هل هناك حقا مؤشرات تبشر بقرب انقشاع غيوم العلاقات المغربية الإسبانية؟

هل هناك حقا مؤشرات تبشر بقرب انقشاع غيوم العلاقات المغربية الإسبانية؟

أخبارنا المغربية

بقلم : بلال التليدي

خلال هذا الأسبوع عرفت العلاقات المغربية الإسبانية تطورا مثيرا، أربك كل تصريحات وزير الخارجية الإسباني خوسيه ألباريس المطمئنة بقرب عودة هذه العلاقات وإنهاء حالة الجمود بها، فقد اتخذت الرباط قرارا مفاجئا بإنهاء عمل كل من فريد أولحاج، القائم بأعمال السفارة المغربية بإسبانيا، وإبراهيم خليل العلوي ومحمد أمين تيكاع المسؤولين الكبيرين بنفس السفارة.

بعض المصادر الإسبانية حاولت أن تخفف من وطء هذا القرار، معتبرة أن الأمر يتعلق بإحالة القائم على أعمال السفارة على التقاعد. لكن، في المقابل، فسرت وسائل إعلام إسبانية أخرى، القرار بكونه رد فعل مغربيا على رسالتي احتجاج من إسبانيا وجهتها إلى السفارة المغربية على خلفية موضوعين: مزارع تربية السمك التي أقامها المغرب قرب المياه التابعة للجزر الجعفرية التي يعتبرها محتلة من قبل إسبانيا، وتصريحات وزارة الصحة المغربية التي اتهمت السلطات الإسبانية بعدم احترام التدابير الوقائية في نقل المسافرين من مطاراتها إلى المغرب.

الواقع أن ثمة التباس كبير يكتنف مستوى العلاقات الحالية بين الرباط ومدريد، ومؤشرات التوتر والتهدئة، فإنهاء الرباط لعمل هؤلاء المسؤولين في سفارتها بمدريد، يعني تخفيض مستوى التمثيلية إلى أدنى مستوياتها، أي أن العلاقة زادت سوءا، بخلاف تصريحات وزير الخارجية الإسباني المطمئنة، فقد كان يحاول بها إقناع الداخل، بقرب عودة العلاقات، وأن الأمر يحتاج لبعض الهدوء حتى تحقق الدبلوماسية ثمارها.

ليس ثمة شك أن تصريحات ألباريس المطمئنة لم تكن فقط للاستهلاك، أو لإعطاء شرعية لدوره ومهمته الجديدة بعد إعفاء سلفه أرانشا غونزاليس لايا التي تسببت في توتير العلاقة مع الرباط، فالمؤشرات التي كانت تشير إلى قرب حل تسوية المشكلة تعددت، منها خطاب الملك محمد السادس في خطاب ثورة الملك والشعب صيف العام الماضي، والذي تحدث فيه عن قرب بناء علاقة قوية، هذا بالإضافة إلى الانفتاح على السفارة الإسبانية، وإشراكها في عدد من الفعاليات، بعد أن كانت مغيبة عنها، دون أن نغفل استمرار التعاون والتنسيق الأمني، ووجود اتصالات – من نوع ما- على المستوى الدبلوماسي لم يتم الكشف عن طبيعتها ومستواها.

وزير الخارجية الإسباني منذ تعيينه على رأس دبلوماسية بلده حاول الإقناع بكل الطرق بعدم وجود أي مصلحة في توتر العلاقة مع المغرب، محاولا بذلك الإجابة عن ضغوط بعض الجهات في إسبانيا، فالنخب السياسية التي تدير الحكم في الثغرين المحتلين (وبالأخص سبتة) طالما طالبت الحكومة المركزية بالتصعيد مع المغرب، بل ولم تخف رغبتها في تحريك الورقة العسكرية، وذلك ردا على سياسة الرباط التي أفضت إلى الخنق الاقتصادي والتجاري لسبتة ومليلية، بل إنها بالغت كثيرا في تقدير القدرات العسكرية للمغرب، وحاولت الضغط على حكومة مدريد بعدم الاستمرار في السياسة الانتظارية اتجاه الرباط.

