جدل وانسحابات وطعون في جلسة انتخاب رئيس مجلس النواب
أخيرا يحق للاستقلاليين أن يفرحوا برئاسة مجلس النواب. وزيرهم السابق كريم غلاب حقق هذه الأمنية بحصوله عصر أول أمس على مباركة 222 نائبا في البرلمان الجديد، في مقابل حصول منافسه محمد عبو عن التجمع الوطني للأحرار على 82 صوتا فقط. حتى قبل أن يصعد إلى المنصة لتسلم رئاسة المجلس من العضو الأكبر سنا ميلود الشعبي الذي ترأس مؤقتا جلسة انتخاب الرئيس، نهض كريم من مقعده متجها وسط حشد من الإعلاميين والنواب لمعانقة عبد الإله بنكيران رئيس الحكومة المعين. كان لزاما على كريم غلاب أن يتجه نحو الرجل الذي أهداه منصب رئيس مجلس النواب أو ما يعرف في الأوساط الدستورية بثالث أهم منصب في هرم الدولة المغربية، فبنكيران كان قد حجز مسبقا مقعد الرئاسة لغلاب بعيدا عن بناية البرلمان، وبالضبط في مقر حزب العدالة والتنمية بحي الليمون بالرباط العاصمة.لكن الأمور لم تسر بالسهولة المتوقعة في جلسة شهدت الطعن في شرعية العملية الانتخابية وانسحاب الاتحاديين والدستوريين في انتظار لجوء الأصالة والمعاصرة وحزب التجمع الوطني للأحرار إلى المحكمة الدستورية.
بصوت خفيض ومتعب، افتتح ميلود الشعبي جلسة انتخاب الرئيس الجديد لمجلس النواب. قرأ الشعبي ما ينظم العملية في الدستور وفي القانون التنظيمي لمجلس النواب ثم النظام قبل أن يطلب من أمين الجلسة قراءة أسماء النواب المنتخبين يوم 25 من نونبر. مرور العملية ببطء كبير، كان كافيا للصحافيين لتملي الوجوه الجديدة التي ستؤثث مجلس النواب للخمس سنوات القادمة.
بعد قراءة 395 اسما التي كانت القاعة تصحح نطقها مرارا لأمين الجلسة، تلا ميلود الشعبي النقطة الوحيدة في جدول أعمال الجلسة وهي انتخاب رئيس مجلس النواب، بعدما طالب الشعبي بوضع ترشيحين فقط وهما من أعلن تباريهما لنيل المنصب، كريم غلاب عن حزب الاستقلال ومحمد عبو عن التجمع الوطني للأحرار فيما اكتفت المجموعات البرلمانية الأخرى بمتابعة ما يحدث.
الاتحاديون يطعنون والأغلبية تدافع
ما وقع بعد وضع الترشيحات لخص ما قد تلاقيه أغلبية عبد الإله بنيكران في الأيام المقبلة في قاعات مجلس النواب من معارضة بدت في أول جلسة شرسة.
بمجرد إعلان اسم غلاب وتدوينه من قبل ميلود الشعبي حتى نهض عبد الهادي خيرات النائب الاتحادي ليطرح في إطار نقطة نظام مدى دستورية ترشح وزير في الحكومة المنتهية ولايتها لرئاسة مجلس النواب. خيرات الذي عاد إلى البرلمان بعد سنوات من الغياب قال إن روح الدستور هي التي يجب ان تحترم وبالذات مبدأ فصل السلطة فكيف بوزير في حكومة أن يترشح لرئاسة سلطة تشريعية؟
قوبل تدخل خيرات بالرجوع للقانون التنظيمي لمجلس النواب وبالضبط للمادتين 14 و17 اللتين تنصان على حالات التنافي بين العضوية في مجلس النواب مع صفة عضو في الحكومة. ووجه كريم غلاب من قبل خيرات بمنصبه الحكومي الحالي كوزير في حكومة مازال تشتغل لحدود الساعة، ووفقا لكلام النائب الاتحادي فالمرشح الأوفر حظا لرئاسة مجلس النواب يوجد في حالة تنافي صارخ بل إن «روح الدستور هي ما يجب أن يحفظ»، يقول خيرات.
