السكن العشوائي بتطوان (نموذج حي جبل درسة)

السكن العشوائي بتطوان (نموذج حي جبل درسة)

السكن العشوائي بتطوان  (نموذج حي درسة)


عادة ما يتم اللجوء إلى السكن العشوائي أو الذاتي دون الحصول على رخصة البناء من الجهات المعنية، وهو نوع من السكن لا تراعي فيه التجهيزات الأساسية من إنارة وقنوات للماء الصالح للشراب والتطهير وبالتالي فإن هذه المساكن والأحياء تنمو وتكبر على هامش مخططات التهيئة والتعمير بعيدا عنها.

ويعتبر حي جبل درسة من أهم وأقدم مجالات التعمير العشوائي بمدينة تطوان وباقي حواضر الشمال وهذا الحي آهل بالسكان ذوي الدخل المتوسط والمحدود وتتميز الوضعية السوسيو قانونية في هذا الحي من مدينة تطوان بتعقدها وبكثرة المشاكل والصعوبات التي تحول دون تصفية وضعية التحفيظ العقاري بها، حيث تتميز هذه الوضعية العقارية في حي جبل درسة كما في باقي مناطق ومدن الشمال بالتعقيد الكبير سواء من حيث تنوع الأنظمة القانونية التي تحكم هذه العقارات (أعراف محلية قانون التحفيظ العقاري، نظام التطهير الخليفي) ومن حيث تنوع طبيعة هذا العقارات (أملاك بلدية- أملاك الدولة- أملاك غابوية – أملاك خاصة...).

غير أن أغلب الأراضي البلدية والمخزنية المكونة لهذا الحي مثقلة بحقوق عرفية إسلامية كحق الجزاء وحق الزينة، بحيث أن سكان هذه المنطقة سبق لهم أن اكتروا أراضي خالية من بناء وشيدوا عليها مساكنهم العشوائية ليعمروا فيها على وجه الدوام وذلك في إطار الظهير الخليفي المؤرخ في 31 مارس1938 المنظم الحقوق العرفية الإسلامية في المنطقة الخليفية سابقا.

وباعتبار أن القضاء الشرعي قد جعل من حق الجزاء تأجير للأراضي الخالية على وجه التأبيد وذلك من أجل البناء فيها، وبما أن هذا الحق هو قابل للتوارث وللتصرف فيه بعوض أو دون عوض، فقد خضعت هذه البنيات العشوائية لعدة تصرفات قانونية من بيع وهبة وصدقة وغيرها، كما أنه قد أصبح هذه العقارات نوعين من الملاك، الدولة أو البلدية كمالكين للأرض والخواص كمالكين للبنايات والتجهيزات المقامة على هذه الأراضي.

إن طابع الديمومة والاستمرار لهذه الحقوق العرفية وتعدد الأشخاص الذين لهم الحقوق على نفس العقار، يؤدي من جهة إلى الإخراج العملي لهذه الأراضي من حيز الملك المخزني أي إلغاء ملكية الدولة لها، ومن جهة ثانية يحول دون تصفية الوضعية القانونية لهذه العقارات تجاه نظام التحفيظ العقاري، ذلك أن المالك ربما لا يرى أية مصلحة في تحفيظ أرضه أو في الإدلاء بالرسم الخليفي الذي في حوزته على هذه الأرض ما دامت منفعة العقار هي لغيره على وجه الدوام، كما أن المنتفع من حق الجزاء أو الزينة لا يرى أية ضرورة في الإدلاء بالرسم الخليفي الذي قد يحمله طالما أنه ينتفع بشكل دائم بالعقار الذي يسكنه، أي أن وضعية هذه العقارات وتنوع الملاك وذوي الحقوق عليها (مالكي الرقبة ومالكي المنفعة) لا تشجع على الإقبال من نظام التحفيظ العقاري وعلى تسوية وضعية الرسوم الخليفية التي قد تتواجد على بعض هذه العقارات ولتصفية هذه الوضعية الشاذة فقد توالت الاقتراحات ومن بينها أن تسلم الدولة ملكية الرقبة لأصحاب المساكن والدور العشوائية مقابل قبولهم تسوية وضعيتها القانونية تجاه نظام التحفيظ العقاري ووضعيتها التقنية تجاه التجهيزات الأساسية التي تحتاجها.

