر إلى ست ، مع مقرر دراسي مزدحم ، فكيف سيبلغ هذا المدرس المضمون ؟ و كيف يحقق المرجو منه  في غياب بدائل بيداغوجية و حلول تربوية ناجعة و مناسبة لوضعنا و خصوصياتنا؟.

-         المذكرات المجحفة  :

من بين أهم العوامل التي جعلت قيمة المدرس تتدنى ، هو المذكرات المُنَظِّمَة التي تصدرها الهيئات المسؤولة ، من نيابات و أكاديميات و وزارة ، تكون في غالبها الأعم مجحفة ، لأنها تشمل الجميع ، رغم اختلاف الظروف التي يشتغلون بها ، و يظهر البون الشاسع بوضوح بين العالم الحضري و العالم القروي ، فمع تكليف أعوان السلطة "المقدمين" بمراقبة المدرسين و التبليغ عنهم ، حتى أصبح رجال التربية و التعليم في نظر الكثير من أهالي القرى و البوادي أدنى مرتبة ، و معه يفقد هؤلاء جزءا من هيبتهم لصالح مراقبيهم .

الثاني : أسباب ذاتية : و هي التي تتعلق بالأستاذ نفسه ، و يكون هو المتسبب فيها ، و يمكن إجمالها في ما يلي :

-         المستوى  المعرفي المتدني  لدى "بعض" المدرسين:

في الماضي القريب ، كان الأستاذ فقيها ، سياسيا ، ممرضا ، محلفا قانونيا ، خبيرا فلاحيا.... ما جعله يعتبر المصدر الأول و الأوحد للمعلومة ، و بالتالي ، فمكانته ليست محط جدل ، فجهل الساكنة و أميتهم تجعلهم يلجؤون للمدرس في كل قضية ذات أبعاد تخرج عن نطاق فهمهم ، و بطبيعة الحال ، تجد المدرس يملك معلومات كافية حول الموضوع تجعله يثبت في كل مرة مكانته و قيمته كشخص لا غنى عنه ، و هذا راجع لسعة إطلاع المدرس قديما و تشعب معرفته ، عكس الجيل الحالي ، الذي أفرغ من كلما من شأنه المساهمة في الرفع – أو على الأقل الحفاظ – على صورة المعلم .الأمر الذي خلق صورة نمطية حول مدرس الحاضر .

-         الهوة السحيقة بين المدرس و محيطه الاجتماعي :

فبالرجوع إلى أصول غالبية المدرسين و مناطق تعيينهم ، سنجد اختلافا كبيرا سواء من ناحية العادات و التقاليد و الأعراف أو من ناحية شخصية المدرس ، ما يجعل من مسألة تأقلمهم صعبة إن لم نقل مستحيلة في كثير من الأحيان ، خصوصا مع الطبع الفضولي لأهل البادية ، الذين يحبون معرفة كل صغيرة و كبيرة عن مدرسهم ، ذلك الكائن القادم من العالم الحضري ، الذي استطاع أن يكمل دراسته الجامعية و يجد له وظيفة مع الدولة ، الأمر الذي لا يستسيغه البعض .

-         التمثلات المسبقة التي يكونها الأساتذة الجدد عن  محيط المؤسسة :

كثيرا ما نجد المواقع الشخصية على الأنترنت ، و الصفحات التربوية على المواقع الاجتماعية تشير إلى المشاكل التي يعاني منها رجال و نساء التربية و التعليم بمختلف المناطق النائية بالمغرب ، حتى يخيل للمتابع أنه لا وجود إلا للعوائق و الصعوبات ، ما يجعل الملتحق يكون فكرة مجانبة للصواب في كثير من الأحيان ، إذ أن ما ينشر هو تجربة من بين التجارب ، و فوق ذلك ، هي وجهة نظر لشخص معين و ليست قانونا معمما أو حقيقة مطلقة ، ثابتة غير متغيرة.