عبد الهادي خيرات لم يكن وحده في الجبهة المعارضة لترشيح غلاب، الاتحاديون كانوا قد عقدوا العزم قبل ذلك بساعات، في اجتماع صباحي لفريقهم البرلماني أن يثيروا عدم دستورية ترشح كريم غلاب لرئاسة مجلس النواب ما دام لم يستقل من منصبه كوزير في الحكومة الحالية.
ووجه كلام خيرات بالأجل الذي تمنحه المادة 17 لاستقالة النائب البرلماني، من المنصب الذي يضعه في حالة تنافي مع المهام التي يمارسها. لم يقف الاتحاديون مكتوفي الأيدي اتجاه هذا الرد بل قال أحمد الزايدي رئيس الفريق الاشتراكي السابق في مجلس النواب بأن أمر ترشيح كريم غلاب لا يقتصر على حالة تنافي عادية مع وضعه كنائب برلماني وكفى، بل لترشحه لرئاسة مجلس النواب التي ستضعه منذ اللحظة التي سينتخب فيها في وضعية وزير ورئيس لمجلس النواب وهو ما يضع فصل السلط الذي يكون روح الدستور موضع شك.
دافع نواب الأغلبية عن دستورية ترشح زميلهم لمنصب الرئاسة ولم يروا في الأمر سوى احترام مهلة الشهر الذي تحدده المادة 17 من نص القانون التنظيمي لمجلس النواب. غلاب نفسه أخذ الكلمة واستعرض بدوره نص المادتين بحرفيتهما والتي رأى أنهما لا تتعارضان مع ترشيحه لأنه مجرد وزير في حكومة تصرف اعمالا، أما عن مبدأ فصل السلط فقال غلاب «إني أعلن هنا على مسمع من الكل أني أستقيل من مهامي في حكومة تصريف الأعمال». منح غلاب بعد تدخله فرصة كبيرة لزميله في الحكومة ادريس لشكر ليلقي محاضرة كاملة في القانون الدستوري. لشكر انطلق من وضعه هو كوزير في «حكومة صاحب الجلالة» وشرح حالات التنافي المدونة في المواد 14 و17 بدقة، ثم قال إن استقالة وزير من حكومة يجب أن تؤشر من طرف جلالة الملك وعلى غلاب تبعا لذلك أن ينتظر موافقة الملك على استقالته من حكومة تصريف الأعمال ثم يقدم ترشيحه لرئاسة مجلس النواب بعد ذلك. تحول ادريس لشكر بناظريه نحو رئيس الحكومة عبد الإله بنكيران وخاطبه «لقد تمنينا أن تكون المقاربة التشاركية التي اعتمدتموها في تشكيل الأغلبية أن تعتمد أيضا في حالة رئاسة مجلس النواب، أما أن يتم حسم هذا الأمر مسبقا وحتى قبل جلسة الانتخاب نفسها فعليكم أن توسعوا صدوركم للانتقاد».
دافع النواب الاستقلاليون عن ترشيح غلاب ولزموا حد المهلة التي وضعتها المادة 17 من القانون التنظيمي لمجلس النواب والتي تعطي مهلة شهر لغلاب حتى يستقيل. في الأماكن المخصصة لجلوس الصحافيين، كان مصطفى الرميد النائب السابق عن العدالة والتنمية يصيح بأعلى أن الاتحاديين خلطوا بين حالات التنافي وحالات انعدام الأهلية للترشح، صاح برفاقه في العدالة والتنمية لإثارة المشكل إلا أن الكل كان مشغول البال ولم يجد الرميد من بد سوى التوجه إلى الصحافة المسموعة والمرئية لقول ذلك.