والواقع، ليس الأمر مقتصرا فقط على النخب السياسية التي تحكم الثغرين المحتلين، وإنما يعود أيضا لرؤية أخرى، تحملها النخب الأمنية والعسكرية في إسبانيا، والتي أضحت غير قادرة على الاستمرار في انتظار ثمار دبلوماسية خوسيه مانويل ألباريس، فمع أنها سارعت إلى الطمأنة والجواب على المخاوف التي تبديها بعض الجهات السياسية من قدرات المغرب وإمكان تجاوزه لعتبة التوازن العسكري الاستراتيجي، فقد حاولت أن تجد طريقا للتدخل والتأثير في مقاربة خوسيه مانويل ألباريس، إذ تعكس الاستراتيجية الجديدة للأمن القومي التي تبنتها مدريد مؤخرا، والشروط التي تضمنتها، وانتقادها المباشر للمغرب، وحديثها عن «التعاون المخلص» وعن ضرورة احترام حدود إسبانيا (تقصد سبتة ومليلية). تعكس هذه الاستراتيجية المفردات الجديدة التي فرضت على الدبلوماسية الإسبانية، والقيود التي كبلت بها مدريد جهود خوسيه مانويل ألباريس لإصلاح العلاقة مع الرباط.

المفارقة أنه عقب المصادقة على هذه الاستراتيجية الأمنية، والتي بدون شك، قد أزعجت الرباط، جاءت تصريحات العاهل الإسباني فيليبي السادس مجارية للغة خوسيه مانويل ألباريس، تؤكد على تمسك بلاده بمتانة العلاقات الدبلوماسية بين مدريد والرباط من أجل تجاوز الخلاف السياسي الحالي، وعلى أهمية إعادة تحديد العلاقة القائمة بين البلدين على «أسس أكثر قوة ومتانة» محاولا في هذه التصريحات الإشارة إلى موضوع الخلاف، أي الصحراء، وذلك من خلال التأكيد على تشبث إسبانيا بموقفها في هذا النزاع المتمثل في دعم الحوار الأممي بين الرباط والبوليساريو، ثم جاءت تصريحات جديدة لرئيس الوزراء الإسباني بيدرو سانشيز إثر زيارته للإمارات، تعتبر العلاقات مع المغرب إيجابية، ويشير فيها إلى تطلع بلاده لاستمرار التعاون الثنائي بين البلدين.

تفسير هذه المفارقة يصعب التماسه في التطورات والمؤشرات الجديدة، فالمواقف التفصيلية المتخذة من الطرفين، تؤشر على مسار جديد من التصعيد لا يكاد يتوقف، فمن جهة إسبانيا، هناك رسالتا احتجاج موجهة إلى السفارة المغربية، وهناك استراتيجية جديدة للأمن القومي، وحديث إلى المغرب بلغة أخرى تخالف مضمون التصريحات المطمئنة، بل هناك تصريحات أخرى لوزير الخارجية الإسباني، ينتقد مستوى تعاون المغرب في ملف الهجرة، ومن جهة المغرب، لم تتوقف المواقف السيادية المزعجة لإسبانيا، لاسيما ذات الطابع السياسي والاقتصادي والتجاري والاستراتيجي والعسكري.

سياسا، يمكن أن ندرج إنشاء مزارع تربية الأسماك قبالة الجزر الجعفرية، واستمرار إغلاق المعابر، واتهام إسبانيا بعدم احترام مطاراتها وموانئها للتدابير الصحية لمكافحة داء كورونا، والاستعاضة عن ميناء الجزيرة الخضراء، كميناء عبور للمغاربة المقيمين في الخارج العائدين إلى أرض الوطن في الصيف الماضي، بميناء «سيت» الفرنسي، هذا فضلا عن استدعاء السفيرة كريمة بنيعيش إلى الرباط، ثم إنهاء مهام مسؤولين كبار من فريقها في السفارة.