-         الصورة النمطية للمدرس المعاصر :

و هي صورة خلقها " بعض" ممن أعماهم الجشع و الطمع حيث أن مدرس اليوم هو ذاك الشخص الذي يعيش بالسؤال و "السعاية" من ساكنة الدوار ، و هي حقيقة لا يجب إنكارها ، إذ أن هناك عددا من المدرسين الذين يعودون أسبوعيا إلى بيوتهم محملين بالغنائم من دجاج "بلدي " و بيض و ألبان و أجبان ...و حبوب و قطاني و وو ... ، ورغم قلة عددهم إلا أن تضخيم الآلة الإعلامية ، مرئية أو مسموعة كانت أو مقروءة  لهذه الظاهرة ، جعلها تشمل كل مدرس ، عملا بالمثل القائل " حوتة وحدة تخنز الشواري " فأصبح العامة لا يفرقون بين شريف و خسيس.

-         الفضائح المتوالية التي شوهت سمعة رجل التعليم :

كثيرة هي الفضائح التي جعلت المدرسين تحت المجهر ، خصوصا مع الضوء المسلط على مثل هذه الأمور من طرف الإعلام المحلي ، حتى أصبح الأستاذ قرينا للمجرمين ، دائم التواجد في ركن الحوادث بجرائدنا ، بل أصبحت قضايا من قبيل التحرش الجنسي و الاغتصاب مطية لتصفية الحسابات بين بعض أولياء الأمور و بعض المدرسين ، و إن كانت قلة تقوم بذلك ، و الأمر يجري على باقي القطاعات سواء العمومية أو الخصوصية منها ، إلا أن التركيز على ميدان التربية و التعليم ، جعل من جميع المدرسين مشاريع مجرمين محتملين .

 

إحقاقا للحق ، و حتى نكون موضوعيين مع ذواتنا أولا و قبل كل شيء ، لا بد أن نقر بأن المدرس يتحمل المسؤولية بدوره لما وصلت إليه الحال في هذا الزمن ، فـ "الصمت علامة الرضا "، إذ لا يسمع لنا صوت إلا إن تعلق الأمر ببعض الدريهمات ، لم نسمع يوما عن إضراب احتجاجا على المنهاج التعليمي ، أو رفضا للمقررات الدراسية ، أو الوضعية المزرية للمدارس بالبوادي و القرى ، أو الحالة المأساوية التي يعيش فيها تلاميذ المغرب "غير النافع" ، أعتقد في رأيي المتواضع ، أنه آن الأوان لنقد ذاتي ، و مراجعة شاملة لقناعاتنا و تصوراتنا و أهدافنا ، فإن كان لابد من المقارنة بيننا و بين رجال التعليم بالدول المتقدمة ، فلا يجب أن يقتصر ذلك على الجانب المادي فقط ، بل يجب أن يتعداه إلى أدوار المدرس داخل المجتمعات الغربية ، حيث يقوم المدرس إلى جانب التدريس بعدة أنشطة موازية تبرز بالملموس دوره الريادي في تكوين و تأطير الأجيال .

 

·       أستاذ بسلك التعليم الابتدائي.

 


عدد التعليقات (7 تعليق)

1

اشكرك استاذي على هذا التحليل الموضوعي لما الت اليه وضعية اﻻستاذ ببلدنا والذي كاد ان يكون رسوﻻ فان التهاون في القيام بالواجب واﻻستهثار بمستقبل البلد والسعي وراء تحقيق مصالح شخصية مادية صرفة على حساب الرسالة النبيلة التي يحملها كلها اسباب ادت الى

2014/05/21 - 04:11
2

حمان

قانيح

الحمد لله لاانكم اعترفتم بان كرامة المعلم تهان واش في علم بن كيران بان النقابات التعليمية بما فيها الاتحاد الوطني للشغل يعني النقابة ديال العدالة والتنمية تطالب باضافة درجة جديدة لااصحاب السلم ١١ بينما المنطق يحتم بانصاف الضحايا الحقيقيين اصحاب السلم ١٠الذين كانوا ضحية نظام ٢٠٠٣..واش كاين سي اهانة اكثر من هذه..الى السيد بن كيران زملااء معك في المؤسسة واجرتهم مضاعفة لااجرتك واكثر ولكم نفس التكوين والمستوى..اسي بن كيران يجب انقاذ مايجب انقاذه..انصاف ضحايا السلم ٧و٨ دون اضافة درجة جديدة كي لا تكرسوا الفوارق وخلق الفئوية ..رالنقابات يلحون على هذا المطلب..وعلى ماأعتقد بأن الحكومة وافقت عليه..وبالتالي راغادي ديرو واحد المصيبة وغادي تكون كارثة لرجال التعليم...مثلاا انارجل تعليم ٣٧ عام من العمل واتقاضى ٦٥٠٠بينما زميلي في العمل اجرته١١٠٠٠درهم والنقابات تريد اضافة درجة جديدة له معنى هذا ستصبح اجرته اكثر منك مرتين واش كاين سي اهانة اكثر من هذه.لهذا اتمنى ان تضع حدا لهذه الفوضى ولك جزيل الشكر

