نظرية "الأرض المسطحة وجدار القطبين" تثير الجدل مجددا.. فمن نُصَدِّق؟

شهدت السنوات الأخيرة عودة لبعض النظريات القديمة التي كانت قد اختفت أو تلاشت مع تقدم العلم. من بين هذه النظريات ما يعرف بـ"نظرية الأرض المسطحة"، والتي تتبنى فكرة أن الأرض ليست كروية كما تؤكد العلوم المعاصرة، بل مسطحة وممتدة، تحيط بها قارة ضخمة غير مرئية، أو جدار حاجز يمنع البشر من تجاوز حدودها في القطبين الشمالي والجنوبي. يؤمن البعض بأن الحكومات العالمية الكبرى تخفي حقيقة هذا الحاجز الغامض، الذي يعمل بمثابة "نهاية العالم"، لمنع البشر من اكتشافه.

وحسب بعض المؤيدين لهذه النظرية، فإن غياب الصور أو الأدلة المباشرة عن الجدار الجليدي المفترض يعزز من اعتقادهم في وجود مؤامرة كبرى. يزعم هؤلاء أن قارة القطب الجنوبي (أنتاركتيكا) ليست كما تصورها الخرائط العالمية، بل هي "جدار" يحاصر حدود الأرض ويحول دون استكشاف بقية هذا "العالم المسطح". ويقول المؤمنون بنظرية الأرض المسطحة أن الأدلة التي قدمها العلماء والوكالات الفضائية مجرد تزييف يخدم مصالح الدول الكبرى.

الرد العلمي على نظرية الأرض المسطحة

لكن، هل يمكن أن يكون هذا التصور صحيحًا؟ في الواقع، هناك أدلة علمية عديدة تؤكد كروية الأرض، وتدحض نظرية الأرض المسطحة والجدار الحاجز المزعوم. هذه الأدلة تضع نهاية للشكوك حول شكل الأرض، وتعتمد على حقائق وأبحاث علمية متواترة ومتاحة للجميع.

1. مشاهدات الأقمار الصناعية والصور من الفضاء

   مع تقدم تقنيات الأقمار الصناعية ورحلات الفضاء، أصبح لدينا مئات الصور التي التقطتها وكالات فضاء عالمية مثل "ناسا" و"وكالة الفضاء الأوروبية"، والتي تظهر بوضوح شكل الأرض الكروي. هذه الصور المتوفرة من زوايا مختلفة حول العالم تثبت بشكل قاطع أن الأرض ليست مسطحة، بل كروية. كما توفر الأقمار الصناعية تغطية مستمرة للأرض، ما يجعل من الصعب التلاعب بهذه الصور بالشكل الذي يدّعيه أصحاب نظرية الأرض المسطحة.

2. ظاهرة انحناء الأرض على الأفق

   عند النظر إلى الأفق من مسافات بعيدة، سواء من الطائرة أو من سطح البحر، يمكن ملاحظة انحناء طفيف في خط الأفق، وهو دليل بصري مباشر على انحناء سطح الأرض. لو كانت الأرض مسطحة تمامًا، لما وجدنا هذا الانحناء، ولتمكنا من رؤية نفس النقطة على امتداد آلاف الكيلومترات بشكل مستقيم.

3. تفسير ظاهرة تعاقب الليل والنهار

   تعاقب الليل والنهار ظاهرة واضحة تؤكد كروية الأرض، إذ يتغير الإضاءة على سطح الأرض مع دورانها حول محورها. لو كانت الأرض مسطحة، لكان النهار يعم الأرض كلها في وقت واحد، ولما حدث هذا التناوب الدوري بين الليل والنهار كما نلاحظه يوميًا.

4. تجارب السفر حول الأرض

   العديد من البحارة والمستكشفين تمكنوا على مر العصور من القيام برحلات حول الأرض بأكملها، سواء كان ذلك عبر السفر البحري أو الجوي. هذه الرحلات تثبت بشكل مباشر إمكانية الدوران حول الأرض، وهو أمر مستحيل التحقق إذا كانت الأرض مسطحة أو إذا كان هناك حاجز يمنع السفر.

5. قوانين الجاذبية والأجسام السماوية

   تدعم قوانين الفيزياء الفلكية والجاذبية شكل الأرض الكروي. فالجاذبية تتسبب في تجمع المواد على شكل كروي عندما تكون الأجرام السماوية ذات كتلة ضخمة، وهو ما ينطبق على الأرض والكواكب الأخرى التي نرصدها في الفضاء. بناءً على هذه القوانين، تشكل الكواكب والنجوم كروية طبيعية، وليست مسطحة.

6. ظاهرة الرحلات الفضائية والمشاهدات المباشرة

   ساعدت الرحلات الفضائية البشرية، مثل رحلات أبولو إلى القمر، في رؤية الأرض بشكل مباشر من الفضاء، حيث أكد رواد الفضاء شكلها الكروي. روايات رواد الفضاء وصورهم توثق من الفضاء الخارجي كوكب الأرض كجسم كروي، وهي روايات لا يمكن الطعن في مصداقيتها دون الاستناد إلى أدلة قوية.

لماذا تظل نظرية الأرض المسطحة جذابة للبعض؟

على الرغم من هذه الأدلة القاطعة، تظل نظرية الأرض المسطحة مقنعة لبعض الأشخاص، خاصةً مع انتشار نظريات المؤامرة عبر الإنترنت وتأثير وسائل التواصل الاجتماعي. بعض الناس يشعرون بالراحة في التشكيك بالحقائق العلمية، ويرون أن هناك رغبة دائمة لدى الحكومات والجهات الرسمية في إخفاء "الحقيقة".

إذًا، فإن الأدلة العلمية القوية والمتعددة تؤكد أن الأرض كروية، وتفند الاعتقاد بوجود جدار جليدي يحاصر "نهاية العالم". إن منجزات العلم والبحث المستمر أتاحت لنا رؤية واضحة ودقيقة لكوكبنا، ومكنت البشرية من اكتشاف حقائق علمية تثبت شكل الأرض الكروي بعيدًا عن فرضيات ونظريات قديمة لا تدعمها أي أدلة منطقية.