اقتصاديا وتجاريا، يمكن أن ندرج إغلاق المعابر، والإنهاء الكلي للتهريب من الثغرين المحتلين للداخل، وتعليق الرحلات البحرية للمسافرين، وتحويل الفنيدق إلى منطقة جذب تجاري لاستقبال عائدات التجارة التي كانت مزدهرة في سبتة.

استراتيجيا، أصبح موضوع الشراكة مع إسبانيا مقتصرا فقط على البعد لأمني، ولم يعد له أي مضمون سياسي أو اقتصادي أو تجاري، فقد توجه المغرب إلى شركاء آخرين، وأضحت إسبانيا الشريك الأضعف، الذي فقد مكتسبات كبيرة راكمها في عهد حكومة مروان راخوي.

أما عسكريا، فتنظر إسبانيا بقلق شديد لمنهجية المغرب في التسلح، وتوجهه إلى تطوير قدراته العسكرية، بإدخال تقنيات تكنولوجية جد متطورة تحسم حروب القرن الواحد والعشرين، كما تتحسس كل مسعى مغربي إلى إقامة قواعد عسكرية في المناطق المتاخمة للثغور المحتلة، سواء تعلق الأمر بالناضور المتاخمة لمليلية، أو بالداخلة المتاخمة للجزر الجعفرية، بل وتتحسس أيضا من تطور علاقات المغرب العسكرية وحلفائه من الكبار، وتنظر إلى ذلك باعتباره تهديدا لمصالح إسبانيا العليا، وإخلالا بقواعد التوازن الاستراتيجي والعسكري في المنطقة.

واضح أن هناك خلافا عميقا داخل نخب الحكم في إسبانيا، فبينما تميل الخارجية الإسبانية إلى تعديل موقفها من الصحراء، تحت مسمى نسج علاقات القرن الواحد والعشرين، في إشارة منها إلى ضرورة إحداث القطيعة مع البراديغم التقليدي في إدارة العلاقة مع الرباط، تنظر النخب الأمنية والعسكرية إلى الموضوع بشكل مختلف، فهي ترى أن ورقة سبتة ومليلية التي يستعملها المغرب، لا يقصد بها فقط الضغط على إسبانيا لتغيير موقفها من الصحراء، بل هي ورقة مزدوجة، تحقق هذا الهدف، وتحقق الهدف الأصلي أي إنهاء الاحتلال الإسباني لهما، ولذلك، تضع الخارجية الإسبانية في مأزق، حين تجبرها ـ باسم اعتبارات الأمن القومي- على تشغيل أوراق مقابلة ضد المغرب (الهجرة، الغاز الجزائري، التعاون المخلص، احترام حدود إسبانيا، الصحراء..) فيكون رد فعل المغرب مزيدا من المواقف التي تندرج في سياق التصعيد.

 

لا ينتظر في المدى القريب أن تعرف العلاقات الإسبانية المغربية أي تطور إيجابي، ليس بسبب المغرب ومقاربته الجديدة فإسبانيا تعرف أن المغرب لم يغير أسلوبه، فقد أعلمته الرباط أن مغرب الأمس ليس هو مغرب اليوم، ولكن بسبب القيود التي وضعتها النخب العسكرية والأمنية على الدبلوماسية الإسبانية، ومنعتها من أن تخط طريقها من أجل تصحيح العلاقة وإعادتها إلى طبيعتها.


عدد التعليقات (1 تعليق)

1

مغربي

السياسة

إسبانيا غير صادقة في سعيها لإعادة المياه لمجاريها. تستقبل إبن بطوش في مستشفياتها و تكرم وزيرة خارجيتها (بطلة مسلسل إبن بطوش). هي تعتذر تارة و تارة تثور لكبريائها و نظرتها العلوية و خيلاؤها لا يفارقانها.

2022/02/04 - 11:09
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

*
*
*
ملحوظة
  • التعليقات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
  • من شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات
المقالات الأكثر مشاهدة