2014/05/21 - 04:14
3

لمهيولي

الأستاذ هو الذي يفرض هيبته واحترامه

عندما يكون الأستاذ منضبطا حازما ديمقراطيا مهذبا يعمل بجد واجتهاد يؤدي الواجب على أحسن مايرام لايمد يده لأحد بل هو الذي يساعد التلاميذ الضعاف والفقراء ولا يحمل الأسر مالايطيقون ويكون متسامحا وعطوفا فلنكن متأكدين أن هذا الأستاذ سيكون محترما مبجلا من طرف الجميع آباء وتلاميذ لأن الآباء يثقون في أبنائهم والأطفال يحملون الانطباعات الأولى عن الأستاذ. الأستاذ هو شخصيته وتعامله مع الآخرين فإما أن تكون شخصية قوية وعند ذاك يكون تلاميذه طوعا في يده ويفعلون كل مايأمرهم به وإما أن يكون متضعضعا مرتبكا يصعب عليه تبليغ الدروس وضبط التلاميذ ونشر النظام في القسم فتؤخذ عنه عندذاك نظرة سلبية.

2014/05/21 - 05:48
4

محمد

نقطة اساسية جشع فئة منعدمة الضمير من المدرسين الذين همهم الوحيد الساعات الاضافية وابتزاز التلاميذ فلو ان الاستاذ ادى ما عليه واخلص للرسالة الجسيمة الملقاة على عاتقه لما استفحلت هذه الظاهرة السم ولما احتاج اغلب التلاميذ الى الدعم المغشوش فانا ايضا رجل تعليم واعي جيدا ما اقوله وتحية لشرفاء هذه المهنة المخلصون لواجباتهم والذين يؤدون عملهم التعليمي والتربوي بكفاءة واقتداركبيرين.

2014/05/21 - 05:56
5

Mourad de Tantan

vous avez raison mon prof

Le fond monétaire international ainsi que la banque mondiale imposent au Maroc d'abaisser le niveau et de ridiculiser aussi bien la mosquée que l'école ce qui fait que l’mam et le professeur sont les personnes les très mal payées au Maroc et le pire c’est qu’ils sont les plus dénigrées par les blagues. Donc l’école représente un danger pour l’occident car elle va transformer le maroc d’un pays consommateur à un pays industrialisé. Solution : attaquer la femme par les médias, attaquer les valeurs et tuer l’école.

2014/05/21 - 06:17
6

كريم

الاستاد لايتحمل المسؤولية

سؤال وجيه = اتصلت بي احدى تلميداتي التي تتابع دراستها بالمانيا واخبرتني انها تشتغل في اوقات فراغها لتساعد نفسها على مصاريف العيش هناك وان اجرتها الشهرية تناهز 7000درهم فضحكت حتى سقطت من الفراش واخبرتها انني قرات لمدة 24 سنة وولجت مهنة التعليم حيت اشتغلت لمدة 30 سنة وان اجرتي اليوم لا تتعدى 6000درهم وان الوزير وصف حالتي بقدماء المحاربين ضحايا تاحرميات فهل هي تاحرميات الحكومات المتعاقبة التي حاربت رجل التعليم ام هي تاحرميات النقابات التي سرقت حقوق القدامى لتمنحها للجدد والسؤال اين القانون واين الحق .

2014/05/21 - 06:24
7

عبد النبي

كل ما قيل صحيح

لكن الإهتمام بالأستاذ هو المفتاح لحل كل هذه المشاكل رفعت الأقلام و جفت الصحف

2014/05/21 - 10:46
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

*
*
*
ملحوظة
  • التعليقات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
  • من شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات