أين الثقة...في العمل السياسي ؟
العمل السياسي هو ذلك المحرك الجوهري لكل دولة مهما كانت درجتها سواء الإقتصادية ,الإجتماعية أو الثقافية بحيث أن السياسة هي بمثابة دستور لا غنى عنه ينظم سير الأوطان ويحافظ على استقرارها,و تتجلى أهداف هذا العمل بصفة عامة في التنمية و التطور على مستوى جميع المجالات بالإضافة إلى ترسيخ المعتقدات و صيانة المكتسبات,لكن للأسف كل هذا يبقى قاعدة مقدسة في جميع الدول باستثناء بلدنا الذي لازال يضع مفهوما خاطئا و خطيرا لماهية السياسة و الجدوى منها ,فالعمل السياسي ليس هو ارتداء بذلة رسمية تظلل بها الآخرين و تجعلهم يحترمونك و يرفعون من قيمتك ,و لا معناه أن تكون فالحا في المراوغاة بحيث لا تترك للآخر الفرصة لاكتشاف نقطة ضعفك,ولا هو الإجادة في إقناع المواطنين بالوعود التي لا آمل منها و التي لن تتحقق ,ولا حتى أن تصير وجها معتادا على شاشة التلفاز في أشهر البرامج الحوارية,فكل هذه المظاهر تبقى مزيفة وكاذبة بحيث لا تغير ذلك التصورالقاتم الذي يضعه المواطن المغربي في ذهنه للرجل السياسي,فالسياسة أو العمل السياسي بالمعنى السليم و الأوحد هو تمثيل المواطنين بأحسن طريقة و الدفاع عن حقوقهم و التعبير عن مطالبهم الملحة التي تجعلهم يضعون الثقة في السياسي ولو أن هذه الثقة لم يبقى لها وجود مند زمن بعيد, فبعد الصدمات التي تلقاها المواطن المغربي من السياسة أصبح تصوره الآن سودويا نحو هذا المعطى,فتأكد أن كل فرد أصبح ينظر للسياسة بنظرة منعدمة من الأمل بحيث لا تشكل له سوى معتركا للمرتزقة الذين يخدعون بعضهم البعض ويمارسون تاكتيكهم القديم على ذلك المواطن البسيط الذي لا يعرف أصلا من أين تبدأ واجباته و تنتهي حقوقه و هذا ما أدى إلى النزوح من العمل السياسي إذ أن هذا الأخير في نظرهم ليس إلا مضيعة للوقت لم و لن تأتي بالنفع على المجتمع الذي سئم و سخط على وضعيته المنحطة و التي لم تدخر السياسة أي جهد في تغييرها و الرقي بها,لهذا أصبحنا نلمس هذا النزوح بشكل كبير عبر مجموعة من التجليات من قبيل انخفاض نسبة المشاركة في الإنتخابات بحيث أن هذه الأخيرة لم تعد تحرك حماس المواطن الذي فقد ثقته كليا في كل تجليات العمل السياسي و كل الأمور المتعلقة به,وما دمنا نتحدث عن الإنتخابات فلن تمحى من ذاكرتي تلك اللحظات التي أرصد فيها أولئك المرتزقة الذي يعرضون بضع دراهم مقابل جلبهم لأصوات من الشباب و الشيوخ الذين يجعلون من الإنتخابات مهنة موسمية لجني بعض المال للتصويت للذي سيدفع أكثر و هم غير مدركين توجهات تلك الجهة و برامجها الكاذبة على الأرجح مكتفين بنظرة على الآمد القريب وذلك بالإرتشاء مقابل التصويت عوض التفكير في المدى البعيد بالمساهمة الفعالة في توجيه البلاد في المسار الصحيح ,فالكل إذن أصبح يُدرك حقيقة الإنتخابات التي تعتبرا مظهر من مظاهر الديمقراطية كواجهة فقط رغم التعتيم الإعلامي الذي يمارس على المواطن بتضخيم نسب المشاركة و تلطيف المناخ الذي جرت فيها هذه الإنتخابات,فهذه الأخيرة ليست سوى نقطة ماء من ذلك النهر العكر من التلاعبات التي أرهقت المواطن المغربي و التي جعلته يستوعب معنى السياسة بمعناها الخاطئ,فإذا كان المواطن يضع تصورا للسياسة بأنها ليست سوى غابة تملأها الوحوش المفترسة عديمة الضمائر تفترس بعضها البعض فالسياسي هو الآخر لا تختلف نظرته للسياسة عن المواطن بشكل ملموس إذ تشكل له فرصة ثمينة لإشباع رغباته و نهب المال العام الذي لا يسئل عنه مستغلا في ذلك عدم المحاسبة و بالتالي فيمكن القول أن السلطة أصبحت تشكل له غاية بدل وسيلة لخدمة المواطنين و العمل على تلبية مطالبهم و احتياجاتهم .
فالديمقراطية لا تأتي من العدم بل تبنى من لبنات و جزئيات من قبيل نظافة المناخ السياسي ونزاهته إذن فلا يمكن القول بأن المغرب دولة ديمقراطية بالمعنى الدقيق حتى يسترجع المواطن ثقته المسلوبة في العمل السياسي,حتى يضحى للمنصب السياسي رمزية كبيرة ووسيلة لخدمة مصالح الشعب و الدفاع عن حقوقهم بدل اعتبار هذا المنصب محطة للتزود بالمال العام ,حتى يُمنح لجميع شرائح المجتمع الحق في ممارسة العمل السياسي و عدم اقتصاره على النخبة التي تتوارثه آبا عن جد و تتوارث أيضا معه كل تلك الأساليب النثنة و المبيتة التي تعيق سير البلاد في المسار الصحيح ,كل هذه الأمور عليها أن تتوفر في الساحة السياسية ليكون المغرب بذلك بلدا ديمقراطيا بالشكل الصحيح,فرغم جميع التحديات التي تُعيق الشباب المغربي من الولوج للعمل السياسي إلا أنني أدعو هذه الفئة بتجاهل هذه التحديات و التغلب عليها و أخذ المبادرة في الممارسة لتخليق العمل السياسي و تطهيره من كل الشوائب التي تعشش فيه وأيضا لطرد كل تلك الوجوه المألوفة التي عهدناها تعد المواطن بالوعود الكاذبة و التي استقرت كعائلات تمرر السلطة من بعضها البعض ,ففي حالة عدم ممارسة الشباب البسيط و الطموح للعمل السياسي فسنكون عندئد مضطرين لسماع التي الأسماء التي لطالما سلبتنا حقوقنا من قبيل آل الفاسي التي استحوذت على أهم المناصب الوزارية لتترك للشعب فقط متابعة ما تمارسه من تقصير في مهامها و ادخارها الجهد في خدمة مصالح هذا الوطن و السير به للأمام,و لكن رغم كل هذه المظاهر القاتمة للعمل السياسي بالمغرب إلا أننا نعلق آمالا كبيرا على الخطاب الملكي و على الوعود التي آتى بها صاحب الجلالة من تعديل و مراجعة للدستور آملين بذلك أن يعطي هذا الأخير مساحة أكبر للشباب المغاربة لممارسة العمل السياسي في أحسن الظروف و بالتالي لنستفيد من هذه الفئة التي تملك قدرات خارقة و لكن للأسف لا يتم استثمارها و يبقى الإكتفاء بقمعها وعدم منحها الفرصة للتعبير عن رأيها.