إذن كيف تمت إعادة تهيئة هذه المنطقة في حل مشكل التحفيظ العقاري؟

نظرا للوضعية المعيبة التي تتواجد فيها هذه المنطقة، فقد اقتضت الضرورة إعادة تهيئها حتى لا تبقى عائقا في وجه التنمية الاقتصادية والاجتماعية المحلية بالفعل في سنة 1987 تم توقيع اتفاقية مشروع التنمية الحضرية جبل درسة بين المملكة الغربية والولايات المتحدة الأمريكية، متمثلة بالوكالة الأمريكية للتنمية الدولية (USAID) والهدف من هذا المشروع هو تحسين شروط السكن في هذا المنطقة وتصفية وضعيتها العقارية سواء من المنظور التعميري المحظ أو من منظور نظام التحفيظ العقاري حتى تصبح هذه العقارات تلعب دورها كاملا في المعاملات العقارية والتنمية المحلية.

ولتحقيق هذه الأهداف فقد تم اقتراح أن تقوم البلدية باقتناء الأراضي التي في ملك الأملاك المخزنية والأحباس والمياه والغابات ثم تحفيظها بشكل جماعي و تقوم بإعادة تهيئها وبعد ذلك تقوم البلدية ببيع هذه الأراضي للأشخاص الذين أقاموا عليها بناءاتهم وتسلمهم رسوما عقارية على ذلك إلا أن هذا الاقتراح هو مرتبط بضرورة تبسيط مسطرة البيع بين البلدية ومختلف هذه الإدارات أما البنايات المقامة فوق أراضي عائدة للبلدية، فيمكن لهذه الأخيرة أن تقوم بتحفيظ أراضيها وبعد ذلك توزع الرسوم العقارية على (المستفدين) من مشروع إعادة الهيكلة وبالفعل لقد سبق أن أقدمت بلدية تطوان في سنة 1981 على شراء جزء من جبل درسة من الأملاك المخزنية بقيمة رمزية، وذلك بغية إعادة هيكلتة وتحفيظه ثم بيعه من جديد للسكان الذين بنوا بيوتهم على هذه الأراضي، إلا أن هذه المحاولة بقيت غير كافية طالما أنها لا تشمل هذه المنطقة بأكملها.

ومن جهة أخرى ولإنهاء مشكل النظام الخليفي الذي ما تزال أثاره سائدة لحد الساعة من خلال استمرار تواجد الرسوم الخليفية فإن السلطات المحلية وكذا الجماعات المحلية تقترح على المشرع أن يعامل الرسوم الخليفية جميعها معاملة موحدة دون تمييز بين تلك المحررة إبان الحماية أو المؤسسة بعد الاستقلال، وأن يعتبرها بمثابة رسوم عقارية شبيهة بتلك المحررة في ظل ظهير 1913 وبالتالي تعتبر نهائية وغير قابلة لأي تعرض أو تصحيح.    

إلا أن هذا الاقتراح يتسم بنوع من المغالاة ويتجاهل الواقع القانوني والطبوغرافي لتأسيس الرسوم الخليفية، بحيث أن عيبها الكبير هو ضعفها التقني والطبوغرافي وعدم دقتها سواء في تحديد مساحة العقار أو حدوده، وبالتالي فإن اعتبارها جميعا بمثابة رسوم عقارية غير قابلة لأي تصحيح سيتسبب في ضياع العديد من الحقوق باسم القانون في نشوب العديد من النزعات التي يصعب حلها.

ولحد الساعة نجد سكان حي جبل درسة لا يهتمون في حقيقة الأمر بتسوية الوضعية القانونية للعقارات التي يتواجدون عليها كما لا يهتمون بتحفيظها من عدمه، ولا يهتمون أيضا بمشكل تصحيح وضعية الرسوم الخلفية التي ما تزال بين أيديهم، بقدر ما يهتمون بمصيرهم الفعلي في المستقبل في هذه المنطقة بعد خضوعها لإعادة الهيكلة وخوفهم المستمر من إمكانية هدم مساكنهم لضرورة تقتضيها هذه العملية، كما أنهم يهتمون أكثر بموضوع المصاريف المالية والمستحقات المفروض عليهم أدائها مقابل إعادة الهيكلة ومن كل هذا وذلك يبقى غرضنا ومرادنا هو تطهير مدننا من كل أشكال السكن الغير اللائق وعدم تشويه صورة مدينة جميلة بكل ما تجمل الكلمة هنا معنى.  

 

presstetouan

 


هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

*
*
*
ملحوظة
  • التعليقات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
  • من شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات