أكاديمي مغربي يَكشف علاقة "ندرة الماء" بـ"أزمة الغذاء" ويُؤكّد لـ"أخبارنا": وجهان لعملة واحدة

أكاديمي مغربي يَكشف علاقة "ندرة الماء" بـ"أزمة الغذاء" ويُؤكّد لـ"أخبارنا": وجهان لعملة واحدة

أخبارنا المغربية

بقلم: العباس الوردي*

تشكل التغيرات المناخية أحد أهم المؤشرات الحديثة في تدبير مجالات التنمية الاقتصادية والاجتماعية بجميع بقاع المعمور؛ أمر تمخض عن جملة من العوامل لعل أهمها التصنيع المتنامي وخاصة لدى دول الشمال، وهو أمر ما فتئت تنبه إليه مجموعة من المؤسسات الدولية الحكومية وغير الحكومية، مكرسة بذلك الإعلان عن ميلاد نظام بيئي جديد عنوانه توسع ثقب الأوزون، ومن ثمة ارتفاع درجة سخونة الأرض، وبالتالي قلة الأمطار وندرة المياه وعبرها بروز أزمة الغذاء العالمية.

إن النظام العالمي البيئي الجديد لينم عن وجود عدد كبير من الاختلالات المهيكلة والتي أجهزت على الخيرات المائية بشكل ملحوظ، أمر ما فتئت تنبه إليه دول الجنوب الطرف الضعيف في هذه المعادلة، والتي ستؤدي فاتورة ثقيلة ستشكل عبئا ثقيلا على ميزان أدائها الاقتصادي، وهو ما لم تتفاعل معه بكل جرأة ومسؤولية دول الشمال المصنعة، وخاصة فيما يتعلق بالتزامها بمخرجات مؤتمرات المناخ، فتئت تنبه باستعجالية الوضع وآثاره السلبية على الفرد والمجتمع.

إن الرهان الحقيقي اليوم يتجلى بالأساس في ماهية الوسائل الكفيلة بالتفاعل الجاد مع المتغيرات المناخية، وخاصة في شقيها المائي والغذائي، أمر لا بد له من أفكار بنيوية قادرة على التأقلم مع صعوبة الوضع، ومن ثمة الخروج بنتائج واقعية قادرة على توفير هاتين المادتين الحيويتين لاستمرار الحياة الانسانية.

لقد انخرط المغرب وانطلاقا من كونه دولة فاعلة في المجالات الاقليمية، القارية والدولية، وإلى جانب مجموعة من القوى الدولية، في بناء سياسة دولية قادرة على مجابهة شبح التغيرات المناخية.

أما على المستوى الداخلي، فالكل يشهد وانطلاقا من وعي المملكة بجدية الوضع، بدعوة كل الفرقاء المجالين بضرورة العمل على بناء سياسات جديدة لتجاوز هذه الأزمة، سواء تعلق الأمر بتوسيع رقعة بناء وحدات تحلية مياه البحر، وبناء سدود تلية، ومتوسطة وكبرى جديدة مع دراسة كيفية إدراج وتمويل بدائل أخرى كالاستمطار الاصطناعي، وغيره من الآليات الناجعة في هذا الباب.

غير أنه وبالإضافة إلى هذه اليقظة المتنامية على المستوى الوطني، فالأمر يتطلب الاعتماد كذلك على وسائل أخرى لا تقل أهمية عن البدائل الجاري تنزيلها على أرض الواقع، ويتعلق الأمر بالأساس بتشجيع البحث العلمي في مجال التغيرات المناخية، ومن ثمة توسيع التكوين في المجال، عبر جل ربوع المملكة من طنجة إلى الكويرة، ناهيك عن اعتماد الجهوية المتقدمة كأساس واقعي ومستدام من أجل التسريع من وتيرة الإصلاح المقترن بالتكوين ثم التطبيق، وبالتالي الحصول على النتائج المنتظرة.

كما لا يفوتنا في هذا الباب التذكير وخاصة الحكومة بمصالحها المركزية واللامتمركزة وكذا الجماعات الترابية، باعتبارها مصالح لا مركزية من الاستفادة من خبراتها المشتركة، وكذا من الصرح القانوني والتشريعي الجد متقدم، والذي يتجلى بالأساس في البنية الدستورية الحالية وميثاق اللاتمركز الإداري، وكذا القوانين التنظيمية للجماعات الترابية، والتي من اللازم العمل على إدراج النقاط المتعلقة بهذه الإشكالية في محتواها القانوني التنظيمي عند الانتهاء من تعديله.

إن الشراكة والتعاون في تدبير أزمة الماء والغذاء ليؤشر على ضرورة اعتماد المملكة المغربية، كذلك، على إعادة هيكلة البنية القروية وعبرها المجال الفلاحي، الذي يتطلب الآن ومن دون انتظارية ضرورة إدراج بدائل فلاحية وزراعية كفيلة بتحقيق الأمن الغذائي الوطني.

أمر لا بد أن نأخذ فيه بعين الاعتبار إلزامية الاهتمام بتوسيع رقعة الزراعات المعيشية، وكذا تكوين ومواكبة الفلاح الصغير والمتوسط الذي بإمكانه تنمية وتطوير سلاسل الإنتاج، ومن ثمة التمكن من بناء وحدات للإنتاج والتوزيع والتثمين على الصعيدين الوطني والترابي.

إن تنزيل هذه المقومات سيمكن ومن دون شك في بناء مسلسل السيادة الغذائية المقترنة بعقلنة المياه، ومن ثمة بناء جسر وطني إصلاحي ملكي قوامه النموذج المغربي للاكتفاء الذاتي، وبنوك الطعام والغذاء المغربي الاستشرافي.

*أستاذ القانون العام بجامعة محمد الخامس في الرباط، والمدير العام للمجلة الإفريقية للسياسات العامة


هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

*
*
*
ملحوظة
  • التعليقات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
  • من شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات
المقالات الأكثر مشاهدة