عاد خيرات إلى الصراخ مجددا ضاربا كل الطاولات التي وجدت أمامه، مطالبا بإعمال نص الدستور. حسم ميلود الشعبي اللغط بالقول إن الترشيح سيقبل للمتضررين التوجه نحو المحكمة الدستورية. قبل الترشيح لم يعد أمام عبد الهادي خيرات سوى مغادرة مقعده مستعدا للانسحاب من الجلسة، بقي عبد الواحد الراضي واحمد الزايدي مسمرين في مكانيهما ولم يعطيا الانطباع بأنهما يستعدان لمغادرة القاعة، خيرات حسم الأمر بطريقته حيث توجه نحو القاعدين بعد أن ضمن أن لن ينسحب لوحده من القاعة وصرخ في وجه الراضي والزايدي مطالبا إياهم بالمغادرة، وهو ما تم فعلا انسحب النواب الاتحاديون من الجلسة واضعين بذلك اللبنة الأولى في الجلسة الأولى لمعارضة اتضحت قوتها من الوهلة الأولى.
انسحابات وفوز وطعون
انسحب نواب الاتحاد الاشتراكي مجتمعين من الجلسة، بعد ذلك تبعهم نواب الاتحاد الدستوري، في باحة مجلس النواب كان عشرات الصحافيين يتحلقون حول القيادات الاتحادية التي غادرت قاعة الجلسات العامة تاركة الامور تسير وفق ما رتب لها أياما قبل جلسة انتخاب رئيس مجلس النواب.
داخل القاعة استمر أصغر عضو في مجلس النواب الحالي في المناداة على النواب ليدلوا بأصواتهم. زحمة كبيرة أمام الصندوق الزجاجي الذي وضع مباشرة أمام منصة الرئاسة وأمام أعين ثمانية نواب برلمانيين كانوا مكلفين بمراقبة عملية التصويت، فيما كانت كاميرات المصورين الصحافيين وكاميرات القاعة تراقب كل كبيرة وصغيرة تجرى في محيط الصندوق الذي سيخرج منه اسم الرئيس الجديد لمجلس النواب.
مرت عملية التصويت ببطء كبير استمرت لأزيد من ساعتين، بعدها انتهت العملية ثم تم عد الأظرفة، فكان عدد الأصوات المعبر عنها هي 320، بعد ذلك تم فتح الأظرفة وقراءة أحد الاسمين المدونين فيها، منذ الوهلة الأولى اتضحت أفضلية غلاب.
كريم غلاب كان يعد الأصوات التي حصل عليها وبمجرد ما تقين انه حصل على الأغلبية المطلقة لعدد الأصوات، حتى نهض فرحا من مقعده، دون انتظار اكتمال عد الأصوات المتبقية، كانت الأغلبية المطلقة ستعفيه من خوض جولة ثانية من التصويت. كانت نزهة الصقلي أول من هنأ غلاب فيما عانقه حميد شباط وياسمينة بادو، دون أن ينتظر لمة أخرى من المهنئين، ذهب غلاب إلى معانقة عبد الإله بنكيران وقد أحاطت به الكثير من الأيدي بعضها يهنئ وبعضها كان يحمل كاميرا تصوير.
عبد اللـه بوانو تكلف بتوصيل النتيجة النهائية إلى العموم، 222 صوتا لصالح غلاب و82 صوتا لمحمد عبو و16 ورقة ملغاة.
ميلود الشعبي بصوته المتعب أعلن اسم الرئيس العاشر لمجلس النواب «رئيس مجلس النواب هو كريم غلاب» ودعاه بعدها للصعود للمكان الذي يقتعده الرئيس.
في سن الـ45، تمكن غلاب من كتابة اسم حزب الاستقلال ضمن مجموعة الأحزاب التي تمكن قياديوها من تولي منصب رئاسة مجلس النواب. صعد غلاب إلى المنصة وبلغة المنتصرين خاطب النواب الذين بقوا في القاعة مؤكدا التزامه بجعل المجلس مرآة للمجتمع تعكس كل الهواجس والانشغالات و المشاكل والصعاب، وتمنى غلاب أن يكون المجلس فضاء لكل الحوارات والنقاشات التي يعيشها المجتمع، ومكانا لحل كل الخلافات والتضاربات الطبيعية. لكن قبل ذلك، عليه أن ينتظر قرار المجلس الدستوري، بعد أن قرر فريقا التجمع الوطني للأحرار والأصالة والمعاصرة الطعن في شرعية العملية الانتخابية.
ياسين قطيب
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
المقالات الأكثر مشاهدة
19409 مشاهدة
3
16972 مشاهدة
5